أُحبط السودانيين وهم يتابعون خطاب الرئيس البشير ، فقد توقعوا أن يتخلى هذا الرجل عن السلطة ، ويفتح الطريق أمام الشعب السوداني ليمارس حقه الوطني في بناء البلاد على أسس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وعندما يترك الرئيس المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية سدة الحكم ، فسوف يبرق أمل بأن هذا الكابوس قد انتهى ، فتعود الدولة السودانية المختطفة للحاضنة الوطنية ، وتصبح المساءلة والمحاسبة هي من ثوابت العهد الجديد ، وبنفس المستوى سوف ترتفع قيمة الإنسان السوداني الذي ثار من أجل الكرامة والحرية ، تسريبات قوش لقناة العربية أوحت للمراقبين بأن البشير سوف يتنحى عن الحكم ، لكن تدخل القطريين في اللحظات الأخيرة قطع الطريق أمام هذه الخطوة الهامة ، فهناك رأي يمثله كل من الثنائي الماكر علي عثمان ونافع علي نافع وبقية المنتفعين من بقاء البشير في حكم ، وهو أنه لو تنحى البشير عن سدة الحكم فإن هذه الخطوة سوف تُسجل كانتصار ساحق لحركة الإحتجاجات ، وبأن الشارع السوداني سوف لن يرضى بتنحي البشير كنوع من التسوية أو جبر الخواطر ، بل هذا الشارع الذي يقوده تجمع المهنيين بحكمة وحرفية عالية سوف يطالب برحيل النظام بكامله وليس القبول بالتضحية بالرئيس البشير فقط ، خاف رجال الحرس القديم ان يكون سقوط البشير وتنحيه هو بداية النهاية لعهد أمتد لثلاثة عقود ، وهم جزء اصيل في هذا النظام ويتشاطرون معه كل الجرائم والفساد ، فلذلك كان من الأفضل – وفقاً لهؤلاء – بأن يبقى الرئيس البشير في سدة الحكم حتى تكون شعارات الثورة مقتصرة فقط على رحيل البشير وليس رحيل النظام.
فهناك تراضي بين الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني ورجال الأعمال على قرار البشير الأخير ، وهو بان يبقى في سدة الحكم وهو يتكئ هذه المرة على قانون الطوارئ وليس معتمداً على عصاة الحزب ، ومن أحترق مبكراً هو الجنرال صلاح عبد الله قوش والذي لم يقرأ المشهد السياسي بصورة جيدة ، فربما يكون السبب تعقيدات المشهد وضيق الوقت وانعدام حلقة الوصل بينه وبين الرئيس ، ولذلك تسرع بتسريب خبر تنحي البشير ، فربما يكون هو الضحية القادمة لتبعات خطاب (الصفرية ) ، ولن يتمكن الجنرال قوش من الإجابة على أهم سؤال يتداوله المهتمين بشئون السودان حالياً وهو لماذا تراجع الرئيس البشير عن قراءة خطاب التنحي من نسخته الأولى ، أو من هم الذين أجبروه على البقاء في سدة الحكم ؟؟ ، فالأن دخلت البلاد في نفق المجهول ، فتمت التضحية بحكومة معتز موسى والتي كان يتم وصفها بأنها حكومة وفاق وطني ، وهي إحدى مخرجات وثيقة الحوار ، والضحايا الجدد هم أعضاء أحزاب السياسية الذين تمسكوا بخشب السفينة الغارقة ورفضوا القفز منها وهم يتعللون بمختلف الحجج ، خرجوا عن الحكومة الان وهم مطرودين ، وتلاحقهم الخيبة وشماتة الشعب فيهم لأنهم لم يعملوا بالمثل العربي : (( بيدي لا بيد عمرو )) ، ولن يشفع للأستاذ حاتم السر الوعد الثلاثي الممزوج بالقسم الغليظ بانه لن تكون هناك صفوف في السودان سوى صفوف الصلاة ، والآن هم يجدون انفسهم في صفوف البطالة ، ومن خرج من الحكومة بسبب خطاب ((الصفرية )) فلن يجد مقعداً من جديد في أي تشكيل قادم ، لأن البشير حملهم مسؤولية تدهور الأوضاع الحالية ، حيث تم حل الحكومة في الهواء الطلق من دون الرجوع إليهم أوالتشاور معهم ، فكأنهم لم يغنوا فيها ، فبعداً لهم ، وقد ضيعوا أهم فرصة في حياتهم ليستعيدوا ضميرهم بأن يكونوا جزءاً من الشارع الثائر ، ولكنهم اختاروا المنصب والسلطة على الكرامة وحرية الشعب.
نعم عادت بلادنا كما بدأت في يونيو 1989 ، وعدنا لدور الوالي العسكري الذي يحكم من وراء ظله والي مستتر يمثل الحركة الإسلامية ،لكن ما حدث في عام 89 يختلف عن ما يحدث اليوم ، الشعب السوداني اليوم أكثر وعياً وتمسكاً بخيارات الثورة، و لن تنطلي عليه مسرحية : أذهب للقصر رئيساً وسوف أنا للسجن حبيساً ، فقد استنفذت الإنقاذ كل الحيل والتدابير ، وربما تكون قد استهلكت كل الرموز ، وتجدر الإشارة أن الثورة السودانية هي التي ضغطت البشير حتى يخرج بخطاب (الصفرية ) ، خطاب البشير يوم أمس لم يأت تحت ظل ظروف طبيعية ، بل جاء بسبب الضغط في خميس الرحيل الماضي ، ورد الشارع عليه لم يتأخر فخرجت الأحياء والحارات وهي تنادي برحيل كل النظام ، ولن يملك الجيش السوداني قوة ردع لقمع المظاهرات أكبر من التي رأيناها في خلال الشهرين الماضيين ، وميزانية النظام المتهالكة أفقر من أن تحتمل بند صرف جديد ، الرئيس البشير يعتقد أن الأزمة يكمن حلها عن طريق البندقية وتغيير الوجوه من وقت لآخر ، لكن الأزمة أصبحت الآن أكثر تعقيداً من ذي قبل ، فقرار إعلان حالة الطوارئ هو أشبه بقرار من يتجرع السم ، فالأزمة الاقتصادية سوف تشتعل ويزيد سعار السوق ، والمواطن السوداني المتردد والذي يراقب الثورة من نافذة بيته فلن يجد امامه سوى الخروج للشارع والمطالبة بكرامة العيش والحرية ، عندها سوف نسمع خطاب التنحي
02-24-2019, 01:31 AM
احمد حمودى
احمد حمودى
تاريخ التسجيل: 01-11-2013
مجموع المشاركات: 4364
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة