27 ترى أيذكُرُ الشّارِعُ التُّرابِيُّ أمامَ بيتِنَا يا أُمِّي ركضِي الكثيرُ عليهِ؟ والبيتُ يا أُمِّي، هل سألتْكِ حوائِطُهُ القصِيرةَ عنِّي؟ وهل حنّتْ لِقفزِي حين أعُودُ مُتأخِّراً جدًّا؟ مُذْ سافرتُ يا أُمِّي ما رأيتُ شارِعاً ولا سكنتُ بيتَ، بِتُّ شبحٍ ميّتٌ يتنقّلُ في الفضاءاتِ يحُطُّ على حِجرِكِ حتى المساءِ ثم يفِرُّ إلى قبرِهِ.
28 اِكتشفتُ أنّي خرِيطةٌ دعِ الجسدُ، جسدِي المنازِلُ العالِيةُ، وليست قُصُوراً أو عمائِرَ، واقِفةً تُطِلُّ على شوارِعٍ مُغطّاةٍ بِالشّجرِ والباعةِ المُتجوِّلِينَ والمُتربّصِينَ بِالأُنسِ هُنَا قلبِي، دعِ الجسدَ، جسدِي. ثمة غابةٌ كذلكَ، مُدُنٌ بِمساجِدِهَا وحاناتِهَا وكنائِسِهَا، ثمة مقهىً واحِدٌ يتقاطرُ صوبَهُ من الجِهاتِ السِّتِّ أُدباءُ العالمِ، يشربُونَ الشّايَ والقهوةَ والشِّيشةَ، وداخِلَ الخارِطةِ يتعثّرُونَ وينهضُونَ بِنُصُوصٍ شاهِقةٍ، يكتُبُونَهَا على إِيقاعاتِ نبضِي، هُنَا قلبِي، دعِ الجسدَ، هُنَا الخارِطةُ ولما أتقلّبُ في فِراشِي ليلاً، وحين أمشِي، أو يشغلُنِي شاغِلٌ ما عن الخارِطةِ، تتفرّقُ مُدُنٌ، ويغشَى الأدبَ ظِلٌّ أخرقٌ يُحوِّلُهُ إلى نواحٍ وقُبلٍ دُهِستْ تحتَ عجلاتِ الرّكضِ المحمُومِ لِلخارِطةِ، هُنَا قلبِي المقلُوبُ، أخذهُ الجسدُ ومضى بِهِ نحو حتفِهِ.
33 أُحِبُّكِ بِكُلِّ اللُّغاتِ الحيّةِ والمُنقرِضةِ رغم أنّي من غيرِ النّاطِقِينَ إلا بِلُغةِ: أُحِبّكِ.
34 خيّطْ أشجانَكَ في قارِبٍ ورقِيٍّ وأنزِلْهُ بِنهرِ الغزلِ اللّيلِيِّ وإن كانَ بينكَ وبينَ الحبِيبةِ بحرُ.
35 أما الأخرُ، فعليهِ أن يُفكِّرَ كنصٍّ صُعلُوكٍ، زنيمٌ ومُشرّدٌ حالما يرُصُّ الشَّاعِرُ حُرُوفَهُ من المراقِيَّ البعِيدةِ يخرِجُ لهُ أصبعَهُ الأوسطَ، ويفِرُّ عنهُ لِغيرِ ما مكانٌ وإن صادفَهُ مرّةً، يتبرّأُ مِنهُ ويقُولُ: لم يُلِمُّ شعِّثِي هذا المُشرّدَ المعتُوهَ.
36 الغُبارُ الذي يجمعُ تبرُّمَنَا في حلقِهِ ثم يمضِي لِحالِ سبيلِهِ، يأتِي تارة وهو يجُرُّ أسئِلةً عالِقةً مُنذُ أزمِنةٍ بعِيدةٍ، وتارة أُخرَى لِيُلقِي علينَا جُثثاً عالِقةً بِطيّاتِهِ، أخِرُ غُبارٍ رأيتُهُ قبلَ ألفَّ سنةٍ كان كُلُّهُ شتائِمُ عفِنةً لِعصرِنَا الحالِيِّ، رأيتُهُ في قرفٍ لا حدّ لهُ، يُلوِّحُ بِغضبٍ، ويلطِمُ الشّارِعَ تِلوَ الشّارِعِ ويتجنّبُ الأرواحَ.
37 ألا قُمتَ بِمُهِمّتِكَ كُلّهَا، دفعةً واحِدةً تخلّصَ من عِبئِكَ الثّقِيلِ أيُّهَا الموتُ.
38 ثمّةَ من لا يضعُ في المِيزانِ خِفّتَكَ يُثقِّلُ المسافاتَ بينكُمَا بِالظُّنُونِ ويسفحُ خواطِرَ طيّبةً تتخلّقُ في قُلُوبٍ غضّةٍ، قوامُهَا الحُسنُ ويُضلِّلُهَا سُخامٌ مكِينٌ ثمّةَ من لا يحفِلُ بِالموازِينِ يُطفِّفُ بِالنّدَى ثِقلَكَ الحقِيقِيِّ الماشِي في الشّارِعِ الواقِعِ ظِلُّهُ على الرّصِيفِ.
39 أنتُمَا معاً: الشّظايَا المُتطايرةُ على العالمِ المُنتظِمِ في العدمِ.
49 ما لكَ بِي شيءٌ أمشِي مُقوّسةٌ، بارِزةُ المُؤخَّرةِ، طالِعةٌ إلى الشّمسِ، هابِطةٌ إلى النّهرِ، غائِصةٌ في اللُّجةِ، راكِلةٌ لِشراكِكَ، مُكسّرةُ الخُطُواتُ، كيفما أشاءُ... م ا ل كَ بِي شيءٌ ما لكَ بِي.
50 أدُورُ مُرتكِزاً على الأرضِ بِالنّابِضِ مِنِّي، أدُورُ لتِخرُجَ من بينِيّ ملامِحَ، لِيفِرَّ الموتَى الأصِحّاءُ بِغلظتِهِمْ عن مُوتِي، أدُورُ فيبرُزُ لِلعِيانِ مُعاناةُ تشكُّلِي وبعثِي.
69 غداً سينتحِبُ عليكَ الشّارِعُ حتى يقضِي نحبُهُ وتحُكُّ حبِيبتُكَ رأسَهَا وهي تُفكِرُ في عِناقٍ لم تُكمِلْهُ وفيما ستُعِدُّهُ لِأبنائِهَا على الغداءِ.
75 أشغلُ المِصعدَ طِوالَ اليومِ صُعُوداً وهُبُوطاً على أملِ اللِّقاءِ بِكِ صُدفةً كما حدثَ قبلَ ثلاثةِ أعوامٍ
76 لا جدوى لا جد و ى لا جدوى ........... ...... ............... ....... لا
77 أنتِ في الوردةِ والشُّوكُ اِسمِي، حارِسُكِ من الأبوابِ المُوشِكةِ على الشّارِعِ. أنتِ في العِطرِ والهواءُ حواسِّي، أحسُّكِ وحدِي دُونَ كُلِّ العالمِينَ. أنتِ في المُوسِيقَى وأنا المصبُّ النِّهائِيُّ لِلسّمعِ، أنا الرّقصةُ الأصلُ في الأجسادِ. أنتِ
78 سنلتقِي حِينَهَا ولا يهدأُ الشّوقُ لأن معامِلَهُ الفعّالةُ لِقاءٌ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة