عجز الإنسان عن تحقيق أهدافه بوسائل مقبولة إجتماعياً يدفعه لتحقيقها عبر الجريمة.. لقد خرج الاستعمار من السودان مخلفاً وراءه مجتمعات لم تستطع التخلص من ذاتيتها البدائية. فالمجموعات التي عملت خليفة للإستعمار، لم تمتلك الوعي الكافي بعناصر الربط بين الدولة والفرد (الحق والواجب). لذلك بدأت بإقصاء كل ما عداها، والإقصاء لا يعني اكثر من غلق أبواب الطموحات الإنسانية عبر الوسائل المشروعة؛ مما أدى إلى بحث كل مُقصىَ إلى السبيل غير المشروع (الإنقلابات الشمالية والتمرد في الهامش). نرى اليوم مثلاً؛ هجوما إعلاميا شاملاً على شعوب وقيادات المهمشين (من دارفور وحتى النيل الازرق، ومحاولات لتفتيت البنية الإجتماعية للشرق). هذا لن يؤدي لنتائج إيجابية كما يظن المسيطرون على السلطة والثروة، بل يعزز اللجوء للعمل الأكثر عنفاً. فالهجوم على الحلو ومناوي وحميدتي وعبد الواحد..الخ وشعوبهم؛ يعني قفل الباب أمام هؤلاء تماما في الحصول على حقوقهم المشروعة بأساليب سلمية، هم حتى الآن يميلون إليها، رغم أنها انتقصت كثيراً من حصتهم العادلة في الثروة والسلطة. في المقابل لا يتعرض الآخرون لذات الهجوم؛ فحتى الآن لم يتعرض أياً من البرهان وابراهيم الشيخ وداود وغيرهم لأي هجوم يطعن في أخلاقياتهم، رغم البلاوي التي جعلتهم يمتلكون مليارات الدولارات. فلماذا يعتقد هؤلاء أن الشعوب الأخرى لا تعرف هذا الإنحياز ولا تراه ولا تشعر به؟ إنهم يعرفونه جيداً، ويعرفون أنه كلما خطا الهامش خطوة واحدة إلى الأمام؛ مثل ذلك خطوة إلى الخلف للآخرين. وكلما انتزع الهامش جزءً من نصيبه، قلل ذلك مما في ذمة الشمال من من سلطة وثروة، لذلك فإن أي خطوة للهامش تكون مؤلمة لغيرهم. وهذا ما يبرر كل هذا الصراخ وتصيد الأخطاء كما حدث لأردول وغيرهم. وهذا لن يفيدهم في شيء. ما يفيدنا جميعاً هو أن نكون (حقَّانيين)، أي نعطي كل ذي حق حقه، بضمير مستنير، حتى لو كان ذلك الحق يُستقطع مما استلبناه في السابق من ملكية بغير سبب مشروع. هكذا يمكن تأسيس دولة متعايشة، حتى لو كانت هناك مشاعر غير إيجابية بين الأطراف. ما حدث قبل يومين من محاولة بث الحرب الأهلية بين النوبة وغيرهم في إحدى الولايات الشمالية، تم كشفه، ولكن لم يعلن -حتى الآن- عن المتورطين فيه. لماذا؟ في كل الأحوال فإن الخطأ لا يُنتج صواباً، وسياسة فرق تسد، لا تعني أبداً الحصول على الاستقرار المنشود للدولة، ومن ثم البدء في إعادة تأهيل قطاعاتها الإقتصادية والسياسية. لأن الصراعات تصم الدولة بعيوب خطيرة، فيحجم المستثمرون عن نقل رؤوس أموالهم إليها. إن الدولة يجب أن تسعى للإستقرار عبر الحفاظ على سمعتها الأمنية والمجتمعية، وإذا كنت تحاول تشويه سمعة الآخر بأنه حرامي، فأنت لا تقل عنه حرمنة، والفرق الوحيد أن الحرمنة عندك أصيلة، وحرمنته هو نتاج لسرقتك لحقوقه وتهميشه وإقصائه. إن حرمنة السياسيين من الشماليين الذين سيطروا على الدولة مُثبتة تاريخياً منذ المهدي وحتى اليوم. إن هذه المجموعات تصارعت على السلطة لتخلق لها دوائر تجارية، ليست دوائر المهدي والهندي والميرغني فقط، بل كل (شلة) سياسية أخرى وآخرها شلة المزرعة، فهل أكل مال الشعوب الغلبانة يختلف بين لص وآخر؟ ويستمر (غلق الأبواب المشروعة) في مواجهة تلك الشعوب، ومنحها بعض ما يبقيها حية (بالقطارة)، فهل ستظل تلك الشعوب مستسلمة؟ كما قلت، فإن العنف هو بحث الإنسان العاجز عن تحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها بطرق الأبواب المشروعة. وهذا هو الخطر..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة