«سماهاني» للسوداني عبد العزيز بركة ساكن: رواية التخيل التاريخي ومقاومة الاستبداد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 11:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-27-2018, 06:45 AM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
«سماهاني» للسوداني عبد العزيز بركة ساكن: رواية التخيل التاريخي ومقاومة الاستبداد

    05:45 AM February, 26 2018

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر

    أبتسـام القشّوري*

    http://www.up-00.com/



    لطالما كانت علاقة الرواية بالتاريخ علاقة شائكة ومتغيّرة، لذلك حاول الناقد العراقي عبد الله إبراهيم الحدّ من هذا التداخل باستنباط ما سماه «بالتخيل التاريخي» حتى يبعد العمل الروائي الذي ينهل من التاريخ على أن يكون وثيقة تاريخية. فالروائي يذهب إلى الماضي بطريقة تتداخل فيها شخصيات تاريخية مرجعية بشخصيات متخيلة، وهو يرى التاريخ بعيون الحاضر ورؤى المستقبل، وهذا ما يسمح له بالتنقل بسهولة بين وقائع التاريخ والتخيل، فيقدم عملا روائيا يوهم بوقائع حقيقية غالبا ما تكون متخيلة.
    من هذا المدخل نستطيع قراءة رواية عبد العزيز بركة ساكن «سماهاني» الصادرة عن دار مسكلياني، والممتدة على ثلاثمئة وثلاثين صفحة. والعنوان كما يتبين ليس باللغة العربية ف»سامهاني» تعني «المعذرة» باللغة السواحلية لغة شرق إفريقيا وبالتحديد أنغوجا (تانزانيا اليوم) حيث تدور أحداث هذه الرواية، أمّا الزمن فهو زمن الاستبداد سنة 1652 وهو تاريخ دخول الأساطيل العمانية وسلاطينها لتكون أنغوجا «جنتهم الموعودة».
    وعلى عكس التاريخ الرسمي الذّي يؤكد نجاح العرب المسلمين في نشر اللغة العربية في هذه الربوع، ونشر الإسلام وازدهار التجارة وبناء القصور، سكت على جانب مهم من القهر والظلم الذي عاناه الأفارقة أصحاب الأرض، نتيجة تجارة الرق والخدمة في قصور السلاطين العرب، وانطلاقا من هذا التاريخ المنسي ومن خلال سيرة سليمان بن سليم، السلطان العماني وابنته الأميرة وخادميهما «مطيع» و»سندس» يدخلنا بركة ساكن إلى هذا الجحيم: جحيم الاستعباد والظلم ليرسم بريشته الكاريكاتيرية الساخرة لوحة فنية يجمع فيها بين التاريخي والمتخيل، مركزا على الجانب الوجداني للشخصيات. فهو لا يحاكي التاريخ وإنّما يرسم رحلة الإنسان في مسيرته نحو التحرر والحب والتسامح.

    الرواية وتاريخ الاستبداد

    إنّ طقوس الاستعباد والقمع متشابهة في كل الأزمان، رغم تطور الآليات، لكنها دائما تستمد قوتها من منبع واحد هو هواجس السلطة الدائمة ولذّة ممارسة السلطة مؤكدة على قولة الغزالي «إنّ لذة الجاه ألّذ من اللذة». وهذا ما كان يشعر به السلطان سليمان بن سليم، من خلال هذه الرواية، فهو يرى نفسه الإله على الأرض فيقول: «أنا السّيد الأبدي والنهائي والدائم والمسيطر والمالك»، ولذلك كان يشّرع لنفسه استعباد كلّ الأفارقة ويرى أنّهم لا يملكون حياتهم إلاّ بأمره، ويرى أن «كل الزنوج أغبياء وفيهم بلادة» وعلى خلاف قولة عمر بن الخطاب «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، يشّرع هذا السلطان وبنصوص دينية استعباد الأفارقة: فتفنن في تعذيبهم وقمعهم، وذلك عن طريق الكيّ بالنار والضرب بالسّياط والسجن الانفرادي في السجون التي تُبنى خصيصا في كهوف القصور فلا ترى فيها لا شمسا ولا هواء. والحرمان من الأكل والشراب وأسر الناس وتشتيت العائلات وتدمير القرى وخطف النساء واغتصابهم فهو يرى «أن نكاح الأسيرات لا حرمة فيهّ». ومن هذه الحوادث اغتصابه لسيدة صغيرة بعد سبيها مع أهلها، يغتصبها السلطان بوحشية، تنزف حتى الموت تاركة ابنها رضيعا في الخلاء هذا الرضيع يُنقذ من طرف كلبة أرضعته وأعادته إلى أهله لتكون هذه الكلبة أرحم من العباد، وسمي هذا الطفل بـ»ابن الكلبة» وهو شخصية سيكون لها شأن وتدخل كبير في مصائر الشخصيات الرئيسية.
    كما صوّر لنا بركة ساكن تلك الحفلات الوحشية التّي يحضر فيها السلطان بنفسه تقام لخصي الزنوج، ومنها ما عاناه مطيع الذى كان زعيم قومه وقد تعرض للسبي أوّلا مُقادا بالسّلاسل ثم للخصي مع ابنه الأصغر «نانو» الذي سيسمى لاحقا بـ»سندس» حيث تم خصيهما بوحشية، الأب أوّلا بحضور الابن، ثم الابن بحضور الأب الغائب عن الوعي، على إثرها يصاب سندس بالبكم فيعيش فترة طويلة في صمت عميق، الأب سيصبح خادم السلطان «المطيع» و»سندس» خادما للأميرة ابنة السلطان الوحيدة فلا عيب أن يتكشف أسير زنجي مخصّي على أميرة عربية مسلمة. غير انّ بركة ساكن في هذه الرواية لا يقتصر على هذا النوع من الاستبداد ثنائية السيد والعبد، وإنما يتطرق أيضا إلى نوع آخر من الاستبداد وهو الاستبداد الاجتماعي في علاقة بثنائية الرجل بالمرأة. وينقد استعباد المرأة في المجتمع الذكوري من خلال علاقة السلطان بابنته، أو علاقة زوج الأميرة بها. فالمرأة لا مكانة لها في مجتمع يرى أنّها مشروع فضيحة يقول السلطان «البنت ليست سوى فضيحة» فيرفض أن تُوّلى العرش وتصبح سلطانة، ويبقى يُمّنى نفسه بإنجاب ولد حتى يورثه السلطنة. كما أنّه لا يعطى المرأة الحق في إبداء رأيها في الزواج أو الحب حتى إن كانت أميرة، فهو الذي يُزوجها ويختار لها زوجا. كما أن الأميرة ككلّ البنات في تلك المنظومة الظالمة تتعرض للختان وحرمانها من اللذة الجنسية، وليس لها الحق في الاعتراض على زواج زوجها بأخريات، فإن له الحق فيما ملكت أيمانه.
    ولا يجد بركة ساكن حرجا في انتقاد عبودية الإنسان لله، ففي معرض حديثه عن الحياة الإفريقية منتقدا مسيرة الإنسان، الذي عليه أن يثبت وجوده ولا يعتمد على الأوهام، حيث أن «الذين يفضلون البقاء حيث الرب وتحت رعايته هؤلاء هم اليائسون الذين لا يرجون خيرا من الحياة الخائفون من الشر»، ولذلك سيجعل كل هذه الشخصيات تتمرد كل على طريقته. وكما يقول أدوارد خراط «هناك في مقابل القمع دائما صرخة الحرية المحرضة تخفت أحيانا وتجلجل أحيانا أخرى، ولكنها لا تموت ولا تنطفئ».

    السخرية كفعل مقاومة

    وللتخفيف من حدّة هذا الألم المنتشر عبر أرجاء الرّواية، يتخذ بركة ساكن كعادته السخرية كأداة فنّية ويتحول إلى رسام كاريكاتيري يرسم نقدا لاذعا للشخصيات فالأدب السّاخر هو أرقى ألوان الفكاهة، خاصة المصبوغ منه بالصبغة السياسية، لذا فهو أداة للتهكم والتقريع ووسيلة من وسائل التحدي والتعرية، وكانت السخرية في هذا المتن الروائي عبر رسم البورتريهات وعبر اللغة وعبر مصائر الشخصيات. وقد رسم بركة ساكن صورة كاريكاتيرية للسلطان فيها نقد لاذع وتهكم كبير، بداية من الاسم الذي كان يرفقه الكاتب دائما بلقب السلطان الذي «باركه الرب مُؤخرا» لاكتشاف السلطان أنّه من سلالة النبي سليمان ولكنّه كان اكتشافا متأخرا.
    أمّا من الناحية الفيزيولوجية فقد صوّره ضخم الجثة، لا يعرف في الحياة غير الأكل وجني المال ومضاجعة النساء، فقد كانت له تسعة وتسعون جارية لا يعرف أسماءهن يساعده عبده «مطيع» في كل تفاصيل حياته من أوّل جلوسه على الوعاء الضخم للتبرز، الذّي لم يكن في «مخيلة صانعيه أن هناك مؤخرة في حجم ارداف السلطان» كما أن حجمه الكبير وبطنه الضخمة لم تكن تساعده في مضاجعة نسائه فكان «مطيع» يساعده في ذلك أيضا».
    وفي الحقيقة لم تختصر الصورة الكاريكاتيرية على السلطان، بل تعداه إلى نقد الأفارقة أو سكّان «أنغوجا» وإن سعوا إلى التحرر، وكانت لهم أخلاق الشهامة إلاّ انّهم بقوا حبيسي أوهامهم وأساطيرهم وللسحر الأسود والتعاويذ، فليس لأنغوجا اليوم ثقافة ولا كتب تصدر بالسواحلية، بقيت ثقافتهم بدائية لم ترتق إلى ثقافة منتجة وبناءة فـ»المحاربون الأفارقة لا يعرفون شيئا يسمى كتابا».
    أما قمة السخرية فهي التي انتصر فيها بركة ساكن على عكس التاريخ للعدالة، فكانت في مصائر الشخصيات ونهاياتهم، فمن السخرية أن يجعل الأميرة تعشق عبدها المخصي وتهرب معه يوم ثار الزنوج على السلطان في 1964 ومن السخرية أيضا أن يُخصى السلطان بالطريقة الوحشية نفسها التي عامل بها الأفارقة، ويبقى يعد ذلك سلطانا صوريا تحت الحكم البريطاني، ومن السخرية أن ينتقم «ابن الكلبة» لأمه فيغتصب الأميرة ويقتلها. ولذلك نقول إن السخرية أبعد ما تكون عن الإضحاك، وإنّما هي كما يقول محمد الماغوط «ذروة الألم».

    «سامهاني» «انتصار الهامش على المركز

    عادة ما تنتصر الرواية في صيغها الحديثة للهامشي والمقصي والمستضعفين، وفي أحد حواراته يقول بركة ساكن «أنا أنحاز إلى الشارع « أي إلى كل الذين لا صوت لهم ولذلك نتفهم أن يكون عنوان روايتة بالسواحلية، وهو انتصار لهذا الشعب ولمسيرته التحررية ولهويته. والسواحلية لغة غير معقدة فهي خليط من اللغات المحلية وبعض الإنكليزية والكثير من العربية التى اعتادها الإنسان الإفريقي من أكثر من ألفي قرن، وكل الشخصيات في الرواية تتكلم السواحلية فهو انتصار لهدا الهامش الذي عاش القهر والاستبداد. كما أن بركة ساكن من خلال العنوان، الذي يعنى المعذرة أو سامحنى باللغة العربية يرسخ لثقافة الاعتذار، فعلى الحكومات التي قامت بجرائم ضد الإنسانية كالذي وقع لسكان «أنغوجا» أن تعتذر على هذا الاستبداد الذّي ارتكبته في حق شعوب معزولة ومستضعفة.
    ولأنّ الرواية عكس التاريخ، هي تروى ما ينبغي أن يكون وليس ما كان، أسس بركة ساكن لهذه الثقافة بجعل شخصياته تعتذر لبعضها، فـ«سامهاني» تعاد ثلاث مرات في الرواية: تقولها الأميرة العربية المسلمة باسم ابيها لسندس غلامها المخصي، تعتذر له عما فعله والدها له ولشعبه. وفي المرة الثانية يقولها «ابن الكلبة» للأميرة لأنه انتقم من الشخص غير المناسب، ويقولها سندس للأميرة عندما وجدها مقتولة لأنه فرط فيها ولم يحمها باعتبارها كانت تمثل حريته. كما أن الكاتب اراد أن يؤسس لقيمة التسامح وعدم مقابلة الشر بالشر.
    ولذلك فإنّ رواية «سامهاني» لعبد العزيز بركة ساكن تجاوزت التاريخ والماضي لتؤسس للحاضر وللمستقبل، وكانت طريفة من حيث البناء، حيث أن النهاية لم تكن لا في البداية ولا في النهاية، وإنما في الوسط حيث أن مصائر الشخصيات عرفت منذ الفصول الأولى، لأن بركة ساكن لم يكن تهمه النهاية بقدر ما كان مهتما برسم مسيرة الإنسان في هذه الحياة، هي رحلة الإرادة للشعوب التي تعيش تحت الاستبداد التي جسدها الكاتب في رحلة السواحلية من أجل تحررهم، هي رحلة الفرد الروحية نحو إكمال الذات واكتساب المعنى، كما كانت رحلة «سندس» العجيبة لاسترجاع أعضائه المبتورة وإكمال روحه المنقوصة، هي رحلة الكاتب نحو مقاومة الاستبداد بالكتابة، هي أيضا رحلة القارئ لفهم التاريخ ولذلك نقول مع صنع الله ابراهيم «المؤرخ الجيد هو الروائي».

    ٭ ناقدة تونسية

    نقلا عن القدس العربي




















                  

02-27-2018, 07:32 AM

MOHAMMED ELSHEIKH
<aMOHAMMED ELSHEIKH
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 11833

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: «سماهاني» للسوداني عبد العزيز بركة ساكن: � (Re: زهير عثمان حمد)

    عود السودانيّ عبد العزيز بركة ساكن في روايته "سماهاني" إلى القرن التاسع عشر ليصوّر منطقة تعدّ من المناطق التي ظلّت بعيدة نسبيّاً عن تطرّق الرواية العربيّة إليها وتناول بعض تفاصيلها التاريخية الهامّة، في منطقة تكاد تكون منسيّة بدورها للعرب، ولا تبدو مثيرة لاهتمامهم في الزمن المعاصر، وهي زنجبار الواقعة في قلب القارة السمراء، والتي يصفها بأندلس إفريقيا الضائعة.

    يتناول ساكن، المقيم في النمسا منذ سنوات، الوجود العربيّ الذي تمثّل بالوجود العُماني الذي كان احتلالاً لزنجبار، وتسلط السلطان الذي كان يسبغ على نفسه، كغالبية الديكتاتوريين، صفات مقدّسة، ويبتدع لنفسه نسباً مقدّساً يربطه بالنبيّ سليمان، ويزعم الخلود ويتعاطى مع رعيّته على أساس الفرادة والتميّز من منطلق القوّة والسطوة، ولا يكترث لأحوالهم، بل يتمادى في غيّه وإجرامه وينكّل بهم هناك شرّ تنكيل.

    ديكتاتور بائس
    يضفي ساكن على هيئة الديكتاتور صبغة كاريكاتيرية، يظهره بمظهر البائس غير القادر على تأدية أبسط واجباته تجاه نفسه، برغم ما يصدّره من رعب وعنف وإجرام تجاه الآخرين، يبقى أسير غرائزه الحيوانية التي تودي به إلى الهلاك، وتوقعه في شرور إجرامه الذي كان يقترفه بشكل متعسّف يعيش من خلاله لذّة القتل والإبادة التي توقع به تالياً في الحفرة نفسها.

    يرسم ساكن عالماً مرعباً يسوده الفساد والدمار والإجرام، عالم العبوديّة التي كانت مأساة ذاك العصر والعصور السابقة، لما لها من تداعيات كثيرة لا تستدلّ إلى تهدئة أو توقّف، ذلك أنّ الأجيال التي عانت ظلم العبوديّة ظلّت حاملة في وجدانها لعنة الانتقام من أولئك النخّاسين والمحتلين الذي دمّروا تاريخ البلاد وشرّدوا أهلها وأفنوا وأبادوا قبائل عن بكرة أبيها.

    يتغلغل بركة في أعماق عدد من العبيد الذين طاولتهم جريمة الإخصاء، وكيف أنّهم عانوا مأساتهم ولم يتمكّنوا من التأقلم معها، ولم تفلح محاولات تطويعهم الدائمة وإرضاخهم للإذعان والتكيّف مع وضعهم الجديد، وكيف أنّهم ظلّوا مسكونين بشعور النقصان الذي حفر عميقاً في أرواحهم، وكانوا رهائن البتر الذي لم يطاول أعضاءهم فقط، بل شوّه أرواحهم أيضاً، كما كانوا مضطرين إلى ابتكار أساطير توهمهم أنّهم سيكمولون نقصان أرواحهم في العالم الآخر، وستعود إليهم أعضاءهم المبتورة ولن يكونوا مخصيين حينها، بل سينعمون بحياة طبيعية بعيداً عن ذلّ العبوديّة وقهر الخدمة والخصي.

    يتربّح السلطان من تجارة الرقيق، يؤسّس محمية العبيد التي قوامها الظلم والإجحاف والتمييز والتقسيم الطبقيّ الشائن، والممارسات القذرة من قبل أولئك النخاسين وطبقة السادة وصائدي البشر ضدّ المواطنين المستعبدين، وتحويل بلادهم الموصوفة بالجنّة إلى جحيم لهم، تكون جنّة للآخرين وجحيم أبنائها، وهنا المفارقة التي يشتغل عليها ساكن، ويحرص على اقتفاء بدايات انبثاق الشعور الوطنيّ لدى المضطهدين المتفرّقين الذين يبقون في غاباتهم بعيداً عن مكر السياسة والتحالفات والقوى الاستعمارية التي تبقيهم أسرى وعبيداً في بلدهم.

    تأسر قوّات السلطان عدداً من المواطنين وتحوّلهم إلى عبيد، يقوم السلطان بالإشراف على إخصائهم، ويختار منهم مَن يخدمونه في قصره، ومن سيخدمون ابنته الوحيدة في قصرها الذي يتحول إلى قنصلية للإنكليز لاحقاً، يقع الاختيار على كبير قوم وابنه بعد تجريدهم من أعضائهم وبترها بطريقة وحشيّة، ومن ثمّ تطويعهم بالإكراه والتعذيب لمضان صمتهم وخدمتهم وطاعتهم وولائهم.

    يكون إخصاء الطفل جزئياً، يبقى مسكوناً بشهوة لا تهدأ، لكنّه لا يستدلّ إلى إتمام العملية الجنسيّة، ويقع في فخّ علاقة مع سيّدته الأميرة التي يقع في أسر حبها، وهي في الوقت نفسه تبادله الحب، وتستمتع برفقته وملامساته، وتنفتح عليه، ولاسيما أنه يبقى في خدمتها لسنوات، يتعرّف إلى جسدها بأدقّ تفاصيله، ويساعدها على تحرير طاقاتها وشهواتها، ويبحر معها في لعبة الجنس الذي يبقى منقوصاً لأنّ الإثنين يعانيان من مشكلة بتر أعضائهما الجنسيّة.

    ابنة السلطان تعيش في قصرها منتشية بحياتها الباذخة، ترضخ لرغبة والدها بالزواج من أحد التجّار المتنفّذين، تكتشف معه لذة الجنس، لكنها تحقد عليه نتيجة مجونه مع النساء، وتسعد بموته في رحلة من رحلاته البحرية، ثمّ تعيد اكتشاف جسدها وشهوتها مع عبدها سندس الذي يتدرّج في تولّعه بها، وملامساته العابثة المدروسة لجسدها رويداً رويداً وصولاً لمرحلة المكاشفة والمصارحة والاعتراف، ثمّ تبادل الحبّ والوعد بالحماية والبقاء معاً إثر غارة عدد من الثوّار على قصرها بالتواطؤ مع سندس، ومسعاهم لحيازة أسلحة تمهّد لهم طريق الثورة والحرّية.

    إخصاء وغفران
    يقع السلطان بين براثن الإنكليز الطامعين بالبلاد، وذلك بعد إخصائه بطريقة مثيرة على أيدي عبيده الذين كان ينال منهم، وكان يفترض أنّه أرسلهم إلى السجن للموت فيه، ويجد نفسه راضخاً لقوّة أشدّ بأساً وجبروتاً وطغياناً منه، يبدأ بالاعتراف بفشله في إدارة البلاد وتطويرها من مختلف النواحي، والكارثة التي حلّت على طبقة المصنّفين سادة، ورزوحهم في جهلهم وتخلّفهم، وعدم قدرتهم على مواكبة مستجدّات العصر، والاعتماد المطلق على العبيد في الأعمال والمهمات الحياتية جميعها، لدرجة الفشل التامّ الذي شلّ الجميع حين إعلان القوّات الإنكليزية تحرير العبيد وانتهاء عصر الرقّ والاستعباد بشكل تمثيليّ مهيّئة بذلك لاستعمارها واستغلالها بطريقتها الاستعمارية الحديثة.

    "المحب ليس لديه وازع"، يتحوّل هذا المثل السواحيليّ إلى تميمة للشخصيّات الهاربة من مصيرها، العالقة في قيود ماضيها، المرغمة على دفع ضريبة أفعال غيرها، ويتحوّل بصيغة من الصيغ إلى "المنتقم ليس لديه وازع"، ذلك أنّ الانتقام يحوّل المسكون به إلى قوّة هادرة للفتك بمَن نكّل بأهله وقتلهم ويتّمهم ودمّر أرضه وحياته.

    النهاية التراجيديّة التي يختم بها بركة ساكن عمله تخلّف أسى مضاعفاً، ذلك أنّ جثّة الأميرة الملقاة على الشاطئ بعد اغتصابها من قبل أحدهم، وكان يفترض به إنقاذها، لكنّه أذعن لنداء الانتقام الذي يقضّ مضجعه، وكان أن دخل في مناجاة مع نفسه ومعها قبل إقدامه على جريمته بحقّها، ومعرفته بأنّها بريئة من أفعال أبيها الإجراميّة، لكنّه لم يستطع لجم غضبه وتحسّره على أمّه التي اغتصبها والدها السلطان، وأهله الذين قتلهم، بينما ظلّ رضيعاً أنقذته كلبة أرضعته، ولم يفلح في كبت الوحشيّة التي تغوّلت في كيانه ودفعته للتنكيل بها بتلك البشاعة.

    "سماهاني" وتعني طلب الصفح، الاعتذار، الغفران، العفو، المسامحة في اللغة السواحيليّة، تتشعّب في الرواية معنى وحضوراً وتتوزّع على الشخصيّات، كلّ شخصيّة تشعر بأنّها مدينة باعتذار لأخرى، وفي الوقت نفسه مدينة بالاعتذار لتاريخها ومكانها، وفي عالم يفقد فيه الاعتذار معناه، ولا يستدلّ ضحاياه إلى أيّ طريقة للصفح عن بعضهم بعضاً يكون الانتقام سيّد الحياة نفسها، ورسول القتل والحقد والاستعداء الدائم.

    يحيل الروائيّ طلب الصفح والعفو إلى القوّات المحتلّة لإفريقيا، يرمز إلى ضرورة أن تتحلّى بالجرأة للاعتراف بجرائمها هناك، وتسعى إلى طلب المغفرة من أبناء تلك البلاد، عسى أن تمهّد لبداية تأريخ جديد مختلف عن ذاك الملعون بكوارثه وخيباته وهزائمه وجرائمه بحقّ الناس هناك.

    يكتب ساكن بنفَس ملحميّ عن مجتمع سواحيلي تعرّض لكثير من محاولات التشويه والتدمير على أيدي الغزاة، وواقع أنّ كلّ محتلّ حاول الدعوة لدينه ونشره بينهم، وإجبارهم على اعتناقه، ومحاولة إقناعهم أنّه الملاذ الوحيد لهم، فكان المحتلّون البرتغاليّون وبعدهم العُمانيون الذين أخرجوهم من هناك، ثمّ الإنكليز وغيرهم من الأوروبيين الطامعين بثروات تلك البلاد وأبنائها.
    يشير صاحب "مسيح دارفور" إلى نهاية عصر الرقّ الذي افتتح بنوع جديد من الاسترقاق، وهو استرقاق الاستعمار الحديث المتقنّع بأقنعة الحداثة وحقوق الإنسان وتحرير العبيد، والماضي في سبيله إلى نسف بنية البلاد ونهب ثرواتها، وإعادة تجميع القوى في أيدي قوى تابعة لها تضمن استمراريّة مصالحها ونهبها الدائم.

    أثناء قراءة "سماهاني" يستعيد القارئ عوالم رواية "قلب الظلام" للإنكليزي جوزيف كونراد (1857 – 1924)، كما يستعيد أجواء رواية "حلم السلتيّ" للبيروفي ماريو بارغاس يوسّا الذي صوّر الفترة نفسها تقريباً ولكن في منطقة إفريقية أخرى، هي الكونغو، واقتفى جانباً من تداعيات صراع القوى الاستعمارية التي تمثّلت بالبلجيكيين وبعض الأوربيين الآخرين هناك، وتعاملهم المجحف مع السكّان الأصليّين واستغلالهم وثرواتهم لخدمتهم ومصالحهم الاستعماريّة، وكان ذلك من خلال حكايته لسيرة الدبلوماسيّ الأيرلنديّ روجر كيسمنت (ولد في 1864 في دبلن - وأعدم العام 1916).


    (*) الرواية من منشورات مسكيلياني، تونس 2017.
                  

02-27-2018, 07:34 AM

MOHAMMED ELSHEIKH
<aMOHAMMED ELSHEIKH
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 11833

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: «سماهاني» للسوداني عبد العزيز بركة ساكن: � (Re: MOHAMMED ELSHEIKH)

    الكاتب : هيثم حسين
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de