قصاصات ورقية ضائعة

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 06:33 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-02-2018, 06:21 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصاصات ورقية ضائعة

    06:21 AM May, 02 2018

    سودانيز اون لاين
    Osman M Salih-Netherlands
    مكتبتى
    رابط مختصر


    الكتاب الوحيد الّذي فتحتُ عيني عليه، في دارنا في محطّة "الحصيرة" الخلوية الواقعة على سكك حديد
    السودان، هو القرآن. وقد كان مصحفاً قديماً، حال لون أوراقه، صغير الحجم، دقيق الحروف، بعض صفحاته خالي الحواشي من كل رسم، وبعضها الآخر موشّى الحواشي بزخارف تنسدل على جانبي السورة كضفيرتين خضراوين يحزم كلّ منهما شريط فاقع الصفرة، وبعضها الثالث محروس المتون بمثلّثات كُحْلِيّة الصبغة، متلاحمة القواعد، تلوح كسلك شائك يحتوش السُوَر، وبعضها الرابع عبارة عن خطوط متموّجة تبدو للناظر قِباباً متجاورة تخفي تحتها عوالم فيّاضة بالألوان، زاخرة بالزنابق والكائنات الغريبة، وبعضها الخامس محاط بسلسلة
    من التيجان الملكية، وفي بعضها الأخير ينحسر المتن متضائلاً من شكل هندسي رباعي
    الأضلاع مهيمّن على الصفحة بأسرها إلي دائرة محاصرة، أو إلي شكل غير محدّد أقرب إلى صورة فتحة المفتاح في القفل وهي مكبّرة، أو إلي شكل بيضاوي مذهّب يسبح في بحر من لون داكن، أو إلي شكل ثماني الأضلاع مدفوع إلى وسط الصفحة الّتي زحفت عليها حاشية مزيّنة بالنمانم واحتلّتها.

    يتلو أبي من المصحف وهو جالس على الفروة، مرتدياً عَرّاقي الساكوبيس، بينما ظِلُ الحائط الّذي اعتاد الصلاة بجواره يكبر أثناء التلاوة، يزحف غامراً الفناء، ناشراً فيه البرودة.

    يهزّ أبي رأسه كلما توغَّل في المصحف، منحنياً فوقه ببشرته الغامقة السمرة، وأنفه المستقيم، وشاربه الكثّ، وشعره السبط الداكن السواد المصفّف بعناية، وعينيه اللتين لاتبصران من الكون في تلك الساعة غير المصحف. يكمل تلاوته، ثم يرفع كفّيه مغمغماً بالدعاء وهو مغمض العينين، ثم يمسح الوجه بالكفَّين، كأنّما يغسله بالدعاء، ثم ينهض من
    الفروة، ليعيد المصحف بذات التمهّل والأناة الأولين إلى بيته الجلدي بعد أن يلثمه بخشوع، ويغلق عليه بإحكام لئلا ينفذ إليه حَشَر أوغبار. ثم يرفعه إلى مكانٍ عالٍ تشرف منه الصحائف المعظَّمة على دارنا، لتبعد عنها الشرور، وتستمطر لها اليُمْن والأمن والسِلم والطمأنينة والخيرات والبركات. ثم انطوت بواكير الطفولة في محطَّة الحصيرة، عندما كنت في نحو السادسة من العمر، بانتقال أهلي إلى كسلا حيث تلقّيت فيها تعليمي الابتدائي.

    ، إلى يومنا هذا لاتزال والدتي تذكر جيّداً ماكان عليه حال كراساتي الأُوَل، إذ كنت أكتب فيها كما يعنُّ لي، أعزق تربتها السيليوزية
    باذراً في بياضها كل ما أتعلمه من الكلمات فيما بين السرابات المُعَلَّمة باللون الاسود أو الازرق أو الاحمر، أفعل ذلك طليق اليدين غير مقيّد بنظام معيّن: أنقل درس اليوم من السبّورة في آخر الكُرّاسة، وفي الغد أقلب الكُرّاسة، وأشرع في الكتابة من أولى الصفحات، ثم أعود إلى آخر الكُرّاسة في اليوم التالي، وهكذا دواليك، وأنا ماضٍ في مقارعة الحروف العصيّة تغلبني تارة، وتدور عليها
    الدوائر تارات، تصرعني أحياناً، فأصبر على مرارات الهزائم بقلم الرصاص أو الكوبيا المنكَّس الرأس طوال الوقت، ينضح منه العرق في قبضة أصابعي، يتقشَّر مكوِّماً برادته الخشبيّة في جوف المبراة، حيث ينكمش، ويتقزّم، وأنا لست مأخوذاً بغير الهالة السحريّة المحيطة بالحروف الّتي اشرعتْ أمامي عالم الكلمات على مصراعيه بجدّته المغوية، وشسوعه المذهل.

    عندما لاحظت والدتي غياب الترتيب وشيوع الفوضى في صفحات كراساتي، مضتْ إلى المدرسة تستجلي حقيقة الأمر. وهناك طمأنها أحد المعلمين بأن لاخوف عليّ، وأنّني أتقدّم في دروسي بلاعثرات يؤبه لها، وهذا هو المهِّم برأيه، أمّا معرفة أنّ للكرّاسة وجه وظهر ثابتان، لايتغيّران، فأمر سوف أكتسبه مع مرور الأيام. فعادت إلى البيت وقد زايلها القلق. واستأنفتُ كتابتي على ما الفته من نحو، حتّى جاء يوم اعتدلتْ فيه جميع كراساتي، كأنّما من تلقاء نفسها، وزانها الترتيب والنظام.

    وحين أدركتُ التاسعة من العمر كتبتُ أولى قصائدي، وكانت مديحاً لقطر الندى الّذي كنت أجده عند في الفجر قد بلّل أزهار "صباح الخير" في باحة الدار. تترآى لي تلك القصيدة غائمة الكلمات كفَلذة من روحي، هائمة في الأثير. لا أستبين منها الآن سوى أنّها كانت مكوّنة من أربعة أو خمسة بيوت مقفّاة. لم أُطلِع عليها أحداً بعد كتابتها، بل حرصتُ كل الحرص على إيداعها في
    مكان خفيّ لاتصله يدّ. وكان ذلك المكان الذي حسبته مخبأ مناسباً مستوفياً لشروط تأمين الوثائق السريّة لخفائه، وعدم قدرة الداخل إلىه على البقاء فيه طويلاً لضيق مساحته، واكتظاظه بالمواد
    المخزَّنة، ولسبب آخر سيتجلّى لاحقاً، هو عبارة عن فجوة تحت صندوق قديم من الخشب موضوع على برميل فارغ في حجرة صغيرة جُعِلتْ مخزناً للقوت. عبر السنوات، تحت ذلك الصندوق الراسخ فوق البرميل، أخذت تتراكم في الخفاء نصوص شعرية قصيرة مدونة على قصاصات ورقية لم أعد أتذكّر منها حتى العناوين.

    في وقت القيلولة كنت ادخل المخزن المضاء بأشعّة الّشمس الّتي تنفذ إليه من شبّاك عالٍ مستطيل الشكل مغلق بالنَمْلي. ارفع الصندوق، وأسحب رزمة القصاصات الورقية المخبأة، وأراجع المكتوب عليها في مكان حَسُن الإضاءة، افعل ذلك كأنّي اكتشفها لأوّل مرّة، كأنّ شخصاً آخر هو الّذي حَبَّر القصاصات، ثم تسلّل بها إلى المخزن، ودسَّها لي في ذلك المكان الغميس المُدوِّخ الّذي تختلط فيه روائح التوابل والبهارات والفواكه الجافة والخضروات المجفّفة ودقيق القمح والذرة الرفيعة وطحين الدخن والُّسكَّر والشاي والزيت وبقايا الآبري الأبيض والحلو مُرّ والمحريب والحرجل والسفوفة والحسكنيت. ثم أعيدها إلى حيث كانت، حتى كان يوم ارتحلنا فيه عن ذلك البيت، فضاعت القصاصات لأنني نسيت استخراجها من المخبأ مع الضوضاء والزحام اللذين ينشآ عند الرحيل. أغلب الظنّ أنّها تبعثّرت تحت الأقدام عند حمل الصندوق والبرميل، ولم يكترث لها أيّ من الّذين أفرغوا المخزن، ونقلوا محتوياته إلى مسكننا الجديد.

    عثمان محمد صالح




















                  

05-02-2018, 08:47 AM

محمد بدرالدين
<aمحمد بدرالدين
تاريخ التسجيل: 01-15-2018
مجموع المشاركات: 2185

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصات ورقية ضائعة (Re: Osman M Salih)

    عثمان يا روعة الذكريات.. و رونق الكلمات
    كتاباتك يعيد شبابى و كل جمال تلكم الايام ..
    و شخوص او اشخاصها ..
    ينعش اانفس و يقويها ...
                  

05-03-2018, 06:03 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصات ورقية ضائعة (Re: محمد بدرالدين)

    ياعزيزنا بدران
    بوركتَ وسلمتَ من كل شرّ.
    تحياتي للجميع بطرفك،
    ولا انسى جميع السِلهات (سِلْهَنجي) المنبثين في أرض الذهب الاسود،
    اخبرهم أنّ عثمان باقٍ على العهد القديم الّذي قطعه لأرض الميلاد
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de