وليست أخطر بشائع الجيش السوداني تلك التي تمارس على الحشود المدنية والقرى الآمنة والتصفيات الظاهرة والعلانية لبعض منسوبيه كما أوردنا في المقال السابق (4 – 10)، ولكن أخطرها – على الإطلاق - تلك التي تمت بتخطيط وتدابير مسبقة، حيث قام الجيش بتنفيذ إعدامات سياسية جماعية في أكثر من مرة، خاصة في واو وجوبا وكادوقلي فضلا عن الإعدامات السياسية الفردية والإنتهاكات غير المحصية. ومن خلال تسليط الضوء على جزء غير متداول من كبريات جرائم وعظائم الجيش السوداني التي أقدم عليها في فترات مختلفة طوال تاريخه بعد مجزرة جودة "الشوش" والتي تعد أول مجزرة أقدمت عليها القوات النظامية بدايات ١٩٥٦م. مذبحة واو المعروفة بـ "ضرب البيت" في مدينة واو والتي قتل خلالها أكثر من ٩٠٪ من موظفي الحكومة دفن بعضهم أحياء، وأيضا مجزرة جوبا ١٩٩٢م حيث قامت الإستخبارات العسكرية بإعدامات وعمليات تعذيب طالت معظم الضباط الجنوبيين والعديد من المسئولين الحكوميين، هذا إضافة إلى حادثة قصف الجزيرة أبا ١٩٧٠م و مجازر كادوقلي ١٩٨٩م – ٢٠١١م على يد الإستخبارات العسكرية و النيل الأزرق أيضا، علاوة على عمليات حرق المحاصيل الزراعية وهي جرائم الحرب التي لم يوثقها المتابعين و المهتمين بالأمر السوداني لتركيزهم على هول الحروبات التي غالبا ما يستخدم فيها الجيش مواطنين يتم تجنيدهم إستنادا على التقاطعات و التعقيدات المجتمعية في السودان وهو ما ساهم بدرجة كبيرة جدا في تعزيز الكراهية وتقسيم المجتمع السوداني على أساس قبلي وإثني وديني وجهوي. ومن أبرز مجازر وبشائع الجيش السوداني المخططة مسبقا: عنبر جودة مجزرة عنبر جودة الشهيرة ١٩٥٦م حيث قتل الجيش السوداني مواطنين سودانيين بدم بارد، حيث إلا أنه لا يزال بعض الناجين يروون أبشع القصص بدءا من إشارة قائد القوة "الصول السماني" إيذانا بإطلاق النار على المزارعين بعد رفضهم فك الإضراب المطالب بحقوقهم التي تأخرت لحوالي ثلاثة سنوات، يليه إنتقام الجيش السوداني الذي قام بمداهمة المزارعين و عدد من العمال الزراعيين وحصار بعضهم في المساجد لحظة لحظات صلاة الصبح، لقتلهم بأبشع الطرق من خلال حبسهم في مخزن للمدخلات الزراعية بينها المبيدات الحشرية لتكون المحصلة أكثر من ٣٠٠ شخص أغلبهم ماتوا بالسموم والعطش فيما قتل بعضهم بالرصاص في ميدان الإضراب "كيلو٤" لحظة تعليمات الصول الذي هو الآخر لقي حتفه في الحال ضمن ستج آخرين من الشرطة مقابل أكثر من أربعين شخص من الأهالي. ومن القصص الأكثر إيلاما أنه حتى تاريخ اليوم يوجد من بين الناجون من الضحايا الذين لم يكونوا بين من أحرقوا في مخابئهم داخل أكوام الهشيم "شون ودكك القصب" أو سمموا في العنابر "عنبريي جودة"، لا يزال بعضهم يأمل في أن يلتقي أقرباءهم الذين شتتهم هجوم الجيش عليهم، فيما يذكر آخرون قصص منقولة إليهم عن أماكن فر اليها أقرباءهم الذين لم يلتقوهم مرة أخرى إلى اليوم. وجه الشبه بين مجزرة الجيش في جودة أواسط فبراير ١٩٥٦م والمجازر ينائر الجارية الآن في الخرطوم هو أن حادثة تفجير مخزن الذخيرة في كنانة تزامنا مع جرائم الجيش في جودة ومحاولة إلباس التهمة للمزارعين آنذاك لتبرير الحملة العسكرية، هو أقرب إلى سيناريو حادثة قتل العميد شرطة على بريمة حماد ١٣ يناير ٢٠٢٢م وحرق بعض أقسام الشرطة لإلصاق التهمة بالشباب الثائر اليوم وبالتالي تبرير القتل والقمع لإخماد الثورة.
مجزرة ساحة الشهداء وحرب التعريب الأولى مجزرة ساحة الشهداء ١٩٦٤م – حدائق الشهداء اليوم – في الخرطوم والتي قتل فيها عدد من المواطنين المتظاهرين الذين وصلوا إلى القصر كما يحدث اليوم في المظاهرات المستمرة أمام القصر منذ إنقلاب البرهان -عدا إعتصام المولاة في الفترة من ١٦ - ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م الذي شكل الداعم الرئيسي للإنقلاب الأخير - حيث قتل العشرات حينها، فيما وثقت جريدة الأيام حينها حوالي ١٧٠ قتيل "وفقا للكاتب الكبير الأستاذ بكري الصائغ" الذي أيضا أورد في ذات المقال بعنون "في الذكري (٥٦) علي اول مجزرة قام بها الجيش بعد الاستقلال" وحشية حرب عبود ومجازر حكومته في الجنوب حيث قتل حينها فيما يقدر بحوالي ٥٠٠ ألف مواطن في الفترة من ١٩٥٨م – ١٩٦٤م وهو ما يبين أن الحرب التي قادها عبود في جنوب السودان كانت الأعنف على الأطلاق. ولكن ما هو أصعب على المواطن الجنوبي كانت سياسة الأسلمة والتعريب القسرية ضد الجنوبيين من خلال إجراءات واضحة إتبعتها الحكومة في الفترة من ١٩٥٨م وحتى سقوط عبود في ٢١ أكتوبر ١٩٦٤م. فقرارات وإجراءات سودنة البعثات التبشيرية التي عطلت العملية التعليمية تماما، كانت تعني صراحة مسألة إحلال اللغة العربية للإنجليزية السائدة في المدارس والمكاتب الحكومية ما قضى بإقصاء العديد من مواطني جنوب السودان الذين لا يجيدون العربية - من المدارس وفرص الحصول على وطائف عليا في الدولة – وكذلك ملاحقة طلاب المدارس الثانوية المسيحيين الذين إعترضوا على قرار الحكومة الخاص بإبدال عطلة الأحد بالجمعة في فبراير ١٩٦٠م ومحاكمتهم بالسجن لمدة وصلت إلى عشر سنوات كما في طلاب ثانوية رمبيك. ومع أن عملية التعريب تكثفت بدرجة كبيرة في حكومة عبود، إلا أنها إمتداد لسياسة وضعتها نخبة الخرطوم وطالب بها عضو وفد الخرطوم في مؤتمر جوبا ١٩٤٧م السيد عبدالرحمن على طه ليصبح لاحقا أول وزير تعليم سوداني ١٩٥٣م، وهي ذات السياسات التي ظلت - إلى اليوم - تبعد العديد من أبناء السودان من مواصلة المسيرة التعليمية في السودان وخصوصا بعد إعتماد اللغة العربية ضمن شروط النجاح في الشهادة الثانوية التي هي مدخل مؤسسات التعليم العليا.
مجزرة ضرب البيت "واو" حادثة "ضرب البيت" ١٩٦٥م، وهي عملية إعدام جماعي لغالبية الموظفين الحكوميين في مناسبة زواج التاجر الشهير السيد سيبريانو تسشير ريئان بواسطة هجوم شنته قوة من الإستخبارات العسكرية السودانية على المناسبة وقتل معظم الحضور بحجة أن البلد تحت قانون الطوارئ. وقتل في الحادث معظم الحضور الذين يمثلون في مجملهم أعيان المدينة من الموظفين والتجار الذين لبوا الدعوة عدا البعض الذين تمكنوا من الهرب عبر المرحاض "كما روى الناجي وقتها المرحوم شيخ فؤاد ريتشارد". وكان من بين القتلى ضمن آخرين الدكتور بابيتي أكول، دكتور جوزيف داني، التاجر خضر عضو إتحاد الكرة "دارفور". فيما تم نقل عدد ستة من المصابين سرا إلى منزل المساعد طبي بونس بنداس حيث قام بالعمليات الجراحية للمصابين الدكتور بنايا. ولا يزال الرأي العام حول تلك المذبحة بأنها كان مخطط لها بصورة محكمة من قبل الإستخبارات العسكرية حيث يعتقد البعض أنها ساهمت في حشد المسئولين الحكوميين لمكان الحدث.
تصفية حزب سانو بقيادة وليم دينق إغتيال قادة حزب الإتحاد الوطني السوداني "سانو" الذين كانوا في طريقهم من رمبيك إلى واو خلال كمين نصبه الجيش السوداني بين رمبيك-شويبيت بما يعرف اليوم بـ "كبري وليم" في مايو ١٩٦٨م، وجاءت التصفية مباشرة بعد الفوز الساحق الذي حققه رئيس الحزب السيد وليم دينق نيال في الانتخابات. وكان من بين القتلى رئيس الحزب السيد وليم دينق نيال والمهندس الكيلاني "جبال النوبة" وآخرين. حيث تعتبر عملية تصفية سانو والسيد وليم دينق تحديدا جريمة سياسية بإمتياز ووقعت في عهد ما يعرف بالديمقراطية الثانية ورئيس الوزراء حينها السيد محمد أحمد المحجوب، ليست مجرد حادثة إغتيال لزعيم سياسي، وإنما عملية إغتيال للثقة والروح الوطنية التي أولاها السيد وليم دينق ورفاقه لقوى الخرطوم ظنا منهم أنه بالإمكان ممارسة عمل سياسي سلمي على خلاف جناح سانو بالخارج والذي يرى إستحالة الإتحاد مع هذه القوى والسودان عموما. فعملية تصفية حزب سانو هي في الأساس تعتبر حجر الزاوية في تقسيم السودان بإعتباره الحزب الوحيد – على إمتداد السودان - الذي كان ينادي ببناء سودان موحد على خلاف سانو بالخارج بقيادج السيد أقري جادين والجبهة الجنوبية بقيادة سانتلاوس باسياما من جهة، وقوى الخرطوم التي تشترط التعريب لقيام دولة موحدة في السودان من جهة أخرى.
مجزرة "هنا كادوقلي" صفّت الإستخبارات العسكرية السودانية أكثر من ٢٧ مواطنا معظمهم من المعلمين والعاملين بالخدمة العامة في مدينة كادوقلي في العام ١٩٨٩م إبان ما يعرف بالديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي فيما كان يتولى حاكم جنوب كردفان آنذاك السيد عبدالرسول النور. وقد تم قتل أؤلئك المعلمين والموظفين بتهمة التعاون مع التمرد "تحت مسمى هنا كادوقلي" دون عرضهم لأي محاكمة مباشرة بعد معارك شديدة بين قوات الحركة الشعبية والجيش السوداني ومليشياته جنوب المدينة. وكان من بين الضحايا عدد من المعلمين منهم الأساتذة برير خليفة بخيت "إبتدائي"، أبوزيد شلال "إبتدائي"، عصمت حسن خيرالسيد "ثانوي"، محمد المدني "ثانوي"، التجاني محمد شكرالله "مساعد طبي" محمد نوار أسد "مساعد طبي"، عمر إبراهيم كنو "مختبري"، حمدان "محامي"، عمر فضل الله "عضو مجلس تشريعي" وآخرين تجاوز عددهم الثلاثين شخص. بعض من شاركوا في العملية من الإستخبارات أفادوا بأن التهمة كانت قد تأسست على بلاغ يفيد بأنه قد عثر على خطاب وجد ملقيا في بيت أحد أمراء قبائل كادوقلي يحوي تهديد للأمير في محاولة لثنيه عن موقفه الداعم لتسليح المراحيل لمحاربة النوبة. وتظهر هذه الحادثة كأنها صورة طبق الأصل لمذبحة واو، حيث أنها وقعت في ظل الحكم المدني بقيادة الصادق المهدي، كما أنها تركزت على تصفية المتعلمين وأعيان البلد. يذكر أن السيد عبدالرسول النور حاكم الإقليم كان قد أفاد بأنه قاد حملة تجييش وتسليح وإستنفار المواطنين في كادوقلي في أواخر مارس - أبريل ١٩٨٩م التي سبقت المجزرة المعنية، وهي كانت بمثابة إمتداد لعملية تسليح المراحيل التي بدأها حزب الأمة والجيش في العام ١٩٨٧م بقيادة وزير دفاعه اللواء فضل برمة ناصر رئيس حزب الأمة الحالي.
مجزرة وادي صالح بعد تقدم الجيش الشعبي إلى دارفور في العام ١٩٩١م بقيادة السيد داؤود يحيى بولاد الذي تمت تصفيته في يناير ١٩٩٢م بعد اعتقاله "سليما" وإخفاء مكان مقبرته كما حدث لضباط إنقلاب ٢٨ رمضان في الخرطوم لذات العام. جاءت الحملة العسكرية الحكومية معدة وفقا للقاء التنويري الذي أجراه حينها الرئيس عمر البشير ونائبه اللواء الزبير محمد صالح لقادة الجيش - رتبتي العقيد والعميد - عن تقدم الجيش الشعبي نحو دارفور، حيث أفاد مصدر عسكري رفيع - بالجيش - أن التعليمات التي أصدرها البشير في اللقاء كانت هي حرق جميع القرى التي تلي مدينة كاس غربا إلى الحدود التشادية "ما داير أي حلة بعد كاس لى تشاد". وبالفعل تم تجييش المليشيات التي قامت ببعض المهمة ليحصل بعضهم إلى إسم "الفرسان" وتغيير إسم منطقتهم إلى "عد الفرسان بدلا من عد الغنم". وكانت العمليات بقيادة العميد بكري عمر خليفة قائد منطقة الجنينة العسكرية وتحت إشراف اللواء سمير الذي تمركز وقتها بفرقة من الجيش في منطقة دليج. بعد تصفية بولاد - التي يتهم فيها الجيش ضباط ينتمون لجهاز الأمن والمخابرات وقيادات إسلامية بارزة - عملت الإستخبارات العسكرية للجيش السوداني على إصطياد عدد من المواطنين وإعقتال بعضهم وتعذيبهم وتصفيتهم بوحشية منقطعة النظير إلى درجة الإخصاء وبتر الأطراف خصوصا بعض مواطني منطقة دليج وقرى كيرتينق وفورقو، ومن أبرز ضحاياهم السيد عيسى النور وأبكر ضمن أخرين. يذكر أن محافظ منطقة وادي صالح، العقيد محمد علي عبدالله، قد جمع أعيان الفور في المنطقة بقيادة جعفر عبدالحكم و خيّرهم ما بين دعم الحكومة ضد بولاد أو التعامل معهم على أنهم متمردون، الأمر الذي أكده الفريق حسان عبدالرحمن رئيس هيئة أركان الجيش الذي وصل المنطقة بعد ٤٨ ساعة من القبض على بولاد - وأخذه إلى غارسيلا - مخاطبا بعض الأعيان بلغة ملئها التهديد بالقول "المنطقة دي بالنسبة لينا نقطة سودا، و لو ما قبضتوا على بولاد كنا ح نمسحكم تماما". وهنا تجدر الإشارة إلى أن بولاد تم القبض عليه بعد أن وشى به أحد شباب المنطقة الذي إلتقاه بولاد في منطقة وادي كوروسوني بالقرب من قرية قينجو، وائتمنه بولاد ليساعده على لقاء الشرتاي أرباب رزق في دليج، ثم قام – الشاب - بتبليغ الجيش بعد أن خبأ بولاد في منزله حيث خاطبه بولاد لحظة القبض عليه بالقول "خذلتني يا مصطفى". ومن المصادفة أن كل من السيد داوود يحيى بولاد والسلطان علي دينار لقيا حتفهما في نفس المنطقة على أيدي قوات ارتبط تاريخها ببعضها.
جوبا ١٩٩٢م مجزرة جوبا أعقاب أحداث ٧/٧/١٩٩٢م، كانت من أبشع المجازر التي إرتكبها الجيش السوداني، حيث حولت تلك المجزرة مدينة جوبا إلى مدينة رعب حقيقي بعد أن قامت الإستخبارات العسكرية بتصفية العديد من منسوبي الجيش والشرطة السودانية وموظفين بالخدمة المدنية، مات أغلبهم بعد إختفاء وتعذيب عنيف، فيما فقد العديد ممن أفلتتهم آلت الموت حينها أطرافهم ورجولتهم أو أصابعهم على أقل تقدير. وكان أغلب الضحايا من الضباط والمسئولين الحكوميين، منهم إيفيلينو مودي / أموسا لاكو / بنانسيو جمعة لاكو / أركانجلو يوقو فليمون / الضابط لازاروس تاديو ماني / تعبان مارك / إستيفن دانيال لادوكو / أركانجلو بيتيا لادو / دانيال أقويي يونا / لينو لادو كاميلو / نقيب إدوارد واني ديري / الضابط رافائيل لاكو / ويلسون سمتايمز وآخرين. ويلاحظ من خلال المذابح أعلاه وكأنما الجيش السوداني يستهدف المتعلمين من أبناء هذه المناطق بغض النظر عن إنتمائهم السياسي، وهو ما يمكن قراءته على أنها حرب ضد هذه المجتمعات أكثر من كونها مجرد إجراءات أمنية عسكرية مهنية يتم تطبيقها أو ممارساتها، كما أنها تشرح عقيدة الجيش السوداني المتحيزة ضد أبناء هذه المناطق، كما تبين في الوقت ذاته سلوك الأجهزة الأمنية في السودان وكيفية إستغلال الظروف الأمنية لمواصلة حربها السياسية ضد هذه المجتمعات، وهذا بالضبط ما قام به الفريق صلاح قوش مدير أمن جهاز نظام البشير مطلع حراك ديسمبر ٢٠١٨م، حيث أنه أعلن عن قوة متمردة تتبع لحركة تحرير السودان تشيع الفوضى في السودان بمعاونة إسرائيل ومن ثم قيامه بحملة قتل خلالها طلاب دارفور العزل في كل من سنار و الخرطوم بالرغم من أن إعلانه كان در فعل على أحداث عطبرة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م، أي في الإسبوع الثاني لبداية الحراك الذي أدى لإزاحة البشير عن السلطة في ١١ أبريل ٢٠١٩م.
إحتلال أبيي مايو ٢٠١١م حرق منطقة أبيي في ٢٠ مايو ٢٠١١م حيث إقتحمت قوات الجيش السوداني المنطقة بأكثر من ١٥ دبابة محمية بالسلاح الجوي الذي قصف كبري المنطقة بالدرجة الأولى قبل قصف بقية المدينة. ووثقت بعثة الأمم المتحدة عمليات نهب واسعة شملت أصول حكومة إدارية أبيي من قبل الجيش السوداني أعقبها حريق للمنطقة. كما أن إعلان وزير الدفاع الحكومي حينها الفريق عبدالرحيم محمد حسين بعدم تراجع الجيش عن منطقة أبيي، ومطالبة وزير الدولة برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر بضرورة التوصل إلى ترتيبات جديدة حول أبيي بخلاف ما هو متفق عليه في نيفاشا ٢٠٠٥م يظهر بوضوح أن حرق منطقة أبيي كان قرارا سياسيا يؤكد تراجع الحكومة السودانية عن برتكول أبيي و مؤشر واضح لتكرار ذات السيناريو في منطقتي جنوب كردفان و النيل في الأزرق لاحقا كما حدث في ٦/٦ – ١/٩ / ٢٠١١م على التوالي.
مجازر كادوقلي والدمازين ٢٠١١م في مجازر كادوقلي ٦ يونيو ٢٠١١م قتلت القوات الحكومية كل من وقع من المواطنين في مرمى بندقها بغض النظر عن إنتماءهم طالما أنهم نوبة أو زرقة. ومن أغرب أسباب إصطياد الناس في أحداث كادوقلي أنه كان بسبب إرتداءهم للزي الإفريقي "المعروف في السودان بالكنغولي" وكذلك قمصان الانتخابات التي كانت عليها صورة القائد عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال إضافة إلى كل من كان يستخدم الهاتف في الطريق بإعتبار أنه يخابر الجيش الشعبي أو ينقل ما يحدث من مجازر على أرض الواقع. بجانب قتل المئات من الناس بدم بارد بعد تجميعهم في مقرات الجيش والدفاع الشعبي والشرطة الأمنية ومن ثم أخذهم إلى منطقة خور العفن أو أي مكان آخر وقتلهم. بينهم من أطلق عليه النار أمام أعين الناس بمقر الشرطة الأمنية. أيضا لقد تم هدم العديد من المنازل وتخريب ممتلكات لمتهمين أو منسوبين على الحركة الشعبية-شمال. ونفس الأحداث كانت قد تكررت في مدينة الدمازين مطلع سبتمبر ٢٠١١م بعد الهجوم على الحركة الشعبية ومنسوبيها وتدمير كل ما يخصها في مناطق سيطرة الجيش السوداني بالنيل الأزرق.
مجازر دارفور ساهم إنفتاح التكنولوجيا تزامنا مع إندلاع الحرب في دارفور -خصوصا في الفترة بعد ٢٠٠٢م- في توثيق عدد مهوّل من الجرائم التي قام بها الجيش السوداني والقوات التابعة له من الجنجويد وجهاز الأمن. قام الجيش السوداني بحرق آلاف القرى عبر طيرانه الحربي ومليشياته حيث قتلت هذه القوات ما يزيد عن ٣٠٠ ألف مواطن (في الفترة ما بين ٢٠٠٣م – ٢٠٠٨م) حسب تقديرات الأمم المتحدة وقد جاءت الحملات العسكرية ضد القرى الآمنة تحت عمليات الجيش السوداني المعروفة بـ "تجفيف منابع التمرد" وهي ذات الحملات التي إتبعها الجيش في حربه ضد المناطق الأخرى. بينما تواصلت المجازر إلى اليوم بينها التعدي على معسكرات النازحين في الجنينة حاضرة غرب دارفور في الفترة ما بعد سقوط البشير أبريل ٢٠١٩م، فيما لا تزال الإعتداءات جارية إلى الآن على مواطني جبل مون ومناطق غرب الفاشر حاضرة شمال دارفور. وهنا لا بد من الإشارة إلى العديد من أبناء دارفور الذين تم إستهدافهم وقتلهم في مناطق بينهم طلاب الجامعات كما حدث في طلاب جامعة الجزيرة التي تم إغراقهم في إحدى الترع بالجزيرة ٢٠١٢م و آخرين تم إستهدافهم عقب مناطق هجوم حركة العدل والمساواة على مدينة أم درمان عبر عمليتها المسمى بـ "الذراع الطويل" في ١٠ مايو ٢٠٠٨م.
إفقار وحصار المواطنين الملاحظ أيضا، أن أكثر من ٩٠٪ من عمليات الجيش السوداني العسكرية تجرى في مواسم الحصاد، أي في الفترات ما بعد فصول الخريف - تبدأ من الدرت - في كل عام من أعوام الحرب، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الحديث المستمر عن الصيف الحاسم أوصيف العبور، وهو توقيت يعني بالدرجة الأولى إستهداف المحاصيل والمنتوجات الزراعية وإعاقة مواسم الحصاد، فيما يتم قصف المزارع البعيدة في المناطق خارج إطار سيطرة القوات الحكومية. مثلا على سبيل المثال، ظلت الحكومة السودانية طوال تاريخها تمنع المواطنين في مناطق حربها من الذهاب إلى مزارعهم أو التعامل معهم كمتمردين وبالتالي إعتقالهم، تعذيبهم وتصفيتهم أو دون ذلك الخنوع والعوز والفقر الممنهج، فيما تقوم في بواكير المواسم الزراعية حيث عادة ما تقل العمليات العسكرية على إجبار المواطنين بأخذ أذونات يومية وتسجيل الحضور عبر بوابات تابعة لجيشها، ليحصدوا في نهاية الأمر الرماد. كذلك عمد الجيش السوداني طوال حربه في جميع جبهات قتاله ضد مواطني السودان على فرض حصار على هذه المناطق من خلال منع الأهالي من أخذ مواد تموينية كافية إلى قراهم، بحيث لا يسمح للشاحنات التي تستجلب الفواكه من جبل مرة مثلا بأخذ أي وقود إحتياطي أو أي مواد تموينية أخرى، مع الحرص على ذهابها فارغة تماما. وكذا الحال في جبال النوبة وغيرها. وهناك قصص غير نهائية عن مصادرة البضائع والتموين، بحيث لا يسمح لمواطن الجبال بأخذ كمية لا تتجاوز ٣ كيلوجرام من السكر إلى منطقة لا يستطيع سكانها القدوم إلى السوق بصورة دورية، وخصوصا مع الإجراءات الإستخباراتية التي تعمل على التحقيقات والإلزام أو الإجبار للتخابر لمصلحة الجيش. كل هذه الجرائم وغيرها لم تكن مخفية تماما عن القوى السياسية وخصوصا الجرائم السياسية لأن بعض منسوبي الجيش الضالعين فيها هم أنفسهم قيادات ببعض القوى السياسية كما أن بعض الجرائم وقعت أثناء فترات الحكم المدني. وما يدعو للإستغراب في مواقف قوى الخرطوم تجاه هذه الجرائم هي أنها ترى أنها مجرد إجراءات أمنية عسكرية عادية يقوم بها الجيش نيابة عنها تجاه من تختلف معهم سياسيا، وهنا لا يرتقي الجيش السوداني لأن يكون أكثر من مجرد الجناح المسلح لقوى الخرطوم مقابل قوى المقاومة المسلحة المختلفة كما أنها - قوى الخرطوم - مجرد أحزاب مسلحة بالجيش. وفي هذه الحالة يمكن أن تفسر رغبة الجيش في السيطرة على السلطة بأنها قد طرأت من ذات الحيثيات التي جعلت من الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) و أخيه عبدالرحيم حمدان دقلو في قيادة مليشيات الجنجويد "الدعم السريع حاليا" يرغبان في قيادة الدولة بعد معرفتهم الدقيقة بنوعية وطبيعة الأشخاص الذين يتولون زمام أمرها السياسي مثل عمر البشير و بكري حسن صالح وغيرهم في حال نظر الجنجويد، أو المحجوب والصادق المهدي و الميرغني وعبدالخالق وغيرهم في حال نظر الجيش، حيث يتشارك الجميع مشروع طمس الهوية الإفريقية لمصلحة قيام دولة عربية في السودان، فيما يظهر أن القاعدة المشتركة في كل حالة "يمكنني القيام بكل ما يقوم به من هو أقل قوة مني" وهو الذي يجعل قادة الجيش يرتجفون أمام الجنجويد الآن.
يتواصل..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/24/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة