رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، كنت ذكرت في مقال تحت عنوان هل يفعلها رئيس الوزراء الصومالي؟ نشر بتاريخ ٣ مايو ٢٠٢١ في موقع سودانيز أونلاين، أنه شخصية مغمورة وليس له خبرة سياسية، ناهيك عن أن سعيه للعمل مع الرئيس محمد عبدالله محمد وهو في المرحلة الأخيرة من ولايته، يؤكد مدى طمعه في الوصول إلى الحكم أكان كرئيس للحكومة حاليا أو كرئيس حاكم لدولة في القادم، وأنه يمكنه أن يستثمر ذلك في حال أجاد لعبة السياسة. إلا أنه بإستمرار أظهر مدى تواضع قدراته السياسية.
ترى على أي خلفية التقى مع عبدالكريم شيخ موسى القيادي العسكري في الجبهة الوطنية لتحرير الاوجادين؟ وما الحكمة من مقابلته في هذا التوقيت؟ واللقاء مع قيادة الجبهة الوطنية لتحرير الاوجادين في ظل إدراجها كتنظيم إرهابي.
هذا الحدث أكد وجود الخلاف بين الرئيس ورئيس حكومته، كما أكدت زيارة رئيس الحكومة روبلي لكينيا على مراهقته السياسية، خاصة وأنه وقع إتفاق مكرر في مضمونه مع نيروبي، ودرج ضمن بنوده نقاش كينيا والصومال بصدد النزاع على الحدود البحرية!
روبلي يدرك أن النزاع على الحدود البحرية بين الدولتين تجاوز مرحلة النقاش بشأنه بين الدولتين، وذلك بعد أن تم تدويله وبلوغ القضية واقع التحكيم من قبل محكمة العدل الدولية، خاصة وأن الصومال هو من رفع دعوى طلب التحكيم ولا يرغب في خوض جدال جانبي سياسي مع كينيا بهذا الصدد حاليا، وهو ما يفرض على روبلي استيعاب موقف بلاده.
كما أن كينيا تتدخل في الشأن الصومالي الداخلي حيث تستضيف وتتبنى المعارضة وكانتون هرجيسا الانفصالي، وذلك بغية تقويض الحكومة، ناهيك عن اختراقات الكينية المستمرة للحدود البرية الصومالية ودعمها ميليشيات صومالية مسلحة. وهذا بحد ذاته كافي لتعامل القيادات الصومالية بحزم وندية مع الحكومة الكينية، إلا أن هذه القضايا لا يتم إلزام الجانب الكيني لكي يتقيد بها، خاصة وأنها تمثل بواقع ضرر بالغ تجاه سيادة الصومال واستقرار أمنه.
وكان حريا بالرئيس الحكومة الصومالية أن يرفض الدعوة لزيارة كينيا لا سيما وأنها تأتي في سياق الالتفاف على موقف حكومته مع نيروبي الساعية إلى إحداث صدام بينه وبين رئيسه فرماجو، ناهيك عن أنه قد عرض ذاته لبلبلة مفادها أنه تلقى أموال من كينيا لدعم حملته الإنتخابية القادمة كما تردد، وأن هناك خلاف سياسي بينهما.
بينما أصدر الرئيس فرماجو مرسوم تضمن أن تتجنب حكومته اتفاقات خارجية مع الدول الأجنبية في ظل مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية القادمة، وإن كان هذا الإجراء غير مقنعا وجاء على خلفية تقييد رئيس حكومته، وفي ظل وجود التزامات وحاجات تتطلب أن تبرمها الصومال بإستمرار مع العالم الخارجي ولا ترتهن لحالة الإعداد لانتخابات رئاسية، وفي ظل وجود إتفاقات مع دول أخرى لم يتوقف عندها الرئيس فرماجو!
وبطبيعة الحال أكد على واقع الخلاف بين الرجلين، رغم الرئيس روبلي في تصريح له أكد على عدم وجود خلاف بينه وبين رئيسه فرماجو، ناهيك عن أن تصريحه كان هزيلا ولم يؤكد أية قيمة يمكن إضافتها للواقع الصومالي الراهن، عوضا أن يرفع الشكوك المتدوالة ذات الصلة بعلاقاته مع رئيسه.
وتزامن ذلك مع رفع كينيا طلب تحكيم إلى الاتحاد الافريقي، كان فحواه أن تقوم المنظمة الإقليمية بالتوسط لأجل تحقيق تسوية سياسية ما بين كينيا والصومال، وجاء الموقف الصومالي تجاه دعوة الاتحاد بهذا الشأن، أن الدولتين تجاوزتا النزاع الذي جرى بينهما فيما مضى، وأنه تم الإتفاق على بنود من شأنها إعادة العلاقات بينهما إلى وضعها الإيجابي، خاصة بعد أن تم إعادة التبادل الدبلوماسي بين مقديشو ونيروبي، وبالتالي فإنه ليس هناك أدنى حاجة إلى تحكيم أفريقي.
وهذا الإجراء الكيني كان يتطلب أن يتوقف عنده الرئيس روبلي، لكونه يمثل دلالة على عدم حسن نوايا كينيا، وسعيها المستمر إلى خلق فجوة سياسية مع الصومال، انطلاقا من رغبتها لإضعاف الموقف الصومالي والتأثير عليه من خلال مداخل خارجية وداخلية، ومحاولتها الإستفادة من خلافات الحكومة مع المعارضة، ولأجل طمأنة الشارع الكيني وإقناعه بمدى صحة الموقف السياسي لحكومة نيروبي في إطار واقع النزاع مع الصومال.
والمعلوم أن هناك خلاف بين كل من فرماجو وروبلي على خلفية الصلاحيات، ومن تجليات ذلك المشادة بينهما ذات الارتباط بعزل الرئيس روبلي لنائب رئيس جهاز الأمن الصومالي ورئيس أمن مطار آدم عبدالله عثمان الدولي، وهو ما يفند تصريح روبلي بعدم وجود خلاف يجمعه مع الرئيس فرماجو، وجوهر الاشكالية بحد ذاته ليس في خلافهما بقدر عدم تجسده كمنحى تستثمره الحكومة الكينية وغيرها من قوى خارجية.
المفارقة أن الحكومة الصوماليةاستقبلت وزيرة خارجية كينيا بحفاوة بالغة، وقامت باجراءات البروتوكول تجاهها كما يجب، وفي المقابل أن رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي والذي تم استقباله في مدينة ممباسا، تجنبت الحكومة الكينية أن تضع له السجادة الحمراء أثناء وصوله إلى مطار المدينة، وهو مؤشر آخر يؤكد سوء النوايا الكينية وعدم مصداقيتها السياسية في ظل تعاطيها مع الجانب الصومالي.
ومن تجليات الخلاف بين الرجلين أن رئيس الوزراء الصومالي زار مؤخرا مصر وذلك في ظل فتور العلاقات وتوثرها، بين الحكومتين، وذلك نظرا لارتباط الحكومة الصومالية مع إثيوبيا والتي تخوض حالة صراع سياسي مع مصر، والاشكالية تكمن في ازدواجية تعاطي المسؤولين الصوماليين مع الموقف المصري الرسمي، وفي سياق تلقى الرئيس روبلي دعوة لزيارة الإمارات وفي ظل تأزم علاقاتها مع الصومال، والمحصلة أن كل تلك المؤشرات برهان على طبيعة العلاقة بين كل من الرؤساء فرماجو وروبلي، حيث يعمل الأخير للاصطياد في المياه العكرة.
الجدير بالذكر أن النزاع على الصلاحيات ظل يمثل إشكالية قائمة بين البناء السياسية الهشة والتي تلت حكم الرئيس محمد سياد بري، حيث النزاع عادتا بين رؤساء الدولة والحكومة، وهو ما كانت نجى منه عهد الجمهورية الأولى في عقد الستينيات، بينما طغى حكم سياد بري واستحوذ على صلاحيات قيادات الدولة مجتمعة، فكان رئيسا لدولة والحكومة معا حتى في ظل وجود رئيس وزراء وإن كان ذلك محصورا في فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز الأعوام ١٩٨٧-١٩٩٠.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
خالد حسن يوسف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست