سوف أحاول تشخيص بعض أوجه قصور جميع أطراف الإتفاقية من جهة ومن جهة أخرى ارتباطها مع المتغيرات السياسية في السودان والهشاشة الأمنية في دارفور خاصة اننا على مشارف نهاية الربع الأول من العام الثاني لإتفاق جوبا لسلام السودان حيث لم يتم تنفيذ أكثر من 0.8% من الإتفاقية والتي تنحصر على وظائف مجلسي الوزراء والسيادي. لنكن واقعيين وصادقين يجب أن نبدأ بإنتقاد أنفسنا ومنظوماتنا قبل توجيه سهام النقد إلى الأطراف الأخرى وهنا لابد للعودة إلى ما تم إنجازه من قبل حركات الكفاح المسلح وخاصة مسار دارفور خلال فترة الإتفاقية حيث نجد أن بوادر التشطي في مسار دارفور بدأت تطفو إلى السطح حتى قُبيل توقيع الإتفاقية مما ألقى بظلاله على صعوبة العمل بشراكة فعالة ضمن المسار لتنفيذ الإتفاقية وبدوره جعل كل تنظيم يبحث عن تحالفات جديدة مع قوى سياسية ومجتمعية بعيدا" عن المسار الذي أُهمل عن قصد حيث يعمل أي حركة من أجل إثبات نفسه وتسويق موقفه للظهور على هيئة أنه الممثل الأبرز للمسار دون غيره وبالتالي يحق له أن يحظى بنصيب الأسد من مستحقات السلام وهو ما يمكن تسميته بأطماع السلطة ولكن الطمع الزائد والتنافس غير الشريف قد ينسف مجمل الإتفاقية بجانب أنها تسهم في توسعة رقعة العداء بين تنظيمات المسار. والملاحظ كذلك غياب اجتماعات المسار مما أدى بدوره إلى غياب عنصر مهم هو تشكيل كتلة موحدة للضغط على الجانب الحكومي لتنفيذ الإتفاقية لاسيما البنود المتعلقة بالمسار وظهر ذلك من خلال عدم الإلتزام بالجداول الزمنية وفق ما جاءت في الإتفاقية وفي المقابل ركزت كل حركة في اتجاه توظيف أفرادها الموالين للرؤساء وتمكينهم في دولاب الدولة على حساب القضايا الكبرى مثل قضايا الأمن ، عودة النازحين واللاجئين ، التنمية ، معالجة إختلالات السلطة والثروة ، قضايا الأرض والحواكير الصلح والمصالحات و...الخ. وهو خطأ ارتكبته قحط 1 خلال العامين الماضيين ويجب ألا يتكرر. غياب الجانب الجماعي والتضامني في المسار والإنجرار نحو البرهان وحميدتي قد يخلق بعض التوازنات والإمتيازات المؤقتة للتنظيمات على مستويات الحكم والثروة لكنها إمتيازات لن تدوم طويلا" والأسوء ان هذه التحالفات تأتي على حساب تنفيذ الإتفاقية وفي حال تشكلت تنظيمات المسار في كتلة واحدة للضغط سوف ينفذ الجزء الأكبر من الاتفاقية إن لم تكن كلها وسوف يتحقق الأمن في دارفور ويتحقق السلم الإجتماعي في شرق السودان بشريطة إجراء معالجة توافقية بين طرفي الصراع في الشرق المتمثلة في مسار الشرق ومجلس نظارات البجا لكن كل منا يريد ملء قربته الخاصة بدل ملء الخزان الكبير. في رأيي على تنظيمات مسار دارفور أن تفعل منصة المسار وتتفق تحت مطلب واحد هو تنفيذ الإتفاقية وتُوحد معها باقي تنظيمات الجبهتين الثوريتين لإحداث ضغط من أجل تنفيذ الإتفاقية لأن بإنتظامها في كتلة واحدة سوف تشكل ثقل سياسي وجماهيري تستطيع بها قلب الموازين السياسية بالبلاد بطريقة تدعم تنفيذ الإتفاقية. كذلك على فئة الشباب في الحركات أن تمتلك جرأة أكثر للخروج من عباءة رؤساء التنظيمات لأن من الملاحظ أن برامج هذه التنظيمات جلها مرتكزة حول الرئاسة وتحركاتها دون البرامج الأخرى لأنها تنظيمات مصممة على احتكار السلطات التنفيذية والمالية والقرارات اللازمة لتسيير التنظيمات في يد شخص أو أشخاص محددين ومبنية على نظرية الرجل العظيم المتحكم والآخرين مجرد yes Men وإذا نظرنا للهيكل الرئاسي للتنظيمات نجد أن معظمهم أشخاص من ذوي الإمكانيات المحدودة لكن هذه التنظيمات مصممة على اساس ان يتحكم فيه فرد حتى لو كان ضعيف المقدرات وطموحه لا يرتقي إلى حجم القضية على أن يكون خلفه أتباع متوسطين من حيث القدرات في كل مرة تفشل فيه تقديراتهم يدفع الإقليم ثمنا" باهظا". وهذه المسألة الأخيرة متجزرة حتى في معظم الأحزاب السياسية السودانية واحزاب البلدان التي تنتشر فيها المحسوبية والفساد السياسي والمالي. الشباب يمتلكون رؤى ومقدرات هائلة يمكنهم إحداث الكثير اذا تحلوا بالقليل من الإستقلالية والجرأة للخروج من النظام الأبوي وهو نظام مصمم بحيث يدافع عنه البعض دون أي تفكير او دراية والبعض الآخر يدافع عنه بدوافع الزبائنية السياسية وكلها مسائل لا تبني تنظيمات برامجية بل تبني تنظيمات هشة لا مستقبل طويل لها.
اما الجانب الحكومي(المجلس العسكري) حتى الآن لم يظهر منه ما يشير إلى الرغبة في تنفيذ الإتفاقية ولديه تكتيكات محددة للتعامل مع اطراف الإتفاقية وكسب الزمن للوصول إلى مرحلة التحكم في السلطة وفي نفس الوقت حرق هذه التنظيمات قبل الوصول إلى الإنتخابات إن كان هنالك انتخابات سوف تجرى أصلا". يرى البعض أن الحل للمعضلة الأمنية تكمن في الإسراع في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الإتفاقية لكن في تقديري لا يمكن إجراء ترتيبات أمنية حقيقية في ظل الوضع العسكري المضطرب الذي يعيشه السودان وبعض دول الجوار لكن أجدد ضرورة اتفاق تنظيمات المسار على حد أدنى بقية تنفيذ الإتفاقية واذا كان هنالك خيار حتمي غير ذلك ليكن الموقف واحد مع أن الجميع الآن لا يريد خيار غير السلام وشخصيا" احبذ خيار التمسك بالسلام حتى آخر رمق. كما أن أي قوات مشتركة سوف تتم تشكيلها سوف تسهم في تأخير إجراء الترتيبات الأمنية لأنها تأتي بديلة لها ولو بصورة مؤقتة. كذلك اي ترتيبات أمنية هشة سوف تسهم في تعقيد الوضع مجددا لذا الحل هو في إعادة هيكلة الجيش بصورة تضمن مشاركة الجميع ليصبح جيش قومي ومهني مع تسريح المليشيات .. شرط هيكلة الجيش وتسريح الملايش يصعب تحقيقها كلما تمكن قادتها في حكم الدولة حيث يقوى موقفهم السياسي والجيوسياسي. على العموم على حركات الكفاح المسلح مراجعة برامجها السياسية والإستراتيجية ومواقفها بجانب تقييم أداءها خلال الفترة الماضية والإجابة على سؤال ماذا تريد في المستقبل لأن القضية أكبر من مجرد وظائف وطموحات شخصية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أحمد حسين سكويا
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست