بعد ان اجتاحت ثورة ديسمبر بيت عنكبوت الانقاذ، اصبحت وصمة عار الانتماء للنظام البائد مثل جريرة موالاة كفار قريش، فالبائدون فعلوا بالشعوب السودانية ما فعلوه، قتل واغتصاب وتشريد وتنكيل وارهاب موثق في الحلقات المستمرة لبرنامج (بيوت الاشباح)، وامسى تاريخ الطامحين في تقلّد المراكز السلطوية بعد التغيير رهين بمؤشرات قياس التيرمومتر الكاشف لسجل الشخص ابان الفترة البائدة، فاستغل الخصوم السياسيون هذه السجلات السوداء المثبتة لتورط بعض شركاء الانقاذ المندسين وسط زحام الحراك الثوري، لتصفية الحسابات السياسية بين كيانات الجوقة المهرولة والمتكالبة على سلطة الثوار الممهورة بالدم، فتشاكلت وتشابهت الامور بساحة العمل العام، نتيجة للمغالطات والجدليات المثارة حول من هو الأحق بوراثة عبء عيوب المنظومة المندحرة، وطغت على المنتديات الحوارية ظاهرة اغتيال الشخصية سياسياً، فبمجرد الاختلاف في الرأي يقوم الطرف المهزوم بالبحث والتنقيح في السيرة والمسيرة الذاتية لخصمه، ويكون يوم سعده هو ذلك اليوم الذي يحصل فيه على معلومة يورط بها غريمه، ويا ويل هذا الغريم لو علم خصمه انه قد عمل لمدة يوم واحد كخفير باحدى المؤسسات الحكومية ابان العهد المباد. لقد وصلت هذه المعارك الدونكشوتية درجة أن احضر المغبونون توثيقاً للمؤتمر الصحفي الذي عقده نائب رئيس المؤتمر الوطني المحلول، وهو يتلو اسماء وزراء احدى حكوماتهم المتحورة والمتبدلة العديدة، وكان من ضمن المذكورين رئيس الوزراء الحالي، ومن المعلوم للقاصي والداني أن رئيس الوزراء حينها قد اعتذر عن تقلد الحقيبة الوزارية اواخر عهد الدكتاتور، لكنها اللعبة القذرة التي لا سقف اخلاقي يحدها ولا ضابط ضمير يكبح جماح احصنتها الراكضة نحو بلاط السلطة، لقد درج المتناطحون حول كراسي حكومة الثوار (افتراضاً) على منح اوسمة الشرف لمن خرج من ارض الوطن يوم أن اكتست البلاد بسواد حكم الجبهة الاسلامية، ولمن عاش حياته بعيداً عن ارضه وشعبه يكابد موجات برد شتاء الغرب، يأتي بعده المغترب الذي غادر بلاده بعد أن سُيّست الوظيفة العامة وجُيّرت لصالح أهل الولاء الاسلاموي، ثم الواطئون لجمر القضية بالداخل الذين نافحوا وقاتلوا الوحش المتزمت من افراد ومجموعات الحكم الشمولي الثيوقراطي البغيض، وبعض من هؤلاء الثائرين بالداخل قد كسرت شوكتهم وهُد عزمهم وابْتُزوا لضيق ذات يدهم وحاجة اسرهم لعونهم، كونهم المعيلون الأوحدون لاحسابهم وانسابهم، فانهارت قواهم واستسلموا لقاتل ولدهم مغتصب حرائرهم. إن أسوأ المتسيّدين لمشهد الحكومة الانتقالية اليوم هم لجنة النظام البائد الأمنية، ويأتي بعدها اولئك الآكلين للمال المجنّب مع البائدين من صحن واحد، والذين مازالت محاضر اجتماعاتهم ومؤتمراتهم المنعقدة مع الحزب المحلول حاضرة، فمنهم من كان يهتف نفاقاً مع غندور ويرقص طرباً مع فرفور ويجتمع سراً بمندور، وقد وثقت الكاميرا صورة لأحد البارزين في الحراك الابريلي الذي اودع الطاغية علبة نفايات التاريخ، وهو يحتضن شنطة الحاخام الاسلاموي الراحل في يوم خطبة عصماء بسوح العمل الجماهيري، نعم يا سادتي نفس الرجل يشغل اليوم موقعين كبيرين باجهزة الحكم الانتقالي، احد هذين الموقعين تنفيذي صميم والآخر سياسي اصيل، وعلى ذات الدرب سار رمز وكادر حزبي آخر التقطته عدسة التصوير وهو يزأر بصوت جهير (لا لدنيا قد عملنا) أمام حشد حشيد لحزب الرئيس المعزول، هذا فضلاً عن حاكم الاقليم الغربي الذي كان شاغلاً لمنصب الرجل الرابع بالدويلة الاسلاموية، والممسك بالعصا الرابعة الغليظة المساعدة لتمكين العنصري المغرور، ولا ننسى في هذا المضمار نائب المطلوب للعدالة الدولية والي جنوب كردفان الأسبق، الذي يتهيأ للهبوط على مطار الانتقال قادماً من الجنوب الجديد حاملاً لواء العلمانية. اذا اخضعنا شركاء الانتقال للمعيار المحدد لمسألة الانتماء للمنظومة البائدة بدقة وحيادية، سوف نخرج بمحصلّة مفادها أن الغالبية العظمى من شاغلي وظائف مؤسسة الانتقال، كان لهم نصيب من مشاركة اخوة حسن الترابي طيلة الثلاثة عقود التي احكم فيها الترابيون قبضتهم الحديدية على مقاليد الأمور، لذا ليس سهلاً أن يمحو صاحب الخطيئة عار شراكته مع البائدين، فمسرح الحياتين العامة والخاصة للأفراد والجماعات ببلاد السودان مكشوف ومنظور، ولا مهرب للذين يتجملون بتزوير التاريخ ويقولون انما نحن مصلحون، فليس هناك فارق بين من شارك في العشرية الأولى لعهد الظلام وذلك الذي تمدد مع الطغيان حتى العشريتين الثانية والثالثة، ولا افضلية لمن جاء على ظهر دابة نيفاشا على ذلك الآتي عبر نافذتي ابوجا والدوحة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
اسماعيل عبد الله
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست