تعلمنا في المدارس والجامعات ان الدين اربعة مذاهب، وانه بينها اختلاف، ولكن ما عليك الا ان تأخذ باي منها، وهناك من يلزمك بتبني مذهب معين، فتكون حنفيا او مالكيا او شافعيا او حنبليا، وعليك بالتزام المذهب في كل مسائله وفتاويه،
ولا تدرس المدارس كيف ومتي ولماذا نشأت المذاهب، وذلك ربما خوفا من اضعاف مكانة هذه المذاهب في قلوب الناس،
ولكن الحقيقة ان الائمة الأربعة لم يؤسسوا هذه المذاهب، بمعني انهم لم يطلبوا من الناس ان يتبنوا كل أرائهم، بل هم فعلوا العكس تماما، فهم دعوا الي عدم تقليدهم، بل ان مالكا رفض عرضا بأن يؤخذ بموطأه ويدع ما سواه، يقول مالك في الموطأ: "لما حج أبو جعفر المنصور دعاني، فدخلت عليه فحادثته، وسألني فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي قد وضعت - يعني الموطأ- فتنسخ نسخاً، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوها إلى غيرها، ويدَعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدَث؛ فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا! فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به، ودانوا به من اختــلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وإنّ ردَّهم عما اعتقدوه شديد، فدَعِ الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم".
وكان مالك يحذِّر أصحابه من التعصب لقوله، أو التعلق برأيه في مواجهة النص؛ حيث قال: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".
أبو العباس المقري من كبار علماء المالكية وضع قواعدا في النهي عن التعصب للمذاهب منها: "لا يجوز التعصب للمذاهب بالانتصاب للانتصار، بوضع الحِجَاج وتقريبها على الطرق الجدلية، مع اعتقاد الخطأ والمرجوحية عند المجيب كما يفعله أهل الخلاف، إلا على وجه التدريب على نصب الأدلة والتعلم لسلوك الطريق بعد بيان ما هو الحق؛ فالحق أعلى من أن يُعلَى عليه وأغلب من أن يُغلَب"
وقد بين الإمام الشاطبي أسباب التعصب المذهبي ومضاره، وأنه خروج على منهج السلف، وذلك بقوله: "ولقد زلّ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال؛ أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم؛ فضلّوا عن سواء السبيل"
فأئمة المذاهب الأربعة نهوا الناس عن تقليدهم واتباعهم، وقد نقل ذلك عنهم ، وهو محفوظ من أقوالهم وكلماتهم :
قال ابن حزم : "وقد ذكرنا أن مالكا وأبا حنيفة والشافعي لم يقلدوا ، ولا أجازوا لأحد أن يقلدهم ، ولا أن يقلد غيرهم"
وقال أبو حنيفة : "لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه، وقال : لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت."
وروى ابن حزم بسنده عن المازني عن الشافعي: أنه نهى الناس عن تقليده وتقليد غيره
ونقل السيوطي عن الإمام أبي شامة أنه قال : نهى إمامنا الشافعي عن تقليده وتقليد غيره
وقال أحمد بن حنبل : لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي ، خذ من حيث أخذوا. وقال : من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال. وقال : لا تقلد دينك أحدا.
اذن فالمرجع المعتمد في النهاية هو قول النبي (ص) قال أبو حنيفة : " إذا جاء عن النبي (ص) فعلى العين والرأس ، وإذا جاء عن أصحاب رسول الله (ص) نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم"
وقال الشافعي : "كل ما قلت وكان عن النبي (ص) خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي (ص) أولى، فلا تقلدوني.
وقال مالك بن أنس: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.
ولكن جاء اناس بعد الائمة، فقدسوا اقوالهم فأخذوها ورفضوا ما سواها، ثم صار الناس يتوارثون المذاهب، ويتبعون أبائهم: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) الزخرف (22)
وسنحاول ان نذاكر لاحقا ماذا فعل التعصب المذهبي بالاسلام والمسلمين، وهذا ايضا اصبح من المسكوت عنه، نحن لا نريد ان يأتي احد فيخدعنا مرة اخري: ان الدين هو هذا- هو رأي فلان، وما عداه فلا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة