كانت الساعة الثامنة والنصف صباحا الاسبوع الماضي، وكنت ذاهبا الي السوق لشراء بعض الأغراض اليومية، تنبهت لخطبة دينية تبث من مكبر صوت، الصوت كان عاليا، اعلي من ان يكون صادرا من منزل او محل تجاري.
"هم يريدون ان يغيروا المناهج.. .. ان يحولوا اولادنا الي ملحدين.. .. ان ينزعوا عنهم ثوب الايمان.. .. السفور .. الفجور.. .. اشاعة الفاحشة.. هذا ما يريدونه.. ..يدرسونه لابنائنا..الخ"
قتلني الفضول فاصررت علي معرفة مصدر الخطبة، وهذا لان الوقت ليس وقت خطبة او درس مسجد، ولكن وجدت نفسي اقترب رويدا رويدا من مئذنة احدي المساجد، بعدها تأكدت انه مسجد، لم ينته فضولي ، احببت ان اعرف هل هو تسجيل ام حديث مباشر، كان حديثا مباشرا، وكان يحضره عشرات الاشخاص، لاول مرة اري حديثا دينيا في المسجد في تلك الساعة، الثامنة والنصف!!! هل كان الحديث منذ صلاة الصبح، غير معقول ان يستمر حديث لاربع ساعات، في العادة هناك قلة تمكث بعد صلاة الفجر، وغالبا ما ينتظرون الشروق، وينصرفون حالما تشرق الشمس ويصلوا الضحي، وفي هذا التوقيت تقيم بعض المسجد خلاوي للاطفال، وايضا يمكن ان تكون دروس نسائية، اما ان يأتي رجال بالغون في هذا الوقت فهذا شئ جديد!!
ليتهم كانوا يتلون كتاب الله، وليتهم كانوا يتدبرون آياته، حتي تحفهم الملائكة وتغشاهم رحمة الله، ويذكرهم الله فيمن عنده، ولكنها أحاديث تحفها الشياطين، ويفرح بها ابليس.
الدين الاسلامي لماذا جاء؟ يقول النبي (ص): (بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) قرأت أن رجلا يهوديا معروفا كان يكره الاسلام كما يكره العمي، فكان يقرأ في كتب الاسلام ليبحث عن نقاط ضعف يهاجمه بها، ولما علم من سماحة الاسلام واخلاقه أسلم، فصار يدعو للاسلام ولأخلاق الأسلام، ماذا لو قُتل ذلك الرجل وهو في عدائه للدين؟ كان الدين سيفقد داعية مهما. الآن تذهب الي اخر اصقاع الدنيا فتجد المساجد واقامة الصلوات، فلماذا القتل والقرآن يقول (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) افي زمن النبي اراد بعضهم ان يعتدي علي رجل بال في المسجد، فنهاهم النبي (ص) وقال لهم: ( دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) انظر الفرق بين النبي وبين اتباعه، من كان اتباعه؟ انهم الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن انظر كيف استفاد صحابي مثل عمر بن الخطاب: دعنا نأخذ قصة اخري، فهذا يهودي يأخذ بمجامع قميص النبي (ص) (يقبقبه)، فهو يتهم النبي بتأخير سداد دين عليه، وذلك بحضور عمر، فاستل عمر سيفه ليقطع رأسه، فارتعب الرجل وخاف خوفا شديدا، فتدخل النبي (ص) وقال له: (يا عمر، انا وهم كنا احوج الي غير هذا، ان تامرني بحسن الاداء، وتأمره بحسن الطلب، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعا من تمر جزاء ما روعته) ولم يصدق الرجل ان يزيده عمر نفسه عشرين صاعا، وذلك (غرامة) علي ترويعه من قبل عمر، فما كان من الرجل الا ان اسلم، ولقد استفاد عمر فكان أرأف الناس بالعباد اثناء فترة حكمه، فمن المعروف انه كان ابيض البشرة سريع الخطوة جهور الصوت، ولكن في عام المجاعة انقلب لونه اسودا، وصار خافت الصوت بطئ الخطوة... - المجال لا يتسع للمزيد.
الدين ما شوهه الا مخالطته بالسياسة، النظام البائد كان يهتم جدا بوقوف المساجد في صفه، وظل ينشر خطابه الديني المتطرف منها، ويتحكم في لجانها وخطبائها، لا سيما وان الحكومة تعطي الائمة والمؤذنين رواتب شهرية، تذكرون تلك الخطابات التي كانت تحرض الاولاد علي القتال في الجنوب، باسم الدفاع عن الدين والوطن، وهي في الحقيقة تمكّن للنظام بصفته يعني هو الذي يحمي الدين، هو نفس الخطاب الذي بدأ ضد الروس والامريكان، وبأن عذابهم قد دنا!! الآن نفس الخطاب لم يبعد كثيرا، احيانا يكون مبطنا بغطاء القضية الفلسطينية، بحجة ان الامريكان هم السند الاقوي لاسرائيل.
هذا تمكين لا ادري كيف يكون التعامل معه، لا يمكن هنا ان يتدخل الافراد ولجان المقاومة، لأن هذا سيحدث فتنة وسيكون تأثيره عكسيا، ولكن لا يجب الاستهانة بهذا الخطاب، منابر المساجد لها مكانة عظيمة في قلوب الناس، وهم يأخذون كل ما يصدر منها بثقة ويقين، فالمؤمن صِدِّيق!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد سمنّور
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست