لن أتحدث عن الشهداء ، ما دام هناك تحقيق يجري ولجنة مكونة لهذا الغرض ، فلا نريد أن نسبق الأحداث ، بالرغم أن الناس وخاصة أسر هؤلاء الشهداء قد بلغ بهم طول الانتظار ما بلغ ، وها هو رئيس اللجنة الأستاذ أديب يطلب التمديد ، ولعلنا نرجو أن يصل إلي شيء يسر ويبرد نار آباء الشهداء وحشا الأمهات المكلومات . لكن حديثي عن مفقودي الاعتصام . وهم ثلاثة أقسام .. مجموعة لازالوا مفقودين ولا يعرف أحد عنهم شيئا ، ومجموعة هائمة على وجهها في الشوارع يحسبهم الناس من المتشردين أو المجانين وما هم منهم ، ومجموعة استطاع أهلهم الوصول إليهم والعودة بهم للأسر . الذين ارجو أن ألفت النظر إليهم هم هؤلاء الهائمون على وجوههم . أرسل لي أحد الناشطين مقاطع فيديو تبكي الصخر ، عن هؤلاء الهائمين على وجوههم في شوارع الخرطوم وفي مدن أخرى ، ممن كانوا في الاعتصام في تلك الليلة السوداء . لا أعرف كم عدده ولا أحد يعرف . أحد الفيديوهات يظهر أحد هؤلاء وهو في حالة غير طبيعية يحكي عما حدث له ولصديقه الذي أصيب وكان يحتضر بين يديه وهو يحاول أن يلقنه الشهادة ، عندما فوجئ بمن يمسك ذراعة من القوات المهاجمة ويغرز فيها إبرة ( حقنة ) غاب بعدها عن الوعي ليجد نفسه في الحال العصبية التي وجدها عليه الشباب ، وصوروه بملابسه المتسخة وحالة من العصبية والتوهان ، تقطع القلب . وهكذا تتكرر المشاهد لشباب في عمر الورد ممن تعرضوا للتخدير والحقن بمواد معينة تسبب حالة نفسية وعقلية وتوهان وفقدان الذاكرة . بعض من هؤلاء الضحايا تنتابه نوبة من البكاء المتواصل ، والبعض الآخر يستطيع أن يتذكر جزءا مما حدث ولكنه سرعان ما تنتابه حالة من الخوف والرعب . القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو أنهم تعرضوا للحقن بمادة ما أدت لما هم عليه من حالة عصبية ونفسية سيئة . ليسوا جميعا بلا أسر ، ولكنهم في حالة لا يستقرون فيها في بيت وبين أهلهم فينطلقون في الشوارع بلا هدف . لنا أن نتساءل عن مدى مسؤولية حكومة الثورة عن هؤلاء ، نحن نعرف أن هناك لجنة تحقيق حول أحداث اعتصام القيادة وأن هناك أكثر من مجموعة أهلية تعمل من أجل حقوق الشهداء ، لكن أين حقوق الأحياء من مثل هؤلاء . لايمكن أن تتجاهلهم السلطات المسؤولة وتتركهم هائمون على وجوههم . أين وزارة الرعاية الاجتماعية ، وأنا حقيقة لا أعرف هل هناك وزارة بهذه الصفة أم لا ؟ واين وزارة الشؤون الدينية والاوقاف ، وأين المنظمات الطوعية . لماذا لا تتكون لجنة حكومية خاصة لجمع هؤلاء من الشوارع وايوائهم في احد البيوت الرئاسية وتقديم الرعاية الصحية والنفسية لهم ، والبحث عن أسرهم . وتكون من مهام اللجنة ايضا البحث عن المفقودين وتقديم العون والمساعدة لاسر الشهداء خاصة أن منها ما كان الشهيد وحيدها وعائلها . والمساعدة ليست مادية فقط ولكنها مساندة نفسية واجتماعية يمكن أن تستقطب المتطوعين وأهل الخير وهم كثر . بل يجب أن تمتد أعمال اللجنة أو المفوضية لتشمل بالرعاية النفسية كل من تأثر في هذا اليوم وتأذى نفسيا وعقليا وهم كثر . ربما كان هناك تأخير في تحقيق العدالة والقصاص من المجرمين ، لكن هناك بلا شك هناك تأخير كبير في معالجة آثار فض الاعتصام ، وربما كانت بعض المنظمات النسوية أفضل من غيرها في معالجة آثار فض الاعتصام على المغتصبات بالرغم من حساسية الموضوع وصعوبة جمع المعلومات حوله . لابد لي من شكر بعض الناشطين الذين ظلوا يراسلونني طالبين مني الكتابة في هذا الموضوع وها هو مطلبهم قد استجبت له فهل يجد صدى لدى المسؤوليين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة