العام الهجري الجديد تهنئة للجميع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 02:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2003, 00:33 AM

baballa
<ababalla
تاريخ التسجيل: 05-13-2002
مجموع المشاركات: 151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العام الهجري الجديد تهنئة للجميع

    بمناسبة العام الهجري الجديد أهنيء الجميع و نرجو الله أن يعيده علي الجميع وق أشرقت الأرض بنور ربها
    و بهذه المناسبة أثبت هنا جزء من كتاب أصدره " الأخوان الجمهوريون"

    =============
    اليوم !!
    الهجرة من النفس السفلى
    إلى النفس العليا
    الطبعة الاولى 27 اكتوبر 1981 28 ذو الحجة 1401


    الإهداء :

    الى المسلمين !! بل الى الإنسانية !!
    ان الوقت اصبح اقصر، واضيق ،
    من ان ينفق فى التجارب الفواشل !!
    فابحثوا عن ذاتكم، اكتشفوها،
    تجدوا الله !! وتجدوا من ثم كل السعادة وكل السلام !! هاجروا !!
    فهذا وقت الرحيل، فى طريق
    العودة الى الوطن القديم الذى
    طال اغترابكم عنه !!
    هذا وقت الهجرة الثانية، من المدينة الى مكة، هجرة داخلية وخارجية
    لاكتشاف النفس البشرية !!
    ليعيش كل فرد فى سلام مع نفسه، ومع الله، ومع الناس، بل مع الأحياء والأشياء !!
    فقد آن اوان دولة السلام،
    (دولة العز، وكنز الفرح ) .. دولة الانسان !!

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * ففرُوا الى الله انى لكم منه نذير مبين !!)
    صدق اللله العظيم ..

    المقدمة :
    يطل هذه الايام العام الثالث للقرن الخامس عشر الهجرى .. وهو قرن موعود، لدى اهل البصائر، بتغيير دينى شامل لم تشهد له البشرية من قبل اى نظير ... ولقد يكفي ، للدلالة على الحاجة لهذا التغيير، ما عليه البشرية اليوم من اضطراب ، ومن حيرة، وبخاصة فى المنطقة التى شهدت مولد الديانات الكتابية الكبرى (اليهودية ، و المسيحية ، والاسلام ) ، وهى منطقة الشرق الاوسط التى صارت اليوم تتهدد السلام العالمي، والحضارة العالمية، والنوع البشري نفسه ، بأخطار الحرب العالمية النووية الشاملة ... والمسلمون هم احوج البشرية اليوم الى التغيير الديني، وقدأخذ يستشري بينهم الهوس الديني، على نحو ما يجري فى ايران، ومصر ، وذلك بعد ان بلغ الخط البياني لانحطاطهم الدينى مداه ، فصاروا لا يحملون من الاسلام الا الاسم !! هذا مع ان المسلمين هم ورثة المصحف ، كتاب الخلود ، الذى لا سلام ، ولا رخاء ، لهذه البشرية الا به .. ومع ان دورهم الطبيعى هو استنقاذ هذه البشرية بابراز القيمة العلمية الانسانية لهذا الكتاب ، معاشة فى واقع حياتهم ، كما عاشها نبيهم ، عليه افضل الصلاة واتم التسليم ، فى خاصة حياته ..

    البشرية عامة ، والمسلمون خاصة ، فى حاجة الى ( الهجرة ) .. الهجرة من هذا الواقع القاصر المزرى الى واقع جديد تتم فية المواءمة بين الحياة البشرية الفكرية ، وهذه البيئة الكوكبية الجديدة ، بحيث تتم الوحدة الفكرية عن طريق التغيير الدينى الشامل كما تمت الوحدة الجغرافية لهذا الكوكب عن طريق التطور المذهل فى وسائل النقل والاتصال الحديثة .. فماذا نستلهم من الهجرة النبوية فى سبيل هذه الغاية ؟؟ ما هى قيمة الهجرة العرفانية والسلوكية ؟؟ وما هى قيمتها الانسانية المستمدة من انسانية (المهاجر ) الاكبر، النبى الكريم ، الذى كانت حياته ، كلها ، فى كل لحظة منها ، هجرة متصلة ، فيها يقطع درجات القرب من الله ، ويعمق اواصر المحبة باخيه الانسان .. هجرة هاديها الفكر ، القوى ، المتيقظ ، القادر على التمييز بين قيم الاشياء ...

    الهجرة النبوية فاصل بين رسالتين !!

    لم تكن الهجرة النبوية تمثل مجرد انتقال من مكة الى المدينة وانما كانت ، فى الحقيقة ، تمثل تنزل من مستوى الخطاب ، لأمة ( المسلمين ) الى مستوى الخطاب لأمة ( المؤمنين ) .. تنزل من مستوى آيات الاصول ( القرآن المكى ) الى مستوى آيات الفروع ( القرآن المدنى ) ....تنزلا من مستوى السنة الى مستوى الشريعة .. هى هجرة معنوية ، وهجرة حسية ، معا ، وفى نفس الوقت ... لقد دعيت الامم ، جميعا ، منذ عهد آدم ، وقبل عهد محمد ، الى (الايمان ) وهو المستوى العقيدى من الدين ولم يدعوا الى ( الاسلام ) وهو المستوى العلمى من الدين !! ففى حين كان ( الاسلام ) هو المستوى من الدين الذى كان عليه الانبياء المسلمين ، كان ( الايمان ) هو المستوى من الدين الذى كان عليه اتباعهم من الامم !! و ( الاسلام ) هو الاستسلام التام لله تعالى ، ظاهرا وباطنا ، عن علم يقيني به، و الايمان هو التصديق بما ينبئ به النبى ، المسلم لله ، عن الله .. ففى حين ان المؤمن مصدق لغيره من المستيقنين، فإن المسلم مستيقن بالله لنفسه بنفسه!! أما إسلام الأعراب فهو إسلام للنبي، لا إسلام لله، و هو دون الإيمان... لأن الإيمان تصديق قلبي بالله يصدقه العمل بالجوارح : ( قالت الإعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم) .. و نحن إنما نعني بالإسلام الإسلام الذي هو فوق الإيمان .. و لقد كان النبي الكريم، وحده، المسلم ذلك الإسلام، في حين كانت أمته (مؤمنة) : ( قل إن صلاتي و نسكي، و محياي، و مماتي، لله رب العالمين* لا شريك له، وبذلك أمرت، و أنا أول المسلمين!!)
    لقد دعي الناس في مكة الى الإسلام، فنزلت هناك آياته، و هن أصول القرآن، و جاء الخطاب (بالإسلام) (للمؤمنين) هكذا : ( يا أيها الذين آمنوااتقوا الله حق تقاته، و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون!!) فقال الأصحاب : أينا يتسطيع أن يتقي الله حق تقاته يا رسول الله ؟؟ فنسخت الدعوة الى (الإسلام) ، و نسخت آياتها، و دعي الناس الي ( الإيمان) و نزلت آياته، فاستجابوا له، و جاء الخطاب للأصحاب هكذا: (فاتقوا الله ما استطعتم) الآية.. و كذلك، خوطب الناس، في مكة، بآيات الإسماح و المسئولية التي ترسي الحقوق الأساسية للإنسان، ومنها ( و قل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، و من شاء فليكفر) ، فلم يستجيبوا لها، فكانت الهجرة الى المدينة التي وقتت نسخ تلك الآيات، و نزول آيات الإكراه، و الوصاية، مثل : ( و قاتلوهم حتي لا تكون فتنة و يكون الدين لله) الآية.. و آيات الإكراه و الوصاية إنما هي لاحقة بالدعوة الى ( الإيمان)، أما آيات الإسماح، و المسئولية، فهي لاحقة بالدعوة الى (الإسلام) .. أما النبي (كمسلم) فقد قام عمله، واستمر، علي آيات أصول القرآن، و عمله ( كمسلم) هو سنته أما قوله كمشرع لأمة ( المؤمنين) فهو الشريعة.. فمن سنته صلاة الثلث الأخير من الليل، و إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة، فكانت صلاته تلك، و زكاته تلك فرضاً في حقه تطوعا في حق أمته (المؤمنة) .. فشريعة الأمة ( المؤمنة) دون سنة النبي ببعيد .. كانت سنته هي المسئولية الفردية، والحرية الفردية، و كان علي هذه السنة وحده، في ذلك المجتمع القاصر الذي استوجب وصايته.. و لذلك قامت شريعة الأمة علي آيات الوصاية : فالمسلم وصي علي غير المسلم، و الحاكم وصي على الرعية، و الرجل وصي على المرأة.. و كان النبي الكريم، كما كان الأنبياء المسلمون، أصيلا في سنته، و قد تلقاها من ربه، فلم يكن مقلدا فيها لأحد من العالمين حتي و لا نبي من قبله.. فسنته شريعة فردية بهذا المعني، بينما كان سائر أفراد أمته ( المؤمنة) مقلدين له، متلقين منه هو، و ليسوا أصلاء متلقين من ربهم مثله، فشريعتهم شريعة جماعية.. فسنة محمد، في جوهرها، هي هذه الإصالة.. هي كونه علي شريعة فردية لا يقلد فيها غيره..
    و التغيير الديني المنتظر، اليوم، إنما هو، في الحقيقة هجرة حسية، و معنوية، أيضا !! هجرة، في طريق الرجعي، الى ذلك الأصل في الدين الذي نسخ بالهجرة الأولي.. و ستكون اليوم الهجرة الثانية الى (الإسلام)، فيدعى الناس إليه، كما دعوا إليه أول مرة بمكة، فلم يستجيبوا، لأن وقت الإسلام لم يكن قد جاء بعد و لكنهم، في هذه المرة، سيستجيبون إليه فتخرج منهم الأمة (المسلمة) التي بشر بها النبي الكريم، واشتاق إليها حين قال : ( وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد !!) فلما سأله أصحابه ( أولسنا إخوانك يا رسول الله؟؟) قال ( بل أنتم أصحابي!!) فلما سألوه ثالثة (ومن أخوانك يا رسول الله؟؟) قال ( قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم!!)..
    إن الوقت هو وقت إحياء السنة.. هو وقت الهجرة الى السنة، الى أصل الإسلام الذي بدأ غريبا بمكة ( بدأ الإسلام غريبا، و سيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد إندثارها) .. ذكر السنة، و لم يذكر الشريعة.. ذلك بأن البشرية اليوم أكثر إستعدادا، في جملة أفرادها، للأخذ عن النبي، و التأسي به، من البشرية الماضية، في جملة أفرادها.. و لذلك فستكون هناك هجرة حسية يهاجرها النبي الكريم، عبر عنها القرآن بقوله ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد!!) ... ستكون هجرة محمد الثانية بمثابة العودة الى العهد المكي ليقع على مستوى الجماعة تطبيق ما فرض الله على النبي من القرآن، و هو سنته كنبي، إرتفاعا عن مستوى ما فرضه من القرآن على الأمة المؤمنة، و هو شريعته كرسول، حتي يقوم المنهج الفردي على السنة، و حتى يقوم التنظيم الجماعي على أصول القرآن التي قامت عليها السنة، بالتطوير من فروع القرآن التي قامت عليها الشريعة.. وذلك حتي تجيء من البشرية الحاضرة الأمة المسلمة – أخوان النبي الكريم.. فالهجرة النبوية الثانية هي هجرته الى إخوانه الذين يحيون سنته، و يجسدون شمائله، و يتأسون به في أخذ شرائعهم الفردية من الله تعالى كفاحا، ليكونوا أصلاء مثله!! و ستكون الهجرة الى مكان غير المكان.. ستكون الى الأرض التي تحيا فيها سنته، و الى الفئة التي تحيي هذه السنة.. حتي تعم هجرته الأرض قاطبة..
    هذا هو التغيير الديني المنوط بالمسلمين، و المنتظر للبشرية.. و هو ما يجب أن يشد المسلمون إليه الرحال مهاجرين فليس أمامهم سواه من قبلة.. و الأمر إنما يقتضي استشعارا لنقصهم، و عزما على تغيير حالهم، و فهما دقيقا، جديدا لدينهم، و لعصرهم.. فليس الأمر نبوة جديدة، أو كتابا جديدا.. فالمستوي المكي من الدين الذي لم يطبقه سوي النبي أحد، و هو السنة، إنما هو رسالة ثانية بالنسبة لإنسانية القرن العشرين، تصبح به شريعة النبي الفردية شريعة عامة لكل الناس، بينما المستوي المدني من الدين الذي طبقته الأمة الماضية، وهو الشريعة، إنما هو رسالة أولى لم تعد صالحة للوفاء بتطلعات، وإمكانيات إنسانية القرن العشرين... و هكذا فإن الهجرة النبوية فاصل بين رسالتين... و من ههنا تستمد قيمتها الدينية، و الإنسانية.. فعلي المسلمين إدراك هذه القيمة، و تحويلها الى حركة تغيير ديني شامل، هو الموعود السماوي المنتظر.


    (عدل بواسطة baballa on 03-04-2003, 05:05 AM)
    (عدل بواسطة baballa on 03-06-2003, 05:10 AM)









                  

03-05-2003, 06:44 PM

baballa
<ababalla
تاريخ التسجيل: 05-13-2002
مجموع المشاركات: 151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العام الهجري الجديد تهنئة للجميع و بقية الكتاب (Re: baballa)

    هذا بقية الكتاب
    مع التهاني للجميع بعام الهجري

    =======
    القيمة السلوكية للهجرة النبوية:

    إن لأحداث الهجرة، والتي جرت في الآفاق، دلالات عرفانية و سلوكية عميقة في النفوس.. و هي دلالات لا غنى عنها، مطلقا للسالك في طريق محمد.. فالسالك في طريق محمد إنما يوطن نفسه على أن يهاجر، وفي كل وقت، وبإستمرار، من خلق سيء الى خلق حسن .. فهو دائم النظر في دخيلته، مشغول بعيوبه، يواجهها، ويستعظمها، و يندم عليها، و يعمل علي قطع الطريق أمام العودة إليها، و يستغفر عنها.. و ذلك عند محاسبته نفسه، في وضوئه، و في استغفاره بالأسحار، و في استعداده لنومه.. و هو لذلك شديد المراقبة لنفسه حتي لا تعود الى نقائصها. و هو في أدائه الواجب المباشر في تصحيح أخطائه، و تنمية فضائله، إنما هو شديد الإعتماد على العون الإلهي.. و العبادة، في جوهرها، ضعف بإزاء القدرة الإلهية.. . و أفضل دعاء مأثور عن النبي الكريم في ذلك هو : ( اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، و أصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) ... و النفس دائما إنما تحب عاداتها حتي و لو كانت ذميمة، و تكره التغيير، و ما يصحبه من مواجهة نفسية، ومشقة جسدية، مما يقتضي السالك إلتماس العون عند الله .. و لذلك دعا النبي الكريم، في الهجرة، بهذا الدعاء : ( اللهم أخرجتني من أحب البلاد الي ، فأسكني في أحب البلاد إليك) .. و لقد تجلى مبلغ تحقيق النبي الكريم لوحدة الفاعل، من تركه ناقته تستقر به حيث شاءت، بقوله للمهاجرين و الأنصار عند دخوله المدينة : ( دعوها فإنها مأمورة) !! و مثل هذا التحقيق لوحدة الفاعل هو مطلوب كل ( مهاجر) سالك في طريق محمد ..

    و الهجرة السلوكية حاديها و دليلها الفكر.. فقد كان النبي متجدد الفكر بالاستغفار العرفاني .. و قد قال : ( إنه ليغان علي قلبي حتي أستغفر الله في اليوم و الليلة سبعين مرة) و قال : ( إنه غان أنوار لا غان أغيار)، فكأنه، بهذا الاستغفار العرفاني إنما يقطع في عروجه الى الله كل يوم و ليلة سبعين درجة .. و هذا الإحصاء إنما هو للتمثيل لا للحصر .. ( و الله يضاعف لمن يشاء ، و الله واسع عليم) .. و النبي ، في ذلك ، متخلق بالأخلاق الإلهية : ( كل يوم هو في شأن ) و هذا هو معنى هجرته الروحية المتصلة التي هي، في الحقيقة، سنته الحقيقية..
    و من أدب الهجرة صدق النية، و خلوص العمل . . . ولذلك حرص النبي الكريم علي دفع قيمة الراحلة التي هاجر بها الى أبي بكر، حتي تكون هجرته لله بكامل نفسه، وماله.. ولذلك كان المهاجرون يحبون أن يموتوا في دار الهجرة، بالمدينة، دون سواها، و ما يحبون أن يموتوا بمكة !! و من أدب الهجرة إنتظار الإذن بعد إعداد العدة، فالسالك ( المهاجر) إنما هو كلف بتجويد واجب العبادة، والمعاملة، لا يستعجل أمرا مستأنفا سوى هذا التجويد حتي يأتيه الإذن به . . وهذا الإذن إنما هو بمثابة ما يثمره عمله من نور يهديه الطريق ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. . .) وقد أري النبي دار الهجرة، ثم ظل ينتظر الإذن بها، هو و أبو بكر، حتي ظفر به ، فأنفذه لا يلوي علي شئ. .
    و من أدب الهجرة عدم التلفت كما كانت سنة النبي في مسيره من مكة الى المدينة . . وكما هو الأمر الإلهي ( و لا يلتفت منكم أحد ) . . والتلفت أكبر عيوب السالكين و هو إنما يتمثل في تقديم المفضول علي الفاضل – في تأخير واجب من واجبات الدعوة الى الله، عن أي عمل سواه. . و في تفضيل أية صحبة علي صحبة زملاء طريق الهجرة الى الله، و يتمثل التلفت أيضا في السالك و في تقاعسه عن بذل أقصي الطاقة المتاحة فيما يثمر التطور الروحي المطرد . . ومن التلفت أن يقدم السالك نفسه، و يرى لها مزية خاصة علي زملاء طريقه، وأن تفتر همته عند تقدمهم عليه و أن تشوب محبته لزملاء الطريق شائبة . .
    و من أدب الهجرة استشعار معية الله.. و قد طمأن النبي أبا بكر في غار ثور بقوله : ( يا أبا بكر لا تخف . . . يا أبا بكر ما بالك باثنين الله ثالثهما ؟؟؟) . . . واستشعار معية الله، عند السالك ( المهاجر) إنما تكون طلبا لعونه في الشدة، وخشية منه في الخلوة، و الجلوة . . و في الحقيقة أن في كل واحد منا ( إثنين) قلبه، و عقله، و الله ثالثهما ..
    و من أدب الهجرة حسن الصحبة، و قد كان لأبي بكر، في ذلك مكرمة لا تجارى . . فقد كان رفيقا، شفيقا، بالنبي ، في تلك الهجرة، حريصا على سلامته، شديد الإلتصاق به ، شديد الإشتغال بواجب الهجرة معه، رفيع الأدب معه، يقدم النبي في الخير، و يتقدمه في المكروه. .

    الهجرة من القلب الى العقل :

    و من الدلالات العرفانية الدقيقة للهجرة انها إنما تمثل الهجرة من القلب الى العقل : القلب في مقابل مكة، و العقل في مقابل المدينة.. و قد جاء الإسلام ليخاطب القلب الذي يمثل كل القوى المودعة في البنية البشرية، ليخاطب الفطرة البشرية، من حيث هي بشرية، و لكن لما كان الوقت ليس وقت تلك الدعوة، كانت الهجرة من القلب، الى العقل حيث خوطب العقل، في معني ما خوطب شطر دون شطر من البنية البشرية، فخوطبت البشرية في المستوى العقيدي الذي يفرق على أساس العقيدة.. و الهجرة من القلب الى العقل إنما تمثل نشأة العقل.. فقد ظهر، أول ما ظهر، القلب، ثم برز منه العقل بعوامل الخوف ليدرأ عن القلب الخطر، و ليؤمن له الطريق ( مثلما كانت الهجرة من مكة الى المدينة بمثل ذلك الدافع) . . و الهجرة الثانية إنما هي بمثابة عودة العقل الى القلب . . بأن ينزل العقل قريبا من القلب . . فيصير إدراك العقل أقرب الى وترية إدراك القلب . . فالعقل يدرك الأشياء بأضدادها، فإدراكه ثنائي، بينما القلب هو صاحب الإدراك الوتري، و لذلك فالقلب يدرك الحقيقة الإلهية الأزلية بأكثر مما يدركها العقل . . و هي حقيقة وترية لا ضد لها، و مطلقة تمتنع الإحاطة بها . . و عندما يتم إدراك العقل بهذه الصورة، يرفع حجاب الفكر، و تتم الإستقامة ( و زنوا بالقسطاس المستقيم) . . و هو ما حدث للنبي الكريم في ليلة المعراج، في مقام ( ما زاغ البصر، و ما طغى) عندما توقف جبريل عند سدرة المنتهى، في معنى ما توقف الإدراك الثنائي، و رفع حجاب الفكر، فتقدم القلب ليشهد الرب ( ما كذب الفؤاد ما رأى) . . و العقل سريع العودة من منطقة القلب . . فلا مقام له هناك، و إنما هي الإلمامة بين الفينة و الفينة . . و تمثل عودة العقل الى القلب عودة النبي الكريم الى مكة، في حجة الوداع، ووقوفه بعرفات التي تمثل العقل، قريبا من مكة، التي تمثل القلب، ثم عودته منها الى المدينة. . هذه هي المعاني العرفانية و السلوكية المستمدة من الهجرة النبوية، و هي إنما تشكل منهاجا لهجرة السالك، بواجباتها، و بأدبها، و بدقائق أسرارها . .

    الهجرة السلوكية بمنهاج التحرر من الكبت:

    والنبى الكريم بهجرته من الارض الى السماء ، بمعراجه الحسي قد جمع بين الهجرتين فتمت له الوترية وبذلك قد تحرر من أكبر القيود التى تستعبد نا ، وهو الزمان ، والمكان ، فشهد من لا يحويه الزمان والمكان ، حيث لم يشتغل فكره بالماضى ، ولا بالمستقبل ، وانما قد توحد ، حتى ألغى نفسه وعاش لحظته الحاضرة ، حاضرا مع الله بكليته ، لا يغفل عنه .. ولذلك تحررالنبي من ظلال الخوف الذى يؤاف به الانسان ، ميراثا واكتسابا ، والذى أملاه الجهل بحقيقة الوجود ، فاطلع النبى على الحقيقة الأزلية ، ثم عاد الى الارض بمنهاج الصلاة ، له ، وللبشرية جمعاء ، به يحقق هو وتحقق البشرية المقتفية لآثاره ذلك التوحيد الداخلي ، وتلك الحرية الداخلية.. منهاج التحرر من الخوف أو التحرر من الكبت، إنما هو منهاج به يهاجر السالك في طريق محمد، في داخل نفسه، يحل عقدها، و يعالج إنفصامها، و يعيد بناءها.. وقد حقق محمد بهذا المنهاج إنسانيته، بتحقيق سلامة فطرته – صفاء عقله، و سلامة قلبه.. وجوهر هذا المنهاج أدب الوقت.. وذلك بتنقية البال من الهم، و أكبره هم الرزق.. و ذلك بتقليل الحاجات، و تقصير الأمل، وترك التمني، والإشتغال بواجب الساعة، بدون الندم على ما نقص من الدنيا، حيث الأولى الندم علي ما نقص من الدين، و بدون الفرح المبطر الذي يذهب بأدب النفس : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض، و لا في أنفسكم، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك علي الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، و لا تفرحوا بما آتاكم، و الله لا يحب كل مختال فخور) .. فالسالك المهاجر كثير الإنتاج، قليل الإستهلاك. . حريص علي المال العام، و علي المرافق العامة . . يعطي الآخرين من نفسه، ووقته، و ماله، أكثر مما يأخذ منهم، لأن القيمة الأصلية، عنده، هي القيمة الأخلاقية : ( الدنيا مطية الآخرة) . . و السالك المهاجر واسع الحرية الداخلية، بعدم نزوعه الى التسلط، و الى التكبر، أو الى الترفع عن الخدمة، أو الى إضمار الحقد، أو الى الإشتغال بعيوب الآخرين . . بهذا المنهاج يتحرر السالك المهاجر من كثير من عقد الكبت التي تشوه الخلقة البشرية. .
    كما أن هذا المنهاج هو الذي به يتم التحرر من أول، وأعنف، كبت وقع على النفس البشرية، و هو الكبت الجنسي.. فالإنسان قد دخل طور بشريته، و هو يرث من طور حيوانيته غريزة الحياة، والغريزة الجنسية، وهي أكبر معبر عن غريزة الحياة . . ولذلك لم يكن قيام المجتمع، ولا تطور الفرد، ممكنا إلا بكبت هذه الغريزة بفرض القوانين، والأعراف التي تنظمها. . وقد ورث الإنسان، من الحيوان، الغيرة الجنسية، و أخذ يعبر عنها بشتي الصور، حتى تبلورت كثمرة لتهذيبها قيمة العفة، فجاءت الأديان الكتابية تهذب الغيرة، وتتسامى بالعفة، وكان لحد الزنا والقذف أثر كبير في تطوير العلاقة الجنسية..
    والمنهاج النبوي إنما هو منهاج للعفة الجنسية، يستعين بالعبادة والمعاملة ليبلغ بالرجل مبلغا تكون فيه نظرته لأي امرأة عدا زوجته، هي نظرته لأخته، وليبلغ بالمرأة مبلغا تكون فيه نظرتها لأي رجل، سوى زوجها، هي نظرتها لأخيها، و ذلك استيقانا للحقيقة بأن لكل رجل زوجته الواحدة في الحقيقة، ولكل إمرأة زوجها الواحد في الحقيقة. . (ومن كل شيء خلقنا زوجين) وحتي تبلغ الغيرة عند الرجال مبلغ المعرفة التامة بالله ليكون الله، وحده، هو الحافظ للعرض. . . ومنهاج العفة يبدأ من بدايات بسيطة و لكنها عميقة الأثر في تهذيب الغريزة الجنسية، وإكسابها ( التوحيد) بدل ( التعديد) .. فهو يبدأ بغض البصر، و بحفظ اللسان و اليد، و بحفظ الجوارح كلها، حتي يكف الخاطر نفسه عن العدوان على أعراض الآخرين . . ومن هذا المنهاج منع الخلوة بين الأجانب من النساء و الرجال، و عدم التبرج و عدم التبذل.. هو منهاج يبدأ بالرجال ( عفوا تعف نساؤكم) . . هو منهاج فيه يرعى الزوجان حضرة أبنائهما، كما يرعيان خلوتهما، بعدم التبذل و التهتك. . و يرعى كل رجل، وكل إمرأة، خلوته، فيستحيي، و يستعصم . . و يخشى أن تشيع الفاحشة بين الناس، و يخشى، أكثر ما يخشى، أن يكون هو من الذين يحبون لها أن تشيع . . فالرجل غيور على العرض، و لكن على كل عرض، لاعلى عرضه هو وحده . . فهو عف، و هو يحب أن تشيع العفة . . ثم أن غيرته ليست تلك الغيرة المتهمة الجاهلة . . و إنما هي الغيرة الأصيلة على العفة، وعلي التصون. . و يستعين الرجل، و تستعين المرأة على التسامي بالعفة، وبالغيرة، بالعبادة، و بخاصة صلاة الليل، و بالمعاملة، و بخاصة الإلتزام بأدب الغيرة، و العفة . . هذا هو منهاج العفة.. وهو في الحقيقة منهاج لفض الكبت . . فإن المنهاج الديني إنما يتميز بأنه ( خطوة في الكبت و خطوة في فض الكبت) . . ومن ههنا علميته، وفعاليته . . هذه صورة للهجرة السلوكية الداخلية..

    الهجرة بين طبقات العقل :

    درجات النفوس هي طبقات العقل الباطن.. و هي النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة... والهجرة الداخلية هي ، في الحقيقة، هجرة من النفس السفلى الى النفس العليا . . والنقطة التي تبدأ منها الهجرة هي النفس الأمارة بالسوء، وهي النفس الحيوانية الصماء، التي لا تأمر صاحبها إلا بالاستجابة لدواعي الشهوة.. فإذا أخذ الإنسان نفسه بالإلتزام بالمنهاج النبوي، فأخضع نفسه للمراقبة و المحاسبة، انفتقت النفس من صمامتها، و توحدها على طلب الشهوة، فانقسمت الى نفس كابتة، ونفس مكبوتة.. والنفس الكابتة هي النفس اللوامة التي تلوم صاحبها علي ما فرط في جنب الأمر والنهي، وتكبت رغائبه الموروثة من النفس الأمارة.. و من الاحتكاك بين رغبة الحيوان وكبت الإنسان يتولد الذكاء، و يقوى الفكر . . فترد على النفس الإلهامات، والبشارات، في اليقظة، والأحلام، و تبلغ النفس مقام النفس الملهمة التي تعان على آثار المجاهدة الشديدة، في مقام النفس اللوامة، بهذه الإشراقات حتى تثبت أقدامها علي الطريق . . و يزيد الذكاء في الإلهام، و تصبح النفس أكثر مقدرة علي ترتيب أمورها من غير كبت لا مبرر له، إذ هي قد ارتفعت من مستوى التورط في مخالفة القوانين التي تنظم علاقتها بالآخرين . . فتصبح النفس بذلك هادئة، وادعة، محبة للخير، صافية من الضغائن، بعيدة عن العنف و الجفاء . . و تسمى في هذا الطور النفس المطمئنة . . وفي الواقع ان الحيوان الذي له السلطان في مرتبة النفس الأمارة، وواجه الكبت في مرتبة النفس اللوامة، قد أخذ يهدأ من الحركة، في النفس المطمئنة، و لكنه هدوء مفروض عليه، غير نابع منه، إذ هو يحتاج الإستئناس لا الكبت.. وأصعب مراحل السلوك الخروج من النفس المطمئنة، تلك التي اطمأنت الى هدوء الحيوان الداخلي و إن لم تستأنسه . . فمن استطاع الخروج من النفس المطمئنة، فتحرك الحيوان المكبوت فيه، انقسمت نفسه مرة أخرى، في مقابل إنقسامها في النفس اللوامة، غير أنها قسمة أقرب الى التوحيد من سابقتها، حيث أن السلوك، عبر درجات النفوس، سير لولبي و ليس دائريا، وفيه تشبه النهاية البداية، ولا تشبهها، حيث تكون النهاية قد ترقت سمتا فوق البداية . . والحيوان المكبوت إذ يتحرك في النفس الراضية إنما ليستأنس لا ليكبت . . وعمل النفس الراضية هو فض الكبت، بالرضا بالإرادة الإلهية، و شهود حقيقة الخير المطلق في الوجود، شهودا ذوقيا، حتى تدخل النفس في رضى الله عنها، فتدخل في الخير المطلق، فلا يريها الله إلا ما تحب.. والنفس المرضية يتوج الله رضاه عنها بتكميل صفاتها من صفاته، فتصبح نفسا كاملة، تستمد كمالها من الكمال الإلهي المطلق..
    هذا هو المنهاج النبوي، أو الهجرة السلوكية الداخلية، أو الهجرة من النفس السفلى الى النفس العليا . . وهو علم نفس يتميز به الإسلام عن سائر الأديان، و الفلسفات . . و به وحده، تتحقق إنسانية الإنسان، و تتفجر قواه الكامنة . . وهي، في الحقيقة، هجرة متصلة، لأنها هي التخلق بأخلاق المطلق..

    خاتمة :

    إن على المسلمين ان يعرفوا لدينهم هذا القدر، فينفذوا الى دقائق حقائقه، فيزاوجوا بينها وبين دقائق حقائق العصر، في واقع معاش يسترعي الإنتباه، ويغري بالإتباع . . إن أمامهم أن يكونوا الكتلة الثالثة التي تفض الكتلتين العالميتين القائمتين : الكتلة الشيوعية، والكتلة الرأسمالية، و اللتين عجزتا عن حل مشكلتي السلام، و الرخاء، و وضعتا العالم على شفا الحرب العالمية النووية !! لقد عجزت الكتلتان، كلتاهما، عن الجمع بين الديمقراطية والإشتراكية، في جهاز حكومي واحد، حين عجزتا، كلتاهما، عن التوفيق بين حاجة الجماعة الى العدالة الإجتماعية الشاملة، و حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة، بحيث تكون الأولى وسيلة الى الثانية، و بحيث تكون الحضارة المادية الآلية خادمة للإنسان، لا مستعبدة له . . . والإسلام وحده هو الذي يفض ذلك التعارض البادي بين الجماعة و الفرد، والذي بسببه ظهر التناقض بين الإشتراكية و الديمقراطية . . ذلك لأنه، كما أسلفنا، منهاج لتوحيد القوى المودعة في البنية البشرية . . هو منهاج لتوحيد النقيضين، كل نقيضين، لأنه يقوم أساسا على فض التعارض الأساسي بين العبد و الرب، فيجعل العبد راضيا بربه، منسجما مع البيئة الروحية الخفية، والبيئة المادية البادية..
    هذه هي وجهة الهجرة التي ينبغي أن يشد إليها المسلمون الرحال، بدلا عن الهوس الديني الذي أخذ يستشري بينهم . . و إلا فالنذير الإلهي لهم بالمرصاد ( و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم) . .

    الأخوان الجمهوريون
    أم درمان ص. ب 1151
    تلفون 56912

    (عدل بواسطة baballa on 03-05-2003, 08:27 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de