من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الفاشر؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 06:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-25-2020, 07:34 PM

عبدالغني محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 320

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الفاشر؟








                  

01-25-2020, 07:35 PM

عبدالغني محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 320

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: عبدالغني محمد الحاج)

    جواز سفر

    حافظ عباس

    والله نحن مع الطيور .. الما بنعرف ليها خرطة
    ولا في إيدها جواز سفر .. نمشي في كل المدائن
    نبني عشنا بالغناوي ..وننثر الأفراح دُرر
    الربيع يسكن جوارنا .. والسنابل تملا دارنا
    والرياحين والمطر ..
    ............
    والحبيبة تغني لينا .. لا هموم تسكن دروبنا
    ولا يلاقينا الخطر .. وين يلاقينا الخطر
    لو بقينا مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ..
    ولا باكر يا حليوه .. لما أولادنا السمُر
    يبقوا أفراحنا البنمسح بيها أحزان الزمن ..
    نمشي في كل الدروب الواسعة ديك ..
    والرواكيب الصغيرة .. تبقى أكبر من مُدن
    إيدي في إيدك نغني ..
    والله نحن مع الطيور .. الما بنعرف ليها خرطة ..
    ولا في إيدها جواز سفر .
                  

01-25-2020, 07:37 PM

عبدالغني محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 320

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: عبدالغني محمد الحاج)

    وجهي يتقشر منه ملامحهم

    أبحث عن زمنٍ مخبوء في نافذةٍ
    وجدار يرمقني بعتاب ...
    أبحث عن أمي ..
    وضجيج الصبية في الديوان
    أصوات الحدادين
    وريح الكير
    دوي المرزبة إذ يهوى في القلب
    وفي جمر الصوان ...
    O O O
    (الفاشِر) نافذة في شفق الفجر
    وحلم الخبز بذاكرة الفقراء المنسيين ....
    ظلام يسخر حين يمد لساناً
    في الطرقات وفي الحارات
    أضواء خجلى تتسرب من شرفات الطين ....
    ومن فجوات قطاطيها العامرة الدفء
    فنادق للآتين لها من أقصى الدنيا ....
    وللبجع الرحال نواصيها ...
    وأعالي الأشجار..
    الآن أجيئك ...
    وجهي يتقشر منه ملامحهم ....
    في جيبي ورق لا تصلح للتبياع ..
    آفاق سواري الليل ....
    وجندرما السلطان ....
    شوارعك الآن امتلأت بالغرباء
    ودور كنا نغمر مساحتها بطفولتنا ..
    ونلامس عطر عذاراها
    فنميز بن العشق وبين الطيش
    بشخبطة في الجدران ..
    O O O
    أبحث عن زمن مفقود
    هل يتمدد في بئرٍ ( بحجر قدّو)
    أم في قافلة (الكنين)
    أبحث عن زمن وحنين...
    عن قافلة تهبط من أعلا التل الشرقي ..
    بأعلاف ودعامات لبيوت الطين ..
    أبحث عن طبل ونحاس ..
    وسلاطين.........

                  

01-25-2020, 07:50 PM

عبدالغني محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 320

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: عبدالغني محمد الحاج)

    من كلماته::

    الضعفاء فقط هم من يزورون التاريخ الأقوياء لا يفعلون ذلك لثقتهم بأنهم لن يعلقوا فى مصفاته

    **********
    فى غفلة الخيام / الكل يبحث عن بطولة فى جسد منهك وشعب مشرد ••
    ويستمر الابتزاز
    **********
    اخاف لحلمك الذهبى أن يمضى سريعا يا بنى
    فكن خفيفا كى يمر الضوء ورديا وعطريا
    وكن فسيحا قدرما يسع الزمان لكى تمر الحادثات
    ********************************
    أخاف من زمن تضل النافذات طيورها
    وتطيش أسراب الفراش
    *****************
    ليس منا من كامل كلنا بمنقصة والرتق يكملنا
    *********************
    هن من يمنحننا قدرة النفاذ الى مسام الخصوبة واستنطاق اعياد البذور
    كل عام والحب اخضر
    *******************
    تحط القمارى على رمش نافذة
    وتطير الصحارى الى صمتها وهسيس الخواطر
    تؤوب المدينة للآيبين وللعابرين
    ومن يمضغون على عتبات المقاهى خيباتهم
    *********************
    عاجلتنى المدينة / قلت لها انتظرى
    عند منعطف الدرب فاطمة الآن قادمة بالنوارس
    والبحر فى راحتيها
    سنرسم فى اخمصيك بلاجا
    ورهطا من العاشقين
    ******************
    سأبقى وحيدا كقضية مهملة كقبة خضراء أو صفراء منتظرا شمسا تشرق من مغربها
    *********************
    تحرشت بها وتحرشت بى فكان اللقاء فى الثلث الأخير من الليل إنها القصيدة فلا تذهبوا بعيدا فهنا كل الظن إثم
    ***********************
    ليست الديموقراطية قطارا ما إن ركبناه حتى سار فى خط حديدى مرسوم /كلا إنها مركبة يجب ان نقودها من محطة لاخرى بكامل الوعى والصرامة والحضور
                  

01-25-2020, 11:22 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20382

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: عبدالغني محمد الحاج)

    اهلًا عبدالغني

    حافظ عباس هو صديق قديم، هو شقيق عالم عباس .
                  

01-26-2020, 00:44 AM

امتثال عبدالله

تاريخ التسجيل: 05-15-2017
مجموع المشاركات: 7424

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: osama elkhawad)

    عبد الغني
    واصل فتش لينا الشاعر الاريب ده وخليه يجي بكتب لينا هنا ،،،يخفف من همومنا ..
                  

01-26-2020, 01:05 AM

ترهاقا
<aترهاقا
تاريخ التسجيل: 07-04-2003
مجموع المشاركات: 8406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: امتثال عبدالله)


    ده شاعر ورسام من العيار الثقيل
                  

01-26-2020, 06:55 AM

عبدالغني محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 320

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: ترهاقا)

    نعم يا أسامة هو شقيق الشاعر الكبير عالم عباس
    تشكري الأخت إمتثال وعلى العين والراس
    تشكر الحبيب الفنان تهراقا


    كتب صلاح شعيب

    عالم عباس وجيله، عفوا .. بقلم: صلاح شعيب
    التفاصيل
    ما حظيت، إلى الآن، برؤية الشاعر عالم عباس عيانا قط، إذ حظيت برؤيته عبر حروفه الجزلة. ولم أكتب عنه من قبل رغم كتاباتي عن المئات من مبدعي الشعر، والغناء، والتشكيل، والمسرح، والنقد. ربما يرى "فاشريون" أن ذلك بعض تقصير لا يجوز من جانبي نحو مبدع يتحدر من الإقليم. وإذا عرفوا أنني أصدرت كتابين لمبدعين تتحدر أصولهما من منطقة الشايقية، ولم أسطر حرفا إلى الآن عن الروائي إبراهيم إسحق الذي يتحدر، أيضا، من الإقليم نفسه، لعدوا ذلك تماهيا مني مع المركز، أو استلابا نحو أقنوم الجلابة. وهناك غيرها من العبارات الجديدة التي أعادت الجدل المثير حول حدود علاقة الكاتب بمنطقته الثقافية التي نشأ فيها. ولكن ربما يأتي دفاعي بكل بساطة أننا حتى قبل الإنقاذ لم تكن تحركنا الانتماءات القبلية، أو المناطقية، وإن حركت قليلين في المواقع القومية للانحياز إلى مبدعي مناطقهم. ولكن كانت علاقة المرء الثقافية، وغير الثقافية، وما تزال، مع رموز الوطن المجيدين لا تقوم على هذا النوع الجديد من الخلفيات المتصلة بشؤون الحرب والسلام في البلاد. وما حق للمنطقة أن تصادر سعي فردها إلى استطعام ثمرة العقل أينما سقطت من أشجار مناطق أخرى. وعالم وإسحق ذاتهما وجدا الاعتراف الأدبي من المركز الثقافي، وحفهما بأوشحة، وتكريم، وجوائز، وتقلد الاثنان أعباء رئاسة اتحاد الكتاب السودانيين في خطوة رمزية لها ما بعدها من فضائل.
    قصدت بهذه المقدمة الإشارة ضمنيا إلى أن هناك مستجدات جديدة حول دور الكاتب، وغاية عمله في ظل رياح الأزمات التي تعسفت إزاء عموم النسيج الاجتماعي السوداني، وناشت مجال الثقافة، والأدب بنشاب (الإثنوسة) كما كان يستخدم هذا التعبير استاذنا أحمد الطيب زين العابدين، رحمه الله. فكثيرون الذين هم في الحقل الثقافي، وقد ووجهوا بأسئلة تتعلق بالربط بين انتماءاتهم المناطقية، ومعتقداتهم الفكرية، أو الايدلوجية، والدينية كذلك. ولعل أكثر الناقدين تطرفا رأوا أن القناعة بفكرة القومية العربية ما كانت لتشمل أصدقاء لنا ينتمون إلى وطاويط، ومحس، ونوبة جبال، وزغاوة، وبجا، وبرنو، وبعض كثير. وعلى هذا الاساس نظروا إلى عبد العزيز حسين الصاوي، وصديق تاور كافي، وحامد حجر، وبكري خليل، وعدوهم مستلبين أكثر من كونهم قفزوا مجتهدين فوق عشائريتهم لينتموا إلى الفكرة مثل انتماء الآخرين للشيوعية والحركة الإسلامية. وهنالك جمل ساخنة من التعنيف المجاني في الأسافير شككت في صدق انفتاح الذين تعقلت أنفسهم هذه الخلفيات الفكرية، بوصف أنها الأقدر على معالجة الواقع الذي ينتمون إليه، متجاوزين بذلك الموقف خلفياتهم العشائرية، أو القبلية، أو المناطقية. وربما لحق أمر التعنيف أيضا، او الاتهام بخيانة المنطقة، أولئك الذين يؤمنون بأفكار إلحادية، ورأوا إن كنت منتميا إلى بيت أرباب العقائد، أو تنتمي إلى رعاة خلاوى همشكوريب، أو زريبة أبونا البرعي، فما حق عليك أن تؤمن بالجدلية المادية، أو ذلك الضرب من التغريب، والتشريق. وهم هنا كأنما يرون أن التعقل يورث من بيت إلى بيت. ومعنى ذلك أن قدرة الإنسان في تثوير حياته ضد عقلية أمته - السالبة كما يتصور ـ أمر لا يدخل ضمن حقوق العقل في تأكيد حريته. وكذلك يعتقدون أن الفرد الناشط في إصلاح بيئات التخلف محكوم بالانغلاق على موروث تفكيره المجتمعي فحسب.
    ولكن على كل حال كنت أرى ضرورة لتحيزنا المكشوف نحو مشروع مصطفى الثقافي، وهو الشايقي الأصل، ووردي النوبي، ومشروع قرنق الدينكاوي في حلمه بتحقيق سودان جديد يحل مسألة العلاقة بين الدين والدولة، والتفاوت بين المركز والهامش، ويضبط الدولة في سياقات تنموية عادلة، ومتوازنة، وعملية. كان ذلك الانحياز إلى هؤلاء المجيدين في مجالهم قد تم بناء على أننا سودانيون في المقام الأول، ومتساوون في التعقل، والشوف، والتذوق، والمفاضلة. والأبلغ من ذلك يجمعنا تراث من الماضي، وحاضر معاش في بعدنا، وجوارنا، ومصير غير مرئي. فضلا عن المشتركات الثقافية، والحلم النبيل بإصلاح الدولة المركزية، كل فرد من خلال جهده المعتقد فيه الصواب. وفي هذا فكلنا مسؤولون عن مواقفنا أمام الشعب، والإله، والضمير.
    وفي المقام الثاني كنا نرى أن العقل مثل الضمير. أينما بوصلك نحو الحق تبوصلت. فضميرك يقف مع أخيك، أو ضده، في حدود صحة أو خطأ موقفه. وليس وفقا للعلاقة الجينية التي تربطك به. ولو كان الأمر كذلك لما وقف النبي في صف وابو لهب في صف آخر بينما السيوف في قعقعتها المشهدية تتبارى في ذلك الموقف الرهيب. ومن هذه الزاوية كنا نرى في حميد، والقدال، وهاشم صديق، وكمال الجزولي، هم الأقرب إلي ذهننا الثوري، كونهم لمسوا أزمة وجودنا بالكثير من التصاوير الإبداعية الثورية. وذلك حكم الوقت، ولا مهرب من فروضه.
    كان البحث عن سقوف أعلى لمفردات الحق، والخير، والجمال، ترفدنا أبعد من الإحساس بضرورة مشاطرة الذين هم أقرب إلينا بالانتماء. ومع ذلك كنا ننظر لعالم عباس، وإبراهيم إسحق، وعمر إحساس، في إطار تنميتهم لذهننا الجمالي أكثر من الثوري. ومن هذا المقام كانت أولويتنا كجيل هي الحلول العاجلة لمشاغل الذهن المتصلة بالقضايا القومية لا الجمالية وحدها. وكنا نرى أن الفكر ليس هو في فضاء المنطقة التي أتيت منها فحسب، وإنما هو مسكوب هناك على ممشى التلقي الإنساني. وبرغم محمد الحسن سالم حميد الذي أغرقنا في بحر دميرته الشعرية إلا أننا كنا نستمتع لماما، ومن بعيد، بقصيد عالم:
    أجيؤك في المساء المخضل بالرعشات
    محمولا على جنح الوسامة
    هذا زمانك أن تظل حبيس من تهوى
    وبينكما علامة
    أن تنبضا وجدا وتحراقا
    ومسغبة تمد جذورها عمقا
    الى يوم القيامة
    -2-
    نعم الزمن كفيل بكبح جماح بحث، وحماس الأجيال المتعطشة لأداء دور وطني، وللكشف عن قدراتها على تجذير الإبداع، والتبديع. وحتى المشتغلين في السياسة شوتهم جمرات البحث عن دور في الاسهام المجتمعي. وتراهم يهيمون من واد إلى آخر. بعضه ليس بذي زرع، أو ثمر، وإنما حصرم. فأبناء جيلنا، وما قبلهم، من الإسلاميين، والبعثيين، والشيوعيين، والذين كانوا يتطرفون في مواقفهم نلاحظ الآن أنهم يميلون أكثر إلى نوع من الهدوء في النظر إلى الواقع. وهكذا نسهل أمر قراءة الواقع وما يتكتب عنه من فكر، وأدب، وشعر. بل إننا أحيانا نعيد قراءة موسم الهجرة إلى الشمال، وقصائد السياب، والاستماع إلى "عازف الأوتار" التاج مصطفى وملهمته، وصخرة" العاقب وحبيب عمره. وهكذا نقارن "موت دنيا" و"إنهم بشر" و"من نافذة القطار" وإنداية" الطيب محمد الطيب بمعارف جديدة اكتسبناها مع مرور الزمن. وهذه هي خاصية شغل الثقافة، وقدرته على الانفتاح. وهذا الشغل ليس سوى إعادة تجديد لمعيار النظر النقدي باستمرار. ومن هنا يبقى تحول الكتاب من موقف إلى آخر أمرا طبيعيا، ومن حدة وتطرف في النظر إلى تمهل في اصدار الاحكام القيمية أمر متوقع. وربما لاحظنا أن عددا من النقاد البنيويين، والمنبهرين بقصيدة النثر، والمؤمنين بمسرح التجريب، والمخاصمين للحروفية التشكيلية التي يقضي فيها البروفسير شبرين، أو الراحل حسن الهادي، أو عتيبي، سحابة يومهم قد عادوا الآن إلى تقديم أعمال تستفيد من جماع التجربة الإنسانية في هذه المجالات حتى يؤكدوا خصوصية عملهم، وتجذره على تربة الخصوصية التي لا بد أنها مطلوبة في الذات المبدعة. ومرة قال لي شبرين: "..شايف حسن موسى بيقدم حاجات بديعة في "الحروفية" التي نازعنا بحدة حول ضروراتها التي حكمتنا"!
    ومع ذلك ما تزال الرؤية إزاء الجمالي الثوري، أو الثوري الجمالي، ما تزال تحكم جيلنا، وبعضا من الأجيال الماضية، وكثيرا من أبناء الجيل الجديد. ما كانت أولوية كثيرين منا وستظل فصل الجمالي عن المعرفي إلا بعد أن تقادمت سنوات حياتنا لنعيد قراءة التجارب الابداعية التي هضمنا أشكالها، ومضامينها. بل ونشكك فيها بمفاهيم ديكارت، وجاك لينهارت، وتشومسكي، في إطار محاولات الجرد بناء على معارف الحداثة، وما بعد الحداثة. ولكن بالرغم مما مثله حصاد مصطفى، وعركي، ومحمد الامين من ارتباط بالثوري، والجمالي، إلا أن ذلك قد حبسنا في منطقة حرمتنا من معرفة الإضافات الموسيقية التي بذلها الملحن البرنجي أحمد زاهر وحده. فعلى لحنه استندت بدايات الجابري، وعركي، وزيدان، ولمنى الخير، وآخرين. والجابري نفسه أضاف كما، وكيفا. خصوصا في أعمال "هات يا زمن"، و"الجريف واللوبيا" للصادق إلياس. وهناك عمر الشاعر، وعبد اللطيف خضر، ومابيلا أميقو، وزنجران عبد المعين. ومع الزمن صرنا نعيد الموقف، ونراجعه، ونقاربه، حول الجانب الجمالي الذي احتوته قصائد عالم عباس، وترجمات وكتابات د. أحمد الطيب في الثقافة، وترجماته المسرحية، وفرنقبية مريم أمو وعبده كيوكا، وطمبور بلاص، و"لالاية وبعيبيشة" الكردفاني القح صديق عباس، والتنقيب في مغارة عبد السلام نور الدين الفلسفية، وكريستالية كمالا وشداد، وإضافات ناجي القدسي في مقامات اللحن السوداني. بل عدنا لنجد أن حقيبة ود الرضي الذي ما كان من اولوياتنا كانت تستبطن "در ومدام":
    يلوحن لي حماماتن
    همن عيني غماماتن
    بريدن شوقي لي لماتن
    هياب رعاب جمال فاتن
    ولا شي في الادب فاتن
    تتوق الروح لشوفاتن
    وارجف حين موافاتن
    سكينة تجلى فصادن
    قلوب الادبا مرصادن
    قنابل ترمي قصادن
    فهن صادنه ما صادن
    -3-
    ثمة علاقة للسياسي السوداني القبيح بإنتاج الجمال، وإلا لما خرجت علينا هذه المشاريع الإبداعية سعيا إلى هزيمة احتيال رهط كبير من السياسيين. بشكل، أو بآخر، يمكن القول إن ابداعنا كما طيور الفينيق، إذ تخرج من رماد القبح المركزي. و"لما طارت في الفضاء رددت أنغام رضا"، وأجنحتها خلقت ذلك الأزيز الجميل في موسيقا النهر الخالد. وعلى الجانب الآخر ثمة مشاريع جمالية، مثل مشروع عالم، راهنت صبرا على استيقاظ الجمال المحض من كل التجارب بما فيها تجارب السياسي. ولقد كان عالم جماليا حاذقا إلى أن أخذته أهوال السودان عموما، ودارفور بالخصوص إلى مناخ للتثوير الشعري. وبالتالي يضاف ديوانه الجديد - أوراق سريّة من وقائع ما بعد حرب البسوس ـ إلى تلك التجارب الشعرية التي قدمت عصارة الموقف السياسي مخلفا بالجمال.
    ذروة هذا التحول في موضوع عالم يطرح سؤالا: هل ينبت شعر خارج تربة السياسة؟! والمدعاة لهذا التساؤل أن السياسي حاضر دوما. إذ يتسربل غازلا الشعر، والصوف، به في نهاراتهما، ومساءاتهما، وأحلامهما الوردية، وكوابيسهما، وفي تحركهما في مجال العالم الجوي، وفي كسب سبل عيشهما، إلخ. ربما يجيب النقاد المحترفون بالكثير من انتاج الاسئلة إجابة عن السؤال، وقد يتوالون، ويتمايزون، حول الامر. ولكن حسبنا طرح الاسئلة، وعلى النقاد الجياد، والخيار، الذين ينطلقون من مدرسية في التحليل، أو التفكيك، التكرم بتوفير الإجابات لنا بناء على فرادة دور الناقد في قيادة الناس إلى الوعي الجمالي. وعلى هذا الاساس ربما ينسف عيسى الحلو، أو العيدروس، قولنا بتحولات عالم عباس الجديدة من أساسه، ومن ثم يكون القول مثلا إن دواوين عالم السابقة هي الموقف السياسي عينه. بل وربما يرى ناقد آخر لها أنها تعالج عمق السياسي، ما دام أن الشاعر الذي ينمي في حوزات "الجمال الشعري المفترض فقط" حري بأن يكرم، كونه يقدم "كشكول معرفة" للطالب، والموظف، والديكتاتور. والأخير هذا ربما تستفزه المهنية العالية في صوغ المفردات، ويؤوب إلى ضميره، وقد يستقيل بثقله..ربما، ربما!
    ومثال عالم عباس بتحولاته الجديدة نحو مزج السياسي بالجمالي – إن صح الزعم لدى النقاد - ينطبق على قطاع عريض من مبدعين يتنوعون في مواقفهم من السياسة، تورطا فيها بالسلب، أو صمتا إزاء تجييشها لشياطين الأنس لصالح استمرارية سلطة ما، أو خوفا من سلطة "تسجل أراضي" الكآبة في نفوس الناس، وتطأ بـ"بوتها" الجمالي في المهنيات التي تضطلع بها الدولة من حيث ترنوا إلى المحافظة عليه، في حد شكله، وصون عاداته.
    ولكن على كل حال يعود جيلنا للتساؤل عنا، وهو الذي استغرقه الانحياز لغناء الحبيبة الوطن، ومسرح نبتة حبيبتي، ودراسات عبدالله بولا، وحسن موسى، وحيدر إبراهيم، وشعر محجوب شريف، وتجليات مسرح الدوش في (يا عبدو روق)، وحفريات ذو الفقار حسن عدلان التجريبية في النص المسرحي، ومحاولات الخاتم عبدالله، والسماني لوال في (مأساة يرول)، ومحطة التلفزيون الأهلية، وصحافة وشعر محمد نجيب محمد علي، وطفابيع بشرى الفاضل، والنقد المسرحي للسر السيد، وإخراج أسامة سالم البديع لمسرحيات الأستاذ عبد الله علي إبراهيم التي تمثل علامة فارقة في مسار تحديث المسرح. وهو ذا الجيل الذي له سهوم، أو رميات: غناء عقد الجلاد، وبنيويات أحمد طه أمفريب، ومعاوية البلال، وعبداللطيف علي الفكي، وصلاح الزين، وأسامة الخواض، ومحمد النعمان، وتألق يحيي حسن الطاهر، وأبو القاسم قور، في مساءلة كبار المثقفين، وشعر الصادق الرضي، وطلال دفع الله عبد العزيز، وتشكيل سيف الدين اللعوتة، وطارق نصر، وسرد عبد العزيز بركة ساكن، وقصص أحمد الملك، وقص عصام عيسى رجب، وبحوثات عبد المنعم عجب الفيا، وأشعار يوسف الحبوب، وروايات وبحوثات أبكر آدم إسماعيل، مثالا، والمعذرة للضيق.. وهكذا لا بد أن هناك منطقة من خلالها يستند كل مبدع على منصة للتخيير بين موضوع مشروعه الثقافي، وكذلك شكل الصياغة، وموقفها من كيفيات التحديث: أهو في إطار الموروث، أم ليس بالضرورة أن يسحق الموروث محاولات المغامرين مثل عبد المنعم شوف، وجماعته، أو عبدالله صوصل الذي أراد أن يقيم مسرح الرجل الواحد ليلغي فكرة المسرح الإغريقي، أو السودانوي الصوفي عاصم الطيب القرشي الذي هام عشقا في "القبة البلوح قنديلا"، أفادنا الله بجاهه، وبراعته في غناء قمز، ووطاويط، وبرتا، الأنقسنا:
    تبو...لو سوا
    لاقوهو متراكزين
    رجال يكفو العين وما بدورو الشين
    يغنو للهميم..يغنو للرزين
    الزين وسيفو سنين
    حجر الصواقع الفي سماهو رزم
    المابدخلو الهم
    هوي يا عيال
    لعلك ترى استاذنا عالم أن عاصم قرشي كأنه أجاب..فقد كان وردي محقا حين سأل، على ذمة الناقل:
    ليه حد ما ألحن
    ألقى نفسي
    ما طلعتا من الزول الاسمو
    كرومة ده؟
    ولكن إلى أي مدى يمكن للموروث المركزي أن يخنق وردي نفسه، وليس شرحبيل، وعاصم نفسه، وعثمان النو، وموسى أبا، وإلى حد ما محمد الأمين في الإطار اللحني، ومعروف أن محاولات الخروج عن نص الحقيبة وإطارها اللحني بدأها إسماعين عبد المعين بلغة دارفورعالم عباس نفسه؟!:
    يا أم قرقدي كدي جبدي
    كان يبقى زي حقي دي
    يا أم قرقدي واقف دود
    جيبي شعر الخيل رقّدي
    ولكن للأسف لم تسعف ماكنيزمات المركزية الابداعية عبد المعين في تمرده حينذاك، وإن نجح عبر "جابو لي سرو" و"قابلتو مع البياح" و" بنات الريل" و"يوم بيوم نبع الكمبا". سوى أن الماكنيزم تطور ليسعف شقيق عالم عباس: حافظ، والذي كتب "والله نحنا مع الطيور"، واسعفت أيضا زملاءه صلاح حاج سعيد، ويحيي فضل الله، وقاسم ابو زيد، وعاطف خيري، وهؤلاء كسروا عمود "الأغنية الأمدرمانية" طق، كما قال صلاح احمد ابراهيم عن شعراء التفعيلة.
    أردنا القول فقط إن اسئلة الثقافي شائكة، واحكامه القيمية مثيرة دائما للأسئلة والحوار معا، وتعقيد الحوار نفسه. ومن هنا تبدأ الرحلة الشاقة لباحثين في شأن شعر عالم عباس الذي أنشأ هذا الجدل. ذلك مدخل إليه. ويستمر.
    لمناخ الاجتماعي هو مرتع الشاعر كما لو أن الحقل هو موضع انطلاق الفراش إليه ومنه. وتفاصيل هذا المناخ المركب التي لا يلتقطها إلا روائي حصيف، أو لماح، هي التي تزف لنا قريض الشاعر. وهو بكل ذلك التفرد ينهض إنسانا متأثرا بالمجتمع الذي ساكنه، وحاول بقصيده إعادة تركيبه، أو تثويره، جماليا. وشعر عالم صهره ذلك المناخ الخصيب لفاشر نهاية الخمسينات، والستينات، والتي ورثت تاريخا من العلم، والمعرفة، والصوفية، والعناد السياسي لمواطنيها الذين تقفوا أثر عزم من حرقوا العلم الإنجليزي في المدينة.
    وبرغم بعد الفاشر عن دوائر المعرفة إلا أنها ظلت من خلال الوافدين إليها تخلق ثقافتها، ومعرفتها الاجتماعية، لمدى تجاوز القرنين. ففاشر عالم ضمت مزيجا من الأجناس الآتية من مختلف مناطق القطر، وخارجه من آسيا، وأوروبا حتى. ولو أدرك النقاد الذين وسموا عالم بأنه ابن الثقافة العربية الإسلامية المركزية ثقل مدينة الفاشر الثقافي، لأدركوا خطأ التوصيف، والتصنيف، لتجربته الشعرية، ومقولاته النثرية. فالفاشر تمثل صرة ثقافة الحزام السوداني الذي يبدأ من المحيط، ويشمل كل تلك البلدان التي تقع في درب الحج ليؤثر في كل عواصم السودان، ويتعداها إلى الخليج. وفي هذا فأنها كانت الحوض الثقافي الذي يستوعب كل هذه المؤثرات لتخرجها بطعمها شأنها شأن مدن الحزام المتصلة بعضها بعضا.
    في مدينة عالم التي نشأ فيها تعايشت كل قبائل الحزام السوداني في واحدة من أنضر اللقاءات الإنسانية في العالم. ففي مركز المدينة تعايشت وفود العشائر المحلية الممثلة لكل قبائل الإقليم. وجاء الجلابة الذين أقاموا نهضة شرق المدينة منذ عصر كوبي الغابر، وتزاوجوا مع السكان المحليين من قبائل الفور، والداجو، والتاما، والمساليت. ولاحقا تمازج السنهاير مع اولاد الريف، وآل شاشاتي مع الصليحاب، وآل القاضي زكريا الدنقلاوي مع المساليت، والدادنقا الذين يعود أصلهم إلى جنوب السودان مع الفور، والزيادية مع آل أبوسم، والفولانيين مع الفيزان الليبيين. أما الشناقيط المتحدرون من موريتانيا فكان الإمام محمد العلوي بمثابة أحد المفتيين في المدينة، ولاحقا شكل ابناؤه جزء من طاقم التدريس، والإدارة. وهناك الكثيرون الذين ذهبوا إلى مليط ليقيموا زوايا الشناقيط التي كلما امتد فضاء ليلهم اشتد ضوع ذكرهم. وضمت فاشر عالم شيخ مجوك الدينكاوي الذي صار رمزها الديني، واستوعبته بتسامحها، ومنحته شياختها بنوبته التي تئن وترجحن حين يكون للذكر أريجه، وللمداح سلطة “تحويط” ليل المدينة الباريسي الذي يمتص طقسها التضاريسي نهارا. وهناك آل أبو صوفيطة المتحدرين من ليبيا الذين منحوا ريادة التجارة الخارجية في المدينة، وآل أبو اليمن الذين ساهموا في ترقية الصوفية والعلم. ولا ينسى عبد الرحمن الريح السنهوري والذي لم ينعقد مجلس أعيان في المدينة دونه. لم تكن فاشر الخمسينات والممتدة إلى مطلع الثمانينات إلا ذلك الأرخبيل الإنساني المتضام. فعالم لا بد أنه احتك أيضا بأبناء الأغاريق، والشوام، والاقباط، والهنود، والأرمن، ورأى بسكالي، ومماكوس، وغيرهما، الذين يستوردون الثياب والأقمشة، ويندغمون في أريحية مجتمع المدينة، وكنيستهم تحتل مكانا عليا. وهناك عرف عالم أبناء إلياس شاشاتي، والذي تزوج قريبة لنا وانجب منها الأبناء والبنات منهم منصور، وخليل، وباسيلي، وعادل، وعادلة، وآخرين. ويعرف شاعرنا أن ديانة شاشاتي لم تكن حجرة عثرة حتى لا يرتبط بمكون الفاشر المحلي المسلم. وذلك هو جزء من معالم التسامح التي حفت حياة عالم، وانعكست في خلقه الفني، والاجتماعي. ولا بد أن شاعر “ماري وأمبوي” تجول في سوق الفاشر الذي كان يمثل مركزا من مراكز الثقافة والتجارة، وتفهم طبيعة تكوين كل المزيج المتعدد فيه، بل إنه اختزن في قصيده هذه التلاوين الإنسانية قبل أن يتوجه إلى عاصمة البلاد.
    -2-
    أما أسرة عالم فهي إنما كانت أسرة علم، ودين، وتجارة، وجودية، وخدمة مدنية، وأدب. فجده محمد نور كان رمزا من رموز المدينة الذين رفعوا أسهمها في مجال نشر صوفية التجانية، واصبغوا معظم دارفور بتدينهم المتسامح، وامتد أثر أهله من التجانيين إلى كردفان، والنهود، وأمدرمان، ورفاعة، والقضارف، وأجزاء من مناطق النيل الأزرق.
    ولقد اعتنق أهل عالم الطريقة التجانية منذ زمن بعيد لا يعلمه عالم نفسه. ولكنه يعلم أن جده لأمه هو الامام عبد الماجد إبراهيم، والذي كان تلميذ الشيخ كاكوم بحر العلوم إمام السلطان علي دينار، والذي اختاره السلطان ليكون الإمام بدلا عن الشيخ كاكوم. الامام عبد الماجد وأحد ابنائه الشيخ التيجاني، والذي أسس المدرسة التجانية الشهيرة في الفاشر، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق ـ ولعل الاسم نفسه دلالة على تغلغل الطريقة التجانية في الأسرة، وفي السلطنة عموم ـ تولى إمامة مسجد الفاشر الكبير، ثم تولى الإمامة ابنه محمد، ثم ابن اخته الشريف محمد الأمين كرار. وأخت الإمام هذه كانت عالمة شهيرة، وذات غنى، وثروة، وكانت عصمتها بيدها. ومن ابنائها محمد الأمين كرار، والشيخ حامد بدين، والعاقب آدم، والسيدة الزهراء، وكلهم أعلام في تاريخ الفاشر، تزاوجوا مع مكونها المحلي، وساهموا في تطوير تدين، وثقافة، وتعليم الأجيال المتعاقبة.
    وأما جد عالم لأبيه فهو الشيخ محمد النور عالم، وكل من النور وعالم من العلماء المشهورين في تاريخ دارفور العلمي. وكلاهما يملكان حواكير ما تزال في غرب الفاشر من نواحي مجدوب وغيرها. وجده محمد النور واخوه سيبويه النور عالم (سيبويه اسمه وليس لقبه). ومحمد النور امتهن التجارة وازدهرت تجارته وامتدت ما بين الفاشر وابشي، وانجمينا، وحتى نيجيريا، وبالطبع شمالا وشرقا الى أمدرمان ومصر.
    ومن ابناء الجد محمد نور الذين لعبوا ادوارا ً مهمة كان هناك الطيب محمد النور عالم، والذي يمثل كاريزما مهمة في الفاشر، وخاصة في مؤتمرات الصلح والجودية، لما له من حضور وكاريزما، ومعرفة، ولباقة، وكياسة، وحكمة. وكذلك هناك يوسف محمد النور والذي كان من قادة الحركة الاستقلالية، وأحد الذين قادوا ثورة الفاشر ضد المستعمر، وشارك في حرق العلم الانجليزي فتم نفيه، وسجنه عامين في سجن البانجديد، ومن أبنائه الصحافي، والشاعر، سيبويه. وهناك عباس محمد النور، والذي كان أيضا أحد قادة ثورة الفاشر، وقد جرح، وحوكم، وأودع، في سجن شالا. أما إبراهيم محمد النور فهو من أعمدة التجانية في الفاشر، ومن تجارها المعروفين. وهناك أحمد محمد النور وهو من كبار التجار والذي تركز نشاطه التجاري ونفوذه بتشاد بصفة خاصة، وعبد الحميد محمد النور الذي مارس التجارة بتشاد، واستقر نشاطه التجاري بمدينة الجنينة. وهناك علي محمد النور والذي صار معلما وأخيرا مصطفى محمد النور والذي تقلب في الاعمال المهنية، والفنية.
    هكذا كان مناخ النشأة الأسري الذي أحاط بالشاعر عالم عباس وشقيقه الشاعر حافظ في مدينة العلم، وحاضرة سلطنة الفور السابقة. ولا بد أن عالما قد نهل من تاريخ أسرته علوم الدين، واللغة، والفقه، واستعان بمواريثها الثقافية التي تقوده لاحقا لبحث المعرفة بجانب براحات محدثة للشعر. ولقد استفاد عالم مرة ثانية من إرث الخلاوى في المدينة، والتي تضم بجانب خلاوى الإمام عبد الماجد خلوة الفكي سليمان، وخلوة الفكي عبد المجيد نور الدين، والفكي عبدالله البنجاوي، وخلوة حي التيجانية، وخلوة الفكي حميدة، وخلوة الفكي بشير، وخلوة جامع الفيزان، وبعض المدارس الصغرى، وكثير غيرها.
    -3-
    ويصف عالم المناخ الثقافي في الفاشر آنذاك بقوله:”كانت في المدينة مكتبات عامرة تأتيها الكتب مباشرة من بيروت، والقاهرة، مثل مكتبة حسين عبود، ومكتبة عبدالله الكتبي، ومكتبة النهضة، ومكتبة الجماهير، وفيها كانت كتب مارون عبود، وجبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وكتب دار العودة، ودواوين أيليا أبو ماضي، والياس فرحات، ونزار قباني. كانت هنالك مجلة الآداب، والطليعة، والحوادث. وكانت تأتي من مصر مجلات الهلال، والمختار من ريدرز دايجست، والمصور، وآخر ساعة، والاثنين، وروز اليوسف، وصباح الخير، وروايات إحسان عبدالقدوس، والسباعي، ونجيب محفوظ. تتنافس في ذلك مكتبة النهضة، ومكتبة الجماهير الثقافية. كانت مكتبة الشيخ الصالح عبدالله الكتبي (والد المذيع المعروف محمد الكبير الكتبي)، المعروفة بتخصصها في كتب علوم الدين، والفقه، واللغة العربية، يقصدها طلاب المعهد العلمي، وشيوخها، وعلماؤها. وكان ثمة أنواع أخرى من الكتب من منشورات مصطفى البابي الحلبي وغيرهم، والتي تباع في أكشاك، ومحلات عديدة، مثل قرة العيون، ومفرح القلب المحزون، والحصن الحصين، وأبو زيد الهلالي، وعنترة، ومتن العشماوي، وابن الجزري، وفصوص الحكم، والأجرومية والسيرة النبوية، وبعض دواوين الشعر، ذات الطبعات الرخيصة و الورق الأصفر، وبعض الكتب ذات الخط المغربي والرموز الغريبة، منتشرة عند بعض الباعة القادمين من غرب افريقيا. كانت الأندية الرياضية، المريخ والهلال والأهلي والاستبالية، تقوم إضافة لنشاطها الرياضي بنشاط ثقافي ومسرحي يقوم بها الرياضيون من الطلاب، والتجار، وأصحاب الحرف، وخاصة ابناء الفاشر الذين يدرسون في حنتوب وبورسودان وخورطقت ووادي سيدنا، حيث كانت إجازاتهم مهرجانات ثقافية ورياضية عامرة وبهيجة. كانت الأندية رياضية وثقافية بحق، وكان الطلاب الذين يدرسون في مصر(الأزهر ودار العلوم وعين شمس)، يقيمون المحاضرات الثقافية و يحركون النشاط السياسي في المدينة وقتذاك. كان هنالك نادي الفاشر والذي بناه الأهالي أيضا ويحوي ملعبا للتنس ومسرحا ضخما وسيعا على الجانب الشمالي منه، أما الجزء الجنوبي فيضم مباني الأنشطة الاجتماعية والثقافية الأخرى، كالمكتبة، وأماكن للعب الورق، وتنس الطاولة، والدومينو، والطاولة ..الخ، كما كان هنالك نادٍ للعمال، جنوب شرق السوق الجديد. كان، كأنه شرط لازم أن يضم كل نادٍ مكتبةً مسؤولٌ عنها أمين من إدارة النادي. كان بالمدينة ملعبان للاسكواش. وملاعب للتنس في معسكر الجيش وبعض المدارس والأندية، وملاعب للسلة وكان هنالك نادٍ للصبيان، إضافة إلى دار ضخمة للسينما، حلت محل سينما نصار المتجولة. كانت هنالك المظاهرات التي يسيرها طلاب المدرسة الثانوية في كل عام يقام في نقعة الفاشر احتفال بثورة نوفمبر، فتطاردهم الشرطة، ويحتمون ببيوت الأهالي فلا تجرؤ الشرطة على ملاحقتهم..”
    كانت تلك هي الفاشر التي خبرها الشاعر عالم، ومدته بكل هذه الطاقة الشعرية المتدفقة من خلال دواوينه الكثيرة التي وضعته في مقدمة البارزين في صياغة شعر التفعيلة في السودان. وسواء وجد شاعرنا النقاد المنصفين في العالم العربي، أو لم يجد، فهو بالنسبة لنا يتقدم كثير من شعراء العربية المحدثين، والذي دعمه بعض انتمائه الأيديولوجي بشكل غطى على تراث المجيدين من الشعراء مثل عالم، والذين يصدرون من موقع الاستقلالية.
    -3-
    بشكل عام تنتمي قصيدة الشاعر عالم عباس إلى التفعيلة. وهو من ذلك الجيل الذي جاء إلى الساحة الثقافية ليجد فطاحلة هذه القصيدة الذين أثاروا الجدل الكثيف حول هذا النوع المتمرد من الشعر الذي ما تزال نسبته التاريخية إلى مؤسسيه نذر إشكال ثقافي، وقطري. فبرغم ما رشح إلينا بأن السياب، ونازك الملائكة، كانا أول من عبرا عن رفض القالب الشعري القديم إلا أن هناك قراءات جديدة تشير إلى استباق لويس عوض الآخرين في هذا الضرب. وهناك محاججة لنقاد سودانيين يشيرون إلى أن عبدالله الطيب من خلال قصيدته (الكأس التي تحطمت)، والتي كتبت عام 1945 سبق كل رواد قصيدة التفعيلة.
    حينما تموضع جيل عالم في المشهد الثقافي كان هناك محمد المهدي المجذوب، ومحيي الدين فارس، وتاج السر الحسن، ومحمد الفيتوري، ومحمد عبد الحي، ومصطفى سند، وصلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي إبراهيم، والنور عثمان أبكر، وتيراب الشريف الناقي، مثالا. وعلى مستوى الشعراء الذين توطنوا في الساحة الثقافية من كتاب القافية كان هناك جعفر حامد البشير، ومحمد محمد علي، ومنير صالح عبد القادر، ومصطفى طيب الأسماء، وفراج الطيب، ومهدي محمد سعيد، والعباسي، وغيرهم من الأحياء حينها، وهناك الراحلون الذين كان تأثيرهم آنئذ نافذا، ومؤثرا، سواء على مستوى المنتديات الثقافية، أو على مستوى المقررات الدراسية، وتناولات النقاد في الملاحق الثقافية للصحف، وبقية أجهزة الإعلام.
    سوى أن الموهبة الشعرية وحدها هي التي مهدت للشاعر عالم عباس سبيلا، واحتفاء، على المستوى القومي منذ أن فاز بجائزة الشعر الأولى للشباب عام 1973. بعدها جاء ديوانه الأول “إيقاعات الزمن الجامح” الذي ضم عددا من القصائد المليئة بالصور الشعرية الجديدة، والصياغة اللغوية المحكمة للمفردة، والتناول الجرئ لرموز، وموجودات، البيئة، وترميزها في النص. وما يميز لغة عالم من دونه من شعراء جيله استنادها على البلاغة القرآنية. ويمكن ترصد ذلك في كثير من قصائده التي كتبها، إذ هو برغم أنه يمثل جيلا تركزت لغته على الابتعاد من التعابير التراثية إلا أنه منح التفعيلة رونقها بأن ربطها بالإرث الإسلامي، والصوفي، وبالتالي جاءت قصيدته تزاوجا بين مواضيع العصر والتراث اللغوي. ولست أدري اي إسهام للشعراء الذين جايلوه قد أخذ من نفس القرآن الكريم، واللغة التراثية، تلك الدلالات اللغوية المعطونة في المعاني البليغة. وكذلك المفردات الجديدة التي لا تغيب فهم المتلقي بغموض مصطنع كما قرأنا لشعراء كثيرين. ومن هؤلاء من حسب أن قصيدة التفعيلة ليست هي إلا الاعتماد على الغموض غير المبرر، مدعومة بالانسحاب البديع من القافية، والجرس الموسيقي، وغيرهما من الأساسيات التي تميزت بها القصيدة العروضية.
    وإذا كانت لغة التفعيلة قد وجدت ذلك النقد الذي لم يفرق بين الذين صاغوا القصيدة في إطار التجديد وأولئك الذين وجدوا في تغييب الإيقاع أو القافية مجالا فإن المعضلة صارت أكبر بعد أن وصلنا إلى قصيدة النثر. إذ إنه برغم إبداع كثيرين في فرض جمالياتها اللغوية، إلا أن قصيدة النثر ما تزال تحاول تجاوز معضلتي اللغة، والمعني، والموسيقى، لتثبت ذاتها كجنس إبداعي ليس هو صفوي، بقدر ما أنه يحاول طرح مضامين وجماليات هي من وظيفة الشعر المتعارف عليها إلى وقت قريب. وتلك الوظيفة لا تنتهي عند التلقي وإنما تعطي انطباعا بأن للشعر وظيفة تتكامل مع وظائف الأجناس المعرفية في شحن الأمل نحو تلك اليوتوبيا، وتشكيل قسمات الوعي، بجانب وظائف الشعر الجمالية الأخرى. إذ هنا تتمتع الحواس بلذة الخلق، والابتكار الادبي، وتسافر مع الدفق الشعوري الذي له سحر السريان في النفوس.
    ضمن قراءاتنا لقصيدة عالم لا نجد ذلك الغموض الذي ظل يكسو تلك القصائد الجديدة. وربما يعود ذلك إلى ارتباط عالم الحميم بالتراث الديني في تجلياته كافة. فهو متصل بالتاريخ الإسلامي الذي يوظفه في قصائده ودواوينه دون أن يوطن ذاته في ابتذال. وفي ديوانه الأخير واصل عالم في تجميل سياقاته بذلك الاقتصاد اللغوي، والمضج بعنفوان الموقف من المستجدات الحربية التي عصفت بجزء من ذلك المناخ المتسامح الذي عاش فيه، ورأى أن اياد ماكرة عبثت به. ولقد دار حوار عميق بين النقاد في ندوة واشنطن عن اللغة المباشرة التي جاء بها الديوان، وكيف أنها فارقت نهجه السابق في الاعتماد على التلميح في عباراته. ولكن عالم لم ير غضاضة في أن تكون المباشرة أحيانا أداة الشعر حين لا ينفع بعدها شئ، كما قال في حوار إذاعي مع الكاتب

    هناك حوارات كثيرة وثقتها عبر الأثير للشاعر عالم عباس من خلال البرنامج الثقافي لإذاعة (عافية دارفور) التي تبث من العاصمة الأميركية واشنطن. ومن ضمن هذه الحوارات تناولنا أثر الرواية في مناخ الشعر عقب صدور كتاب الناقد المصري د. جابر عصفور والذي قال بنهاية زمن الشعر. وأضاف عصفور أن الزمن هو إنما للرواية. وكنا قد قرأنا كتابه ذاك باكرا في قاهرة نهاية الألفية السابقة. ولكن الشاعر عالم يقول إن "المظاهر المختلة ليست معيارا للحقيقة" ويشير إلى أن الرواية فن جديد نسبيا، وحدث ولع وانبهار بها، ولكن في النهاية ستأخذ مسارها جنبا الى جنب مع الفنون الأخرى. ويضيف" الإنسان يغني مهما كان ظرفه، ويستطيع أن يقول الشعر في كل الأحوال. والرواية لا تستطيع منافسة الشعر في هذا. والشعر فن تليد، وفتح نوافذ للبشرية. الشعر أرسخ قدما، وله القدح المعلى في نسج أساطير البشرية. أما الرواية فأيامها معدودات.. الشئ الآخر أن الرواية لم تسحب البساط من الشعر، ولا بد من إعادة النظر في ادعاء أن هناك فنا يقضي على آخر..لو كان الشعر "بينتهي كان انتهى من زمان" الفنون ترقي بعضها بعضا بالتنوع، والرؤى الجديدة، وترفد نفسها..الرواية ليست خصما على الشعر، بالعكس الشعر قد أفاد الرواية بالضرورة."
    ويقول عالم في جانب آخر إن الوضع السياسي المتردي خلف الحروب، وأثر في الوضع الثقافي سلبا، وصار كثيرون يكتفون بالصمت، والوجوم و"قدراتنا معطلة، وأن تربية ربع قرن جعلتنا مغيبين عن العالم، وأضاف أن محاولة صياغة الناس أدت إلى الانهيار التام لكثير من المجالات الحياتية" ويقول عالم إننا نعيش زمن الخيبات الكبرى، إذ "..كانت لدينا قدرة لتحقيق ما نحلم به. لكن صار هناك ركام، وترد بالمعنى الحرفي للكلمة.."
    ويضيف عالم بقوله (ليس لدي حلول ولكن استطيع أن انتقد من خلال مقارنات، وأسرد الكثير، ولست مؤهلا لاقتراح حلول..ذلك لأني احتاج إلى اختراق هذا الركام المجتمعي عبر امتلاك بصيرة نافذة، وخلفيات منهجية، وتفاهمات، تساعد في اكتشاف الحل..لكن أن أقدم شيئا، وأقول من بعد إن هذا هو الحل يبقى مجرد تنطع.. يكفي ان أرفض ما يجري وأقول إن هذا خطأ، وأقدم الحيثيات، وأن نفكر في كيفية الحل..كثير من الناس عندهم نزعة امتلاك الحل.. هناك عدة آراء مضادة، وعلينا أن نتفاكر مع بعض لوضع الحلول. وأختم بقولي إنني كشاعر يحلق، ويستبصر كما زرقاء اليمامة أحلم بالنيابة عن أمتي، ومن ثم أقوم بتسويق الأحلام لأفتح بها قنوات للتبصر، وأن وظيفة إيجاد الحلول يقوم بها آخرون، وحتى إن وجدت فالعبرة بكيفية إجماع الناس حولها، وتنفيذها. وفي سؤال عن تشاؤم الشاعر عقب صدور ديوانه الجديد، رد عالم: "..لو كنت متشائما لاكتفيت بالانغلاق على نفسي..دائما هناك أمل، ونحن لم نصل بعد إلى آخر النفق.. هناك أشياء كثيرة جميلة لن نعاصرها، فما في العمر بقية..وليس من الضروري أن نعاصرها، ولكن المهم أن نضع لها الاساس المتين حتى نساهم إيجابيا في التغيير المستقبلي. أنا حقا متفائل، وأتمنى أن يتحقق التفاؤل بعد عام عوضا عن الانتظار لعشرة أعوام، أو ليتحقق في العقد القادم بدلا من الانتظار لعقود. صحيح أن الأمور تسير نحو السوء، وهذه درجة لا بد أن نصلها، ومن ثم ننطلق من القاع. فقط لا بد أن نصل إليه بسرعة لننهض بسرعة أيضا. وسنة الله في خلقه أن الاشياء لا تدوم.. وإذا كان من باب أولى أن الأشياء الجميلة لا تدوم فالأشياء القبيحة أيضا لا تدوم..البشائر موجودة ما دام أن هناك بشرا يدافعون عما يقولون ويحدثون التغيير بكثير من الصبر وهذا التغيير يحتاج الى تضحية، وعلينا أن ندفع الاستحقاق الحقيقي له، ونحن على قناعة أن الاشياء لا تأتي مجانا. فنحن في مرحلة دفع الثمن المستحق، فإذا دفعناه بمثابرة وجد سنختصر الزمن، عدا ذلك فإن الزمن سيطول..".
    -2-
    في أحاديث عالم الثقافية نتوفر على روح الناقد، أو الشاعر المنظر. ولعلها هي وظيفة معظم شعراء الحداثة في البلدان العربية، وهي أيضا شأنهم حين يغيب دور ملح، ومأمول في النقاد المحترفين. فلا بد أن أدونيس، ونزار قباني، ودرويش يقفون في قمة هؤلاء المجايلين، وعلى مستوانا المحلي يقف الشعراء محمد عبد الحي، وصلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي ابراهيم، ومصطفى سند، وكمال الجزولي، وآخرون في قمة الذين شكلوا عطاء نقديا وافرا. بل تجاوزوا دور النقاد الأدبي ليصيروا منظرين لقضايا الهوية السودانية، ومجمل الحراك المجتمعي السوداني، وقضايا العالم المعاصر. وأمر التنظير لا يتعلق بالشعراء فقط فوجدنا من ضمن المنظرين أولئك التشكيليين أمثال الصلحي، وشبرين، وأحمد عبد العال، وحسن موسى، وعبدالله بولا، ومحمد عبد الرحمن، وأحمد الطيب زين العابدين، ومن المسرحيين هاشم صديق ويحيي فضل الله، وأحمد طه أمفريب، وبالقياس إلى الجيل الذي أعقب مرحلة عالم وجدنا أن أكثر المبدعين هم منظرون من الدرجة الأولى في مجالات الشعر، والموسيقى، والغناء، والتشكيل، وإن تفاوتت منتجاتهم من حيث الثراء، والعمق، والمثابرة، والاستمرار في هذا الدرب التأويلي للمعطيات الثقافية.
    وفي حال المقاربة بين عالم و"مواطنه" إبراهيم إسحق نجد أنهما يتباينان في اولوياتهما الفكرية، والنقدية، والتنظيرية، والسياسية، إلخ. فعالم اهتم خصوصا في الفترة الأخيرة بتناول مسائل الثقافة جنبا إلى جنب مع مسائل السياسة فيما اكتفى إسحق بتأطير مساهماته الفكرية دون التوغل في بحر السياسة الهائج. ومن هنا ينطرح السؤال حول دورهما كمثقفين ملتزمين تجاه قضية السودان عموما، وخصوصا دارفور التي يتحدران منها.
    صحيح أن عالم عباس كثف محاولاته النقدية المرتبطة بالراهن بالدرجة التي جعلته يتخذ موقفا واضحا من النظام القائم، إجمالا، ومن قضية دارفور التي أرقت مضجعه، وجعلته أثيرا لربط الشعر بالسياسة خلافا لمحاولته القديمة كما أسلفنا في المقال الأول. وبديوانه الأخيرة ولج عالم إلى باحة (الشعر السياسي) بدرجة جعلت نقاده يشيرون إلى نزوعه إلى مخاصمة مفردته الرمزية التي استبانت في دواوينه الأولى التي اعتمدت التطرق إلى مواضيع جمة.
    ولكن ما يميز عطاء إبراهيم إسحق من الناحية الأخرى هو أنه اشتغل على بحوثات غنية تمحورت حول "هجرات الهلاليين من جزيرة العرب إلى شمال أفريقيا وبلاد السودان"، و"الحكاية الشعبية في أفريقيا"، وبعض المساهمات الدراسية الأخرى. ويشترك المبدعان في دورهما في كتابة العديد من المقالات الثقافية التي ظلت تنشر لمدى يزيد عن أربعة عقود. وإذا كانت اجتهادات عالم عباس قد تمحورت حول تقديم قراءات للشعر، والشعراء، ومواضيع ثقافية متنوعة، فإن إبراهيم إسحق ركز في مساهماته على تقديم رؤى نقدية الطابع حول الرواية، والقصة، والمواضيع المتصلة بهما. وصدرا في كل ذلك عن مساهمات قيمة في حقل الثقافة السودانية وأثارت هذه الكتابات الكثير من الرؤى الأخرى حولها، وشكلت مادة خصبة للجدل القومي حول شؤون الثقافة، بل ورافدا مهما للمجلات الثقافية المختصة، والملاحق الأدبية، والمنتديات الثقافية، والحوارات الصحفية، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية.
    ورؤية عالم عباس، عاليه، عن علاقة الشعر بالرواية، أو التحولات التي احدثتها الرواية في بنائية الثقافة العربية عموما، تثير العديد من الأفكار ليس فقط حول دور الشعر الحديث بالمقارنة مع دور مفترض أكبر للرواية في ظل ما أحدثته من ردود فعل ثقافية، وإنما حول تأثير الرواية في مستقبل الإبداع المكتوب بالعربية. ولا يتعلق الأمر بدور مزاحمة الرواية للشعر من حيث التأثير، وإنما يتعداه إلى قدرة الجنسين الأدبيين في استمالة قراء جدد في ظل تأثير الوسائط الإعلامية المباشرة، وما جره ذلك على استمرار تناقص القراء الجادين الصبورين على فهم الحبكة اللغوية، والأدبية. فالشعر، مثله مثل المنتجات الثقافية القائمة، يعاني الآن ضمورا في مستوى نسبة قراءته لأسباب عضوية تتعلق بطبيعة الشعر الحديث، واختفاء فاعلية شعر القافية الذي كان إلى حد بعيد يسهم في تثوير ذهن عدد كبير من متلقيه، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار مرحلة الأربعينات والخمسينات، إلى مرحلة الثمانينات، وما مثلته قصيدتا القافية، والتفعيلة، من دور في كسب مناطق جديدة للشعر. ولعل مع وصولنا إلى مرحلة التجريب الكثيف لقصيدة النثر تراجع الاهتمام بالشعر ليس فقط بسبب صعود الرواية. بل يعود هذا التراجع إلى أسباب تجب دراستها إذ تتعلق بجذور سياسية، وثقافية، وتعليمية، وتربوية.
    -3-
    إن وضعية عالم عباس الثقافية والشعرية، بخلاف ما طرحته من مشافهات، ومداولات بأقلام مثقفين كبار، وآخرين مثابرين، ما تزال بحاجة إلى استبصار نقدي أعمق. وربما لا يتعلق الأمر بالشاعر المجيد وحده. فإنتاج كثير من شعرائنا ما يزال أراض خصبة للدرس النقدي المميز، على ما خطته يراعات نقاد محليين وعرب منذ مساهمات الدكتور عبد المجيد عابدين. ونقد الشعر السوداني فقد مساهمات مميزة كان يبتدرها عبد الهادي الصديق، وعبد القدوس الخاتم، و عبد الوهاب حسن خليفة، وبغياب عطائهم فقدنا نقد مثقفين كان يكرسون وقتهم، وصفحاتهم، لدراسة الأعمال الشعرية والأدبية، وكذلك تشجيع الأصوات الجديدة، واستنارة دروب المعرفة الشعرية أمامها. وربما تظل الشكوى من غياب النقاد المحترفين المتفرغين مستمرة في ظل ترتيبنا للأولويات الوطنية، والثقافية، والإعلامية. وحسب جيل عالم عباس أنه عزز تجربته في وقت كانت الموصلات الثقافية المحلية والعالمية تقدم إشراقات مضطردة في المعرفة الأدبية. وفي حال المقارنة بين حظوظ جيل عالم وهذا الجيل فإن البون شاسع في ما تعلق بفرص تجويد وتقويم النتاج الإبداعي بناء على الرعاية التي وجدوها من مبدعين كبار عارفين بالأدب، وقيمه، ومدارسه، وحفيين بالدعم والمؤازرة. فضلا عن ذلك فإن الاستفادة لم تكن مقصورة على دعم مبدعي المشهد الثقافي الكبار فقد كانت المدارس، والجامعات، تضم أخيارا من المعلمين الذين يشجعون دعم النشاط الثقافي والأخذ بيد النابغين من الطلاب. وهذا ما وجده عالم وافتقده كثيرون من هذا الجيل الذي نشأ في جو يخلو من الرعاية الثقافية، وإن كانت فرص نشره أفضل، وأتم، وإمكانية تواصله مما لا تجارى مع الإمكانيات التواصلية التي توفرت لجيل عالم.
    ولكن تظل العبرة بالمناخ الذي يجذر سانحات التجويد الشعري، وبالرموز المؤهلة التي تقف على رأس المؤسسات الثقافية، وبدعم الثقافة في مقابل دعم الصحة، والخدمات العامة، واستقرار الاوضاع السياسية، ونشوء المجتمع على هدى من التسامح، وتوافر التقدير والوفاء في المجتمع. ولعل هذه هي الاستنادات النسبية التي شكلت مناخ التجديد الشعري الذي بذله جيل عالم بكثير من السخاء. وعودا إلى حديث عالم عن أثر الوسائط التكنلوجية في تضييق فرص الكتاب فإن ديوان الشعر في محك حقيقي ليثبت وجوده أمام إفرازات هذه الوسائط التي لم تهدد عالم الكتب فحسب، وإنما أيضا قللت في مناطق عديدة من العالم تأثير الصحف، وهددت الرغبة في مشاهدة التلفزيون، والإذاعة. ومهما يكن فإن جمهور الشعر، والذي أصلا هو ضئيل حتى في العالم المتقدم، بحاجة أكبر إلى دواوين شعرية جديدة لا تفرض التثاؤب. فقارئ عصر الميديا الحديثة أمام خيارات كثيرة، إذ تلعب الصورة، والصوت، دورا فاعلا في تعميق اهتماماته بالمعرفة عموما. وهاهنا تستبين قدرة الشعراء في جذب القارئ، والمشاهد، والمستمع، من جهة، وتعميق توظيف معطيات الميديا لخدمة الشعر نفسه من الجهة الأخرى. ولو أن الأستاذ عالم عباس يراهن على فاعلية الكتاب بناء على صموده في المجتمع الذي أنتج الإعلام التكنلوجي أمام إفرازات الوسائط الأخرى فإن المسؤولية تقع على الشعراء في مضاعفة جهودهم في التغيير المجتمعي. التغيير الذي يعيد الاعتبار للشعر، وتثوير جهودهم في أقناع الناس بأن الشعر ما يزال أكسير الحياة.
                  

01-26-2020, 08:57 PM

محمد نور عودو
<aمحمد نور عودو
تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 6183

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: عبدالغني محمد الحاج)

    سلام عبدالغني محمد الحاج وضيوفك

    (من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الفاشر؟)
    نعم الشاعر حافظ عباس من مدينة الفاشر من حي الوكالة
    وهو ابن الشاعر عباس النور عالم وشقيق الشاعر عالم عباس النور عالم.
    والشكر للاخ صلاح شعيب لقد سرد كل شئ في مقاله.
    تحياتي
                  

01-27-2020, 02:45 AM

ترهاقا
<aترهاقا
تاريخ التسجيل: 07-04-2003
مجموع المشاركات: 8406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من منكم يعرف حافظ عباس وهل هو من أولاد الف� (Re: محمد نور عودو)

    Quote:
    أجيؤك في المساء المخضل بالرعشات
    محمولا على جنح الوسامة
    هذا زمانك أن تظل حبيس من تهوى
    وبينكما علامة
    أن تنبضا وجدا وتحراقا
    ومسغبة تمد جذورها عمقا
    الى يوم القيامة

    ايه النغم ده ؟ ده أنا بعتبره واحد من أفضل شعراء العهد الحديث
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de