اتفقت الصين مع إيران على استثمارات صينية بإيران يبلغ حجمها 400 مليار دولار لمدة ٢٥ عاماً..اي بواقع 16 مليار كل عام، وهذا مبلغ ضخم جداً.. هل هذا مجرد اتفاق تكتيكي أم أنه حقيقي وسيدخل حيز التنفيذ؟ هل تملك إيران الكفاءة اللازمة لتتحمل هذه الاستثمارات، وهي دولة محاصرة من جهة، ومحاطة بالعديد من الدول المعادية لها لأسباب وجيهة جداً، بالإضافة إلى وضعها الطائفي، وتاريخها تجاه الأقليات الأخرى؟ وتدخلها في دول كالعراق واليمن ولبنان وسوريا؟ المعادلة الصينية قد تبدو معقدة لأن الاستثمار يعني تحقيق أرباح، فهل المستثمر الصيني يتوقع عائداً ربحياً يفوق الأربعمائة مليار دولار خلال خمسة وعشرين عاماً؟ الصراع الحدودي الإمارتي الإيراني، مع التوجه السني في الجزيرة العربية بشكل عام، بالإضافة إلى العداء العميق بين إسرائيل وأجداد إسرائيل الإخبيبيين، وبالتالي الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، يجعل المهمة الصينية لقطع الحزام الأمريكي من الخاصرة الإيرانية أقرب إلى الوهم أو مجرد إعلان موقف. لقد ذكرنا في مقال سابق أن الإمارات أصبحت المسوِّق للتطبيع مع إسرائيل وهي تنفق مليارات الدولارات من أجل النجاح، وذلك لأسباب استراتيجية (أمنية واقتصادية) في منطقة الخليج. وبالتالي سعت بقوة نحو رسم حزام ناري حول أيران، يبدأ من أقصى الغرب الإفريقية مروراً بالشرق الاوسط. وبمساعدة أمريكية يتم الضغط على إيران اقتصادياً باستمرار، وذلك لتحقيق النجاح في صناعة المنظومة العالمية الجديدة. لكن الأمور لم تسر على ما يرام..فالصين أصبحت بالفعل مهدداً حقيقياً للنفوذ التجاري الأمريكي، بل حتى الصناعات الأمريكية (ما عدا الأسلحة) تراجعت أمام الإغراق الصيني. الصين هنا تستدعي التاريخ، وخاصة في عهد أسرة سونغ في القرن الرابع عشر، حيث كانت الصين قد خلقت منظومة تجارة دولية خاصة مع الامبراطوريات الإسلامية، ونقلت العديد من مخترعاتها عبر العرب إلى أوروبا، كاختراع الطباعة، والبوصلة والعدسات المقربة وخلافه من مخترعات نسبها العرب والأوروبيون كذباً لأنفسهم بعد ذلك، فضلاً عن طريق الحرير، وتبادل العلاقات الدبلوماسية بشكل أيجابي ونافع لكل الأطراف. في المقابل فليس لأمريكا تاريخ إيجابي مع دول الشرق الأوسط، إنه تاريخ عدائي، وانتهازي جداً، ومليئ بالتحدي والقسر. وهكذا فنحن ربما نشهد اليوم حرباً باردة ثانية، بمحور صيني روسي، يقف أمام الطموحات الامريكية. فهل ستكسب أمريكا أم ستستطيع الصين قطع ذلك الحزام. هل ستمنح تلك الحرب الباردة الدول العربية هامش حركة، أم ستزيد حدة الاستقطاب والنزاعات الإقليمية والاضطرابات الداخلية للدول؟ ماذا سيكون موقف أهم دول الخليج وهي السعودية، هل ستستطيع أن تناور لتقف على الحياد ولو ظاهرياً أم ستضطر أخيراً إلى تحديد موقف حاسم من تلك الحرب. دعونا نميز بين الحربين الباردتين: ببساطة لا تتعلق الحرب الباردة الصينية الأمريكية بصراع آيدولوجي كما كانت الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي. بل هي صراع أكثر وضوحا من ذلك القناع اليساري الرأسمالي، فهو صراع نفوذ وهيمنة. العالم في الحقبة السوفيتية كان مغلقاً إعلامياً أما اليوم فمتوح على مصراعية (لعب على المكشوف). أمريكا دولة خبيرة في لعبة النقود، أما الصين فخبيرة في لعبة التجارة. أمريكا تعتمد على العنف والتخويف، الصين تعتمد على منح الأمل. أمريكا لا تقدم أي فوائد اقتصادية حقيقية للدول، الصين تقدم فوائد اقتصادية حقيقية. لكن أمريكا لديها مزايا مهمة: أمريكا الأكثر امتلاكاً لإرادة الحرب. أمريكا الأضخم من حيث الانفاق العسكري. أمريكا الدولة رقم واحد من حيث جذب الاستثمار الأجنبي. أمريكا الأكثر استقرارا داخلياً (قانونيا وإدارياً ومحاسبياً وسياسياً). أمريكا الأقوى إعلامياً. أمريكا تسيطر على أوروبا بشكل تام. فرغم كل شيء كانت أمريكا الحامي لأوروبا خلال الحربين العالميتين والحامي لأوروبا حتى اليوم في حالة نشوب أي حرب. فأوروبا بلا أمريكا تفقد ظهرها تماماً. أمريكا تسيطر على سوق المال. أمريكا تسيطر على سوق التكنولوجيا الجديدة. إذاً فنحن أمام دولتين بينهما فارق ضئيل من حيث التأثير عندما ننظر لهما من زاوية، وفارق هائل عندما ننظر لهما من زاوية أخرى. ونسبة لذلك فحسابات الدول العربية ستزداد تعقيداً وصعوبة. وسيكون من الأفضل للجميع أن يحدث اتفاق دولي حول القضايا الراهنة..بعد مفاوضات مكثفة وصعبة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة