في 89 كان قادة الثورة لا يزالون في شبابهم، البشير وابراهيم احمد عمر واخرين، لم يكونوا قد بلغوا الخمسين، اما البقية فكانوا في الاربعينات، اما الأصغر سنا امثال يوسف عبد الفتاح، فقد كانوا في الثلاثينات، وهؤلاء كانوا هم الاغلبية.
وبعد ثلاثين عاما: تصبح اعمارهم عند وفاة النظام ستينات وسبعينات، وبعضهم علي وشك الدخول في الثمانينات. فأين الشباب؟ االمخلوع قال ان 2019 سيكون عام الشباب! وحينما يتحدث عن الشباب كان يتحدث عن الرياضة، وكان يتحدث عن مراكز الشباب، من هذا تفهم معني الشباب في ذهنه: الشباب يعني الكَفَر والوَتَر! في النهاية وبعدما شافوها شينة ، ادخلوا بينهم بعض الشباب، امثال حامد ممتاز، وياسر يوسف، وهما تقريبا في نهاية العقد الخامس! وقد كانا تائهين في الزحمة! ومع ذلك كانت الفضائيات الرسمية تركز عليهما.
انانية الكبار لم تقتصر علي المناصب القيادية فقط، جميع الادارات الوسيطة في الخدمة المدنية كانوا من العواجيز، مديرو ومساعدو مدراء الهيئات والاقسام المنضوية تحت كل هيئة ومؤسسة، وحتي الموظفين الادني، كانوا يحتالون ويصغّرون اعمارهم، الامر سهل جدا، تُسحب شهادة الميلاد او التسنين ، ويؤتي باخري تاريخها قبل 10 او 15 سنة، وهذا لان الملفات تكون احيانا بيد نقاباتهم.
لماذا كبار السن؟ لماذا لم يستعينوا بالشباب؟ لان الكبار دائما يسيّرون العمل كما هو معتاد، as it is ! وما وصلت الامور الي ما وصلت اليه، الا لان التغيير اصبح مستعصيا، كل شئ -ابسط شئ- لا يمكن تغييره، لو ان القيادات الانقاذية ورّثوا مناصبهم لاولادهم، لما وصلنا الي ما وصلنا اليه، فالشعب ثار لأن الحكومة فلت منها زمام الأمر، ولم تعد تستطيع ان تغيّر او تعدّل شئ، الاصلاح كان مجرد خطب ومقالات جوفاء، لا يمكن تنفيذ شئ منها، توصيات مؤتمر الحوار مثلا ما كان يمكن تنفيذها، الشئ الوحيد الذي تم تنفيذه هو ارجاع الساعة، وحتي هذه تحايلوا عليها، اصلا كان هناك شكوي من خروج الصغار مبكرا للذهاب الي المدرسة، ولكن عندما رجّعوا الساعة قدموا موعد بداية اليوم الدراسي، فجعلوه في السابعة بدلا عن الثامنة.
لم يكن لقادة النظام العواجيز مجال للتفكير والابداع ، من اجل تغيير الأوضاع، كبار السن اصلا لا يميلون للتغيير، بل هم يقدّسون القديم، ويتفاخرون بما يسمي بالجيل الذهبي، لانهم - يعني- جزء منه، وينعتون الجيل الحالي بانه جيل فاشل في كل شئ، هذا بصورة علنية او ضمنية. يكفي ان يذكروا شخص واحد في اي من الجالات، عبد الله الطيب، التجاني الماحي، الكاشف، المحجوب، ...الخ، لكن مشاكلنا السياسية والادارية مبدؤها من ذلك الجيل، والاجيال التالية لا تخلوا من مبرّزين في مختلف المجالات، ولكن القائمين علي أمر الأعلام دائما من جيل الكبار.
رأينا اثناء الانتفاضة كيف كان كل الكبار ضد الثورة، وكانوا هم الذين يزيلون المتاريس، فيأتي الشباب فيعيدونها، وهذا كان احيانا يكلفهم ارواحهم، وكلكم تعلمون ذلك، فالآباء كانوا يغلقون ابواب المنازل في الليل، حتي لا يخرج ابناؤهم الثوار، ولكن الشباب كانوا يقفزون من اعلي الجدران، وكان الآباء يثبّطون من همم الشباب، يقولون: (يعني حا تعملوا شنو؟) واذكر تعبير احدي الاخوات القبطيات: (يعني حا تجيبو الديب من ديلو؟) وفي حافلة المواصلات استبعد "جدو" ان يسقط النظام، وقال أن 90% من الشعب مؤتمر وطني.
جيل الكبار جيل عنصري بامتياز، لانه نشأ في البادية والريف، في احضان القبيلة، فلم تكن القبائل تختلط مع بعضها، ولذلك كان كلٌ يفاخر بقبيلته، وهم يعدّون معرفتهم بالقبائل شيئا جيدا! ولا تكاد جلسة تخلو من حديثهم عن القبائل!
والكبار يتفاخرون بالماضي، يصفون الحاضر بانه لا شئ كما الماضي، مع ان هناك تطور في كل شئ، في الاتصالات، في المواصلات، في كل شئ، لكنهم لا يعترفون بالتطور ، ويفضلون الاشياء القديمة، يذكرون انجازات الماضي، السكة حديد، الخزانات، الكهرباء، تعبيد الطرق، وينسبون هذا لعبقريتهم وتفوّقهم، ودائما يظنون ان الشخص الكبير ينجز اكثر من الشاب، ويؤمنون بالمثل: (الدهن في العتاقي) وبهذا قتلوا الشباب، قتلوا ابداعهم وحماسهم وحيويتهم واملهم، فماذا كانت النتيجة؟ تردًّ وتخلف، جوع ووسخ ومرض وجهل، وحروب وعنصرية وقبلية، الفرق بيننا وبين بعض جيراننا قد يكون مئات السنين. فنحن في ظل سيطرة المسنّين، اصبحنا تقريبا نعيش في الماضي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة