عندما يرحل العظماء تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الفكر والمعرفة.
لا نرثي اليوم رجلا عاديا أو شخصا عابرا بل هو أحد رموز الفكر السياسي المترامي من المحيط إلى المحيط..
نقف اليوم بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم في موقع رثاء رجل صادق في فكرة وآرائهم رجل أحيا شعبه الذي افترسته وحوش التغريب والتحلل القيمي في حقبة الحداثة الزائفة، وعمل ليل نهار لخدمة قضايا أمته التي تآمر عليها القريب والبعيد، في زمن التبعية والهوان والردة عن المبادئ الناصعة والمعاني الجميلة.
يشكل الدكتور منصور خالد رقماً مهماً على الساحة السياسية السودانية وهو شخصية لا تزال تثير الكثير من الجدل وينظر اليها وكأنها مجموعة من الشخصيات تدثرت جلد شخصية واحدة. تربى الرجل ونشأ في بيئة محافظة ومتفقهة في العلوم والمعرفة وغلبت الغربة على حياته الشخصية فأوقعه ذلك في شراك الشبهات لكن الرجل لم يلتفت لذلك.
عاد إلى السودان بعد طول غياب في المهجر وانقلاب مايو 1969 لا يزال في اوج عنفوانه، فعمل وزيراً للشباب ثم للخارجية ومستشاراً لرئيس الجمهورية، خدم نظام مايو اكثر من عشر سنوات ثم تمرد على النميري وغادر السودان متجولاً في أكثر من مكان وشاغلاً لاكثر من وظيفة دولية وانبرى لكشف نقائص انقلاب مايو. عاد إلى السودان في اعقاب الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام النميري في 1985.
لم يمكث سوى ايام معدودات وغادر لينضم إلى «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، مستشاراً لزعيمها جون قرنق. ولأن الدكتور خالد متعدد المعارف واللغات وفسيح العقل فقد عكف على الكتابة فأجادها. له من المؤلفات الكثير. كلها يحمل هم السودان. من مساهماته السياسية البارزة مشاركته في صناعة اتفاقية اديس ابابا 1972 التي هيأت للسودان عشر سنوات من الاستقرار السياسي، ومشاركته الفاعلة في التوصل إلى عدد من الاتفاقات بين الحركة الشعبية وبعض الفعاليات السياسية الاخرى، اسهم في اتخاذ التجمع الوطني الديمقراطي المعارض العديد من القرارات الناجزة، والمشاركة في اتفاقية السلام الشامل 2005 مع الراحل الدكتور جون قرنق .
لا تقتصر حياة منصور خالد على المواقف الصلبة والقدرات الفكرية والسياسية الباهرة، بل إن رجل الفكر والسياسة امتلك مرونة دبلوماسية مدهشة صقلتها المحن والخطوب والتجارب والخبرات، ليشكل شخصية بديعة ذات ملامح ومكونات متكاملة تُوّجت بكاريزما ذاتية وحضور لافت لا يختلف في جدارتها وأهليتها أحد.
الدكتور منصور خالد جسد حقيقة نجوميته وانتمائه شعبه وقضايا أمته ليس عبر اسمه المجرد، بل عبر مسيرة حياته العامرة وتاريخه الحافل الذي لم يعرف يوما معنى التردد والتراجع أو الخور والانكسار.
الدكتور منصور خالد في زمرة العمالقة ، لمعارفه الموسوعية ، وكتاباته التي تقطر شهداً وقمحاً ووعداً وتمني . نسجل ادناه سبعة من كتب الدكتور منصور ، التي ندعو القارئ الكريم لمراجعتها لأهميتها : كتاب ( حوار مع الصفوة ) ، كتاب ( لا خير فينا إن لم نقلها) ، كتاب ( السودان والنفق المظلم) ، كتاب ( الفجر الكاذب ) ، كتاب ( جنوب السودان في المخيلة العربية) ، كتاب ( النخبة السودانية وإدمان الفشل) ، كتاب ( قصة بلدين ) ، كتاب ( الثلاثية الماجدية: صور من أدب التصوف في السودان) والعديد كتب واوراق ومقالات وبحوث للدكتور منصور خالد . سيظل الدكتور منصور خالد حيآ فينا بفكرة و آرائه و بطولاتة تعازينا لأسرتة و لزوية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة