ايوة بحبك ويا ما بريدك يا نادوس كان حميد يبعثر حروف السودان ويرتبه في مقام العشق الاولاني لا بل أكثر من ذلك حين يردد انت اول وانت تاني وانت تالت أنت عاشر وأنت أخر ليس أدل علي ذلك فان محمد الحسن سالم حميد حزم حقائب رحيله في أتجاه مقابر المنداري، تاركاً لعاشقيه الزوادة التي لم تكن سوى تلك الحروف (وطني البموت وبخلي حي).
العشرون من مارس في مثل هذا اليوم قبل سنوات ست كان حميد يمشي آخر مشاويره في تراب البلد يختار القدر الكيلو 17 في شارع شريان الشمال وعلي مقربة من مكان شفع العرب الفتاري البفنو الشايلا ايديهم ويجروا ساكين القطارا تنفصل روح حميد عن جسده وتصعد الي السماوات العلى، وتتركنا في مواجهة السؤال وهل يموت الشعراء ؟ الإجابة في هذا المقام هي النفي وحين تكون جالساً في وادي حميد المقدس فهي النفي المغلظ؛ لا تموت القضايا وبالتالي لا يموت من حمل قضايانا بمختلف اتجاهاتنا، حميد ما مات فقط لانه أصطفى حق ان يعيش بيننا وبشخوصه.
قبل اعوام اربع قاعة الصداقة يكسوها السواد، وتتسربل بلافتة كبيرة، أوضح ما فيها عبارة “وطني البموت وبخلي حي”. صورة لحميد، وصوت لطفل اسمه منجد معاوية، يستأذن في أن يخلع نعليه في دار حميد، ويستأذن ليسأل: هو المات حميد، ولا الأطفال؟ المات حميد، ولا الأجيال؟ المات حميد ولا العمال؟ استفهامات الصغير يجيب عليها العشرون من مارس 2012 ليترسخ مارس في الأذهان بذات صفته القديمة؛ شهر الكوارث وهل من كارثة أكبر من ان يغادر البلد (حُميدها).
ينشد حميد بصوته الغارق في صدق الأنتماء للارض وناسها (بلداً فاتح لو غلبو بلاغ) ولا غلب اوضح من ان يغادر حميد الارض في اليوم الذي يضعه العالم كيوم للاحتفال بالسعادة في يوم السعادة يرحل حميد الذي كان يسابق الزمن من أجل اللحاق وقتها بتدشين ديوان الشاعر السر عثمان الطيب (بحر المودة) تاركاً الجميع يغرق بعدها في بحر دموعه وهو يدخل علي حقبة وطن دون وجود حميد لا يجديك وقتها ترديد ياتو وطن دون عينيك راح يبقي وطن؟ ولانها بلاد قدرها ان تباري المناحات كان يوم سعادة الشعوب هو تاريخ يوم تعاستها بمفارقة عاشق التراب الكبير ؟
العام 1956 هو عام ميلاد الوطن. ارتفعت راية استقلاله عالية خفاقة في فاتحته.. هو ذات العام الذي ولد فيه محمد الحسن سالم عمر عبد الله حميد في منطقة نوري؛ (البلد) المكان الذي تحلو دائماً له العودة، وللبيت القديم.. هادي البيوت مستورة خلقة.. البيت بيتك ادخل مخيّر وماك غريب، واتمدّا في أقرب عنقريب مبهول في حوضه الهمبريب.. من خزن النفوس الماهلة مفتاحا القلب. مرق حميد إلى الدنيا، وغنى الوطن كما اشتهاه؛ زي حلم المسيح، زي صدر الرسول ماهل وهيط، ما أحلى الوطن، ما أجمل المكان هنا في منحنى النيل في نوري وعلي مقربة من المكان الذي يرقد فيه تهراقا في الطرابيل؛ خرج حميد ليطوع العامية في خدمة الشعر ويطوع النظم لخدمة الناس والتعبير عنهم .
ست سنوات فقط يرافقك السؤال أحقاً مات حميد ؟ تاتيك الاجابة حميد ما زال يمشي بيننا بشخوصه هنا العم عبد الرحيم يشد حماره يخاطب أم الرحوم، شان ما تنكسف يوم.. اليوم لا ينتهي إلا والسفينة ترسو على شاطئ النيل؛ في مساءات الطوارئ، تلتقي بعمنا الحاج ود عجبنا في ذهابه إلى المخبز.. يلاقي الشغلانتو نار والجو كيف سخن.. تمتد حرارة المشهد، هناك (النوباوية) تقود مظاهرتها بمعية (الزين ود حامد) مارق من بيت العزابة ويحمل مظروف خطابه البارز.. هناك في طهور راشد، والتومات قاعدات في حضن ست الدار بت أحمد، وهي هناك في بيت العمدة، وهو يراطن الخوّاجات.. (الشول) وسبابها، تغادر كل هذا لتضع جنبك هناك مع (السرة بت عوض الكريم) بسنوات عمرها التسعين وبحكاياتها بصوتها الواضح ضد الظلم بالتأكيد هو أعلى من صوت بلة الطيب علي بلاع الذي أخفته صورة الشافع البكتب في حيطة الجامع: “يسقط يسقط دجل السلطة، يسقط بلة وشيخنا التابع، يحيا ضراع الزيتهم طالع
الضو وجهجهة التساب صورة أخرى لحميد في حكايات البلد الذي لا يغادره إلا ليسكنه مرة أخرى مع (نورة)، ومع شفع العرب الفتارى البفنّوا الشايلا إيدهم ويجروا ساكين القطارة، يعود مع حس الطائرات والقدرة المنتهية، وسيرة العريس الضحكة والقرمصيص، عرق الجباه الشم الراح شمار في مرقة، وتلك الأبت تطلع من الأقلام، من الواسوق أبت تطلع، من الأبرول أبت تطلع عشان تطلع من المدفع رحل حميد، ولكن بقيت شخوصه تمشي بين الناس، تتحدث بلسانهم وتكتب أحلامهم وأوجاعهم في ذات الوقت كما يفعل ذلك العامل أمام المصنع وهو يكتب مخاطباً الماهية بذات العبارة (والماهية أف عيشة هااااااك وكُف)
في عام غيابه السادس لا يجد السودانيون ما يرددوه عند ذاكرة القائل (ارضاً سلاح أرضاً جراح) ترحل هموم وتنصان دموم والبأل يرتاح وينفتح باب الصلاح ينفرج هم القلوب تندي بالأمل المباح والرجل في رقدته الأبدية يرافقه السؤال “بس لي متين نحنا ننتظر الصباح يات يوم نقوم فجر الصباح شآن نسمع منادي القوم ينادي أرضاً سلاح” غير لم يمت الذي مات وسلاماً على حميد في العالمين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة