مدير مدرسة يقضي ليلة الخميس و الجمعة داخل مكتبه بصحبة تلميذته . طبيب يبيع ادوية منقذة للحياة في مستشفي حكومي . محامي يتلاعب بمستندات تخص ورثة يتامي . مهندس يتلاعب في حديد بناء أحدي العمارات فتنهار .
الكثير المثير من هكذا بلاغات و شكاوي تنشرها الصحف يوميا" في حق كل المهن في بلادنا و تعتبر هذه البلاغات المنشورة في الصحف أخف و اقل كارثية من تلك التي لا تنشرها الصحف و لا يعرف الاعلام عنها شيئا" . أدراج المتحريين مليئة بالاسرار و البلاغات التي يشيب لها الرأس . سجلات المباحث تكتظ بالفضائح و الاسرار الغامضة لكل فئات المجتمع . لم نسمع هجوما" علي وزارة التربية و التعليم و المعلمين بسبب فعل هذا المدير . لم نسمع هجوما علي وزارة الصحة و الأطباء بسبب الأخطاء الطبية القاتلة و فساد بعض الاطباء . لم نسمع هجوما" علي نقابة المحامين ولا المجلس الهندسي بسبب فساد يمارسه بعض المحامين و المهندسين . لكن الشعب كله يثور و يشتم و يصب جام غضبه علي الشرطة حين يخطئ شرطي فيها و تقوم الدنيا ما تقعد. الشرطة السودانية هذا الجهاز العظيم بكل تاريخه الذي فاق المأئة عام من البذل و العطاء و التضحية لا يرضي عنها الشعب الذي ظل طيلة عمره يربط بين الشرطة و النظام .
لماذا يا تري ؟
لماذا لا ينظر المواطن لشرطي المرور الذي يقف في الشمس بالساعات يستنشق ابخرة عوادم السيارات واقفا" للأمطار و الأتربة و الصقيع و الحر و يستقبل وجوه لا تعرف الابتسام و لعنات من جميع مستخدمي الطريق إن لم يسبوه في سرهم شتموه في وجه .. و قيادته تأمره بالابتسام و الناس تشكو تكشيرة وجوههم . . هل تعلمون بأن الدولة تصرف له راتب اساسي لا يتعدي الستمائة جنيه بعد التعديل الأخير ؟ أليس أكرم له أن يقود ركشة او مركبة تستر حاله و ترحمه من لعناتكم و ظلم الدولة و تريحه من استعدادات لا تنقطع تحرمه اسرته و اهله بدلا" من ان يقضي ساعات راحته في غسل ثياب بيضاء اقترحتها الدولة لرجل يقضي يومه في الشمس و التراب . ذات حال شرطي المرور يواجهه شرطي الجنايات الذي يقضي يومه كله في سماع مشاكل الناس و صراخهم داخل الأقسام .. لا احد يبتسم له في وجهه .. الجميع ساخطون .. زنازين متسخة و مجرمين متسخين و روائح كريهة و تنفيذات قبض مرهقة و مداهمات تعرض حياتك للخطر و تسمع فيها الشتائم القزرة و سب أبوك و أمك في وجهك و مقاومة شرسة جدا" و قد ينتهي يومه بجريمة قتل ليذهب لجثة مشوهة يرفعها و يرافقها من المشفي حتي المشرحة و تطارده رائحتها في طعامه و شرابه و انفاس زوجته .. ماذا تعطيه الدولة ؟ سبعمائة جنيها" ؟؟ ماذا يعطونه الناس ؟؟ سباب و لعنات فقط كذلك رجل المباحث هو عميل و خائن و جاسوس ولا أمان له .. يقضي يومه في التحريات و جمع المعلومات و وقته ليس ملكه .. في بحث دائم عن الجناة و المعتادين و المحتالين .. يجوب الأوكار و منازل الدعارة و الخمور ليحصل علي خيط صغير لجريمة كبيرة .. هدف اساسي للمجرمين و المعتادين .. يحمل روحه في كفه .. أمنه مهدد و أسرته مهددة و الدولة تمنحه ذات السبعة ورقات .. يقضون اياما" في الصحاري و الوديان يطاردون عصابات المخدرات و التهريب التي تبادلهم بذات سلاحهم و تقود ذات مركباتهم ولا تعرف الرحمة .. ماذا تمنحهم الدولة ؟ يشاركون القتال في مناطق العمليات جنبا"الي جنب مع القوات المسلحة .. يقدمون ارواحهم رخيصة فداء للوطن و من يعود منهم أما معاق جسديا او نفسيا" من حرب لا تتوقف .. ماذا تمنحه الدولة ؟؟ أن استشهد ستضيع اسرته التي لو كانت محظوظة ستصرف مستحقاته بعد اعوام والتي لا تبلغ قيمة ركشة جديدة .
لماذا تكرهونهم و هم من يضحي لأجلكم ؟ لماذا تسبونهم و تشتموهم و هم يحمي عرضكم و مالكم ؟ لماذا تصفوهم بكلاب النظام وهم بين مطرقة النظام و سندان الشعب ؟
هل هم من صنعوا قوانين المرور و النظام العام ؟؟ هم رجال ينفذون هذه القوانين ولا سلطة لهم في تعديلها او انتقادها . هل تطالبوهم بخلع هذا الذي و ترك المهنة ؟ سيحدث ذلك قريبا" و لكم أن تتخيلوا معي ماذا سيحدث حينها لكم ان تتخيلوا ان صحف هذا الصباح خرجت عليكم بمانشيت كبير بالأحمر يقول ( الشرطة تضرب عن العمل ) اليس الاطباء يضربون عن العمل بحجة ضعف رواتبهم و هم يشاهدون حوجة المرضي لهم في المشافي ؟ تخيلوا انهم اضربوا عن العمل جميعا" وخرجتم للشوارع وجدتوها خالية من شرطة المرور و النجدة و رجال المباحث . كيف ستخطو خطوات بسيارتك لازعاف مريض او احضار دواء او الذهاب لعملك ؟ كيف ستترك اسرتك و منزلك لوحدهم ؟ كيف ستمشي في الاسواق ؟ كيف ستفتح متجرك ؟ كيف ستعمل البنوك و الصرافات و المؤسسات و المنشئات و الاسواق ؟ كيف و كيف و كيف سيكون هذا اليوم ؟؟ إسألوا انفسكم لماذا هذا الغبن تجاه شريحة من ذات مجتمعكم تقدم الغالي و النفيس لأجلكم ولا تجد دعما" ماديا" من الدولة ولا معنويا" من الشعب . انها شريحة لا تعرف الاجازات ولا العطلات ولا الراحة بل هي في استعداد كامل طيلة ايام العام استعداد اسبوع لرأس السنة استعداد اسبوع للمولد استعداد شهر رمضان يليه استعداد اسبوع عيد الفطر استعداد اسبوع عيد الأضحي استعداد اسبوع المرور و اسبوع المخدرات و اسبوع الشرطة . استعداد اسبوع قمة رؤساء استعداد اسبوع لزيارة رئيس استعداد شهر لمحاولة انقلابية استعداد شهرين لتصريح احد سكاري الحركات المسلحة لاقتحام الخرطوم استعداد شهر لامتحانات الشهادة السودانية استعداد شهر للانتخابات استعداد اسبوع لتظاهرات طلابية
العام كله استعدادات و كلمة استعداد تعني للدولة جاهزية القوات و تعني للشرطي لبس دائم للكاكي وللبوت و احتضانه لسلاحه في كتفه و حرمانه من اولاده و زوجته و انتهاك لحريته التي باعها يوم أن رفع يده و اقسم بأن يضحي بحياته لأجل تنفيذ القانون و حماية الوطن و المواطن .
الدولة لن تمنح هذه الشريحة سوي الاشادات و الثناءات و كلمات الشكر . امنحهم أنت اخي المواطن ابتسامة في وجوهم .
اقطف زهرة امنحها للشرطي الذي كسر ظهره في عربة النجدة ينتظر أشارة استغاثة . اشتري قارورة عصير صغيرة امنحها لشرطي المرور الذي يتصبب عرقه في الشارع الذي تسلكه . اضعف الايمان امنحه كلمات طيبة او ابتسم في وجه الذي لم يري ابتسامة النظام او المواطن قط . الآن هم يتساقطون من العمل بأستقالات .. تساقط الكثير و بقي القليل حافظوا عليهم و ارحموهم من ألسنتكم يرحمكم الله .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست