| 
  
  | 
  
  
     مخاض ثورة شعب 
   | 
   
   
  06:58 PM December, 15 2018 سودانيز اون لاين اسماعيل عبد الله محمد- مكتبتى رابط مختصر مخاض ثورة شعب
  وإنّه لكل أجل كتاب ,  أو كما قال الشاعر محمود سامي البارودي : (فسوف تصفو الليالي بعد كدرتها , و كل دور اذا ما تم ينقلب) ,  فلا ولن يكون حدوث الولادة إلا بعد انقضاء تسعة أشهر للأنثى من بني الإنسان ,  أو بعد مرور تسعة عشر من الشهور للفيلة ,  أما الثورات فتتفاوت المدد الزمنية التي يقضيها حملها في أرحام الشعوب ,  ولن تندلع هذه الثورات و لا تتفجر الانتفاضات الشعبية إلا بعد انقضاء دورة نضجها واكتمال نموها ,  كما هو الحال بالنسبة لسودان العزة اليوم ,  الذي يتمخض شعبه ليهب الناس ثورة وانتفاضة شعبية عارمة ,  تكنس تجار الدين و الفاسدين ,  لقد تضافرت كل العوامل التي من شأنها الدفع بالمقهورين إلى الإمساك بزمام المبادرة ,  و التحرك لإزاحة كابوس الإنقاذ الذي أوردهم موارد الجوع  والفقر  والمرض ,  فلا شرعية لنظام حكم عجز عن تأمين رغيف الخبز لمواطنه ,  ولا استمرارية لجيش من الوزراء و المستشارين و المدراء التنفيذيين ,  غير القادرين على رسم سياسات ناجحة تعمل على معالجة المشكلة الاقتصادية ,  ألفاشلين في ملاحقة الفارين والهاربين بالكتل النقدية من المال العام ومحاكمتهم ,  فالبلاد غنية وثرائها فاحش بموردها الطبيعي ,  وهي ليست بحاجة إلى كل هذا الضجيج الذي يصدره علماء الاقتصاد وخبراء المال عبر تطبيق واتساب ,  فكل الذي تعوزه بلادنا هو الضمير الوطني المتوهج في نفس من يتولى قيادتها ,  وما أقعدنا وأحبط أعمالنا سوى إنعدام  قيمة الصدق و الأمانة في نفوس من قاموا  بإدارة شأنها العام ,  تلك القيم التي افتقر إليها الكادر الإنقاذي منذ الخاتم من يونيو من ذلك العام المشؤوم ,  فكل الذي حدث هو أن سيطر هذا الكادر الذي انعدم فيه وازع الضمير و دافع الأخلاق ,  على مفاصل سلطة الدولة السودانية ,  و لم يعمل من أجل مصلحة هذه الدولة ولا لفائدة المواطن ,  فخرّب الاقتصاد و فاقم مديونية البلاد الخارجية ,  وزاد على ذلك بإنفاقه لمال الدولة في حروب داخلية  عبثية ,  كان بإمكانه أن يوقفها بانجاز سلام حقيقي لولا سوء النية و بشاعة الطوية ,  فما أنفقه النظام في حرب دارفور ,  كان باستطاعته أن يعمل على إعادة إعمار الإقليم المهمش من الألف إلى الياء ,  فهذا الكادر الإنقاذي و من أجل إشباع نزواته ورغباته الشخصية والذاتية قام باستغلال كرسي الحكم أبشع استغلال ,  ولم تكن من أولوياته أي بند من بنود هموم هذا الوطن أو المواطن ,  فأحال إيرادات البترول إلى حسابه وجيبه الخاص ,  و بنى بضعة مشاريع تنموية بتمويل أجنبي باهظ الكلفة ,  ففيما بعد سيكون هذا الدين عبئأ ثقيلاً على خزينة الدولة بعد إنقضاء أجل هذا النظام الإنقاذي المستبد ,  فتعامل هذا الكادر الإنقاذي مع مقدرات البلاد وكأنها غنيمة وفيء , فسلب و نهب وجنّب ثم تحلل.
  فالثورة الشعبية منطلقة لا يوقفها صادم ,  والهتافات السلمية الداعية الى رحيل طاقم إدارة الحكم الانقاذي الفاشل ,  سوف ترددها حناجر الشيب و الشباب ونبض قلوب الأطفال الأنقياء ,  فشمس الحرية لن تموت برغم صعاب القهر الذي مارسه الأنقاذيون ,  وليل الظلم طويل و بارد برودة صقيع جليد القطب المتجمد ,  لكن انبلاج صبح الانعتاق و بزوغ فجر الخلاص سريع وخاطف ,  كسرعة سيف لامع متوهج  وباتر بيد سيّاف ماهر ,  يكون  في حده الحد بين الحياة و الموت ,  يفصل الجسد عن الروح في لمحة من الإبصار وقبل ارتداد الطرف ,  وإني لأراه  يلوح في آفاق (كانون) الأول و (كانون) الثاني من هذا العام ,  معلناً نهاية حكم أبارتيدي وحشي ظالم أيبس ضرع أنثى الإنسان و الحيوان ,  فالأنتفاض في وجه الطاغوت قد استكملت حلقاته  وقويت شوكته ,  و استنفذت المنظومة الإدارية  لحكم الإخوان المسلمين و أعوانهم ,  كل الزمن الذي منحهم إياه هذا الشعب الطيب المسالم والمسكين ,  فالوجوم الذي أصاب المنظومة الإنقاذية هذه الأيام ,  و الصدمة العكسية و المرتدة التي ألمت بها ,  لهو دلالة قاطعة على حكمة وحلم هذا الشعب الأبي الكريم ,  ألذي تركهم في غيهم يعمهون ,  إلى أن اصطدمت سفينتهم بصخرة الواقع الأليم ,  و كانه يقول لهم إن حبل الكذب لقصير جداً و سوف تتوقف عجلة قطاركم الذي بدأ بكذبة ,  فهاهم الآن يقفون وقفة حمار الشيخ في العقبة ,  فلم تجدي نفعاً كل الترهات التي وعدوا بها الناس , و لن تجدي.
  إنّ جرائم إشعال الحرائق في الأسواق بهذه الطريقة الكيدية ,  والمنهاجية المعادية للوطن والمواطن ,  تذكرنا بالحرائق والنيران التي اضرموها على رؤوس الأطفال و العجزة و المسنين و النساء ,  بقنابل الأنتونوف في جبال النوبة و جبل مرة و جبال الأنقسنا ,  بحجة أن اولئك البؤساء يدعمون المتمردين الحاملين للمدفع و الواقفين في مواجهة الدولة الظالمة ,  فتتعدد أسبابهم ولكن طريقتهم هي الواحدة في إسكات صوت الحق ,  وأساليبهم متشابهة في أكل أموال الناس بالباطل , وإلا فقولوا لي بربكم ,  ما ذنب من أراد الحفاظ على ماله الخاص وخلاصة عرق جبينه بعيداً عن خزينة الدولة المفلسة ؟ ,  فعندما يضع صاحب المال والأعمال ماله ونقوده في خزينته الآمنة و الموجودة بداخل متجره ,  هل يعتبر ذلك سبباً مشروعاً يدفع بالنظام إلى الإنتقام من هذا التاجر الممسك بتلابيب عصب إقتصاد بلاده ؟ ,  إذاً, ماذا تبقى لمنظومة الحكم الإنقاذي من رجل حريص ,  بعد أن زرعت العداوة و البغضاء بينها وبين رجل الأعمال ؟ ,  ما يجعلنا نؤكد على حتمية نهاية أجل حكومة الإخوان ,  هو فقدانها لثقة السوق السوداني  من أم درمان حتى نيالا ,  وتوقف عملاء البنوك من تجار الأسواق الكبرى بالبلاد عن التعامل مع الجهاز المصرفي ,  فمن هنا جائت الأسباب القوية للحملة الشرسة والضارية  والنفرة الهوجاء والكارثية ,  من نظام الحكم الإنقاذي بحق التاجر السوداني المستقل في تجارته ,  والذي أجتهد عبر مسيرة طويلة ورحلة قاسية ومريرة ,  من سنين العمر في تأسيس ورعاية عمله الخاص ,  فالإنتفاضة الشعبية تكتمل حلقاتها عندما تكون جميع قطاعات الشعب ساخطة على النظام ,  وناظرة إليه من زاوية  أنه العدو ,  و أنه دائماً يقف ضد مصالحها ,  فمن هنا تتحقق عملية استكمال حلقات الإنفراجة الكبرى , التي يعكسها بيت الشعر القائل : (ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت , و كنت أظنها لا تفرج).
  إنّ دورة حياة أنظمة الحكم كدورة حياة الآدميين ,  مهدٌ فشبابٌ ثم كفنٌ ولحدٌ ,  ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا ,  فالسقم الذي أصاب جسد المنظومة الإسلامية الحاكمة في السودان هو سقم الموت ,  فقد اضمحل هيكل الأقتصاد و انكمش ,  و تدهورت القيمة النقدية للعملة الوطنية ,  وجفت كل مواعين السيولة التي يمكنها ان تبعث بشيء من الأمل ,  وتضاربت سيقان الناس في الركض وراء الحافلات والبصات في ميادين وساحات المواصلات ,  غير المتوفرة , فشحبت الأجسام و اغرورقت الأعين بالدمع الثخين ,  وأصبح الانسان في بلادنا هيكل من العظام المتحركة ,  يتحدث مع نفسه في السر و العلن ,  وإن رأيته حسبته  قد رشف  من كأس خمرٍ عتيق ,  و لكنه ليس بذلك المدمن على شرب النبيذ وإنما هو عذاب الإنقاذ الشديد ,  فانتقل شبح الموت الذي كان يطارد البؤساء في سفوح جبال الغرب و الشرق ,  إلى خرطوم كتشنر بمدنها الثلاث حيث ينام أهل الملك ,  ويستكين أصحاب السلطة والمتوجون بتاج الإمارة والممسكون بالصولجان ,  فقد صحا أهلها  ومواطنوها فوجدوا الطعام و الشراب منعدمان في متاجرها ومطاعمها ومخابزها ,  إنّهم قوم مدائنيون يعتمدون على الدولة في كل شيء ,  فهم ليسوا مثل أولئك الريفيين الذين يسد رمقهم لقمة من عصيدة و جرعة ماء من بئر أو حفير ,  فالرجل المدائني لن يصبر على طعام واحد ,  ولا يسوق عذراً لنظام حكم حرمه صحن الفول و كيس الرغيف و صندوق البيبسي كولا ,  فأيٍ من نظام للحكم يريد البقاء والأستمرارية ,  ما عليه إلا أن يوفي بضروريات أهل المدن المكلفة وأن يقوم بتوفير كماليات أهل الريف ,  لأن الأساسيات التي تقوم عليها حياة الريفيين يخرجونها من باطن الأرض التي يحيون على سطحها ,  دون الإعتماد على الحكومة و موظفيها.
  
   
   | 
 
 
 
 
 
 
  
 
 
 
 
  
 
 
 
  
 
 |  
  
  
  
      
           
  
 
 
 | 
 | 
   |   
  |