هو الشيخ يوسف بن أحمد الكونين، كما جاء في روايات التاريخ الصومالي، رجل دين من أصل عربي ونسب إلى بني هاشم، ولقد روي عنه قصص عديدة إلا أنها تميزت بالتناقض، وذلك بفعل تداول الألسنة لها وبتالي نسجها في هيئة خرافة كما يستشف من تفاصيلها، وقد قيل أنه عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، والمعلوم تاريخيا أن حضور الاسلام إلى الصومال كان سبق مجيئ الشيخ يوسف لهذا البلد.
وما يستدعي التوقف عند أسطورته أنه حيكت عنه روايات عديدة ومنها قصته مع ملك صومالي يهودي الدين كان يدعى بعر بعير وقيل أن إسمه محمد الحنيف، والقصة تطول، إلا أن نهايتها اختتمت بمقتل بعر بعير(١). وما يشد الإنتباه أن الروايات ذات الصلة ترى بأن بعر بعير كان يسمى محمد الحنيف، ومن الغرابة أن يطلق مسمى محمد الحنيف على شخصية يهودية متصدرة لبيئتها الاجتماعية! وهو ما يعزز ضعف تلك الرواية وتحويرها.
وفي سياق مماثل هناك قصة أخرى شملت الشيخ يوسف الكونين، ومسرحها جنوب الصومال في مناطق قبائل الديجيل والمريفلي في محافظة باي، وقد مرت أحداثها بين الشيخ الكونين وملك إسمه قنانا وبين الصوماليين في المنطقة، وقيل أنه كان غير مسلم وتسلط عليهم وهم مسلمين، وقد إنتهت بمقتل قنانا على يدي الشيخ الكونين (٢).
كما أن مدى إنتشار قصة الشيخ الكونين شملت جزر المالديف في المحيط الهندي، وأنه كان صاحب الدور في نشر الاسلام في الجزر، ويروي بعض الباحثين سيناريو آخر قال أن ابن بطوطة أخطأ بخصوص المالديف، وانحاز للسرد المغاربي في نسبته لأبي البركات البربري للأمازيغ( البربر)، بينما قد يكون أبو بركات البربري منحدرا من بربرة( ميناء تجاري قديم في شمال الصومال).
ويستطرد الكاتب عمران عبدالله قائلا " فعندما زار ابن بطوطة الجزر كان حاكم الجزيرة في ذلك الوقت هو الصومالي عبدالعزيز المقديشوي( نسبة لمقديشو الصومالية)، وكان عبدالعزيز سلطانا على الجزر من قبل سلطنة اجوران، وهي سلطنة اسلامية صومالية حكمت أجزاء كبيرة من منطقة القرن الافريقي في العصور الوسطى. ووفق هذه الرواية فقد كان أبو بركات البربري هو نفسه يوسف بن أحمد الكونين الذي أسس أسرة الوشمة في القرن الافريقي التي حكمت سلطنة عفت وسلطنة عدل في شرق افريقيا."(٣)
لقد تم تحميل الشيخ الكونين، ما لا يحتمل حيث نسجت عن شخصيته العديد من الروايات التاريخية والغير متناسقة، وعلى مساحة جغرافية تمتد ما بين الصومال والمالديف! والمعلوم تاريخيا أن الاسلام كان قد دخل إلى الصومال منذ القرن السابع ميلادي، ومن دلالات ذلك أن مسجد القبلتين بني في مدينة زيلع، وذلك قبل تغيير القبلة في فجر الاسلام. كما أن الرحالة إبن حوقل كان قد زار الصومال في القرن التاسع الميلادي، وأكد أن مدينة زيلع كانت حتى النصف الثاني من ذلك القرن يدين أهلها بالمذهب الحنفي، وهو ما يؤكد أن الاسلام قد جاء إلى الصومال قبل القرن الثالث عشر الميلادي والمقرون بحضور الشيخ الكونين.
ولقد لعبت مدينة زيلع تاريخيا دورا في التواصل الانساني وكان لها علاقات متينة مع العالم الخارجي، ومنها أوروبا، حيث كانت ميناء لتصدير والاستيراد، وعرفت البضائع القادمة من أوروبا، وبالمقابل صدرت إليها كما ذكر مؤرخون أوروبيين وعرب بصدد ذلك، وانطلاقا من تلك المعادلة، فلا يستبعد أن تكون قصة الشيخ الكونين مع الملك بعر بعير قد جاءت مع قدوم أوروبيين إلى الصومال، واقتباسها من قصة زيوس سيد الآلهة والذي واجه الوحش تايفون في جبل إتنا في جزيرة الصقلية الايطالية، وانتصار زيوس على تايفون في نهاية المطاف، حيث أن هناك تشابه كبير في حيثيات القصتين(٤).
وبالمحصلة فإن الشيخ يوسف الكونين الذي خاض كل تلك الوقائع الافتراضية، قد توفي في نهاية رحلته ببلدة اوبرخدلي القريبة من مدينة هرجيسا الصومالية، ويبدو أنه قد ترك كل من منطقة باي الصومالية جنوبا وبلاد المالديف في المحيط الهندي ليعود إلى مركزه الأول في شمال البلاد، ومن المفارقة أنه قد نشر الاسلام في المالديف المالكية وهو شافعي المذهب!
خالد حسن يوسف
- المصادر:
١- ليبان برخد، مقال الشيخ يوسف الكونين، بعر بعير( محمد الحنيف)،مدونة، نشر بتاريخ ٣ أغسطس ٢٠١٢. ٢- نفس المصدر. * بتصرف
٣- عمران عبدالله، من أدخل الاسلام إلى المالديف.. رحالة مغربي أم صومالي؟، نشر بالجزيرة نت بتاريخ ٢٣ مايو ٢٠١٩. ٤- نفس المصدر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة