• ختمت جماهير الشعب مواكبها الهادرة في ٣٠ يونيو ٢٠٢٠م بعد أن أوصلت ما أرادت أن توصل من رسائل وإنذارات إلى مختلف الفئات من الفاعلين والمتفاعلين والمتفرّجين والحالمين والمهرّجين والمتآمرين.
• ما يهمنا في الوقت الراهن من تلك الفئات التي وصلتها الإنذارات، فئة الفاعلين من أهل الحكم، فهم أهل الحل والعقد، وقـد وضعت الثورة في أيديهم كل الإمكانيات المتاحة والصلاحيات المطلقة لحكم البلاد وخدمة العباد ومحاربة الفساد واستكمال المحاكمات وصولاً الى الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية لتسليم مقاليد الحكم لنواب الشعب.
• الجميع يعلم أن الطريق ليس مفروشاً بالورود للحكومة الانتقالية، فهناك عقبات ومطبّات وحقول ألغام تقتضي من الجميع اليقظة والحذر والمشي على رؤوس الأصابع لتنفيذ مطالب الجماهير وأحلامها في وطن حدّادي مدّادي يعمه السلام والازدهار والوفرة في السلع والخدمات الأساسية التي يدفع المواطن ثمنها من حر ماله، ومع ذلك ما زالت الطوابير هي السمة البارزة للفترة الانتقالية رغم وعود الوزراء المتكررة!
• في سعيها للتجاوب مع بلاغات موكب ٣٠ يونيو أجرت حكومة الدكتور حمدوك تعديلاً وزارياً بإعفاء وإقالة ٧ من الوزراء بعد حوالي ٩ أشهر فقط من جلوسهم على الكرسي الوثير، وللإنصاف، ينبغي أن نقول أن الوزراء المعفيين لم تكن كراسيهم وثيرة إلا على سبيل المجاز، فقد اصطدموا منذ اليوم الأول بأوضاع متردية ومشاكل متراكمة منذ عقود، إلا أنّ ذلك الواقع البائس لا يبرر الأداء الباهت حسب إفادات لجنة التقييم، لذا لم يجد رئيس الوزراء خياراً آخر غير الاستماع لرأي المواكب الهادرة وإجراء التعديل الوزاري المذكور بهدف تحسين الأداء المتواضع لحكومته خلال المرحلة القادمة.
• لا أحد يشك في إخلاص الطاقم الحكومي ولا في ثورية الدكتور حمدوك، ولكن تحقيق مطالب الشعب يحتاج إلى المزيد من الجرأة وإلى حتمية التواجد داخل صندوق الأفاعي وعش الدبابير .
وما نيل المطالب بالتمني ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
• والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل الحل في إعفاء الوزراء؟ هل مشكلة الدكتور حمدوك في الأشخاص؟ وهل ستُحل مشاكل البلاد بمجرد استبدال الوزراء بآخرين؟
• الوثيقة الدستورية واضحة في بنودها المتعلّقة باستحقاقات الفترة الانتقالية ومهام واختصاصات الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي والمجالس والهيئات الأخرى التي تم إنشاؤها لأداء مهام محددّة وواضحة بموجب الوثيقة، ومع ذلك لم نزل نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً. لذلك، اعتقد أن الحلول الناجعة لمشاكل البلاد لا تأتي بالضرورة عن طريق الإعفاء والتعيين.
• فإعفاء الوزراء الذين أُصيبوا بنيران الإعلام المرئي والمكتوب وبنيران وسائط التواصل الاجتماعي لا يعني، بأي حال من الأحوال، نهاية للمشاكل والطوابير والأزمات. نحن في حاجة إلى التركيز على تفعيل عمل الهياكل الوزارية ولجانها الفنية لتنفيذ مضمون الوثيقة الدستورية ومقرراتها أكثر من حاجتنا إلى استبدال الوزراء تحت تأثير أحزاب المحاصصة.
• فبعد قرارات الإعفاء والإقالة، نشرت الصحف المحلية (16/7/2020م) أخباراً مفادها أن هناك مشاورات سرية تجريها الآن قوى الحرية والتغيير والحكومة بغرض إجراء تعديلات جذرية على التشكيلة الحكومية المرتقبة مع وجود توجّه لفتح الوثيقة الدستورية وإجراء بعض التعديلات عليها!
• وأضافت الصحف أن معظم القوى السياسية عقدت عزمها على فتح الوثيقة الدستورية وإلغاء المادة ٢٠ التي تحرِّم على من تولى منصباً في الفترة الانتقالية الترشُّح في الانتخابات العامة المقبلة.
• إنّ سعي القوى السياسية نحو الاستزوار ولو أدى ذلك إلى زيادة عدد الوزارات لتصل الى ٢٥ وزارة يعتبر، في تصوري، خيانة لروح الثورة وأهدافها وشعاراتها.
• أيضا، سعي أحزاب الحرية والتغيير لفتح الوثيقة الدستورية وإلغاء المادة ٢٠ يعتبر خيانة أخرى للثورة المجيدة. بل إن مثل هذا العبث بالوثيقة الدستورية يعيد إلى الأذهان ما كان يفعله النظام البائد من تعديلات دستورية من وقت لآخر، أتاحت للمخلوع البقاء في سدة الحكم لمدة ثلاثين عاماً!
• سؤالنا إلى أحزاب الحرية والتغيير: لماذا هذا التكالب على المناصب؟ أين الوفاء لمبادئ الثورة؟ هل فوّضكم الشعب لخدمته أم لعقد الصفقات السرية والترضيات والتنازلات؟
• ألا نستطيع التعامل مع ثقافة الاستقالة؟ لماذا هذا الحرص من أحزاب الحرية والتغيير على تعديل الوثيقة الدستورية لضمان المناصب المستقبلية، وهي العاجزة حتى الآن عبر حكومتها عن الوفاء باستحقاقات الفترة الانتقالية!
• لماذا لا يحذو السياسيون لدينا حذو القادة الغربيين عندما يتعلق الأمر بالدستور وإلزامية نصوصه بدلاً من الالتفاف على النصوص بالتعديل والإلغاء كما تفعل أحزابنا الحاكمة الآن؟
• لما ذا لا يحزم مسئولي الفترة الانتقالية حقائبهم ويغادروا مكاتبهم بصمت عند انتهاء فترة تكليفهم بدلاً من التخطيط من الآن لتأمين مواقع لهم في المرحلة الحزبية القادمة؟
• قبل عدة سنوات رصدت الكاميرات الرئيس الفرنسي الأسبق (جاك شيراك) وهو يغادر قصر (الإليزيه) الفخم بعد انتهاء فترة حكمه ليستقر في شقة عادية في إحدى العمائر في باريس!
• أيضا نقلت لنا التلفزة لحظة مغادرة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (ديفيد كاميرون) بعد خسارته لاستفتاء بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، فبادر إلى تقديم استقالته ثم حزم حقائبه وغادر مقر إقامته العريق في (1٠ داونينغ استريت) وتوارى عن الأنظار.
• هذا النوع من السلوك الذي يحترم الشعب هو ما نريده لوزرائنا وقادة أحزابنا السياسية، بدلاً من فتح الوثيقة الدستورية والعبث ببنودها بالتعديل والإلغاء.
• ما زالت الفرصة متاحة أمام الدكتور حمدوك لتشكيل حكومة رشيقة من أصحاب الكفاءات والخبرات من الوطنيين بدلا من الانزلاق في المتاهات الحزبية وجرثومة المحاصصة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
طه داوود
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست