في ظل عدم وجود لجنة استئنافات تقدم القضاة بطعن لدى الدائرة المختصة بالمحكمة العليا لإلغاء قرار اللجنة وإعادتهم للعمل. رغم عدم تشكيل لجنة الاستئنافات، وبالتالي عدم القدرة على تقديم استئنافات أمام لجنة غير موجودة، فإن المحكمة العليا قبلت الطعون واستندت إلى المادة ٥/٤ من قانون القضاء الإداري ٢٠٠٥ تعديل ٢٠١٧، الذي يجعل امتناع الجهة المخول لها إصدار قرار فيه عن إصداره (قراراً سلبياً بالإمتناع) وبالتالي يجوز الطعن فيه قضاء. رغم أن لجنة الاستئنافات لم تتشكل اساساً لتمتنع او لا تمتنع. لم تكتف المحكمة بذلك بل استندت إلى الزمن مرة أخرى وقالت بأن تاخر تشكيل لجنة الاستئنافات وتاخر تشكيل الدائرة القضائية المختصة لم يكن للطاعنين فيه يد ولم ينسب لهم تأخير مما جعل المحكمة ترى عدالة النظر في الطعن واعتبرت ان عدم وجود نص يحدد مدة زمنية للجنة الاستئنافات قصورا تشريعياً. ثم قضت أخيراً ببطلان قرارات لجنة التفكيك التي تقضي بإنهاء عمل القضاة. كملاحظة جانبية: كانت لغة الحكم عدائية جداً ضد المحامين الذين مثلوا لجنة التفكيك وحاول الحكم بشتى الطرق إظهار أخطائهم اللغوية وغير اللغوية، مما يشي بأنه كتب بنفس حار غاضب لا يستقيم والهدأة المطلوبة في الأحكام القضائية. أما من ناحية قانونية، فنجد أن الحكم حاول باستمرار التاكيد على وجود لجنة استئنافات وانها تأخرت في الفصل في الطعون المقدمة إليها رغم أنه في الواقع لم تتشكل لجنة الاستئنافات اساساً ولم يحدد القانون زمناً لتفصل في الطلبات وهي آلاف الطلبات. وعلى هذا لم يجد حكم الدائرة في المحكمة العليا من سبيل لنظر الدعوى إلا عبر استخدام الزمن الذي يمضي ضاراً بالقضاة. ونحن لا نعرف ما العجلة التي تعطي المحكمة الاختصاص القضائي للنظر في الطعون؟ فالحقيقة أن المحكمة إستندت فقط للاستعجال (مضي زمن طويل)، لتعطي نفسها اختصاص الفصل في تلك الطعون. ولو كان الزمن أو العجلة يجيزان ذلك، فهناك آلاف من الحالات الأخرى لم تحصل على قرارات نهائية من لجنة الاستئنافات التي تشكلت بعد صدور حكم المحكمة (المستعجل) لكن الأخيرة قفلت الباب أمام حالات الاستعجال الأخرى بعد أن أوفت نذرها برد أبنائها إلى وظائفهم. فهل كان ذلك الاختصاص منها مشروعاً من ناحية قانونية؟ في الواقع نرى أن المحكمة نصبت نفسها هنا قضاءً مستعجلاً، وهذا هو التكييف الصحيح لحكمها، لكنها لم تلتزم بشرطي القضاء المستعجل، فالقضاء المستعجل فيه شرطان: الأول: الخشية من فوات الوقت. الثاني: عدم المساس بأصل الحق. لكن المحكمة في حكمها لم تلتزم بأي من الشرطين، ذلك أن القضاة ما كانوا ليتضرروا أضراراً بليغة لو انتظروا تشكيل لجنة الاستئناف، فليس لديهم ما يخشون تفويته (لا ضياع كسب ولا تحمل خسارة). ولا ادل على ذلك من أنه بالفعل وبعد بضعة أسابيع فقط تم تشكيل لجنة الاستئنافات. ووقعت المحكمة في ورطة كبيرة، إذا أنها بدأت تتلقى طلبات أشخاص آخرين، وهي لا تستطيع بالطبع أن تقول بأنها ليست مختصة لأن معيار قبولها كان معياراً زمنياً (حالة الاستعجال) وهي متوفرة عند الجميع بغض النظر عن تشكيل أو عدم تشكيل لجنة الاستئنافات. الشرط الثاني: هو عدم المساس بأصل الحق، فالمحكمة حينما تمارس دورها كقضاء مستعجل لا يجوز لها أن تفصل في أصل الحق، فمثلاً: يجوز للمحكمة أن تقضي بنفقة مستعجلة للطفل ولكن لا تقضي في دعوى النفقة برمتها، مثال أكثر وضوحاً: تستطيع المحكمة أن تقضي بالحجز التحفظي على عقار متنازع عليه، حتى تمنع أياً من الخصمين من بيعه أو التصرف فيه بأي شكل من اشكال التصرف، لكنها لا تستطيع أن تقضي قضاء مستعجلاً بعدم أحقية احد الخصمين في ملكية العقار، لأن هذا هو أصل الحق المتنازع عليه والذي يجب أن يخصع لإجراءات التقاضي العادية. وعليه؛ لقد نصبت الدائرة القضائية من نفسها قضاءً مستعجلاً وهي لا تملك ذلك بأي حال من الأحوال، ثم أنها، فوق هذا كله قامت بالفصل في أصل الحق المتنازع عليه، وكل هذه المخالفات غير المبررة قانوناً جاءت بدوافع تحرف الدائرة عن صحيح القانون. وبما أن المحكمة لم تكن مختصة، وبما أنها أسندت لنفسها اختصاصاً مستعجلاً ليس من اختصاصتها، وبما أنها لم تلتزم حتى بشروط الاستعجال الذي يبرر لها التدخل، فإنها تكون قد انتهكت العديد من المبادئ والقواعد الدستورية؛ ومن أهمها: ١- مبدأ الفصل بين السلطات. إذ أن المحكمة انتزعت سلطات مقررة لجهة أخرى ومنحتها لنفسها بغير وجه حق. ٢- اعتدت الدائرة على سلطة لجنة الاستئنافات وهي سلطة تنفيذية. ٣- اعتدت الدائرة على سلطة التشريع، إذ أنها استنت تشريعاً لم يرد به نص في أي قانون آخر. وأعتقد أنه حتى لو عادت المحكمة الدستورية إلى العمل، فإنه لا أحد سيطعن بعدم دستورية حكمها هذا، إذ ستنتفي المصلحة المشروطة لقبول الطعون الدستورية. لكنني هنا أنبه دائرة المحكمة بأنها ما دامت قد استخدمت معيار (العجلة) الزمني، فعليها إذاً معاملة جميع أصحاب القضايا الآخرين بالمثل كما عاملت أبنائها القصاة، وأن تلغي قرار رفض طلبات الطعن في قرارات لجنة التمكين التي تتأخر أو تمتنع لجنة الاستئنافات عن قبولها. هذا وإلا فستعد أحكام المحكمة أحكاماً انتقائية، تعطي من تريد وتمنع عن من تريد..وليس هذا من العدالة في شيء، فالناس أمام القانون....سواء.. أو هكذا نحسب.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/21/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة