سيرة الخرطوم والدم ..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 07-16-2025, 10:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-11-2020, 10:47 AM

يوسف الطيب احمد إدريس
<aيوسف الطيب احمد إدريس
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 1226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سيرة الخرطوم والدم ..

    09:47 AM January, 11 2020

    سودانيز اون لاين
    يوسف الطيب احمد إدريس-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    سلسلة حلقات يكتبها الصحفي عزمي عبد الرازق على صفحته في الفيس

    عن مقتل رجل الدين الشيعي مهدي الحكيم

    Quote: الرواية الكاملة .. من الذي قتل مهدي الحكيم في قلب الخرطوم (١)
    *عزمي عبد الرازق*
    في تلك الليلة التي أسفر صباحها عن يوم الثامن عشر من يناير (1988) كان فندق الهيلتون الخرطومي على موعد مع كارثة مهولة، سوف تقض مضجع الحكومة لأعوام،
    وتحبس أنفاس العالم، رجل مهم سُيقتل الليلة، مهم جداً، ولن يجد رئيس الوزراء الأربعيني ذو اللحية المخضبة ما يقوله للصحافة، كان كل شيء مروعاً،
    كانت الملاعق المتلاصقة في مائدة الطعام ترتجف بقوة، وكان القمر شاحباً خلف النافذة، لم يأت أحد ليطلب قهوته، أو يجلس على المقاعد الخشبية، الممشى خال تماما من المارة،
    غير أن دوي الرصاص ما لبث أن أيقظ بعض نزلاء الهيلتون وسط صرخات مختنقة، وتحت سماء متلاصفة الوميض، أما التيار الكهربائي فقد تذبذب هنيهة، ثم ذوى، ثم انقطع،
    ولما عاد كانت ال( بي بي سي) قد أذاعت خبر مقتل الداعية العراقي الشهير مهدي الحكيم، ورجال الشرطة السودانية قد أغلقوا الطرقات،
    بينما لاذ القاتل بالفرار واستعصم بالمجهول، إلى تاريخ يومنا هذا.. سوف نشرع الحكاية كواحدة من أخطر الجرائم السياسية في نهايات القرن المنصرم، بين أيدينا الآن شهادت حية وتفاصيل مثيرة.
    من قتل الحكيم؟
    صباح الخميس، أي قبل أربعة أيام من الحادثة المدبرة، هبط السيد الحكيم أشهر رجالات عصره مطار الخرطوم، للمشاركة في مؤتمر الجبهة الإسلامية،
    ينبغي الإشارة هنا إلى انكار رجال الجبهة تماماً دعوتهم للحكيم، لكن قرائن الأحوال تثبت صحة تلك الدعوة، وتبين أن الجميع يريد أن يتخفف من أعباء ذلك الحضور باهظ الثمن،
    وينأى بنفسه عن العواقب المحتملة، الأمر الذي حمل القيادي الإسلامي النور زروق لأن يحشد مرافعة قوية، توضح حقيقة ما جرى،
    قدر عجيب أيقظ النور بعد (15) عاماً من الصمت ليكتب عن ملابسات الحادثة، ويدحض رواية أمين قريش نائب مدير المباحث الجنائية وقتئذِ،
    نحن هنا نحاول أن نفتل على جديلة أخرى، ونتقصى سيرة الصلصال والدم، أين القاتل، ومن يتكتم عليه؟ كيف ينجو من ينجو هاربا عبر فجاج الأرض،
    ويعترف من يعترف تحت موجات التهديد، ربما، كما حدث للسفير حامد السعدون على قناة (فرانس 24) قبيل أعوام قليلة، السعدون
    أشار إلى تسنم القاتل منصب سفير العراق بإحدى الدول، كل يرمي نحو الآخر، البعث والحرس الثوري، ومن ثم الجبهة الإسلامية المتهمة باستدراج الحكيم،
    أي محنة في تمام سوداويتها هذه، وأي رياح ستهب من أفق الصحاري مغبرة بالاستفهامات، لقد هرب الجناة على متن سيارة مرسيديس تحمل أرقاماً دبلوماسية وتواروا عن الأنظار،
    الجناة المغبرة هويتهم أيضاً؟!

    ليس ثمة خلاف حول تاريخ وصوله _ أعني الحكيم _ وبالضرورة حول دخوله الخرطوم بجواز سفر مزور، سوف يلتقي به مدير (سيتي بانك) في تلك الليلة ويخف به عبر سيارته الخاصة إلى الفندق،
    فندق الهيلتون الذي يمثل عقاراً فخماً من الطراز الفريد، يرتاده الرؤوساء وضيوف البلاد الكبار، أمثال الحكيم المتخفي هنا بأسماء عديدة، سيقال عن ظهوره فيما بعد على ألسنة العامة وشيعته، إنه رجل عظيم،
    في غاية الوسامة واللطف، تشع عيناه بذكاء خاطف، ويكتسي وجهه بذلك النوع من الضحك الوقور، ثم ترى رجلا من أشد الناس طولا وأتمهم بياضاً، إبن الخليج واهب المحار والردى، مدخر لزمان لم يأت،
    فهو أول من أدار مركب دفة التغيير السلمي في العراق، ويعتبر صانع ملامحه المبكرة، إنه النسخة الثائرة على الاستبداد والطغيان، إنه خميني العراق.
    رحلة اللاعودة
    ستكون مدينة الضباب هى مسرح العرض الأول من الحكاية، لندن التي اختارها الرجل ملاذاً له، كعادة المعارضين في الشرق الأوسط، ينزلون فيها وتتوهج عقولهم،
    غالباً ما تمنحهم طاقة هائلة لنشدان الخلاص، خلاصهم الأكيد من قبضة الشمولية، بدأت رحلة الخروج تتكشف شيئاً فشيئاً، تدق ساعة (بيغ بن) منذرة بالوداع.

    صبيحة الجمعة 7 يناير يتسلم الحكيم دعوة رئيس تحرير صحيفة (العالم) سعيد محمد للمشاركة في المؤتمر الإسلامي، سعيد شيعي من البحرين ويحمل جوازاً بريطانياً،
    يدس الشيخ يده في جلبابه الفضفاض كما الحاوي ويظهر جواز سفره، كأنه تحوط لهذه اللحظة، لم تكن التأشيرة السودانية وقتها يسيرة، كان ثمة بطء في استخراجها يستغرق عدة أيام،
    وربما يطول أكثر، ولم يكن نشاط الجبهة الإسلامية غراماً في عيني الديمقراطية الثالثة، هذا الرجل السوربوني الطامح تحركاته المريبة غير مريحة البتة لرئيس الوزراء،
    رغم المصاهرة التي تجمع بينهما، والرفقة الدراسية المحدودة في لندن أيضاً، المهم بعيد أيام يبدأ القلق يصيب الحكيم لتأخر جوازه، فيستفسر سعيد مجدداً، يكتشفان ضياع الجواز في زحام القنصلية،
    يبدو زحاماً مصطنعاً، يظهر في الصورة التجاني عبد القادر ودبلوماسي آخر سوف يصبح لاحقاً وزيراً لخارجية الإنقاذ، ربما أوجدتهم الصدفة في تلك الأيام،
    لكن وجودهم دون شك له علاقة وطيدة بترتيبات سفر المدعوين للمؤتمر، التماس سريع يعجل بحصوله على التأشيرة، وتأتي الجمعة الحزينة، حيث تنطلق رحلة اللاعودة من مطار هيثرو.
    سنوات الفتنة
    السفارة العراقية في الخرطوم، والرابضة في شارع مُضاء قليلا تستقبل عدة برقيات سرية، صيد ثمين بحوزتنا، السفير طارق يحيى يدير سماعة الهاتف ويكلم بغداد،
    الأوضاع في عاصمة الرشيد توطنت لضباط البعث بالكامل، وصدام بشاربه العربي الكثيف كالأبطال يقطع نهر دجلة سباحة، ويصطاد الغزلان ببندقيته وتجره خيول مطهمات،
    كان الملحق الإعلامي مثنى الحارث رجلاً بعثياً خطيراً، هو ضابط في المخابرات على ما يبدو، سوف يثير ظهوره في المطار واضطرابه بعد مقتل الحكيم حفيظة الحضور،
    فتقتنصه العيون المتربصة، سوف يصعد على متن طائرة عراقية أقلت بعض الوزراء ويختفي في جوفها، بالنسبة لمجريات التحري سيكون الحارث متهماً في الحادثة،
    وسيختفي الرجل إلى الأبد، ويتوارى في أعقاب سنوات الفتنة والإقتتال الطائفي.
    دعاية سوداء
    كانت شوارع الخرطوم هادئة نسبياً وكان رصيفها باردا، المقاهي العريقة تغص بالمثقفين، وصحف الجبهة الإسلامية تمهد للانقلاب بالحديث عن الأسعار والفوضى،
    محاكمات سدنة مايو هدأت لتوها، وصوت عمر نور الدائم يجلجل في البرلمان، بالكاد تحصل على تذكرة (أين تسهر هذا المساء).. ولربما تأخذك روحك التواقة إلى حفل حنان بلبلو،
    ترقص وتغني معها (الليلة وين ما تحن علي قطارو سافر).. وفي تلك الأيام شديدة التوهج أو بعدها سوف تُقتل طالبة الثانوي الجميلة أميرة الحكيم، ببشاعة لا تضاهى،
    وتنسج على أثرها دعاية سوداء تقوض نظام الصادق المهدي، إنه زمن غريب، مزيج من الحنين والاضطراب، مزيج يتجنى على رجل العراق الأشهر، وسليل العترة النبوية كما تقول سيرته المبذولة،
    ضيف الجبهة الإسلامية أو ضيف البلاد بحالها! لم يشهد السيد مهدي الحكيم الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بل غُيب عن قصد، كان من ضمن المدعوين الفنان العالمي يوسف إسلام، وقلب الدين حكمتيار من أفغانستان،
    وأنور إبراهيم من ماليزيا، مما اضطر الدكتور الترابي المنتشي بهذا الزخم أن يوفد النور زروق ومحمد يوسف إلى الهيلتون ليعتذرا للحكيم، وينظرا ما وراءه،
    بعد فاصل من الحديث يدسان في أذنه تحذيراً بأن عيون عناصر البعث ربما تطارده، في اليوم الثاني من صبيحة ذلك التحذير يطرق النادل باب غرفة الحكيم، يلتقط صوتا هامسا خلف الجدران،
    يخرج له المرافق بهندام متواضع، فيخبره النادل أن شيخاً في غرفة الاستقبال بانتظارهم، في الحقيقة لم يتوقعوا حضور أحد في ساعة متأخرة من الليل، فمن ذلك القادم المجهول؟ في ظرف عشر دقائق يهبط الحكيم،
    ويتفرس ملامح الرجل، إنه رسول آخر من زعيم الجبهة الإسلامية، إنه الشيخ أحمد علي الإمام المتحدث البارع، كان الإمام يدرك أن ضيفهم مشغول بتصاريف الخلاف بين الشيعة والسنة، ويبحث عن مشتركات تفتح كوة عريضة للحوار،
    في الحقيقة لم يكن الحكيم شيعياً متزمتاً، بل كان أكثر مرونة في الأخذ بأسباب الخلاف.
    في صباح اليوم الثالث هبط مرافق الحكيم إلى غرفة الاستقبال ومدد فترة الإقامة لأيام، كان هنالك ما يستلزم ذلك، خصوصاً وبرنامجهم يزدحم بالمقابلات، والرغبة في انجاز أمر ما،
    أمر غير معلوم، غالباً له علاقة بضرب مواعيد مع ضيوف المؤتمر من شتى أنحاء العالم، الطيف السياسي من المدعوين فرصة نادرة للتعريف بالقضية العراقية، المتمثلة أكثر في تحقيق وفاق شامل يحافظ على مكونات الدولة،
    ويمنح العراق مكانته الطبيعية دون مغامرات صدامية، بإمكانه أيضاً تجسير الهوة بينه والمختلفين من بقية الطوائف، وبشكل أدق بين السنة والشيعة، لم تكن الفوارق هائلة في نظره، حتى وإن أخذت منحى سالباً جراء دعوات المتطرفين،
    لم يندم كونه جاء إلى هذه البلاد السمراء البعيدة، رغم أنه لم يشهد الجلسة الافتتاحية، ولربما كان وجوده مشوباً بالحذر، فعادة لا تدوم نوبات الندم طويلاً لديه. سيلاحظ النور زروق في غرفة الجلوس انعطافة حادة وهو يكلم ضيفه،
    كان أكثر ما أثار فضوله إصرار هذا الرجل على حضور بقية الجلسات، والإلحاح المتصل من قبل الدكتور سعيد محمد لحضور الحكيم، وهي نفسها الظروف غير المقنعة التي جعلت الجبهة الإسلامية تبعث تلكس يوم 8/1/1988 مضمنة فيه رفض حضوره،
    لكن مهدي بفراسة عربية، شعر بالاستفهمات تتنامى لدى زروق ومرافقه، وقال بصوت مطمئن بعيد أن حدق في الفراغ العريض: "أعلم أنني غير مدعو، وأجد لكم العذر، لكنني أريد حواراً فكرياً"،
    كان النادل يصب كوبين من القهوة ويبتسم بطريقة أقل ما توصف أنها برتوكولية .
    نواصل








                  

01-11-2020, 10:52 AM

يوسف الطيب احمد إدريس
<aيوسف الطيب احمد إدريس
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 1226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيرة الخرطوم والدم .. (Re: يوسف الطيب احمد إدريس)


    الحلقة الثانية

    Quote: سيرة الخرطوم والدم .. من قتل مهدي الحكيم؟الحلقة الثانية
    عزمي عبد الرازق
    يوم الحادثة أنفق عمر نور الدائم وزير الزراعة حينذِ جل ساعات النهار في مكتبه، وكان يتهيأ لافتتاح مؤتمر الزراعيين العرب المنعقد بالخرطوم، تحديداً في فندق الهيلتون.
    بعد مغيب الشمس يكتظ المكان بالسفراء والوزراء، قليل من رجال الحراسة غير المسلحين، ووجودهم مُدخر لحماية ضيوف البلاد، بالطبع ليس من بينهم محمد مهدي الحكيم،
    الأخير هو ضيف مؤتمر الجبهة الإسلامية، لكنهم وللمفارقة "سينكرونه ثلاث مرات قبل صياح الديك" .
    سوف يشهد شيخ العرب عمر نور الدائم الجريمة من مسرحها الدامي، وسيكون مطلوباً بعيد ذلك للإدلاء بشهادته ،
    استرعى انتباه عمر نور الدائم في تلك الليلة بعض أصحاب النظارات السوداء وهم ينتشرون في فناء الهيلتون الخرطومي، كان عددهم لافتاً، وأحدهم يتخفى بعيداً،
    وكانت هنالك سيارة (مرسديس) دبلوماسية رابضة بالخارج، السائق يغطي وجهه (بطربوش) أبيض تعبره خطوط رمادية، قبيل ذلك بدقائق توقف ضيف البلاد الكبيرة جوار موظف الاستقبال وطلب مفتاح غرفته،
    مشى قليلاً في السجاد الفارسي، مشى بثقة عمياء، وهنا حدثت الكارثة.
    يحكي شيخ العرب ويقول : " والله العظيم ما رأيت أشجع من مهدي الحكيم قط، فعندما صاح أحدهم: من فيكم الشيخ الحكيم، رد عليهم بصوت لا زال يرن في أذني : نعم أنا الحكيم" .. إنه النداء الأخير والعمر يمضي إلى نفاد.
    نعود إلى لندن، المدينة الغارقة في الضباب، والتي سُيفتح فيها بعيد شهر تقريباً ملف سفر الحكيم الغامض إلى الخرطوم بعد مقتله، أوما عرف بسجلات اسكوتلنديارد، السماء ليست صافية والرؤية شبه مستحيلة،
    مما يجعل سيارة سعيد محمد تتخبط في الطرقات، لقد كان سعيد رئيس تحرير صحيفة (العالم) اللندنية يتأبط خطاب الدعوة، ويبحث من بين الأصدقاء عن اسم محمد باقر الحكيم الشقيق الأكبر لمهدي،
    يا لها من عائلة مفجوعة، لقد قضى أبناء المرجع الشيعي الأسبق آية الله محسن الحكيم التسعة اغتيالاً على يد أجهزة المخابرات، مستثنين من ذلك النجل الأكبر للحكيم، يوسف، الذي توفي في النجف بصورة طبيعية،
    ومحمد الذي أجله الموت كان مدعواً لمؤتمر الجبهة عوضاً عن مهدي الحكيم، وتم استبداله في اللحظة الأخيرة، قضى هو الآخر بانفجار في سبتمبر (أيلول) 2003 عند بوابة ضريح الإمام علي في النجف،
    أما مهدي، فسوف يستدرج ليقضي نحبه في فندق الهيلتون، وسيكون لتلك الجريمة تداعيات مجلجلة، لكون الرجل عالماً وشيخاً يمثل رقماً مهماً وخطيراً في الحسابات العالمية، معارضاً شرساً لنظام البعث،
    ووريثاً محتملاً للثورة الخمينية، بعيد تعريبها في بغداد، كما أنه ظل يمهد بقوة لطي الفوارق بين السنة والشيعة، ليأخذ الحوار بين الطوائف منحىً ايجابياً، وهذا ما جعله يقفز على بطاقة دعوة المؤتمر الإسلامي في الخرطوم،
    هنا سيجد كل رموز العمل الإسلامي، وفي هذا الأجواء كان الشقيقان بارعين، وكانا بنفس البراعة في عجزهما عن فهم ما تخبئه لهما الأقدار داخل الهيلتون، أو لأحدهما بالأحرى .

    في ذلك اليوم الموعود كانت الخرطوم على موعد مع حفل الفنان شرحبيل أحمد، سوف تسهر حتى الصباح وترقص على وقع ضربات الجاز، بينما تتهيأ الجبهة الإسلامية لمؤتمرها،
    المنعقد في الفترة من 14 الى 16 يناير 1988م بمقر صالة الألعاب المغلقة، كان عدد المؤتمرين يتراوح ما بين الألفين والثلاثة آلاف، أما البيان الختامي، سوف يتلى في ميدان المولد جنوبي الخرطوم .

    الجبهة كانت الواجهة السياسية للإخوان، ولكن التطورات كانت أسرع وأضخم وأكثف من أن تستوعبها الأجهزة التنظيمية، وكان الدكتور الترابي يحاول تداركها بجهد جهيد،
    وبصورة أخرى فإن الجبهة الإسلامية هى المرحلة التي تمكن فيها شعور الحركة بأنها تحولت من جماعة إلى مجتمع، ومن دعوة إلى دولة، ولذا يعتبر هذا المؤتمر العالمي تدشيناً لسياسة الإنقاذ الخارجية إلى حين،
    كل الثوار من شتى الأنحاء، ومن ضمنهم الحكيم، وبحسب رواية القيادي الإسلامي النور زروق فإن الحكيم لم يطلب حضور الجلسة الإفتتاحية، وكل ما ترجاه منهم هو مقابلة الترابي، دون تحديد طبيعة الأجندة التي سيناقشها معه،
    ولكنها غالباً تنحصر في كيفية التعايش بين السنة والشيعة، أكثر ما يؤرقه كرجل عراقي طامح في السلطة، وعندما أخطر الترابي بذلك قال لهم " إكرموه فهو ضيف السودان ولا يحضر المؤتمر" كان الوقت ليلاً،
    وكانت الساعة تجاوزت العاشرة بقليل، وهى الساعة نفسها التي كان مقرراً أن يلتقي فيها الحكيم كلاً من محمد يوسف المحامي والنور زروق، وسيقدمان له الدعوة لتناول الغداء في منزل محمد يوسف .

    بعد الحادثة بسنوات قليلة يسافر الباحث في الشئون الإسلامية صلاح الكامل ضمن فوج سياحي إلى طهران، يتوقف ركبهم عند الحوزة العلمية في قم، ويلاحظ صلاح لافتة غريبة منتصبة على قبر السيد الحكيم الذي وري الثرى هنالك،
    الشاهد مكتوب عليه بالفارسية " هذا قبر الشهيد الحكيم الذي استدرج وغدر به في السودان، ولم يراع السودانيون أنه ضيفهم" لكن، ويا الدهشة بعد ثورة الإنقاذ، والانعطافة المشهودة في العلاقة بين البلدين توجه الحكومة الإيرانية بإزالة تلك اللوحة تماماً،
    ومما هيج الظنون أن الحكيم قتل بصورة غادرة، وبرز قصور بائن في شكل الحماية الغائبة، ما أدار كؤوس التلاوم المتبادل بين الجبهة الإسلامية وحكومة الصادق المهدي، والمثير في الأمر أن محمد الباقر الحكيم شقيق القتيل،
    والضيف الذي طاشته الدعوة، حضر إلى الخرطوم من إيران عبر طائرة خاصة لحمل الجثمان، وقال قولته التي أقضت مضجع المسؤولين في الدولة " دم الحكيم في أعناقكم حتى تقبضوا على الجناة وتحاسبوهم وتحاكموهم" لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، أبداً،
    لقد فر الجناة على نحوٍ سينمائي .

    بدت الشوارع عارية ومذعورة، الصحف دلقت زيت المطابع تحت وميض العيون، وما أثار دهشة رئيس قسم التحقيقات والمباحث الجنائية اللواء شرطة جعفر طلحة أن الترابي لم يخطر الحكومة بمقدم الحكيم،
    ولم يخطر الحكيم نفسه بدرجة خطورة وجوده في السودان، خاصة وأن الحكومة العراقية ممثلة في وزير الأوقاف شهدت ذلك المؤتمر ! بل أن الترابي حينما كان نائباً عاماً ذهب إليه طلحه وسلمه ملف القضية،
    وبدا له أن موقفه كان ضعيفاً وغامضاً وليس بحجم الحادثة المروعة، هنالك أيضاً رواية متداولة تشير إلى أن الإمام سعى للاتصال بالجبهة الإسلامية لتقديم الحكيم لها وحمايته بعد تسريبات أمنية عن تهديد حياته، وقيام الحكيم بوساطة بين الترابي والمهدي .
    تمضى الوقائع بشكل درامي هائل يشوبه الغموض، الجميع ينفون صلتهم بالحادثة، وتختفي الخيوط بمرور الأيام، لكنها سرعان ما تتكشف شيئاً فشيئاً،
    إذ أن العراقيين بصورة خاصة فوجئوا بالسفير حامد السعدون يطل عليهم من شاشة (فرانس 24) قبل أعوام قليلة، وفي الوقت نفسه تلسعه مكالمة من شخص مقيم في باريس يقول له
    «أنت مجرم وقاتل وأنت من قمت باغتيال آية الله السيد مهدي الحكيم في السودان قبل أكثر من ٣٠ عاما" لكن السفير درأ عن نفسه التهمة وألقاها بعيداً،
    واعترف لأول مرة أن العصابة التي اغتالت الحكيم يعمل معظم أعضائها في وزارة الخارجية الحالية، منهم سفير وقنصل وسكرتير أول دون أن يسمِ أحداً،
    وأشار إلى أن المنفذ الرئيس لـ «العملية الدنيئة» لم يعود للعراق وتم تعيينه قبل أربع سنوات ولازال سفيراً في إحدى الدول .
    ندنو الآن من اللحظات الأخيرة، اللحظات الشكسبيرية المعقدة، حيث يتولد الشر، كأن هاملت يتربص بضيوف النيلين، شيء نتن يحدث هذه المرة في غير دولة الدنمارك، يحدث في الخرطوم،
    وهو ذلك المزيج الغريب من الكراهية والرغبة في الانتقام وتوطين السلطة بأي ثمن، حتى ولو على حساب دم ابن أخيهم المهدور، وكان ثمة اجتماع يجب الإشارة له، تم في مكان ما بين الراحل الترابي والحكيم،
    استمر حتى الساعة الثامنة وعشر دقائق، ليعود الحكيم إلى الفندق بعد ربع ساعة فقط وهو مرهق جراء يوم طويل، يقترب من الفندق، يقترب من حتفه، يعبر البوابة الخارجية، يتوغل إلى البهو، لقد كان في انتظاره شخصان يبدو أنهما عراقيان،
    وفي لحظة يلوح ذلك الفتى ذو الملامح الغامضة بسلاحه فيشتت الانتباه، ينسل آخر من الخلف ويسدد طلقات مميتة إلى صدر الشيخ الحكيم، الرعب يبتلع المكان، الضربة الثانية تأتيه من حيث لا يحتسب،
    ولذا كانت قاتلة، بينما تصيب مرافقه في ساقه، بغرض شل حركته، حتى لا يفتدي سيده، ورغماً عن ذلك يتدحرج المرافق نحو الشيخ، لقد سددوا نحو أكثر من رصاصة، وبللت الدماء لحيته، لقد مات!
    بينما فر الجناة بسيارتين، الأولى حمراء مرسيدس والأخرى مرسيدس بيضاء مسجلات بأرقام دبلوماسية ، ولكن ما الذي حدث بعيد ذلك، بل من الذي قتل الحكيم؟
    نطالع ونحكي .
                  

01-11-2020, 11:11 AM

يوسف الطيب احمد إدريس
<aيوسف الطيب احمد إدريس
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 1226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيرة الخرطوم والدم .. (Re: يوسف الطيب احمد إدريس)



    Quote: هبط السيد الحكيم أشهر رجالات عصره مطار الخرطوم، للمشاركة في مؤتمر الجبهة الإسلامية،
    ينبغي الإشارة هنا إلى انكار رجال الجبهة تماماً دعوتهم للحكيم،


    جنس لولوة ..

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de