أول ما يلفت نظر الزائر إلى الشمالية عندما يمر بالظلط الموازي للنيل هذه الأيام (الدميرة)، كتل البلح المتدلية من رؤوس أشجار النخيل على طول الطريق، مما يبعث الطمأنينة في النفس بأن هذه البلاد لا زالت بخير.. والبلح والماء كانا غذاء أساسيا في بيت النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام (الأسودان).. فقد كان يمر الشهر والشهران ولا توقد في بيت رسول الله نار ويكون الغذاء الوحيد هو هذين الأسودين!! الشمالية بعد الاستقلال كانت مديرية واسعة من شمال الخرطوم إلى حلفا.. ولكنها حاليا انقسمت إلى ولايتين هما نهر النيل والشمالية فاختصرت الشمالية بين حلفا شمالا إلى أبي حمد جنوبا.. وفي التعداد الأخير لم يتجاوز عدد سكانها المليون نفس!! والسبب هو الهجرة المكثفة إلى خارج الولاية التي تمت خلال الحكم الوطني ثم إلى خارج السودان بسبب تدني الوضع الاقتصادي.. وفي حديث عن مشروعات التنمية في سبعينات القرن الماضي قال الأستاذ محمود محمد طه: (الشمالية بالنسبة للسودان تشبه (رقبة القزازة).. فرقبة القزازة يمر بها الماء إلى عمقها وعندما تمتلئ القزازة يعود الماء إلي رقبة القزازة مرة ثانية فيملؤها.. فالخير الذي دخل السودان كله مر من خلال الشمالية ولكنه لم يعد إليها ثانية لتنال حظها منه كما يحدث للقزازة!!).. الحقيقة لم تقم مشروعات تنمية في الشمالية تخلق استقرار سوى مشروعات الإعاشة الخمسة التي أقامها الإنجليز عام ١٩١٧م.. وهي نوري والكلد والغابة والبرقيق والقرير.. فإذا أجرينا دراسة لهذه المشروعات نجد أن حواشة المزارع في ذلك التاربخ البعيد قد توزعت ورثة عبر جيلين!! فالفرد الوارث اليوم لا يكاد يستلم مساحة يمكن أن تسمى أرضا زراعية.. فقد تناقصت حتى صارت أمتارا معدودات.. هذه المشروعات في زمنها كانت كافية لإعاشة المزارع، وكانت تنتج الذرة والفول والبصل وسائر أصناف الخضروات.. ولكنها مع تناقص المساحات تحولت إلى بساتين لأشجار المانجو والبرتقال والنخيل وغابت المحاصيل والخضروات بخاصة عن المسرح تماما وحاليا تستورد من العاصمة أو أطراف أخرى!! هذه البستنة أحدثت تغييرا جذريا في البيئة الطبيعية فقد تحولت المنطقة برمتها إلى غابات وظهرت فيها جميع مكونات الغابة القديمة وسترد إشارات لهذا التغيير بين ثنايا هذه المقالات.. هذا العام شهد فيضانا لم يسبق له مثيل منذ مائة عام ودمر المنازل في كثير من المناطق المتاخمة للنيل.. الجديد في هذا الفيضان ظهور التماسيح بأعداد كبيرة بثت الرعب والهلع في نفوس المواطنين.. فالتمساح معروف بالقدرة على البطش والافتراس بقوة يستحيل معها الفكاك منه.. وهو يتغذى على الثديات عامة إضافة إلى الأسماك.. الغريب في هذا الحيوان أنه يمكن أن يحيا بلا طعام لأشهر أو عام كامل!! وعمره يتراوح ما بين ٧٠ إلى ١٠٠ سنة وهنا يظهر شبه مع الإنسان.. والتماسيح عادة تعيش على جزر غير مأهولة في عرض البحر تضع فيها بيضها وتربى فيها صغارها بدون رعاية من الإناث.. ونتيجة لارتفاع المياه غرقت هذه الجزر فتاهت التماسيح مع قوة التيار واتجهت نحو ضفتي النيل لترتاح على اليابسة.. فالتمساح حيوان برمائي يقضي معظم وقته خارج المياه.. وعندما ظهرت على الضفتين وشاهدها الناس تتجول وترقد على أراضيهم انعدم الأمن.. وقد حدث تداخل لتماسيح مع البيوت المتاخمة للنيل في تنقاسي ومقاشي وحزيمة والقرير وأطلق كل من شاهدها ساقيه للريح!! وأحد المواطنين فتح باب منزله المتاخم لمياه الفيضان فتفاجأ بالتمساح أمامه وبسرعة أحكم إغلاق الباب ثم جرى نحو زوجته وقذف بها خارج المنزل من الجهة المعاكسة!! وقد اختطف تمساح أحد صائدي الأسماك الذي كان يعد طعاما لزملائه وظهره علي النيل لكن بكل أسف تحول هو نفسه إلى فطور للتمساح!! ولعلنا تابعنا حادثة الكلاكلا التي اختطف فيها التمساح شاب صغير كان يقف على الشاطئ!! ولكي تعرف عزيزي القارئ لماذا هذا الهلع والخوف والرعب إليك هذه المعلومات عن تمساح النيل من الويكيبيديا:
(تمساح النيل هو حيوان ضارى من مفترسي القمة متحين للفرص وهو نوع عدواني جداً من التماسيح يملك القدرة على قنص أي حيوان تقريباً في مجاله.. وهو حيوان مشاعي، يتغذى على مجموعة متنوعة من الفرائس. يتكون نظامه الغذائي في الأغلب من أنواع مختلفة من الأسماك والزواحف والطيور والثدييات.. وهو أيضاً من مفترسي التربص ويمكنه أن ينتظر بالساعات، والأيام وحتى الأسابيع ليتحيّن اللحظة المناسبة للهجوم على الفريسة وجرها إلى الماء. كما أنه حيوان مفترس أَلْمَعِي (قادر على التفكير بسرعة وبذكاء) وينتظر الفرصة لتقترب الفريسة حتى تدخل في مداه الهجومي. حتى الفرائس خاطفة الحركة لا تكون آمنة من هذا الهجوم. وهو كباقي التماسيح الأخرى، لديه أفكاك لها عضة قوية للغاية فريدة من نوعها بين جميع الحيوانات وأسنان مخروطية حادة تغوص في اللحم مما يجعل قبضته على الفريسة من المستحيل تقريباً أن ترتخي. ويستطيع أن يطبق على الفريسة بتلك المستويات العالية من القوة لفترات طويلة من الزمن، وهي ميزة كبيرة تمكنه من الاستمرار في الإمساك بفريسة كبيرة تحت الماء حتى تغرق.. تماسيح النيل هي تماسيح اجتماعية جداً فيما بينها. فهي تتشارك في اماكن التشمس (الاستدفاء) وفي مصادر الغذاء الكبيرة مثل قطعان الأسماك وجثث الحيوانات الكبيرة. وهناك تسلسل هرمي صارم في عملية التشارك الغذائي، يتم تحديده حسب الحجم. فالذكور الكبيرة، والأكبر سناً تكون في الجزء العلوي من هذا التسلسل الهرمي ويكون لها الأولوية في الحصول على الغذاء وأفضل الاماكن للتشمس. وتعرف التماسيح مكانها في هذا الترتيب الهرمي، ونادراً ما تتمرد عليه، ولكن عندما تفعل ذلك، فإن النتائج تكون دموية جداً وأحياناً حتى مميتة. وكباقي التماسيح الأخرى، تضع تماسيح النيل البيض للتكاثر، وتقوم الإناث بحراسته. وتقوم أيضاً الإناث بحماية الفقس لفترة من الوقت، ولكنه يصطاد غذاؤه بنفسه، ولا يغذيه الوالدين.. تمساح النيل هو واحد من أنواع التماسيح الأكثر خطورة وهو مسؤول عن مئات الوفيات من البشر كل عام. وهو نوع شائع من التمساح وغير معرض لخطر الانقراض.. ويبلغ طوله ٤ إلى ٥ أمتار ويسير في الماء بسرعة ٣٥ كيلو في الساعة.. ويتراوح وزنه ما بين نصف طن و ٩٠٠ كيلو!!) انتهى.. عندما برز الفرد البشري في الغابة وجد نفسه محتوشا بقوى صديقة وقوى عدوة.. الصديقة تمده بالنور والدفء كالشمس والماء كالامطار وهو عاجز عن مكافأتها.. أما العدوة كالصواعق والاعاصير والحرائق المجتاحة فقد جعلته يعيش في رعب وهلع.. ومن هنا بدأت العبادة بالتزلف والصلاة والدعاء بالطمع في القوى الصديقة والرهبة من العدوة.. الغريب أن قدماء المصريين اعتقدوا في أن التماسيح تحل فيها أرواح الآلهة فقدسوها وحنطوها وعبدوها.. ويبدو ان السبب هو شدة البطش التي شاهدوها في التماسيح (إن بطش ربك لشديد!!) فظنوا أن هذه القوة لا بد وراءها أرواح آلهة!! كان الإنجليز قبل السكة حديد يستعملون البواخر بين حلفا والخرطوم وكانت التماسيح أكبر مهدد لهم.. ولذلك عندما اكتملت السكة حديد ودخل كتشنر القصر الجمهوري أقام حفل افتتاح لمرحلة الحكم الثنائي بالسودان.. وقد حضر اللورد كرومر من القاهرة وهو كان المندوب السامي البريطاني ليلقي كلمة بريطانيا فقال في كلمته مخاطبا كتشنر وأعوانه: (لقد جئتم إلى بلد ليس فيه غير الرمال والتماسيح!!)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست