يتم استدعاء نظرية المؤامرة والخيانة وشيطنة الهامش كلما فتح فمه ليتحدث عن حقوقه. لقد قلنا ألف مرة أننا لا ننظر للمسألة من زاوية عنصرية، ذلك أن الشماليين لا يمتلكون أي مزايا عرقية على غيرهم فهم في ليبيا (القريبة) ينعتون بالعبيد. ولذلك فالقضية حقوقية لكن كلما طالب الهامش بحقوقه صرخ الشماليون بأن هذه دعاوى عنصرية لشق النسيج الاجتماعي، وانا لا اعرف متى كان هناك نسيج اجتماعي في السودان. فالسودان دولة مصنوعة صناعة، حيث قامت بريطانيا برسم حدودها وضمت شعوباً من في الغرب لا يعرف شيئاً عن من في الشرق، ولا توجد بها أي روابط ثقافية متينة، فأهل الشمال لديهم اغانيهم وفلوكلورهم واكلاتهم وتفاعلاهم الاجتماعية التي تختلف عن أهل الجنوب. فوق هذا، فإن السودان كان عبارة عن مجموعات بدائية من الزراع والرعاة الرحل وقليل من الصيادين، وبعد الاستقلال، لم تحدث طفرة صناعية تفضي لإحداث لُحمة اجتماعية وثقافية وسياسية بين الشتات. والأنكى من ذلك هو أن المجموعات الشمالية التي حكمت لم تقبل ببناء دولة مؤسسات وقانون، بحيث ننتقل إلى دولة تتأسس على أكثر المعايير قوة في العلاقة بين الفرد والدولة وهو معيار الحقوق كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. مشكلة الهوية ليست مشكلة هوية الدولة بل مشكلة هوية الفرد. فحتى الآن هناك دعوات بطرد العديد من القبائل والتشكيك في سودانيتها لمجرد وجود امتدادات حدودية لها (البني عامر نموذجا) في الشرق، ونفس الشيء في الغرب. رغم أن كل هذه الشعوب، يمكن أن تكون سودانية، ويمكن كلها أن لا تكون سودانية، إذا حاولنا تتبع الهجرات بحركة عكسية أي إلى الخلف. وهذه هي -كما اسلفت- المشكلة التي عانى منها واضعوا قانون الجنسية. لذلك كان من الواجب بناء دولة (حقوقية)؛ غير ان هذا لم يحدث، وظلت الدولة بدائية، تعتمد على القبيلة والعلاقات الأسرية. في الأسافير رشح تعيين بعض مدراء الجامعات على أساس عرقي أو أسري، غير ان هذا ليس بجديد. بل هذا هو الوضع الذي استمر منذ الاستقلال. (كتبنا عن ذلك قبل اكتشاف هذه التعيينات) فلقد قرأت قبل سنوات أحد الدبلوماسيين الأوائل وهو يقول بأنهم قد اختاروا كل وزارة الخارجية من شمال كردفان لتكون علامة تاريخية لإقليم كردفان. لقد قالها الرجل بعفوية، وهذا ناتج عن جهله بحساسية المسألة (لو كنا في دولة محترمة) نسبة لحداثة عهده بالدولة الحديثة؛ وسنجد أن ذات المحاولات الاحتكارية استمرت بل وتحولت لصراع، كما حدث بين تيار قوش وتيار نافع في عهد الإنقاذ. هذه العقلية، لا يمكن لها أن تقبل بتحول السودان إلى دولة ذات معايير حقوقية مجردة، أي أن تحكمها قواعد قانونية عامة عند التطبيق ومجردة عند سنها. لذلك كلما ثار الحديث حول الهامش والمهمشين حاولوا إسكات الاصوات باستدعاء العنصرية لإخجال المطالبين بحقوقهم. لا يجب على أي مهمش أن يتم خداعه ليسكت على أكل حقوقه بمزاعم العنصرية وتفتيت النسيج الاجتماعي الذي لم يكن موجوداً في يوم من الأيام أصلاً، بل تم فرض وجود وهمي لهذا النسيج عبر أبواق التجار السياسيين وقبائلهم التي تناصرهم عن حق وعن باطل لأنهم في سدة الحكم، فإن دعوا للغزو غزوا معهم وإن دعوا للرشد رشدوا. وهذا كله باطل. والسكوت عليه ليس الذي سيحمي الدولة من التفكك، بل أن السكوت هو عين ما سيفضي للتفتت، كما حدث للجنوب من قبل. إن الذين يزعمون بأن مطالب المهمشين إثارة للنزعات العنصرية عليهم أولاً ان يجيبوا عن سؤال التهميش؛ هل هو حقيقي أم مفتعل؟ فإن كان حقيقيا -وهذا لا شك فيه- فعليهم أن يتنادوا لترسيخ مبادئ العدالة، وإعطاء كل ذي حق حقه. لكنك لن تخيف أحداً بتهديداتك ووعيدك وصراخك بأوهام النسيج الإجتماعي والمؤامرة الماسونية. فالحق حق..والحق أحق أن يتبع. ومن آلمه ما نقوله، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر: هل يذهبن كيده ما يغيظ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة