بيوت من طين .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 02:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-06-2016, 06:41 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بيوت من طين .
                  

06-17-2016, 09:52 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    ايها الواقفون على حافة المذبحة
    اشهروا الاسلحة
    سقط الموت .. وانفرط القلب كالمسبحة
    والدم انساب فوق الوشاح
    المنازل اضرحة
    والزنازن اضرحة
    والمدى اضرحة
    فارفعوا الاسلحة .. واتبعونى
    انا ندم الغد والبارحة
    رايتى عظمتان وجمجمة .. وشعارى الصباح
    (امل دنقل)
                  

06-17-2016, 09:53 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    " الزيداب " تلك القرية الصغيرة العجيبة , القرية التى اُحبها بنفس مقدار كراهيتى لها .
    هناك فى جنوب الخرطوم .
    هى البقعة التى اختارها " زيد الظافر " القائد والجد والمثل الاعلى من على صهوة الجواد الاشهب .
    جاء من المغرب العربى وهو يحمل بين اكتـافه تاريخ نضالى غامض وطويل .
    البعض قال انه حارب الفرنسيين , والبعض يقول ان " زيد " قبل الاحتلال الفرنسى بكثير , جاء ومعه مئة شخص من الرجال والنساء والاطفال , ضربوا خياهم فى هذه المنطقة الخلاء , كانت استراحة محارب , التقاط انفاس ويعود بعدها لحرب تحريره المقدسة , لكنه مات بعد ان وضعت زوجته الثالثة السم فى الطعام , فقد اجدادى طريق العودة , زرعوا مساحات صغيرة على النيل , واصبحت هذه القرية هى قدرهم الذى لا فكاك منه .
    ***

    وفاة " زيد الثانى الابن " كانت اللطمة الاولى وبدايات الاحزان التى لن تنتهى فى تاريخ البقعة , وهو الحدث الذى قدم التأريخ الفعلى للمقبرة باعتباره اول شخص من بلاد المغرب العربى يموت منا فى بلاد السود , اصابته الدوسنطاريا المعروفة هنا , حتى صار فى ايامه الاخيرة يأكل معنا وهو يتبرز , ويُدير شئون البقعة على راس مجلس الحكماء وهو يتبرز , يُعاشر زوجاته السبع والبراز يُلطخ جسده ومؤخرته الكريمة .
    وعند قدوم بعض القوم السود من اهل البلاد وبما لهم من خبرة فى أعشاب الارض قاموا بعلاج " زيد الثانى الابن " من التبرز , لكنهم عجزوا عن علاج التبول , فاخذ يتبول الدم على مدار ايام كثيرة بلا انقطاع حتى مات .
    قال لنا قُرة العين ان لا نبكى او نحزن , حيث روح الابن الاكبر سوف تعود فى هيئة قطة , وعلينا اكرامها واحترامها وتوفير الحليب واللحم لها , حتى يعود الينا من العدم حياً يُرزق .
    - اقتسموا اللقمة بينكم , وبين عيالكم , وبين القطط .
    وماهى الا فترة وجيزة حتى ازدحمت القطط فى البقعة الى درجة لا تصدق , واصوات شجارها فى الليل منعت الناس من النوم , وعندما اخبرنا قُرة العين بشكوى الناس مما يحدث , امرنا بتغيير مواقيت اليوم
    - اعملوا اثناء الليل , وناموا اثناء النهار , هذه القطط هى روح السر لـ " زيد الثانى الابن " , ان ضاعت , ضاع فى مجاهل الابدية .
    ومع الفيضان الاول , حملتها المياه على شكل دوائر ضخمة واختفت للابد فى قاع بحر المياه العذبة , ومن بعده عاد الناس لسيرتهم الاولى يعملون فى النهار وينامون فى الليل , وتولى دفة القيادة " زيد الثالث الابن " .
                  

06-17-2016, 09:54 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    1

    اطلت براسها عبر الشباك الخشبى وقالت بصوتها الحازم
    - ود فضيل مات .
    ضغطت على زر الريموت كنترول دون ان انظر لها , انخفضت درجة الصوت فى جهاز التلفاز تدريجياً حتى تلاشت
    - الجنازة طلعت ؟ .
    واصلت البحلقة على صور القناة المغربية مكتومة الصوت دون ان التفت نحوها
    - اقفل الديوان كويس والحق الرجال فى المقابر .. انا ماشية بيت البكا .
    خطواتها فى الليل مُميزة , شلل الاطفال يجعلها تجر قدمها اليمنى بشكل غير ملحوظ على الارض الرملية
    - عجلتى وين ؟ .
    لم تهتم بالرد , ما زالت غاضبة منى بعد ان اخبروها , سمعت صوتها امام الباب الخارجى وهى تتحدث مع ابن خالتى " هبنقة "
    رفعت صوت التلفاز من جديد , عندى رغبة مجنونة فى تعلم اللهجة المغربية , العودة الى الجذور , الحنين للارض الام
    وقف " هبنقة " براسه الضخم على شباكى الخشبى
    - العاص .. صحبك ود الفضيل مات .
    - عارف .
    - ماشى المقابر ؟ .
    اغلقت التلفاز , نهضت من على المقعد
    - كان ماشى اردفنى معاك فى العجلة .
    - زح من وشى .
    اختصرت المسافة والزمن , قفزت مباشرةً عبر الشباك الى الحوش , وجدت دراجتى الهوائية فى المطبخ , الآطار الامامى كان فارغ الهواء تماماً
    - هبنقة تعال انفخ لى اللستك ده .
    توجهت نحو الادبخانة المظلمة , رفعت الطرف الاسفل للجلابية البيضاء , وقفت اتبول , فكرت فى مُمارسة العادة السرية لكننى تراجعت سريعاً احتراماً لذكرى المرحوم
    - والليلة يا العاص , وانا مالى , اللستك ده مقدود اعمل ليهو رقعة ؟ .
    - رقعة شنو يا عوير ؟ , انفخوا بالمنفاخ .
    اغلقت نوافذ وباب الديوان جيداً , ما يستحق السرقة قليل
    - عليك الله اردفنى .
    - يا هبنقة ما تزهجنى انتا تقيل .
    - وحاة امك حاجة البتول , بس لحدى بيت ناس شامة الحلبية , الباقى بتمو بكراعى لحدى المقابر .
    طعننى فى صدرى , " الشامة " انشودة من العذوبة
    هى " الزيداب " , تحمل كل ما فيها من بساطة ونقاء ريفى لم يتلوث بعوادم سيارات المدينة
    - تعال اركب يا ود الحـرام , بس اوعك تدقر لى .
    اخذ يُصفق بيديه وهو يُغنى
    - الليلة ساير يا ود القبايل .
    - يا زول ! .. نحنا ماشيين بيت عرس ؟ , والله انزلك .
    - خلاص والله .. وحاة امك حاجة البتول .
    - ما تتلولح , اثبت يا وحش عشان ما نقع .
    ضربنى هواء الليل النظيف المنعش فى وجهى , من بعيد كان شارع الاسفلت يرقد مثل ثعبان بلونه الاسود الباهت هو الذى انقذ " الزيداب " من عزلتها الفريدة فى مواسم الامطار
    - المقابر فى الليل فيها شيطان .
    - ارض الله واسعة يا هبنقة , يعنى الشيطان ده ما يلقى مكان الا الزيداب ؟ .
                  

06-17-2016, 09:55 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    2

    كنت ارقب طائرة نفاثة تُحلق على ارتفاع شاهق , خيوط الشروق الاولى كانت تنعكس على جسمها المعدنى فتجعلها تلمع , بينما يتبعها خطان ابيضان بطريقة هندسية بديعة , يلتحمان فى نهاية الامر الى خيط واحد سميك
    نادتنى امى من الداخل
    - العاص .. العاص .
    - ايوه يمة , صاحى , فى شنو ؟ .
    - اخوك خالد فى التلفون .
    نهضت من سريرى القابع فى منتصف الحوش تماماً , قلت سوف يتحدث معى عن ما حدث ليلة امس فى المقابر الملاءة التى كنت اتدثر بها من الباعوض وبرد الصباح القارس التفت حول كتفي بينما طرفها الآخر كان يمسح الارض من خلفى
    دخلت غرفتها , ناولتنى هاتفها وهى ما تزال مُضطجعة على سريرها
    - ارفع الملاية من الواطـة .
    - ايوه يا خالد صباح الخير .
    - الحصل شنو فى المقابر امبارح ؟ .
    - الحلب رفضوا يشيلوا الفاتحة مع الزيداب .
    - كيف ؟ .
    - اى زول يرفع يدو يقول الفاتحة كانوا بقولوا البقاء لله بالخشم بس .
    - مختار النواح قالوا كان بيقول كلام ؟ .
    - لما الجثمان نزل ود اللحد , مختار النواح كان ببكى وقال المرحوم ده مات مقتول وكان لازم البوليس يعمل تقرير والجثة تتشرح .
    - قالوا طردوكم بعد الدفن .
    - ما طردونا , بعد الدفن قالوا شكر الله سعيكم , ينتهى العزاء بانتهاء مراسم الدفن .
    - امك قالت انتا ماشى ليك كم شهر مع بت حلبية من ناس النواح .
    - ما ماشى معاها لو سمحتا .. انا داير اخطبها .
    - داير تخطب حلبية ؟ .
    ردى كان رجولياً
    - ايوه .
    صمت هو فى الطرف الاخر لمدة ثوانى
    قالت امى بصوت حاد ليسمع من فى الطرف الآخر
    - كدى انتهى اول من دراستك بلا خطوبة بلا كلام فارغ .
    واصل الشيخ القاء موعظته الاخلاقية من الدولة الخليجية التى استقر بها منذ اعوام
    - داير تعرس زولة مفتوحة يا العاص ؟ .
    - مفتوحة كيف يا خالد ؟ .
    خرجت من فم امى صوت ضحكة كتمتها بصعوبة
    - الزولة دى محترمة ما تقول كلام زى ده , عيب عليك , انتا زول شيخ , ما تقذف الناس بالباطل .
    - فى حلبية محترمة ؟ .. احنا بنعرفهم فى الزيداب كلهن مفتوحات , اصلو ما فيهن واحدة مقفولة يا كافى البلاء .
    لم ارغب فى صناعة شجار مع تباشير هذا الصباح , فضلت الصمت
    - انا نازل اجازة بعد شهرين , بعدين نشوف الكلام الفارغ بتاعك ده , ماشى كيف فى الجامعة ؟ .
    - تمام .
    - القانون دراسة صعبة ؟ .
    - كويسة بس سنة تالتة المواد كتيرة .
    - كدى ادينى امك تانى , انتبه لدراستك يا العاص .
    - حاضر .
    ناولتها الهاتف , خرجت من الغرفة فى خطوات بطيئة
    - ارفع الملاية من الواطـة يا ولد .
    - حاضر .
    فى السماء كانت الطائرة النفاثة قد اختفت , بينما الخيط الابيض الطويل الممتد قد فقد ثنائيته واستقامته واخذ يتجه نحو التلاشى .
                  

06-17-2016, 09:56 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    سفر التكوين

    يقول شهلوب المكناسي فى مُدونته على جلد البقر :-
    انه لما كانت السنة الثالثة للوصول لهذه البقعة , غطت قرص الشمس اسراب من الجراد , خرج سيدى قُرة العين مولاى
    " زيد الظافر " على حصانه الاشهب يحمل سيف الذهب المُطعم بالزمرد والياقوت , يلوحه ذات اليمين وذات الشمال , لكن اسراب الجراد كانت من الكثرة بحيث انها حملت الحصان بين اقدامها الى مستوى ارتفاع الاشجار , ولم تبقى برهة من الوقت حتى احالت البقعة الخضراء الى يباب .
    امرنا سيدى بالصلاة عند غروب الشمس , قال ليقف للصلاة السكران والمراة الحائض , قال هذا عام مسبغة وضنك , عليكم بما يجود به هذا البحر ذو الماء العذب , اصنعوا الشباك وصلوا باحذيتكم من الان فصاعد , وليقف السكران كتفاً بكتف مع المرأة الحائض , هذه ازمنة تشرب فيها المرأة من حليب ثديها , ويحتفظ الرجل ببرازه من اجل وجبة المساء .
    اخبرتكم , يقول مولاى وقُرة العين " الظافر " , اننى لن اقدم لكم العسل والماء , لن اقدم لكم غير العودة مرة آخرى الى ارضنا الاولى , نُقاتل الكفرة , تكاثروا كى نعود الى هناك اكثر عدداً .
    وبينما هو يخطب فينا اقبلت سحابة بعيدة من الغبار , حملنا اسلحتنا , وتوجهنا الى مصدرها , كانوا جمعاً غفيراً من اصحاب البشرة البيضاء يركبون على بغال , احطنا بهم احاطة السوار بالمعصم , قال لهم سيدى مولاى قُرة العين
    - من انتم يا ابناء العم ؟ .. ماذا تفعلون هنا فى ارض السود والعام عام مسبغة ؟ .
    تقدم اكبرهم سناً بشعره الطويل المنسدل حتى منتصف ظهره , ركع امام حصان مولاى الاشهب , وقال
    - يا مولاى , نحن قوم سلم , لا معرفة لنا بالقتال والاسلحة , نسوح فى بلاد الله , لا نعرف الاستقرار .
    - ما اسمك ؟ .
    - خادمك نواح .
    - ما دينكم ؟ .
    - لا دين لنا .. لا ارض لنا .
    - ومن تلك يا نواح ؟ .
    كانت بعيدة هناك فى منتصف الجمع , صدرها عارى , وفخذاها عجيان فى استدارة , كانت آية فى الجمال والخفة , عرفنا من نظرات عيونها انها حائض للمرة الاولى
    قال " نواح " بثبات وهو ما زال راكعاً على الارض
    - هذه خادمتك , ابنتى السعيدة .
    تقدم منها سيدى مولاى قُرة العين باعوامه الثمانين , مسح بيده على نهدها العارى لفترة طويلة من الزمن حتى سقطت من بغلتها دائخة على الارض , عندها وقف قُرة العين بقدميه على ظهر الاشهب وقال للجمع الغفير
    - قبلت بها زوجةً ثالثة , وادخلتكم الاسلام يا اهل نواح , صلوا من اجل رفع البلاء , وليحمل بعضكم هذه الفتاة فاقدة الوعى الى خيمتى .
    من بعيد , فى الضفة الآخرى للبحر عذب المياه كان يلوح سرب جديد من الجراد , صرخ مولاى بكل قوة
    - ابعد عنا هذا البلاء يا الخضر .
    وشاهدنا فى التو واللحظة الجراد وهو يسقط ميتاً فى البحر , فسجد كل من كان حاضراً , الا سيدى قُرة العين مولاى " زيد الظافر " , فانه يُصلى بروحه فى الارض المُقدسة .
                  

06-17-2016, 09:57 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    3

    حتى قبل فترة من مُشكلة " الشامة " الشهيرة , والحوار بينى وبين امى عبارة عن تلغرافات سريعة مُقتضبة , انتهت بيننا كل تلك الاحاديث المرحة الشيقة عن اخبار الناس واحوالهم
    وقفت خلف ظهرى وانا اتجول بين المحطات الفضائية فى التلفاز
    - الحاصل شنو ؟ .
    - دى مُظاهرات فى تونس .
    - باللهِ ؟ .. ديل اولاد عمنا لزم .
    - أأأأم .
    - مالم ؟ , زادوا ليهم السكر ؟ .
    - فى زول حرق نفسو .
    - سجمى .. مجنون ولاّ شنو ؟ .. انا ماشية بيت اختك , لو اتأخرتا العشاء فى راس التلاجة .
    ربما منذ ان اخبرنى " خالد " ان " الحمدانى " تاجر المواشى قد طلبها للزواج , والعلاقة بيننا ليست على ما يُرام , لم اعرف الا عندها انها ما زالت صغيرة فى السن , فى مُنتصف اربعينيات عمرها , وانها ما زالت تحتفظ بهالة اسطورية من الجمال , نفس جمال نساء المغرب العربى المعروف
    تزوجها امام المسجد الكهل الذى ترهبن ايام شبابه فى حب الله , ويوم عرسها بحثوا عنها ووجدوها تلعب الحجلة فى خلاء القلعة الطينية , اشهر قليلة فقط من الزواج , بعدها سيطرت على الزوج الذى خلع ثياب الرهبنة فكرة البحث عن السيف الذهبى المُطعم بالزمرد والياقوت , اصبح هدف حياته ومحور خطب الجمعة الطويلة التى لا تنتهى الا مع صلاة العصر السيف يجب ان يعود الى " الزيداب " , سيف سيدنا وجدنا الاول , وبعد صلوات استخارة عميقة , انبثقت الرؤية لابى عندما كان اليوم يوم كسوف كُلي للشمس , اظلمت الدنيا تماماً حينها رغم ان الوقت كان منتصف الظهيرة , وتدفق شباب
    " الزيداب " نحو حلة الحلب يرفعون ملابس نسائهم وفتياتهم ويُدخلون اصابعهم فى الامكنة الحساسة , فاليوم هو اليوم الاخير للحياة على سطح الارض , خرج ابى يصرخ فى شوارع " الزيداب " الخالية بسبب الظلام الدامس لبداية الديمومة
    - سيف سيدنا زيد فى مراكش , السيف فى مراكش مع زول ساكن فى المساجد , زول لما يجوع , يقرأ القرآن يشبع , لما يعطش , يقرأ القرآن يروى .
    سافر لجلب السيف , ولم يعود الا بعد ان نسيه الناس , عاد بنفس الهيئة والملابس التى خرج بها بدون السيف
    - ماشاء الله رجع زى ما مشى , مافى اى حاجة فيهو اتغيرت , سبحان الله , بركات سيدى زيد .
    وجد ابنه البكر الذى تركه نطفة فى الرحم قد تحول الى شاب مُراهق , جلب معه كرتونة صفراء متوسطة الحجم نسخ فيها بخط يده كل مدونات " شهلوب المكناسي " التى كتبها على جلد البقر , فى كل هذه السنوات كان يقوم باقناع الرجل الساكن فى المساجد بتسليم السيف لاحفاد قُرة العين الحقيقيين , وبعد كل هذا الجدل اليومى وافق الرجل الصالح بتسليم السيف والشرط الوحيد كان قبضة كف من رمل ضريح سيدى " زيد " , عاد ابى لتنفيذ الشرط , وعند استعداده للسفر من جديد مات وهو يُصلى الصبح حاضراً .
                  

06-17-2016, 09:59 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    4

    ايقظنى ابن خالتى " هبنقة " وهو يهز جسدى بشدة
    - العاص , صباح الخير , اصحى من النوم , ناس المطار فى الحلة .
    وقفز من الحائط الخارجى كما دخل .. رغم ضخامة جسده فانه يتمتع برشاقة مُدهشة فى القفز من على الحوائط , قلت لخالتى مازحاً ذات مرة انه من الممكن ان يضمن مستقبله بسرقة بيوت الناس , فغضبت منى واشتكتنى لنصف اهل
    " الزيداب " ولكل طوب الارض
    - فى شنو يا عوير ؟ , ملعون ابو امك .
    حاولت العودة للنوم مُجدداً , لكن كانت هناك فى الخارج اصوات جلبة بشرية تأتى بوضوح مُختلطة بصوت ضوضاء عدد كبير من السيارات , جاء فى خاطرى ان الحلب قد قدموا شكوى للبوليس , ارتديت جلابيتى فوق ملابسى الداخلية , خرجت بسرعة , تذكرت وانا افتح الباب الخارجى اننى لم انظف اسنانى بالفرشاة والمعجون , صاحت امى من داخل غرفتها
    - الحاصل شنو بره يا العاص ؟ .. الحلب عاملين مشكلة ؟ .
    لم اهتم بالرد عليها .. فى الخارج كانت " الزيداب " كلها فى الشوارع , وكذلك كل سكان حى " السوادنة " , غير اننى لم الحظ وجود اى حلبى فى هذا الحشد الهائل !
    - المطار الجديد ح يكون فى الزيداب .
    كانت الاصوات غير مُصدقة لما يحدث امام عيونها , مجموعة كبيرة من المهندسين والمهندسات شرعوا فى نصب معدات اشبه بكاميرات الفيديو , بينما وقفت مجموعة من السيارت الفارهة يلتف حولها اشخاص يتحدثون مع بعضهم البعض فى همس غامض , صاح صاحب القامة الطويلة منهم دون اى مناسبة
    - ابشروا بالخير يا الزيداب , مطار الخرطوم الجديد ح يكون فى بلدكم .
    ارتفعت زغاريد مثل الرعد من حشد النساء , وجدت امى تقف فى الصف الاول وهى تنظر حولها فى دهشة
    - الله اكبر .. الله اكبر .
    اختلطت الاصوات , اختلطت الاسئلة , ارتفعت ضحكات لا ادرى على ماذا ؟ , ابتهاج وفرحة مثل صباح عيد الفطر انضم للحشد من استيقظ على الجلبة , بينما كانت هناك مهندسة تشق الحشود بيديها فى قرف واضح وهى تقوم بعد خطواتها بصوت مسموع
    - خمسة وستين , ستة وستين .. واحد يعمل علامة بالجير فى الحتة دى , سبعة وستين , تمانية وستين .. يا نسوان زحن شطوركن دى من وشى دايرين ننتهى قبل السخانة .. تسعة وستين , سبعين , ود الحرام البيعمل علامات الجير
    مشى وين ؟ .
    اخذت طريق العودة للمنزل من اجل التسوك وشرب الشاى ثم الرجوع للمشاركة فى هذا المهرجان , لكن النبؤة ضربتنى مثل مطرقة حديدية قبل الوصول للمنزل , تذكرت بكل وضوح السطر الاخير فى مُدونة " شهلوب المكناسي " التى نسخها ابى بخط يده :-
    (( اقول لكم , ان هذه البقعة ستعود كما كانت , خلاء , لا يسكنها بشر او ماشية , وهكذا هى دورة التاريخ ))
    شعرت بالحزن والخوف .. " هبنقة " كان يرقص ويصفق بيديه وحوله مجموعة كبيرة من اطفال " الزيداب " .
                  

06-17-2016, 10:00 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    سفر التكوين

    يقول شهلوب المكناسي فى مُدونته على جلد البقر :-
    وانه منذ اليوم الاول لدخول سيدى مولاى قُرة العين الى خيمته مع السعيدة ابنة نواح الصغرى لم يخرج الا فى الفيضان الاول الذى اجتاح البقعة بعد السنة الثامنة من الوصول اليها .
    كان يُراقبنا من خلال ثقب صغير فى الخيمة , امرنا بتوجيه اتجاه القبلة نحو الخيمة بدلاً عن الكعبة حتى يستطيع احصائنا من خلال الثقب فى شعائر الصباح , كنا نُشاهد كل عامين صبى صغير يمشى بصعوبة على قدميه خارجاً من الخيمة والمخاط يُغطى انفه , يصرخ فينا قُرة العين من الثقب
    - هذا ولدى , هو امانة فى اعناقكم حتى اخرج من اعتكافى القصير ونعود للجهاد ضد الكفرة .
    سنوات طويلة ونحن فى شوق للتكحل برؤية وجهه الورع الخالد , فقط كان صوته هو الذى يرعد فينا مع شروق شمس كل يوم جديد من خلال ثقب الخيمة الصغير .
    - الصلاة خير من النوم يا اولاد القـحـبـة , انهضوا من فوق فروج نسائكم الداعرات , وصلوا صلاة زاهد ومُودع من اجل العودة .
    وفاة " زيد الثانى الابن " كانت اللطمة الاولى وبدايات الاحزان التى لن تنتهى فى تاريخ البقعة , وهو الحدث الذى قدم التأريخ الفعلى للمقبرة باعتباره اول شخص من بلاد المغرب العربى يموت منا فى بلاد السود , اصابته الدوسنطاريا المعروفة هنا , حتى صار فى ايامه الاخيرة يأكل معنا وهو يتبرز , ويُدير شئون البقعة على راس مجلس الحكماء وهو يتبرز , يُعاشر زوجاته السبع والبراز يُلطخ جسده ومؤخرته الكريمة .
    وعند قدوم بعض القوم السود من اهل البلاد وبما لهم من خبرة فى أعشاب الارض قاموا بعلاج " زيد الثانى الابن " من التبرز , لكنهم عجزوا عن علاج التبول , فاخذ يتبول الدم على مدار ايام كثيرة بلا انقطاع حتى مات .
    قال لنا قُرة العين ان لا نبكى او نحزن , حيث روح الابن الاكبر سوف تعود فى هيئة قطة , وعلينا اكرامها واحترامها وتوفير الحليب واللحم لها , حتى يعود الينا من العدم حياً يُرزق
    - اقتسموا اللقمة بينكم , وبين عيالكم , وبين القطط .
    وماهى الا فترة وجيزة حتى ازدحمت القطط فى البقعة الى درجة لا تصدق , واصوات شجارها فى الليل منعت الناس من النوم , وعندما اخبرنا قُرة العين بشكوى الناس مما يحدث , امرنا بتغيير مواقيت اليوم
    - اعملوا اثناء الليل , وناموا اثناء النهار , هذه القطط هى روح السر زيد الثانى الابن , ان ضاعت , ضاع فى مجاهل الابدية .
    ومع الفيضان الاول , حملتها المياه على شكل دوائر ضخمة واختفت للابد فى قاع بحر المياه العذبة , ومن بعده عاد الناس لسيرتهم الاولى يعملون فى النهار وينامون فى الليل , وتولى دفة القيادة " زيد الثالث الابن " .
                  

06-17-2016, 10:01 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    5

    فى عام 2006 عندما كان وباء انفلونزا الطيور يجتاح العالم , كانت هى المرة الاولى التى اتحدث فيها مع
    " الشامة " وضربتنى بحجر ضخم على قدمى , شاهدتها قبل ذلك مراراً فى مرورى العابر , لكننى لم اوجه لها حتى تحية
    وعندما اعلنت منظمة الصحة العالمية بدايات وباء انفلونزا الخنازير فى عام 2009 , كانت هى المرة الاولى التى اجلس فيها وجهاً لوجه مع " اسعد فضيل " اطرح عليه الاسئلة ولا اجد اجابات مُقنعة
    نحيف , ابيض اللون , وصاحب قامة طويلة فى تناسق , حب الشباب على وجهه منحه جاذبية خاصة , وكانت هى المرة الاولى ايضاً التى الحظ فيها نوتة بيضاء ضخمة يحملها بين يديه وعلى الغلاف الخارجى كانت هناك لوحة كبيرة لفراشة مكتوب اسفلها بخط يد انيق وواضح ( كيف تتحول الأساطير الى حقائق ؟ )
    - دى قصايد شعر يا استاذ ؟ .
    ضحك ضحكته المهذبة
    - فى استاذ رياضيات بقدر يكتب شعر ؟ , ده كتاب .. لى مدة طويلة بكتبه وما داير ينتهى .
    - عن شنو ؟ .
    - عن الزيداب .
    كان يجلس على الربوة الاولى التى تفصل قلعة سيدى " زيد " الطينية عن ضريحه الاسمنتى , وجدته كثيراً على هذه الحالة , ظهره للقلعة وعيناه على الضريح , هذه المرة القيت عليه التحية وجلست بجواره على الارض
    - ممكن اسألك سؤال بايخ ؟ .
    - ممكن .
    - انتو ما بتحبونا ؟ .
    - احنا منو ؟ .
    - أأأ الحلب .
    - انتا مش العاص ود حاجة البتول ؟ .
    - انا ذاتى , انتا ما عرفتنى يا استاذ ؟ .
    - ماشاء الله , الايام بتجرى , انا شايفك كتير لكن قايلك خالد .
    - خالد اكبر منى بخمستاشر سنة , هو هسع فى السعودية .
    - تمام .. تمام .. انا مشكلتى ما بقيت اقعد كتير فى الزيداب .
    - انتا هسع أستاذ فى ياتو مدرسة ؟ .
    - فى امدرمان , المؤتمر الثانوية .
    - الزيداب بقولوا استاذ ود فضيل زول شاطر شديد فى التدريس .
    - شكراً , شكراً .. انتو ناس طيبين شديد .
    - بتحبونا ؟ .
    - هاهاهاها .. المشكلة فى التاريخ يا العاص .. انتا فى الجامعة ؟ .
    - انا بدرس فى الجامعة قانون , ماشى المستوى التانى .
    - تمام .. تمام .. ربنا يوفق الجميع , تعرف انا مفروض ارجع البيت اكوى هدومى عشان شغال بكرة الصباح بدرى .
    - بلقى عندك يا استاذ مراجع عن انفلونزا الخنازير ؟ , عندى محاضرة الاسبوع الجاى فى النادى عن الموضوع ده .
    - والله يا العاص ما اظن الموضوع ده مهم فى الزيداب , شايف فى مواضيع اهم من كده بكتير , لكن كدى بفتش ليك فى الانترنت .
    - لا , الموضوع ده ما مهم كيف فى الزيداب ؟ , الكلام ده غلط .
    نظر لى فى دهشة وهو ينهض , لم يتعود على اعتراض التلاميذ
    - تعرف يا أستاذ اسعد , فيروس الانفلونزا الاسبانية سنة 1918 قتل 100 مليون زول فى العالم , وفيروس انفلونزا هونغ كونغ سنة 1968 قتل مليون انسان .
    نظرت فى عيونه لمعرفة تأثير استعراض عضلات معلوماتى , وجدت شبح أبتسامة خفيفة على الشفتين
    - حااااضر يا العاص , بجمع ليك معلومات وكمان بحضر المحاضرة بتاعتك فى النادى .
    سئلت فى فرح وفخر
    - وعد ؟ .
    - تمام .. تمام , وعد يا محامى .
    مد كف يده اليمنى لى وتصافحنا فى مودة حقيقية , المرة الاولى التى نتصافح فيها .
                  

06-17-2016, 10:02 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    6

    لن تعود " الزيداب " ابداً كما كانت فى السابق
    قتل " اسعد فضيل " , وقصة المطار الجديد , بينهما اسبوع واحد فقط , وبعد هذا الاسبوع ظهر الاغراب بكثافة , يسألون عن منازل ومزارع معروضة للبيع , يحملون فى ايديهم اوراق متسخة بالعرق واقلام , يرسمون خرائط لاحياء القرية البعض قال انهم سماسرة , والبعض قال بوليس سرى , لكن حتى الان لم يطلب احد بنبش الجثة !
    بعد القلعة الطينية والضريح الاسمنتى الابيض , يبدأ حى " السوادنة " , تفوح فى منتصفه رائحة خمور بلدية , ينتهى لتظهر على يساره بعد ميدان واسع , حلة الحلب
    وانا منذ ايام لا استطيع ان اقود دراجتى الهوائية حتى تلك المناطق , اشعر بضيق حاد فى التنفس , اتوقف قليلاً للاستراحة ثم اواصل الى مشارف شارع الاسفلت
    - يا ربى ده بيكون من السجاير ؟ .
    اشتريت من المخبز الرئيسى رغيف وجبات اليوم الثلاث , على بابه الاخضر القذر فى اهمال كانت هناك كتابة بخط قبيح للغاية ( خالى من برومات البوتاسيم والله على ما اقول شهيد ) , وجدت " حمدانى " تاجر المواشى يجلس امامه وهو يتحدث بصوته المتحشرج المزعج عن " اسعد فضيل " مع بعض الاغراب , التقت عيوننا وانتظر ان القى عليه السلام لكننى لم افعل
    مررت بحلة الحلب , توقفت امام منزل " الشامة " , تظاهرت اننى اُريد تفحص الآطار الامامى للدراجة , خرج من منزلهم طفل حلبى صغير عارى حتى نصفه الاسفل , وقف ينظر للدراجة فى انبهار , ثم طلب منى ان اعطيه رغيف حمله فرحاً بين يديه وطلب منى فى الحاح نقود لشراء طحنية , بحثت عن نقود معدنية كانت فى جيبى لم اجدها , واكتشفت ان هناك ثقب كبير فى البطانة الداخلية لجيب بنطالى
    - معليش يا عسل الظاهر قروشى وقعت منى .
    اخذ يبكى ويشتمنى , خرجت " الشامة " على صوته , خفق قلبى كانت ترتدى جلباب منزلى اصفر خفيف ومتسخ سروالها الداخلى الصغير كان يظهر بوضوح من خلاله , لونه ابيض وعليه زهور صغيرة باللون الاحمر , عندما لمحتنى تغيرت تعابير وجهها , ضربت الطفل الصغير عندما شاهدت الرغيف بين يديه
    - يا وسـخ , مليون مرة قلنا ليك ما تشيل حاجة من الزيداب .
    جرى الى الداخل يبكى , وكان يشتمنى ويشتم اهل " الزيداب "
    - يا مغاربة يا عواليق , جدكم الكبير كان همباتى .
    تقدمت منى وتعابير الغضب ما زالت على وجهها
    - اسمع هنا يا العاص , انا حامل , عارف الكلام ده ؟ .
    جف حلقى , وقفت انظر لها فى ذهول
    - لازم تشوف ليك حل فى المصيبة دى , رجلك فوق راسك , اوعك من حقارة المغاربة , انا ما مسكينة زى اسعد فضيل الليلة نتقابل الساعة سبعة , عارف لو ما جيت انا طوالى بمشى اتفهام مع امك , ولو امك ما حلت لى الموضوع ده , انا بمشى افتح فيك بلاغ فى النقطة , انا عمرى 15 سنة , والاعتداء على قاصر فيهو اعدام عشان تكون عارف , افتح لى اضانك دى كويس .
    عادت الى المنزل واغلقت خلفها الباب الخارجى بكل عنف
    صعدت على دراجتى وانا اشعر اننى عاجز عن التنفس , الطفل الصغير ظهر براسه من على الحائط
    - ادينى قروش اشترى طحنية يا مغربى يا معفن .
    لم اشعر بنفسى الا وانا اسقط على الارض من دراجتى على مشارف مربوع منزلنا
    - الحقونى .. ما قادر اتنفس , ما قادر اتنفس , ما قادر .
    بعدها سمعت صوت امى وهى تبكى , وشقيقتى " نورالشام " تصرخ بعصبية كعادتها الدائمة , بينما كانت خالتى تتحدث فى هاتفها المحمول تسأل عن ارقام عربات الاسعاف .

                  

06-17-2016, 10:03 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    سفر التكوين

    يقول شهلوب المكناسي فى مُدونته على جلد البقر :-
    انه لما كان الخروج الثانى من الاعتكاف الاول لمولانا سيدنا قُرة عيوننا , بعد الفيضان الاول , لم يتعرف على البقعة تغيرت كثيراً , كانت اشجار الموالح تُغطى ضفاف بحر المياه العذبة , والخضروات بانواعها المختلفة تبعث البهجة فى النفوس بروائحها ومنظرها الاخضر الخلاب وهى مغروسة فى التربة الطينية الخصبة .
    تجول قُرة العين فى ازقتها الضاجة بالحياة , وامر الناس بالسجود عند رؤيته , وجد جماعة اهل " نواح " وهم مُنهمكين فى صناعة ادوات الطهى من المعادن الرقيقة , ونسائهم يبيعون العطور النفاذة وقوارير زجاجية غريبة الشكل فيها مياه مُقدسة تشفى من البرص .
    وجد السود من اهل البلاد يقومون بالتفانى فى زراعة الارض بسيقانهم النحيلة مثل سيقان نبات الذرة وفى نهاية الحصاد يقومون بأخذ خُمس المحصول , يُنفقونه فى خمور كريهة الرائحة .
    - أأأه , يا لدوران عجلة الزمان , أأأه يا لتبدل المكان .. كم عام وانا فى خيمتى يا شهلوب ؟ .
    - سنوات كثيرة يا قُرة العين .
    - الوقت وقت صلاة , صلوا من اجل العودة الى بلادنا من جديد .
    الدواب بحركتها الكثيفة فى طرقات الازقة الضيقة كانت تُطلق سحابات الغبار وهى تحمل على ظهرها بضائع من بلاد الحجاز , حرارة الشمس كانت لا تُطاق , صيف البقعة لهيب .. خطب فينا بعد الصلاة وهو يحمل سيفه الذهبى المُطعم بالزمرد والياقوت
    - لا تتزوجوا من الاغراب حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتفتر الهمة لقتال الكفرة , ليبقى اهل المغرب كما هم , انقياء فى سلالتهم , المهمة المقدسة هى لنا , وحدنا فقط , سوف اعود للاعتكاف الثانى من اجل الراحة , واخرج لكم عما قريب للعودة الواجبة , تدربوا على سيوفكم, اتركوا الاعمال الشاقة لقوم نواح والسود من اهل هذه البلاد , فالمهمة الاشق فى انتظاركم , قلت لكم ليس عندى عسل او ماء , عندى لكم طريق المخاطر , من يُريد النساء ليقضى وطره منهن بالغريبات اتركوا نسائكم للانجاب , نحن فى حوجة للرجال الاشداء , كلما ازداد العدد , كلما اقترب الخلاص .. اقول قولى هذا واستغفر الله لى , فاستغفروا من اجلى يا اهل البقعة الكرام حتى اجد لكم طريق النجاة .
    وكان المسجد الاول على ارض هذه البقعة , فى المكان الذى صلينا فيه .. مسجد قُرة العين .
                  

06-18-2016, 03:35 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    7

    عالجنى " وهبة " تمرجى المركز الصحى فى نهاية المطاف
    يقولون انه كان طالب طب نابغة فى جامعة الخرطوم , لكنه فى امتحان السنة الاخيرة وبعد قراءة ورقة الامتحان النظرى الاولى اخذ يضحك ويمزقها وانطلق يجرى فى الشارع ولم يتوقف الا فى " الزيداب " , مُتزوج من امرأة نحيفة للغاية كلما تعاطت حبوب التسمين كلما ازدادت نحافة , لديها هواية غريبة عندما تتشاجر معه حيث تخرج من المنزل بملابسها الداخلية المثقوبة من كل الاتجاهات , تشتمه بكلمات غاية فى البذاءة وتسب له الدين وهى تقف فى منتصف الشارع تماماً شاهدتها مرة فى هذه الحالة واندهشت ان حجم صرتها اكبر من حجم ثدييها معاً
    كلاهما تعود عليهما اهل " الزيداب " , وتعودنا على اكاذيبهما , فهما مرة شوايقة ولديهما ابنة وحيدة تعيش فى واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق , ومتزوجة من شيوعى كبير ممنوع من دخول قارة افريقيا بحالها , ومرة آخرى هما رباطاب ولديهما ابن عبقرى كان اول الشهادة السودانية يدرس فى ماليزيا علوم طيران وهندسة كمبيوتر تتربص به الأستخبارات العالمية لنبوغه اللافت فى هذا المجال
    وكنت اسمع كثيراً الحديث الغامض الذى يدور بين النساء حول اصرار " وهبة " على حقنة فيتامين فى العضل وراء الستارة لكل من تذهب للمركز شاكيةً من علة ما , اسعفنى فى المساء وطلب منى الحضور فى الصباح
    قال ان حالتى هى ارهاق عام , بعد ان اثبت التحليل عدم وجود ملاريا فى الدم
    - اها .. بتدق حلاوة كتير يا بطل .
    قررت مُضايقته
    - لا , ما كتير شديد يا دكتور .
    - كم مرة فى الاسبوع ؟ .
    - ستة مرات فى اليوم .
    - شنو ؟ .. معقول ؟ .
    - وبعد ده برضو بمشى بيوت السوادنة زى خمسة مرات فى الاسبوع .
    - لا حول الله يا ابنى , انتا كده ح تموت عديل .
    ظهرت نبرات الغيرة فى صوته
    انتابتنى رغبة عارمة فى الضحك
    - انا بكتب ليك شوية فيتامينات .
    - بس اوعا تكون فى العضل يا دكتور .
    تغير لون وجهه
    - شنو ؟ .. قصدك شنو ؟ .
    - أأأ , انا ما بحب الحقن , عندى حساسية منها .
    - لا دى زفت حبوب زيت سمك , بتدخن ؟ .
    - خمسة علب فى اليوم .
    - يا ولد انتا بتهظر معاى ؟ .
    - والله العظيم , انا بتكلم جد يا دكتور .
    - امشى اطلع بره انتا شكلك كده ود حـرام ما عندك ادب ولا موضوع , اصرف الحبوب دى من الاجزخانة , وارتاح ليك كم يوم كده فى السرير ما تتحرك كتير , اهم حاجة توقف العادة السرية والتدخين عشان ما تدمر صحتك , وتانى ما اشوف وشك هنا , مفهوم ؟ .
    - مفهوم .
    التى دخلت بعدى كانت امرأة سمينة من اهلى ذات ارداف هائلة ترتج فى ابداع مع خطوات قدميها , قالت لى بصعوبة من خلال فمها الذى تحول الى كرة قدم بفعل الورم ان ضرسها يؤلمها بشدة , سمعته من الداخل يقول لها فى لهفة
    - اتفضلى وراء الستارة يا هانم , اتفضلى عليك الله .
    هذه المرة اخذت اضحك بشدة وانا اتنفس بصعوبة
    الايام التى رقدت فيها على السرير , كان قلبى يخفق كلما سمعت طرق على الباب الخارجى , كان عندى خوف حقيقى من تنفيذ " الشامة " لتهديدها , اخاف ان تعرف امى , خوف حقيقى من ان افقد احترامها وحبها لى , للابد .
                  

06-19-2016, 06:52 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    8

    دفعت امامى دراجتى الهوائية وانا اتجه للخروج
    - ماشى وين يا ولد انتا لسه عيان ؟ .
    - ماشى لـ نور الشام , زهجتا من الرقدة .
    عندما خرجت للشارع , وجدته بلجبابه الابيض المتسخ يسير نحو اتجاه المسجد , يرتدى كما هى العادة سفنجته خضراء اللون والتى تتحدى الزمن وشقوق كعبيه المُخيفة
    " مختار النواح " هو اشرسهم , ضخم الجثة بشكل غير طبيعى , يقولون عندنا انه يُشبه " النواح " الكبير , الخالق الناطق , وله نفس الشعر الطويل المنسدل , له كفين ثقيلتين , عندما يضرب بهما احجار الدومينو البيضاء على سطح المنضدة فى امسيات النادى المُملة , ترتج الحوائط الطينية
    لم احبه , لا اعرف لماذا , رغم انه لا يعرف القراءة او الكتابة الا ان لديه ذكاء فطرى مدهش , قال ذات مرة دون اى مناسبة
    - اسعد فضيل هو عقل الحلب , وانا العضلات .
    خلق لهم نوع من الهيبة فى المنطقة , وقنع من كل ضجيج الحياة بدكان صغير الحجم يقوم فيه بصناعة الاطباق المعدنية واكواز شرب المياه التى عفى عليها الزمن / فكيف ينتهى المطاف بابناء الالهة الاسطوريين ! / , له لسان فاحش يقوم بتحوير اى حديث عادى الى تلميحات جنسية فجة
    - ممكن ادخل ليك الكوز ده فى الزير بتاعك عشان التجربة وكده .. هاهاهاها .
    عندما يُصادفنى ينظر لى فى تحدى وقـح
    - ازيك يا افندى .
    - اهلاً يا خال .
    لا اعرف هل يسخر منى , ام انه يحترمنى فعلاً ؟
    رغم هذا يظل هو الوحيد من بين كل الحلب الذى استطاع خلق صداقات حقيقية مع رجال وشباب " الزيداب " , يقولون ان لديه مرهم سحرى اسمه " سهر الليالى " يجعل الانتصاب قائماً مهما تعددت مرات القذف , وهناك حديث ان " جعفر " ابن المأذون الشرعى قد استخدم المرهم يوم عرسه لان زوجته طلبت الطلاق فى اليوم الثانى مباشرةً
    لدينا انا و " الشامة " طريقة نقوم فيها بتحديد مواعيد اللقاء , وبما انها لا تمتلك هاتف محمول , واشك فى الاساس انها تعرف كيفية استخدامه , فاننى اتجه نحو عمود انارة اسمنتى مُعين , اكتب بقطعة فحم على سطحه , وبيننا قسم ان تمر كل يوم على العمود لتعرف المواعيد وتأكيدها , او الاعتذار عنها .. وقفت امامه وكتبت رسالتى الجديدة
    - بكرة الخميس , الساعة 7 , فى التاكسى , ضرورى , معليش عيان .
    " الشامة " هى حياتى , ومن فى احشائها هو فى نهاية المطاف ابنى , ويبدو اننى مثل جدى " زيد الظافر " اعشق الحلبيات , ونهايتى ستكون على يد واحدة منهن
    " نور الشام " كانت مشغولة بالدخول والخروج من غرف المنزل المتعددة بعصبيتها المعهودة وبدون هدف واضح , بيننا فارق فى توقيت الخروج للدنيا ليس اكثر من دقائق , شقيقتى التوأم التى تفعل المستحيل من اجل الانجاب
    - الدنيا مقلوبة فى تونس يا العاص , مُظاهرات شديدة .
    - أأأأم .
    - بقيت كيف ؟ .
    - كويس .
    - امتحاناتك متين فى الجامعة ؟ .
    - شهر خمسة .
    - كده يكون فضل ليك سنة واحدة .
    - أأأأم .
    - انتا بالجد بتحب زول حلبية ؟ .
    - ما داير اتكلم فى الموضوع ده يا نور عليك الله .
    - فى رز باللبن والزبيب فى التلاجة , اجيب ليك صحن ؟ .
    كانت لدى رغبة فى الحديث معها عن ورطتى , لكننى فضلت مُتابعة اخبار الرئيس التونسى .
                  

06-19-2016, 06:53 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    سفر التكوين

    يقول شهلوب المكناسي فى مُدونته على جلد البقر :-
    انه لما كان يوم الغربان السود , لم ننتبه , أعتقدنا انها من الامور الاعتيادية , لكن الاذكى فينا تنبه .. قال لنا " زيد الظافر الثالث الابن " ان الامر جلل .
    خرج سيدى مولانا قُرة العين " زيد الظافر " من خيمته بعد غيبة , واخبرنا باختفاء " السعيدة " ومعها سيف الذهب المُطعم بالزمرد والياقوت , وبدأ الدم يخرج من انفه وفمه واذنيه مثل ينابيع الماء .
    كانت الغربان تُغطى كل الأشجار والامكنة المرتفعة فى البقعة , خاف الناس على محاصيلهم , كان النذير بالشؤم القادم .
    - هذه الغربان السوداء الملعونة .. اعلموا يا اهل البقعة الكرام ان الغربان نذير أيام تسيل فيها الدماء مثل البحور , تسيل منى ومن الأخرين .
    امرنا قُرة العين بشنق " نواح " , ومعه كل ابن او بنت له من صُلب " السعيدة " , فكثرت يومها الاجساد المتدلية من على فروع الاشجار , نهشتها صقور بلا رحمة , هجمنا على تجمعات اهل " نواح " وما تركنا امرأة عجوز او فتاة او طفلة الا وادخلنا مراودنا فى مكاحلهم , كان يوم الغضب العظيم , احرقنا خيامهم وجلدنا رجالهم مئة جلدة لكل واحد منهم .
    كانت المُواجهة قاسية بين قُرة العين و " نواح " المُقيد بالخيوط السميكة , كان جاف الشفتين يرتعد فى هدواء , راكعاً تحت قدمي مولاى .
    - ما طلباتك يا غجرى قبل الصعود للسماء ؟ .
    - ان تعود هذه البقعة خلاء لا يسكنها بشر او ماشية .
    - لك ما تُريد , لتعود كما كانت , فاللعنة قد بدات ايها المجوسى النجس باختفاء السيف النبوى الشريف .
    قال لنا قُرة العين وهو يمتطى ظهر جواده الاشهب , ان من وضعت السم فى الطعام سوف تركع تحت قدميه , سوف يبحث عنها ويجعلها جارية , عبدة حتى آخر ايام حياتها .
    خرج وحيداً ينزف من كل فتحات جسده العلوية والسفلية . تبعته اسراب الغربان فى ضجة , لكنه لما كان اليوم الرابع لخروجه الجليل , عاد الاشهب وحده , فقال " زيد الظافر الثالث الابن " قولته التى سارت مثلاً عند اهل البقعة
    - ان الامر جلل .
    وانتظرنا عودة قُرة العين فهو يعيش الف عام .
                  

07-20-2016, 06:32 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيوت من طين . (Re: shaheen shaheen)

    9

    كنت انتظرها فى قلق وترقب بالغ , وعندما لاح شبح جسدها النحيل من بعيد فى الظلام , خفق قلبى
    اقتربت منى دون كلام
    - كيفك يا الشامة ؟ .
    لم ترد , فتحت الباب الخارجى ودخلت خلفى دون تردد , هنا عش الغرام , لا احد يقترب من هذا المنزل , وأشجار الدوم الكثيرة المتناثرة داخله تجعله مكاناً مُلائماً لتصوير افلام الرعب , وما يزيد من رهبته وضعه الجغرافى الذى جعله بعيداً عن بقية البيوت فى حى " المغاربة " , يقف وحيداً بائساً شاهداً على التراجيديا التى حدثت لاهله
    فتحت ابواب عربة التاكسى الصدئة القابعة فى مكانها من عشرات السنين , احدثت ضجيجها المُعتاد , صعدنا على الهياكل الحديدية للمقاعد الامامية
    - مُشتاق ليك .
    وضعت يدى على فخذها , ابعدتها فى عنف
    - بلا مُشتاق بلا كلام فارغ معاك .. ح تعمل شنو فى المصيبة دى ؟ .
    عندما كان وباء انفلونزا الطيور يجتاح العالم , شاهدتها لاول مرة وتعلقت بها , كنا لجنة طافت البيوت كلها فى
    " الزيداب " , يجب ذبح كل الطيور الداجنة الموجودة , الرفض الوحيد الذى اصطدمنا به كان فى حلة الحلب , والمقاومة الشرسة العنيفة كانت من اهل منزلهم بالذات , قالوا ان سرب البط الذى يملكونه هو بمثابة ابنائهم , ولن يقبل انسان غير سيدنا " ابراهيم " ان يذبح ابنائه , قذفونا بالحجارة وكان نصيبى ضربة حجر ضخم على قدمى من يديها , تحولت الساحة التى امام منزلهم الى ما يُشبه معارك الضفة الغربية , أحجار وزجاجات مياه غازية وهتافات ولم يبقى لهم الا استخدام الغاز المُسيل للدموع , كانت هى فى مقدمة المعركة صانعة للعنف ولهتاف
    - يا مغاربة يا عواليق .. نحنا نموت والبط يعيش .
    انسحبنا فى ارتباك وعلى اجساد كل اعضاء اللجنة جروح صغيرة , وكادت " الزيداب " كلها ان تشتعل فى اتون حرب اهلية صغيرة
    - الحلب اولاد الكـلـب ديل دقوا اولادنا ودايرين يقتلونا بالفيروس .
    كان الحل بين يدي " اسعد فضيل " فى نفس مساء ذات اليوم , قدم لنا الاعتذار الواجب فى المسجد وقام بنفسه بالاشراف على ذبح كل الطيور الموجودة عند الحلب
    - انا كنتا عاين الايام الفاتت .
    - انشاء الله تموت .
    - صدقينى انا ما ممكن اتخلى عنك .
    قلتها وانا فى حيرة كبيرة من امرى
    - هاهاهاها , ضحكتنى لكن يا ولد .
    - بس ادينى شهر يا الشامة ارتب الحاجات واتكلم مع ناس البيت .
    أمسكت بمقود العربة العجوز التى شهدت اول تجربة جنسية لنا معاً , كان بحالة جيدة , تخيلت اننى اقودها بسرعة هائلة فى شوارع نظيفة وفارغة من البشر وحولنا بساتين خضراء وعصافير مُلونة صغيرة ونحن نستمع لاغنية عاطفية هادئة صاحب هذه العربة اختفى فى ظروف غامضة فى بدايات سبعينيات القرن الماضى بعد اسبوع من وفاة طفله الاول والاخير , هكذا بكل بساطة اختفى للابد , مشوار مع زبون من المطار الى جهة غير معلومة فى " امدرمان " ولم يظهر بعدها , وجدوا عربته التاكسى هذه بعد أسابيع فى منطقة خلاء وهى بحالتها دون سرقة اى شيء منها , تحدثت
    " الزيداب " طويلاً بعد ذلك عن عصابة تقوم بالخطف وسحب الدم البشرى من الضحية حتى اخر قطرة ثم بيعه بعد ذلك باسعار خرافية , قالوا ان الانسان خلال عملية السحب هذه يتحول الى هيكل عظمى فى ثوانى معدودة
    - شهر تانى كتير , انا هسع حامل لى شهر .
    - خلاص .. مُمكن اسبوعين ؟ .
    زوجته لم تتحمل صدمة رحيل الابن والزوج , تركت الدنيا بما فيها لمن فيها , ذهبت للحرم المكى الشريف وجاورت هناك كانت تعود على مدار فترات زمنية مُتباعدة للغاية لزيارة الاهل وقد التفت السبح المُلونة باحجام مختلفة حول يديها وعنقها اطلقنا عليها اسم " ام السبح " , وفى واحدة من زياراتها لامى اعطتنى مُفتاح الباب الخارجى لمنزلها المسكون بالموت والعفاريت , طلبت منى الاعتناء باشجار الدوم حتى لا تموت من العطش والاهمال
    - لسه بتحبينى يا الشامة ؟ .
    هزت كتفيها فى استهزاء
    - يمكن .
    مدد يا سيدى قُرة العين .. مدد .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de