ترامي إلى سمعي أن جامعة الخرطوم طالبت باسترجاع داخلياتها التاريخية من صندوق رعاية الطلاب. وهي عمائر مستحقة للجامعة بلا أدنى شك. ولكن تساءلت إن كانت الجامعة نوت، متى استردت داخلياتها، للعودة للتكفل بإعاشة طلابها. وهي وظيفة لم توفق فيها حتى قبل قيام دولة الإنقاذ. وانعكست سلباً على مواردها واجبة الصرف على مهمتها الرئيس وهي التعليم والبحث. وكان المرحوم جعفر محمد علي بخيت، المشرف على شؤون الطلاب في نحو 1968 أو 1969 أول من قرع جرس الإنذار لتنأى الجامعة عن أن تكلف نفسها ما لا طاقة لها به من عيش طلابها. واذكر أنه اقترح أن تسدد المديريات والمجالس تكلفة إعاشة الطلاب من جهاتها على دائر المليم بطريقة تتواضع عليها. والجامعة براء. لا غضاضة لو أرادت الجامعة رد عقاراتها لأغراضها أو لتأجيرها لصندوق الطلاب. وصح، إن أرادت العودة لإعاشة طلابها كسابق عهدها، أن تعد للأمر عدته على ضوء خبرتها فيه. وهذه كلمة عن محاولة غير موفقة سبقت للجامعة استرداد داخلياتها في نحو 2004. ليس من بين من تعاقبوا علينا من رؤساء الجمهورية أو الوزراء من يكتب خطبه التي يلقيها على مسامعنا سوي الصادق المهدي أو ربما المحجوب. ومن تجربتي فغالباً ما تطلب رئاسة الجمهورية أو أمانة مجلس الوزراء من الجهة التي سيخطب في مناسبتها رأس الدولة أن تعد له خطابه. فحتي رئاسة الجمهورية او أمانة مجلس الوزراء لا تستقل بكتابة الخطاب من مصادرها وبوجهة نظرها. ويعني هذا ببساطة ان يذيع رأس الدولة ما تريده له المؤسسة صاحبة المناسبة. وفي هذا تمكين ما بعده للبيروقراطية. فبتفويضها كتابة مثل هذا الخطاب تأمن الديوانية من المساءلة والمؤاخذة التي لا يستقيم عملها بدونهما. فالبيروقراطية بهذا التفويض تستخدم رأس الدولة نفسه لإذاعة ما تريده عن نفسها للجمهور. ولم تعد خطب الرؤساء بذلك ساحة لطرح رؤاهم ونظراتهم وتقويمهم القيادي بل تحولت الي وثيقة تحالف وتضامن أكيد مع بيروقراطية الدولة. وبالنتيجة باخت هذه الخطب في نظر المواطنين. وكان الناس ينتظرون نميري ليخرج على نص خطبه المعدة ليروا حقيقة تفكيره. وكان خروجه من النص مع ذلك لحظات صدق نادرة تذوقها الناس وتداولوها. خامرتني هذه الخاطرة عن خطب رأس دولتنا بعد قراءتي لخطاب الرئيس البشير في افتتاح مجمع بشائر السلام لسكني الطالبات قبل أيام. ولم يخالطني الشك أن الصندوق القومي لرعاية الطلاب هو الذي أعد للرئيس خطابه. فقد كان الصندوق بحاجة ماسة الي صوت الرئيس وميكرفون الرئاسة ليتقوى بهما في خصومته المعلنة مع بعض اتحادات الطلاب واتحاد طلاب جامعة الخرطوم بالذات. وحصل الصندوق بالطبع على ما أراد في فقرة سلبية في خطاب الرئيس عن أولئك الذين ينتقصون عمل الصندوق من اهل الردة الي الماضي. وهذا ما عنيته بتناصر الرئيس والبيروقراطية الذي يقع إعلامياً بمحض تفويض مؤسسات الدولة تدبيج خطاب الرئاسة متي ما دعته لمناسباتها. واستغربت للرئيس يظاهر الصندوق ويستعدي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بغير مسوغ واضح. فلم نسمع أن الرئيس أو مؤسسة الرئاسة قد اجتمعت بالاتحاد وتداولت معه خصومته للصندوق. وأخشى بذلك ان يكون الرئيس قد حاكم الاتحاد بلونه السياسي المعارض المعروف وصرف اعتراضاته على منهج الصندوق كأضغاث معارضة. والمشاهد أنه اتحاد أخذ بتبعاته حيال الطلاب بجد ورصانة. بل أن نقده لأداء الصندوق مما يقع بالضبط في سياق حمله الأمانة التي علقها عليه الطلاب. فللاتحاد مآخذ قوية على الصندوق أحصاها في تحقيق متماسك للأستاذة ندي مختار بجريدة الخرطوم (11 يناير 2004). وربما اشتط الاتحاد في النتيجة التي خلص لها من فرط معاناة طلاب جامعته في مساكن الصندوق بمطلبه أن تعود داخليات الجامعة الي سابق عهدها تحت إدارة جامعة الخرطوم. وقد أسفت أن إدارة الجامعة وافقت الاتحاد على ذلك. ولم تبذل لهم خبرة فشلها المؤكد في إدارة هذه الداخليات في السابق في ملابسات تضعضع ميزانية الجامعة، وفشلها في استنباط موارد بديلة. فقد سمعت الإداريين يشكون عن تنازعهم بين الصرف الذي لا يتأجل علي سكن وغذاء الطلاب، والصرف المؤجل المدمر على أساسيات الجامعة نفسها. يقتضي العدل من الرئيس ومؤسسة الرئاسة أن لا يرهنا حكمها بالتنفيذيين المحاصرين بنقد النقابيين. فقد استغربت مثلاً أن الأمين العام لصندوق الطلاب لم يلتق بعد باتحاد طلاب جامعة الخرطوم طوال محنته معهم. ويجرؤ مع ذلك بوصفه بالواقف على رصيف الأحداث بينما ينطلق مارد الصندوق يصنع المعجزات أو كما قال (الراي العام 20 يناير 2004). وليس من شأن الرئيس ان يسعف البيروقراطيين الذين يذمون منظمات الشعب الديمقراطية من فرط فشلهم في كسبها لسياسات الدولة ونظمها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة