(هلك المسلمون أمرتهم فلم يمتثلوا) هكذا قال النبي محمد (ص) لأم المؤمنين أم سلمة حالما انجز مع مشركي قريش صلح الحديبية، آمرا أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم، وان ينحروا الهدي، ليتحللوا من عمرتهم، فقالت ام المؤمنين: يا رسول الله اعذرهم، فقد حمّلت نفسك أمرا عظيما في الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح فهم لذلك مكروبون، ولكن اخرج يا رسول، وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك فعلت تبعوك، ففعل كما قالت وفعلوا، ثم رجع المسلمون إلى المدينة. وفي الاثناء نزلت سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وكان ذلك في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، فقد ذكر المفسرون ان السورة نزلت لما رجع رسول الله (ص) من الحديبية، حين صدّه المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام والاعتمار فيه، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، بأن يرجع المسلمون عامهم هذا، ثم يأتوا من قابل، فأجابهم الرسول (ص) إلى ذلك، وعقد اتفاقا معهم، ولكن صحابته كرهوا ذلك الاتفاق الا قلة قليلة من بينهم صاحب الغار. لقد حزّ في نفوس الصحابة ان يُصدّوا عن الطواف بالبيت، خاصة وأنّ الرسول أخبرهم أنه رأى في منامه دخولهم البيت آمنين؛ وممن لم يستسغ الاتفاق عمر بن الخطاب، الذي أتى رسول الله معلناً معارضته للاتفاقية، وقال للرسول: ألست برسول الله؟ قال: (بلى) قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: (بلى) قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: (بلى) قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال النبي (ص): (أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني)، قال عمر: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟» قال: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوّف به) ثم أتي عمر لابي بكر رضي الله عنهما، فقال مثل ما قال للنبي، فقال أبو بكر -ناصحاً الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة-: الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر الله ولن يضيعه الله. وكان جواب الصديق مثل جواب رسول الله، ولم يكن أبو بكر قد سمع جواب النبي، فكان أبو بكر أكمل موافقة لله وللنبي من بقية الصحابة. وقد تحدث الصديق فيما بعد عن هذا الفتح العظيم الذي تم في الحديبية، فقال: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذ قَصُر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل كعجلة العباد حتى يبلغ الأمور ما أراد. قال ابن كثير: فالمراد بقوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً -أي بينا ظاهرا- هو صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان؛ وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وعن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية. اليوم يحدث امرا مشابها، فقد قررت حكومتنا التطبيع مع اعداء الأمس، بل ان رئيس المجلس السيادي سماه "صلحا"، ونود التذكير بحقائق مهمة عن هذا الموضوع. نواصل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة