من المعلوم ان المحكمة الجنائية الدولية يمكنها من حيث المبدأ ممارسة اختصاصها شريطة إذا كان الشخص المتهم من مواطنى دولة عضو ،أو إذا ارتكبت الجريمة المزعومة على أراضي دولة عضو ، و تتم إحالة القضية إليها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، و بطبيعة الحال السودان ليس عضواً فى منظومة المحكمة الجنائية حاله حال امريكا و اسرائيل و روسيا و الهند و الصين و دول اخرى صدقت على ميثاق روما و لكن لم توقع عليه ، و يمكن للمحكمة أن تمارس اختصاصها فى "الدول الاعضاء " اى "الدول الأطراف فى المحكمة " اى"الدول الموقعة " شريطة ان تكون الدولة المستهدفة لا تملك المحاكم الوطنية و الإرادة و القدرة على محاكمة الجرائم الدولية (مبدأ التكامل) ،بمعنى اخر لا يمكن للجنائية ان تتدخل إلا في حالة فشل الأنظمة الداخلية ، فلا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتجاوز المؤسسات القضائية السودانية لتولي الاهتمام بهذه القضايا فالمحكمة الجنائية الدولية يمكن ان تكون مكملة للمحاكم الوطنية الداخلية شريطة ان تلاحظ نقص قدرة، او عدم استعداد من المحاكم الوطنية للتحقيق و المقاضاة، و هذا ليس حال السودان اضافة الى انه ليس طرف و غيرموقع على نظام روما، و حسب تصريحات رئيسة القضاء نعمات : أن القضاء السوداني قادر على الفصل في كل الدعاوى، ويضم كوادر مؤهلة، ودرجات التقاضي تكفل لكل متقاضِ حقه و تصريح سعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لفرنسية ٢٤ : قضايا الشعوب لا تقبل املاءات و انه يعمل على بناء قضاء داخلى مستقل شفاف ، و عليه فالسودان يملك القضاء الشفاف المستقل المهنى لإدارة محاكمات عادلة مستقلة.
و لا تمتلك المحكمة الجنائية صلاحيات تنفيذية لاعتقال المتهمين من اراضيهم، لكن فى حالة انتقل المهتم لدول اخرى عضو و موقعة و قامت بتسلميه كما حدث مع كوشيب فى افريقيا الوسطى فهذا امر اخر ، و يحضرني انهم كانوا قد صرحوا سابقًا قائلين: من المرجح أن يفشل السودان في البداية على الأقل في تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة بحق رئيسه ومع ذلك ، يكفي أن يغادر البشير الأراضي السودانية من أجل الذهاب إلى دولة أخرى (دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) حتى تقوم الأخيرة باعتقاله على أراضيها ونقله إلىالمحكمة الجنائية الدولية.
مؤتمر روما عقد في الفترة من 15 يونيو إلى 17 يوليو 1998 في روما ( إيطاليا) ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002 بعد تصديق60 دولة عليها، و عليه تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية رسميًا، لكن ليس من حقها او من أختصاصها التعامل بأثر رجعي بل تتعامل مع الجرائم المُرتكبة حتى ذلك التاريخ.
و من المعلوم ان المحكمة الجنائية الدولية كانت محط الانتقادات حيث اتهمت بانها فاقدة للمصداقية و مُستغلة و ليست مُستقلة، و غيرمسؤولة، و خطرة و سياستها مهددة للامن والسلم الدولى ، و قضاتها لا يشعرون بالحرية في تجاهل أحكام مهمة في نظام روما الأساسي . كما تم انتقادها فى قضايا عدة منها دارفور بان محاكمات الاعتقال الصادرة منها لم تعتمد نهج المحامى المتوازن فقد استهدفت الحكومة والجنجويد و لم تحقق مع حركات التمرد المسلحة التى تورطت و تلطخت اياديها بطريقة و اخرى ، كذلك انتقدت المحكمة لإرتباطها ببعض المنظمات غير الحكومية فهى تعتمد على تقارير هيومن رايتس ووتش ...الخ لبناء دعاوى قضائية فى مواضيع حساسة و مصيرية بدلاً من التحقيق بنفسها. أيضًا دارت العديد من التساؤلات حول استقلاليتها لأن عددًا كبيرًا من المنظمات غير الحكومية التي تقدم شهودًا للمحكمة الجنائية الدولية قد تلقت منحًا من الحكومات الأوروبية التي تمول المحكمة أيضًا، كذلك وجهت لها العديد من التهم على رأسها عدم حيادية القضاة مع تضارب المصالح أو حتى الفساد و ميديا بارت سلطت الضوء على ذلك فى "أسرار المحكمة" سبتمبر 2017، وشهدت انسحاب متتالي لعديد من الدول من نظامها ، و تطبق قوانينها على مناطق بعينها و تترك اخرى فهى التى فتحت تقريبًا حوالى ٣٠ تحقيقا جميعهم فى شأن الدول الافريقية و الشرق أوسطية بينما غضت بصرها عمدًا عن ممارسات دول كبرى فى الغرب فكانت هناك إتهامات خطيرة متعلقة بممارسات بعينها للمدعي العام الأول أخرها تعلقت برفض الإذن بإجراء تحقيق في أفغانستان، فعندما تمت المطالبة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في أفغانستان من جرائم إنسانية و جرائم حرب و اغتصاب ...الخ و جرائم اخرى وقعت فى دول اعضاء فى المحكمة الجنائية، و كانت قد وجهت عصا الإتهام فيها لامريكا كما أُشير الى تورط وكالة المخابرات المركزية (CIA) و سجون سرية ، و أيضًا التقارير كانت قد اشارت إلى ملاحقة قضائية لعملاء و وكالة المخابرات المركزية و كبار العسكريين الامريكان بالتورط فى جرائم عدة فى افغانستان ، بولندا ورومانيا وليتوانيا ...الخ ، إلا ان امريكا العظمى الممنوعة عن الصرف سرعان ما هاجت و ثارت و صرحت مهددةُ محكمة الجنائيات الدولية مستخدمة لغة تهديد و وعيد حادة اللهجة ، و المعروف ان امريكا لم توقع على ميثاق روما و لكنها تعتبر من اكبر الدول الداعمة ماديًا لى CIC و السؤال الذى يطرح نفسه : طالما امريكا صدقت و لم توقع على ميثاق روما و لا تعتبر من الدول الاعضاء الأطراف فى المحكمة و ترفض اى محاسبة لها او مسائلة من قبل المحكمة فلماذا تدعمها ماليًا إذن ؟ فهل يا ترى الهدف من الدعم المالى كى تنفذ تلك المحكمة عدالتها العرجاء على دول بعينها امثال السودان حتى تكسر امريكا انفهم و تذلهم بطرق غير مباشرة ام ماذا ؟.
نواصل امريكا اطلقت تهديدها للمحكمة الجنائية و قيدتها ، و ترامب هددها بوقف الدعم المالى ، و بومبيو وجه لها صفعة اخرى قائلًا : "نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية ، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية ، إذا لم تغير المحكمة الجنائية الدولية مسارها"، و انذاك تم الإعلان عن إلغاء تأشيرة فاتو بنسودا لدخول الولايات المتحدة في 5 أبريل، و بالفعل التهديدات أتت أكلها فبعد أسبوع ، رفضت الدائرة التمهيدية الثانية بالمحكمة الجنائية الدولية طلب الإذن بفتح تحقيق في أفغانستان. و عندها سمعنا المدافعين عن حقوق الانسان تأسفوا لموقف المحكمة الجنائية و تخاذلها و تراجعها عن موقفها بعد التهديد و الوعيد واصفين ذلك بأنه يفقدها جوهرها الاساسى و يعطى سببًا كافى لاى دولة ان تعلن عن أنها لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل حدوث ذلك.
و كان بعض الخبراء قد فسروا موقف امريكا التى تمارس اليوم الوصاية على السودان و تتحكم فيه و تسيره بانها منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لعبت لعبة مزدوجة حيث وقع بيل كلينتون على قانون روما الأساسي والنص التأسيسي بينما سحبت إدارة بوش التوقيع في أعقاب ذلك في عام 2002. و اتهمت واشنطن بأنها تستخدم و تستغل المحكمة الجنائية في مواقف معينة (في أوغندا والسودان على وجه الخصوص) ، مع تهديدها المباشر للمحكمة فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان كما أشارت صحيفة واشنطن بوست مصرحةً: "اتخذ المراقبون الديمقراطيون والجمهوريون نهجًا غامضًا تجاه المحكمة ، واعترفوا أحيانًا بمحاكمة أمراء الحرب وغيرهم ، وأحيانًا أدانوا المؤسسة عندما ينظر المدعون إلى اتجاه غير موات للولايات المتحدة وحلفائهم" . و بينوا ان الموقف الحالي سهل الفهم تمامًا: لا ينبغي أن يكون أي مواطن أمريكي قادرًا على التورط من قبل المحكمة الجنائية الدولية ، بينما ينص نظام روما الأساسي ، وهو النص التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية على إمكانية محاكمة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم في الإقليم من الدول الأطراف ، دون تمييز على أساس الجنسية، فى الوقت الذى قال فيه وزير الخارجية مايكل في 15 مارس 2019 : "منذ عام 1998 ،رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب صلاحياتها القضائية الواسعة والتهديد الذي تشكله على السيادة الوطنية". دخول أفراد المحاكم "المسؤولين" عن التحقيق المقترح في الجرائم التي يُزعم ارتكابها في أفغانستان و دول اخرى .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة