عبرت أرتال من حاملات الأسلحة عبر الصحراء الغربية للسودان، ومنها إلى تشاد ثم ليبيا. الدعم العربي تمثل في إجازة جامعة الدول العربية لاستخدام القوة العسكرية ضد القذافي، في سابقة خطيرة، تتنازل فيها الحكومات العربية عن حماية الوضع الإقليمي ذو البعد الأمني الإستراتيجي على كافة الدول العربية، وذلك بتحفيز غربي كامل أوروبي وامريكي للأنظمة العربية. (الانظمة التاريخية كنظام القذافي ومبارك والأسد..الخ) يجب أن تنتهي تماماً لتبدأ حقبة جديدة، بمفاهيم ترسم خارطة الشرق الأوسط الجديد. وبالمناسبة، يعتقد البعض أن السودان ليس جزءً من الشرق الأوسط، وهذا غير صحيح، فهناك عدة مذاهب لتحديد النطاق الجغرافي للشرق الأوسط، ومن ضمنها معيار البحر الأحمر، فكل الدول المطلة على البحر الاحمر تدخل في زمرة دول الشرق الأوسط من الشمال وحتى باب المندب جنوباً. وهناك معيار يتضمن داخله جميع الدول المنضوية داخل المنظومة الثقافية العربية. وما أراه هو أن الشرق الأوسط تحدده روابط تاريخية تجاه قضايا معينة، وبالتالي فهو موضوعي وليس جغرافي محض، فهو يتضمن أيضاً إيران وتركيا، والمغرب رغم ان ذاك في الغرب وهذا في الشرق. النظام العالمي الجديد تعرقل كثيراً بسبب تنامي القوة الصينية والتمرد الروسي، وبات من المهم الا يتعرقل النظام الشرق أوسطي الجديد، الذي يمثل الوجه الثقافي للإمبريالية الناعمة أو الإمبريالية الثقافية. لقد بدأ التغيير بتقويض الانظمة القديمة (صدام، القذافي، مبارك) كاهم ثلاث أنظمة صنعتأو امتلكت إرثاً ثورياً من حقبة الحرب الباردة، وهامش الحركة والمناورة الذي تمتعت به نتيجة الاستقطاب الثنائي. لذلك كان هناك إجماع دولي على إسقاط القذافي، فدول الخليج لم تعد تتحمل تصرفات القذافي التي فقدت تاريخ صلاحيتها بنهاية المد الثوري العروبي. أما مصر فصراعها أيضا لم يتوقف مع القذافي، المغرب والجزائر، كان القذافي يدخل إليهما عبر البوليساريو، دول الجنوب الليبي الأفريقية، عانت كذلك من توجهات أفريقانية ثورية لا تتناسب مع رغبتها في التماهي مع سياسة القطب الامريكي المنتصر. أوروبا تحديداً عانت كثيراً بسبب القذافي، من قِبل: دعمه لتصرفات كارلوس، منذ أزمة الرهائن ولوكربي وحتى الأطباء البلغاريين، أما السودان فقد عانى من دعم القذافي لجميع حاملي السلاح ضده..منذ المرتزقة في عهد نميري وحتى سقوط القذافي. اتخذ القرار الدولي بإنهاء نظام القذافي. واستفاد البشير وإدريس دبي من عبور الأسلحة عبر الدولتين إلى الإقليم الليبي. وسقط القذافي، بل وقتل شر قتلة. لكن القصة لم تنته هنا.. فلقد حصلت المفاجأة التي قلبت موازين كافة الدول المشاركة في إسقاط القذافي (وأقول كآفة لتأكيد أنها كلها تعرضت للصدمة وأنها (كلها) ساهمت في جريمة تدمير ليبيا). كانت الصدمة، عندما تمت انتخابات المؤتمر الوطني الليبي، وهو المؤتمر الجامع لكل أطياف الشعب الليبي، ولكن النتائج كانت خطيرة جداً. لقد انهزم الإخوان المسلمون. انهزموا هزيمة (نكراء). وانتصر الليبراليون بل اكتسحوا كل تيارات الإسلام السياسي. لقد سبب ذلك صدمة. فالشعب الليبي، تفوق على نفسه حقاً، وتعلم من تجربة السودان (الشقيق). ووجد إسلاميو ليبيا أنفسهم خارج الزفة. لقد كانت كل الدول المشاركة في إسقاط القذافي تتوقع فوز الإخوان، ولكن خابت توقعاتهم. لم تخب فقط بل انهارت تماماً وكان لابد من إصلاح الوضع. لماذا رفضت كل الدول فوز القوى الليبرالية؟ كان فوز القوى الليبرالية، ضد مصالح جميع الدول، وكان فوز تيار الإخوان (كما حدث في مصر وتونس والمغرب) سيحقق مصالح كافة الدول المشاركة في إسقاط القذافي. ودعنا نرى كيف ولماذا؟ أولاً: من المعروف أن ليبيا دولة غنية جداً، بل حتى الآن -ورغم ما يحدث فيها- لا زالت عملتها قوية. تملك ليبيا احتياطياً بترولياً ضخماً مع قلة في عدد السكان. وانتصار الليبراليين بذلك الشكل القوى، وبقبول أغلبية كاسحة من الشعب الليبي، يعني باختصار شديد، أن ليبيا.....ستنطلق كالصاروخ. وهذا في حد ذاته خطر كبير جداً على الغرب، إذ أن دولة يمتلك شعبها الوعي الكافي مع ثروات ضخمة، سيفضي إلى ظهور قوة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي قوة يسند كل قراراتها الشعب. من ثم: سيخرج النفط الليبي من أي معادلة غربية. سيؤدي ذلك لوجود كيان ليبرالي مؤثر على الدول العربية والأفريقية المحيطة به، وهذا الكيان (يحرسه ضمير الشعب) مما سيكون قاضياً على كافة القرارات السياسية التي تنتهجها الدول العربية والافريقية، مما يخلخل النفوذ الامريكي فيها. إن الإخوان المسلمين هم أفضل من ينفذ أجندات الغرب وتهديد ودمير اوطانهم (ففي أدبيات الإخوان لا يعتد بمسألة الوطن هذه، تماماً كالماركسية)؛ فهي إيدولوجيات تطرح نفسها عالمياً، وتستنكر البعد القومي صراحة أو ضمناً. الدول العربية بدورها ما كان لتقبل انتصار الديموقراطية منذ انطلاق صافرة البداية هكذا. فالأنظمة العربية تخشى ما تخشاه؛ وجود دولة تتمتع بديموقراطية سلسة وقادرة على النمو (شعب واعٍ زائد ثروة ضخمة). ظل انتصار تيارات الإسلام السياسي خازوقاً في في مؤخرة الشعوب العربية التي تتمتع بميزتين (الجهل+الفقر). لذلك انتصر الإخوان في مصر والأردن وتونس والمغرب والسودان، بل حتى في الجزائر في بداية التسعينات. عندما اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومعها التيارات الأخرى الانتخابات، مما أضطر الجيش الجزائري للتدخل عام ١٩٩٢، وسنلاحظ أنها نفس الفترة التي تقلد فيها الإخوان الحكم في السودان، ونفس الفترة التي ظهرت فيها العمليات الإرهابية في كافة الدول العربية، ونفس الفترة التي بدأت معها الحرب (الامريكية) على الإرهاب. لقد اقتيدت الشعوب العربية الجاهلة نحو مذبحها بصناعة أمريكية حذقة وممنهجة ومدروسة، وظلت واجهتها دائماً تيار الإسلام السياسي، وهذا نفسه المشروع الأمريكي الذي امتد إلى سوريا، فبعد ثورة شعبية ليبرالية ضد الأسد، قامت أمريكا بصناعة داعش ثم استقطبت من داخلها جبهة النصرة، وزجت بها داخل الثورة الجماهيرية السورية النقية؛ وهكذا خلطت الحابل بالنابل، فتدخلت روسيا، ولا زالت بريطانيا وأمريكا تحميان التنظيمات الإسلامية في سوريا، بل وتتفاوض أمريكا عندما تحاصرهم قوات الاسد-بوتين. لذلك ما فعله الشعب الليبي كان صدمة كبيرة على الجميع. وأخذت قوة الشعب الليبي تتنامى بعد انتخاب مجلس النواب (البرلمان). وكان لابد من وقف ذلك الإنطلاق الصاروخي للشعب الليبي بأي ثمن. وضع الشعب الليبي دستوره المؤقت بانتخابات جماهيرية حاشدة ونزيهة عبر ممثليه في المؤتمر الوطني الليبي الجامع. ثم تم انتخاب برلمانه، وهنا بدأت اللعبة الدولية ضد ليبيا. وكان لابد من قدح شرارة لتتمكن دول العالم من إشعال الفتيل. كما حدث بعد مقتل الأرشيدوق النمساوي فرديناند، وكانت الشرارة كذبة حولتها جميع وسائل الإعلام العربية وغير العربية لحقيقة. فقد تقدم التيار الإسلامي بطعن دستوري حول البند الحادي عشر من المادة الثلاثين في الدستور. وهذا البند ينص على ترك مسألة تحديد طريقة انتخاب الرئيس للبرلمان (مجلس النواب المنتخب). وسبب الطعن بسيط بدوره، فقد أجيزت تلك الفقرة بعدد (١٢١) صوتاً بدلاً عن (١٢٤) صوتاً فقط. وقضت المحكمة العليا بدائرتها الدستورية، ببطلان تلك الفقرة. فما الذي حدث... صرخ كل الإعلام العالمي الغربي والعربي بأن المحكمة الدستورية قد أبطلت البرلمان برمته (مجلس النواب). وبما أن مجلس النواب (غير شرعي)، فلقد أضحت ليبيا بلا حكومة (فراغ دستوري). وهذا كله كذبة سخيفة... لكن العالم بأسره كان يحتاج لتلك الكذبة لكي يتحرك.. يتحرك لأين؟ يتحرك لتقويض الصاروخ الشعبي الليبي نحو القوة. وبدأت (ذات الدول التي مولت إسقاط القذافي) بتسريب الدعم لمليشيات فجر ليبيا التابعة للإخوان المسلمين. وفي ظل (فراغ دستوري مزعوم).. نشبت حرب بين كتلة (شرعية منتخبة)، ومليشيات لا سند قانوني لها. فما الذي حدث.. كل الإعلام الدولي، أصبح يتحدث عن حرب أهلية؟ وهذا غير صحيح.. لقد كانت هناك حرب ضد الشعب الليبي والذي يمثله برلمانه المنتخب وجيشه تحت قيادة حفتر، من قبل حركات إرهابية أو متمردة. لكن العالم غير النزيه وغير الأمين، عندما يرغب في جعل الباطل حقيقة، يستطيع ذلك.. فحتى الآن هناك غالبية من الشعب الليبي تعتقد حقاً أن الحرب حرب داخلية بين مليشيات.. ولا تعلم أنها حرب مرتزقة ضد شعب. لكن المسألة لم تتوقف هنا.. لقد تم اتخاذ قرار بنسف أي شرعية للبرلمان الليبي، وهكذا جرت مفاوضات عديدة، انتهت باتفاق الصخيرات في المغرب.. ودعونا نرى بين من تم الإتفاق لنشاهد تلك المهزلة السخيفة التي تمت: لقد كان أطراف الإتفاق ثلاثة: الأمم المتحدة كراعية للمسرحية الهزيلة، ثم بضعة اعضاء من البرلمان المنتخب بقيادة محمد علي شعيب. ومن هو شعيب هذا؟ شعيب هذا كان حجر الزاوية، إذ كان نائباً للبرلمان المنتخب، ولكنه لعب على الحبلين، فقد تم استقطابه من الدول المحركة للصراع، وبمجرد أن وقع استقال من البرلمان وعينته الحكومة الوهمية الجديدة ممثلاً دبلوماسياً لها في أوروبا بعد قبضه (للسمينة). ومن هو الطرف الثالث؟ جسم غريب اسمه المؤتمر الوطني الجديد، لا علاقة له بالمؤتمر الوطني الذي انتخبه الشعب، بل تكون من المهزومين من الإخوان المسلمين (لاحظ رعاية الأمم المتحدة لمصالح الإخوان المسلمين-لعبة بنت كلب). وهكذا تم توقيع اتفاق على تكوين حكومة جديدة اسمها (حكومة الوفاق)..بين ثلاثة أطراف: طرف هو الغرب نفسه وطرف صنعه الغرب، وطرف استقطبه الغرب. فأين الشعب الليبي؟ لا يوجد هل صدق الشعب الليبي عبر برلمانه المنتخب على ذلك الإتفاق؟ لا..لقد رفض الشعب الليبي الواعي والمتحضر ذلك.. طيب.. فما الذي حدث.. بمجرد رفض مجلس النواب للاتفاق، أشتغل الإعلام العالمي، وأصبح يصف الحكومة التي انتخبها الشعب بالحكومة الانقلابية، ويصف تلك الشرذمة من العملاء المصنوعين بأنها حكومة شرعية.. وانقلب كل شيء رأساً على عقب.. كل دول العالم اليوم منقسمة تجاه ليبيا.. ولكنهم كلهم متفقون على عدم الاعتراف بحكومة الشعب الليبي.. ستسمع في الإعلام..جملاً مضحكة مثل (حكومة الوفاق المعترف بها (دوليا))، وستسمع بجملة (مليشيات حفتر) -رغم أن حفتر جزء من حكومة شرعية، على العكس من مليشيات حكومة الوفاق، التي لا تستند إلى للإعلام العالمي الموجه.. أخيراً هذا العالم يربكني دائماً
جهل الشعوب مؤسف..
الآيدولوجيات التي تفضل تدمير أوطانها مؤسفة..
العملاء الذين يشتغلون لمصالح دول أخرى مؤسفون..
الإعلام الكاذب الذي يزيف الصور... يُدمي قلبي على الإنسانية المُجَهَّلة والمغيبة والمغلوب على أمرها إن كانت واعية..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست