لقد كنت متابعاً بدقة لما يحدث، كانت الأمور طبيعية جداً حتى ولج عام ٢٠١٤، من هنا، بدأت الحكومة السرية تدير منظومتها، والتي وضعت برنامجها الذي لا يمكن لأحد استخلاصه مهما بلغ من ذكاء. إننا نرى اليوم مشهداً غريباً، لا أحد فيه لاعب رئيسي، بل كلهم خاضعون للتحريك كأحجار الشطرنج. فمتى تمت السيطرة على هذه الرقعة الجغرافية على هذا النحو الغامض؟ لا فرق بين حمدوك وطه عثمان إذ كلاهما يعملان من أجل جهات أخرى، ولا فرق بين البرهان وقوش، ولا فرق بين الكيزان والبعثيين، ولو تتبعنا الأمر بدقة أكبر، سنجد إن هناك من يختلق، حالة لا يمكن تتبع إحداثياتها بدقة. منذ ٢٠١٤ تم استلام القوة المالية للدولة؟ كيف حدث هذا؟ ومن الذي تسلمها؟ لا أحد يعلم. الإحصائيات الدولية قالت بأن عام ٢٠١٧ كانت النقطة التي وصل فيها نصيب الفرد من الناتج القومي للذروة. فكيف كانت نهاية عام ٢٠١٧ نقطة الإنهيار. بعد ذلك بدأت المسرحية، وتمرير أخبار تهريب الذهب وحاويات المخدرات، وتحدثنا في حينها أن جهاز الأمن (تحت قيادة العطا ثم قوش) يمررون تلك الأخبار للصحف الخاضعة للرقابة القبلية، وفي ذات الوقت أي ٢٠١٧- ٢٠١٨ اتهمنا أجهزة الأمن بقيادة عمليات الإنفلات الأمني عبر جرائم النهب والسطو المسلح في الشوارع. ما يظنه البعض -خطأ- أن الإنهيار بدأ مع الثورة أو حكومة حمدوك. البعض يحاول تصدير هذه الأكذوبة ليجعل من الكيزان مبرراً للفوضى الراهنة. في الواقع الفوضى الراهنة ليست راهنة؛ لقد انطلقت عام ٢٠١٧؛ أي في ظل حكم الكيزان. إنهيار الجنيه بدأ في اللحظة التي أعلن فيها اوباما في عام ٢٠١٧ اقتراب رفع السودان من قائمة الإرهاب. وحين غادر في عشرين من يناير، كانت أحجار الدومنيو تتهاوى فوق بعضها البعض. المخطط الذي لا يعلمه أحد، يعلمه بضعة أشخاص: قوش. البرهان. حميدتي. أسامة داوود. صلاح مناع. مو إبراهيم. حمدوك. وصدق أو لا تصدق.. غندور. هذه الأيام نشهد انخفاضا غير منطقي في سعر الدولار، البعض نسبه لقفل باب استيراد السيارات. هذا غير صحيح، وغير منطقي. فالدولار لا ينخفض لهذا السبب عندما تكون احتياجات الدولة بالمليارات من الدولارات، ويكون ناتجها الحقيقي بمئات الملايين. لكن هناك شيء ما يحدث في الخلف. وهذا الشيء نفسه حدث في عام ٢٠١٧..ثم عام ٢٠١٨..ثم عام ٢٠١٩، ثم عام ٢٠٢٠ ثم اليوم. من يسيطر على رأسمال الدولة، ومن يمتلك كل تلك القوة power المرعبة، للتلاعب بكل شيء، وليس الدولار فقط. قبل بضعة أشهر، حتى أصحاب أفران الخبز مارسوا دورهم بإجادة بالغة وهم يعملون على إبطاء انتاج الخبز. ومعهم مؤسسات الدواء، والبترول والمياه والكهرباء.. هذه ليست صنيعة الكيزان، ليس فقط لأن هذا الامر بدأ منذ عام ٢٠١٤، وإنما لأن الكيزان لو امتلكوا كل تلك القوة، فما الذي سيردعهم عن الحكم. في الواقع هناك جهة ما تحكمنا بالفعل، جهة ما، منظومة تستفيد تماما من توهان الشعب وضياعه، وعدم فهمه، وصراعاته البائسة من أجل المحاصصات الرخيصة. وهذه الجهة ليست الكيزان، بل جهة تعلم تماماً إلى أين تقودنا؟ إنها تقودنا إلى نقطة اللا عودة. وهذه الجهة تمتلك شبكة عنكبوتية تحيط بكل مفاصل حياتنا، وبكل القطاعات السيادية والإقتصادية والثقافية، وهي نفس الجهة التي قتلت جون قرنق وأعطت الضوء الأخضر لقتل المعتصمين في القيادة، وربما آخرين كنا نعتقد أن الكيزان هم من قتلهم. تلك القوة؛ تسربت منذ سنوات ببطء، عبر وكلاء في الداخل، وبدأت السيطرة بشكل مرعب، إنهم لا يرعبوننا نحن فقط، بل يرعبون حتى (البرهان). إن البرهان نفسه يعلم بأنه لا يستطيع أن يتهرب من الاعباء التي رسمت له بدقة. هذه سيطرة جهنمية، عنيفة وناعمة في نفس الوقت. سرية ولكن لا بد أن نرى مظاهرها في كل ما يحدث من حولنا. ولا أحد سيفك هذه الشفرة إلا إن كان داخلها، ولن يفعل ذلك إلا إن كان مستعداً للموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة