ستطالعون أسفله خبراً عن حجز الشرطة على منزل شخص يستأجره نائب سفير الإتحاد الأوروبي في السودان. الخبر ككل الأخبار، يعبره الناس، رغم أنه مهم جداً، وأهميته لا تكمن في المنزل أو صاحبه أو مستأجره، إنما تكمن أهميته في بؤس قانون الإجراءات الجنائية السوداني والذي يجب هدمه تماماً وإعادة صياغته كقانون يراعي المعايير الدولية للعدالة الجنائية. كما أن الخبر يفرض علينا تساؤلات حول خبرات العاملين بمؤسسات العدالة في السودان، وضرورة تدريبهم وتطوير أفقهم فيما يتعلق بالمعايير الإجرائية المرتكزة على حماية دستورية. سنلاحظ هنا أن محل الاشتباه منزل وأن محل التفتيش (أسلحة داخل قبو). وأن التفتيش تم بالفعل، ومن الواضح أن الشرطة لم تجد شيئاً لا داخل قبو ولا خارجه، ومع ذلك استمر الحجز على المنزل، بغل يد مالكه عنه. والحق يقال، أن السودان من أسوأ الدول في مجال ضوابط التفتيش، فهو ليس فقط يجيز ما لا تقره القواعد الدستورية كالتفتيش العام، بل فوق هذا ليس هناك ضبط موضوعي للتفتيش. يعتبر التفتيش العام في كل أنظمة العدالة الجنائية مسألة شديدة الخطورة، وتعبر عن عهود الفوضى السلطوية، ولا يمكن لأي دولة محترمة إجازة التفتيش العام إلا في حالات الحروب ووفقاً لأحكام الطوارئ العسكرية في أقصى حدودها. فما هو التفتيش العام؟ التفتيش العام هو أن تتجه قوة من الشرطة لتفتيش منازل ومحال منطقة كاملة، كحي البوسطة مثلاً، وهو اشبه بالتمشيط العسكري. في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الامريكية يُحظر التفتيش العام. فلابد أن يكون التفتيش: - سببه جريمة أرتكبت بالفعل، ولا يجوز التفتيش عن جرائم محتملة. - أن يوجه التفتيش تجاه شخص مشتبه به بناء على بينات أولية قوية. فلا يجوز التفتيش بدون بينات. - أن يكون محل التفتيش محدداً جداً. من الناحية الموضوعية والزمنية. فلا يجوز أن يكون أمر التفتيش مفتوحاً، لكي يضحى المواطنون مهددين دوماً بقمع السلطة بأمر تفتيش أبدي.
في إحدى جرائم القتل في بريطانيا، ولكي تستطيع الشرطة التعرف على القاتل عبر فحص الحمض النووي، تم دعوة سكان المنطقة لفحص الحمض النووي باختيارهم المحض وبدون إجبار. لقد فُحصت الآلاف من عينات الحمض النووي، ولكن بشكل طوعي. فلا يحوز إجبار انسان لم تدر حوله شبهات قوية على تفتيشه ويدخل جسد الإنسان بكل مكوناته في إطار الحماية من التفتيش العشوائي. ولا يجوز أيضاً لأي رجل سلطة عامة حتى ممارسة التفتيش السطحي frisk لملابس وجيوب الشخص، بدون اشتباه أولي. بل لا يجوز حتى مجرد استيقاف شخص لم يضع نفسه موضع الريبة. ويجب كما أسلفنا يجب أن يتحدد نطاق التفتيش بموضوعه. فلا يمكن تفتيش منزل في جريمة سب وقذف، كما لا يمكن تفتيش المنازل بدون أمر قضائي، لأن للمنازل حرمتها، وفوق هذا، لا يجوز إذا تم ضبط الشيء المفتش عنه أن يستمر التفتيش. فإذا كان التفتيش بغرض ضبط سلاح الجريمة، وبالفعل تم ضبط هذا السلاح، فلا يجوز أن يستمر التفتيش للبحث عن جرائم أخرى، كالمخدرات، ويتطلب استمرار التفتيش عن جرائم أخرى إذنا جديدا بالتفتيش عنها. وإذا كان التفتيش عن جريمة سرقة سيارة، فلا يجوز تفتيش دواليب المنزل، ولا الحقائب، لأن السيارة لا يمكن ان توضع داخل الدواليب والحقائب. خلاصة الأمر أن تفتيش الإنسان ومسكنه ليس مسألة فوضوية في هذا العالم إلا في السودان، حيث يستطيع أصغر شرطي أن يفتش جوالك حتى بدون سبب وليس فقط مجرد اشتباه. وتمتد ضوابط التفتيش على الحجز. فلا يجوز بعد تفتيش سيارة ان يتم الحجز عليها، رغم انه ثبت بالتفتيش أنها خالية من الشيء المفتش عنه. وكذلك لو تم تفتيش منزل لضبط اسلحة أو مخدرات. وتم تكسير المنزل ومع ذلك لم تجد الشرطة شيئاً فلا يجوز استمرار الحجز على المنزل لانعدام المبرر القانوني. هذه بعض المعايير العالمية في الضبط الإجرائي due proc·ess. ولننتقل بعد هذا التعليق إلى الخبر نفسه ولنقارنه بما جاء اعلاه. ليعلم الشعب أن النظام القانوني السوداني يحتاج لهدم شامل ثم إعادة بناء شاملة.
____
النيابة تحجز مقر نائب سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم منذ 2019 – الصيحة الآن
الخرطوم– أم سلمة العشا
حجزت قوة من الشرطة بأمر نيابة الجرائم المُوجّهة ضد الدولة ومكافحة الإرهاب على منزل يقيم فيه نائب سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، وأخطرت القوة تحت إشراف وكيل النيابة أحمد سليمان العوض، السفير بإخلاء المنزل حسب التوجيهات.
وحجزت السُّلطات في العاشر من ديسمبر 2019م على العقار رقم (1) والمملوك باسم مصطفى عثمان فقيري مربع (12) في الخرطوم العمارات شارع (7)، وذلك بحسب توافر معلومات تفيد بوجود أسلحة داخل “قبو” المنزل.
وبحسب إفادات مالك المنزل مصطفى عثمان فقيري، أن النيابة دوّنت بلاغاً بالرقم 20/2019 تحت المادتين (35 – 36) المتعلقتين بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقال “إنه قام باستئجار منزله للاتحاد الأوروبي بالخرطوم مفروشاً لمدة (5) سنوات، فيما مكث المُستأجر (9) أشهر من تاريخ العقد المُبرم بين الطرفين”.
وقال فقيري لـ(الصيحة)، إنّ الاتحاد الأوروبي بعث له رسالة عبر الإيميل تفيد بإخلائهم العقار لقيام الشرطة بإجراء التفتيش للمنزل، وأفاد أن النيابة قامت بعمليات حفر لكل الغُرف بالطابق الأرضي، بزعمها وجود أسلحة في المنزل دون حضور مالك المنزل لعملية التفتيش أو من ينوب عنه، وأضاف: “ظلّت عملية التفتيش والحفريات تتم داخل المنزل بتوجيهات من وكيل النيابة”، وأشار إلى أنّ السُّلطات تشدد الحراسة على المنزل.
وطالب مالك المنزل، النائب العام عبر مُحاميه بالخرطوم بفك الحجز على العقار وتسليمه لأسرته، إلا أن الطلب رُفض من قِبل وكيل النيابة دون توضيح أسبابٍ، وأوضح فقيري أنه تعرّض لخسائر مادية فادحة جراء الحجز غير المُبرّر واستئجاره شقة بتكلفةٍ ماليةٍ عاليةٍ، بجانب تراكُم فواتير الكهرباء والمياه والنفايات لعدم سدادها طيلة فترة الحجز.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة