فيديو يبدو مضحكاً، فأحد الرجال، نحيل الوجه وأسود البشر، خرج في فيديو وقال واصفاً نفسه بسخرية "ليس كل شخص قبيح ويركب موتر هو تسعة طويلة". باختصار هو يريد أن يقول "ليس كل عب هو مجرم". ولكن طبعاً يخاف كما يخاف الباقون من الخطابات الصريحة والواضحة رغم أن هذا هو وصف الشماليين لهم. هذا الفيديو خطير جداً، وليس عابراً، ففي عام ١٩٧٥ قال "ريتشارد بيت"، أحد الجغرافيين الراديكاليين وهو بصدد تحديد أنماط الجريمة في مناطق الهامش، بأن النخبة القوية تتواطأ باستخدام الجريمة لتهميش الجماعات الأخرى. تذكرت مقولة ريتشارد بمجرد أن شاهدت ذلك الفيديو. "فتسعة طويلة" جرائم التصقت بأعراق أخرى لا تنتمي للشمال النيلي. وهذه الجرائم ليست وليدة ما بعد الثورة بل بدأت في فاتحة سنة ٢٠١٨ كجرائم مصنوعة صناعة ممنهجة. أتذكر أنني كتبت عن ذلك في ذلك الوقت واتهمت جهاز الأمن بذلك. ثم تقريباً أشرت في مقال لاحق إلى كل ما سيحدث وحدث في المقال التالي:
التوقعات تتحقق- الانجراف نحو الانفلات الأمني اقترب بقلم د.أمل الكردفانيالتوقعات تتحقق- الانجراف نحو الانفلات الأمني اقترب بقلم د.أمل الكردفاني نعود إلى قضيتنا وهي لماذا يتم تنميط تسعة طويلة على أبناء الهامش، أو الذين يطلق عليهم الشماليون وصف "عبيد"؟ هذا الأمر لا يخرج عن الخطة (طويلة النفس) التي تتم الآن لخلخلة كل قوى الهامش في الشرق والغرب والجنوب، وإحداث شروخ وانقسامات داخلية، وصراعات بين القيادات العسكرية والسياسية، وإثارة النعرات في شرق السودان، كل ذلك ليس أكثر من تطبيق المبدأ البراغماتي (فرق تسد)، والغاية تبرر الوسيلة. وللأسف قوى الهامش تنجر بسرعة وراء تلك المخططات، فنجد مثلاً الصراع يعلوا والأفواه تمتلئ بالزبد بين أنصار الحلو وتلفون كوكو، وبين أنصار ترك وباقي قوى الشرق، وبين الزغاوة والفور،....الخ. إنهم ينجرفون، لأن القوى المسيطرة ترمي لبعضهم العظام الخالية من اللحم فيلهثوا وراءها، وأثناء جريهم وراء العظم المربوط بخيط على العصا، يعضون بعضهم البعض وينبحون نباح الكلاب الجائعة. هذا ما فعله بهم الشمال النيلي، منذ عهد المهدية بل منذ الزبير باشا وحتى اليوم. ولا زال يمارس ذات اللعبة ولا زال الهامش ينجر وينساق ويرفض الوحدة الواحدة، ويبيع قضاياه العادلة بثمن بخس. هكذا يتم تسخير بعض أبناء الهامش داخل حكومات الشمال أمثال الكباشي الذي يتآمر -من أجل دبابير فقط- ضد بني جلدته فيمزق الحركة الشعبية بإثارة النزاع بين الحلو وكوكو. هذا لا يعني أن الحلو كان ناجحاً في قيادته بل هو أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قائد فاشل بامتياز. فهو لم يستطع (رغم الفرصة الذهبية التي سنحت له) وضع مشروع حقيقي يجمع به قوى الهامش ولا حتى أن يؤسس لمشروع فكري طيلة السنتين الماضيتين بحيث يكون مشروعاً وسطياً، بل أمسك بقضايا هامشية مثل العلمانية وأخذ يلوكها متصلباً أكثر مما ينبغي، فلم يملك المرونة اللازمة للتعامل مع القوى السياسية الأخرى بحيث يحيدها أو على الأقل يتجنب عداءها في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة بالنسبة لمصالح الهامش. الآن لا أتوقع من تلفون كوكو أن يفعل شيئاً فريداً بل ربما قدم نفسه والحركة الشعبية لقمة سائغة وسهلة الهضم للبرهان، كتصرف مضاد لتصلب الحلو. وكذا الحال في الشرق، وفي دارفور. وهذه كارثة. يتم تنميط الجريمة (بقصد وتعمد) على أبناء الهامش، من خلال إطلاق سراح بعض المجرمين -المختارين بعناية- ومنحهم مواتر وسلاح، ثم إطلاق يدهم لتعيث فساداً في الخرطوم، فيظن أهل الخرطوم (أو هكذا يريدون أن يظنوا) أن الهامش كله مجرم. وهذا تمهيد نفسي، لتقسيم الدولة، عندما يتم إحداث انقسام نفسي بين مكونات المجتمع. ولن يستفيد من هذا التقسيم إلا أولئك الذين ظلوا دوما يستفيدون من التقسيمات مثل ترحيل أهالي حلفا القديمة زمان، فالتاريخ يكرر موضوعاته، وإن اختلفت المسميات فقط. العرقيات المهمشة في العاصمة اقترنت دوماً بالجريمة، وحتى عندما تم فض كولومبيا بالقوة تم ربط من في كولومبيا بالعرقيات المهمشة، لذلك لم نسمع أي استنكار لعمليات القتل التي حدثت والدماء التي سالت في كولومبيا (بدون أي تحريات مسبقة) ولا حتى (تحقيقات لاحقة)، وها هي جثثهم مكدسة في المشارح. هكذا يتم تنميط الجريمة عبر المجرم Offender profiling، حتى لا ينتج أي شعور متسامح مع من يشملهم ذلك التنميط، ولذلك ففيديو ذلك الشاب يجب أن ننظر له بجدية، وأن نفهم الاتجاهات المستقبلية للمخططات القادمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة