قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( قصة قرية من السودان)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2016, 01:20 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( قصة قرية من السودان)

    01:20 PM May, 16 2016

    سودانيز اون لاين
    Omer Mustafa-UAE- Abu Dhabi
    مكتبتى
    رابط مختصر

    sudansudansudansudansudansudansudan13.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    عندما كنا صغارا كنا نجلس في حضرته نستمتع باحاديثه الشيقة النضرة وزكرياته الجميلة عن مدرسة الطلحة الأولية و مدرسة حنتوب الثانوية ومشروع الجزيرة في عهده الذهبي وشركات الرش والطيران ، دون كلل أو ملل والغريبة كنا لا نلحظ قوس قوزح الذي يمليء عنان السماء ويزيدها روعة وبريقا بحديث عمنا عبد القادر محمد الحاج الرجل الذي تتضاءل وتتقاصر الكلمات في حقه .
    فحكاويه القديمة كانت لنا معينا في حياتنا وما نتحسس اي خطوة نخطوها والا وهي حاضرة تشكل لنا حافزا وديدن لكي لا نحيد عن الطريق الصحيح ...
    دم بخير عمي عبد القادر ونحن علي الدرب و العهد سائرون ونحن نردد

    يـــا ضلنـــــــا
    يا ضلنا المرسوم علي رمل المسافة
    وشاكي من طول الطريق
    قول للبنية الخايفة من نار الحروف
    تحرق بيوتات الفريق
    قول ليها ما تتخوفي دي النسمة بتجيب الأمل
    والأمل يصبح رفيق
    الأصلوا فى الجوف اندفن .. لا بتنسي .. لا بنمحي
    لا بنتهي منو الحريق
    يا ضلنا .. يا ضلنا
    والفينا من آهات أليمة .. من خطاوينا القديمة
    لا بيرحل عن عيونا .. لا بتغشاهو الهزيمة
    والقبيل راجنو نحن .. يوم تبشر بيه غيمة
    لما تمطر يوم علينا .. الفرح يملأ المدينة
    والبيوتات الحزينة


    sudansudansudansudansudansudansudan14.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

                  

05-16-2016, 03:14 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)



    Quote: تاريخ القرية وأسباب تسميتها :
    إن تاريخ قرية بورتبيل تاريخ عتيق مختلف فية فمنهم من يقول إنه إتمداد لتاريخ دولة الفونج ومنهم من يري إنها حديثة التكوين و يروا إن بدايتها قد كانت في عهد المستعمر و قد بدأت بمشروع الجزيرة المشروع العملاق الذي أسس في مطلع العشرينات من القرن الماضي ولكل رواتيه الخاصة بهم فألذين يقولون بإن بدايتها كانت مع دولة الفونج في القرن السادس عشر يقولون بإن من أسباب تسميتها بهذا الإسم يعود لأن هنالك بئر يرده الجميع وكان صاحب البئر من الفونج كان يدعي " طبيل" وقد قيل في قديم الزمان كان يشرب من هذا البئر فيقال نحن واردين "بئر طبيل لجلب الماء فصارت كلمة بورتبيل"أما الرواية الثانية فهم يرون بإن البرته هم السكان الأصليين لهذه المنطقة فعند دخول العرب وتكوين دولة الفونج في مطلع القرن السادس عشر هجرتها قبيلة البرته حيث أستقرت في منطقة النيل الأزرق الحالية وفقال الناس وهذه الرواية الثانية " البرته زمان والبرته قبيل إلي أن صارت بورتبيل " وشخصياً أرجح هذه الرواية لأنها بورتبيل وردة في طبقات ود ضيف الله .
    *أما الرواية الثالة فتري أن التسمية وردت من إنها كانت أرض بور أي خالية من الموانع الطبيعية وغير مزروعة وكان يمتلكها أحد الأنجليز يسمي مستر بيل Bail قبل المشروع وكان يقال ويقال نريد أن نزهب لبور مستر تبيل حتي صارت بورتبيل " والله أعلم
    التركيبة القبلية و السياسية : أهم ما يميز قري السودان هي إنها تكونت تكوين طبيعي مجموعة من الأفراد تتجمع حول منطقة معينة لأغراض تجارية رعوية صناعية زراعية ألخ فقرية بورتبيل وأحدة من النموزج لسكان السودان فهي تضم معظم قبائل السودان وقد أنصهرت جميع القبائل مع بعضها البعض كالعوامرة والجعليين والمحس والخوالده والهوارة والحضور والجعافره والفلاته والبرقو و بكل ألوان الطيف السياسي فهي تضم الأمة والإتحادي والإسلاميين والشيوعيين والبعثيين والصوفيين و أنصار السنة المحمدية وتجد هذه التنظيمات السياسية تتوارث عبر الأجيال اي إن الوألد يكون جميع أبناءه ينتمون إلي الطائفة أو الحزب التي ينتمي إليها رب الأسرة.
    التواصل مع العالم الخارجي : ظلت بورتبيل شامخة وشاهدة علي جميع العصور والتحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي شهدت العالم تحلل جميع أحداث العالم دأخل أروقة ودكاكين و إجتماعات العامة من خلال الحديث المنقول للعامة عبر الوسائل المتعددة مروراً بالنحاس والتقنيات الحديثة و الرأديو والتلفزيون والصحف و أطباق الإستقبال و شبكات الإتصالات و تقراء جميع الأحداث قراءة حصيفة تبرر بإن المواطن البورتبيلي مواطن مثقف مطلع علي جميع الأحداث التي تشهد العالم ولا ينقطع عنها توأصلاً بين جميع الأجيال من أن كان الأقدمون وكبار السن ينتعون الإتحاد السوفيتي بالسريتي ويتجازبون أطراف الحديث عن الملكة فكتوريا والزابث وعن أمريكا وفلسطين وسد كجبار و أزمة دارفور علي سبيل المثال.
    التركيبة الجغرافية و الإقتصادية للقرية : تقع منطفة بورتبيل في وسط الجزيرة علي بعد 23 كلم غرب مدينة ودمني أي علي بعد 79 كلم من مدينة المناقل تسورها كلمعصم الترع أي شكل جزيرة كاملة تتخللها مخارج صغيرة كباري من الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية ورزقالة " ممر حديدي صغير " من الغرب و تبعد عن المدينة عرب حوالي 7 كلم وهي من أكثر المناطق قرباً لها وتربط بين أهلها أوأصر القرابة والصداقة فلكل جيل صديق من نفس جيله يربط بينهما الحب و الإحترام والزكريات الجميلة والمواقف المشرفة التي ظلت خالدة تزكر في كل لقاء وجلسة سمر ، أما السواد الأعظم من سكان المنطقة فهم زراع تتخللها بعض الوظائف التي ترتبط بمطلبات الإنسان كالرعي والتجارة وقيادة السيارات و البناء والخياطة وغيرها ولكن تعتمد معظم أقتصاديات القرية علي الأبناء العاملين بالخارج في الخليج العربي حيث يمثلون الدعامة الأساسية لأقتصاد القرية بعد التردي المحصولي لأسباب عديدة الإستهلاك المستمر وإنهاك الأرض من مطلع العشرينات وحتي تاريخنا هذا وثانياً إهمال الحكومات المتعاقبة للمشروع الذي كان يشكل الركيزة الأساسية لأنسان السودان وإعتماد المزارعين علي الشركات مع الأجراء الذين يهتمون بإستقلال الأرض إستقلالاً سيئاً وهنالك العديد من العوامل ولكن هذه أهمها.
    التعليم والصحة والرعاية الإجتماعية والثقافية :توجد بقرية بورتبيل مركز صحي وهو يعالج الإسعافات الأولية و الأمراض المستوطنة في مناطق الجزيرة كالملاريا وغيرها وتشرف عليها كوكبة من أبناء القرية وكما بالقرية العديد من المدارس أساس بنين وبنات وثانوي بنين وبنات خريجي قرية بورتبيل من الجامعات والمعاهد العليا تربطهم أواصر المحبة والصداقة وذلك بسبب رأبطة طلاب بورتبيل التي خلدت في زكرياتهم ماضي جميل مليء بالإبداع والشجن والزكريات الحلوة وقد ورث أبناء بورتبيل عن أهليهم الحس بلإبداع وقد أختيرت بورتبيل في مطلع الخمسينات لتكون الأساس الفعلي لمسرح أبودماك المتجول فكانت المسرحيات و الإبداع الشعري و الغناء وقد ساهم شباب القرية في ذلك الكرنفال بالعديد من المسرحيات كالمسرحية التي خلدت في الأزهان مسرحية أبو الكنين التي كني بها عمنا المرحوم إبراهيم محمد الحاج ونجد منطقة بورتبيل منطقة إشعاع حضاري قد خرجت من بين جنباتها العديد من المبدعين الذين ساهمو في عملية بناء السودان فمنهم أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وضباط بالجيش السوداني وبالشرطة ومنهم معلمين أي لبورتبيل كوادر في جميع مناحي الحياة يبدعون في صمت وتجرد ونكران ذات.
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan10.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
    عبد القادر محمد الحاج مؤلف كتاب بورتبيل التراث - الحاضر - و المستقبل


    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-16-2016, 03:16 PM)
    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-16-2016, 03:23 PM)

                  

05-16-2016, 04:08 PM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)



    توثيق فاخر ومستحق

    ويعيد اثبات أن دور الجزيرة القلب ومشروعها الحيوي هو دور مهم للسودان ووحدته وحمايته وتربية أجياله القادرة على قيادته نحو المستقبل

    سلام لصديقي طارق محمد الحاج من على البعـد
                  

05-16-2016, 08:53 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: أحمد الشايقي)

    Quote: توثيق فاخر ومستحق

    ويعيد اثبات أن دور الجزيرة القلب ومشروعها الحيوي هو دور مهم للسودان ووحدته وحمايته وتربية أجياله القادرة على قيادته نحو المستقبل

    سلام لصديقي طارق محمد الحاج من على البعـد




    العزيز أحمد الشايقي
    لك خالص التحية و التقدير وبالمناسبة أبن العم و الأخ الأكبر طارق محمد الحاج متزوج أبنة العم عبد القادر محمد الحاج ولك منه خالص التحية و التقدير فهو رجل مسكون بالإبداع وهو أحد أيقونات قرية بورتبيل في كافة المجالات وهو من الجيل الذي وضع بصمته وأضحة لأهله ببورتبيل منذ نعومة أظافره مروراً بدراسة الجامعية في جامعة الخرطوم كلية الأداب وقد كان يعمل في صمت ومازال لك و له خالص التحايا و الحب و التقدير...

    sudansudansudansudan32.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


                  

05-16-2016, 09:39 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    سوف نختار مقالات من العديد من الكتاب الذين تناولوا سيرة القرية وتناولت شخصيات ومواضيع تهم القرية وسوف ونتطرق لكتاب بورتبيل (التراث - الحاضر - المستقبل ) الذي كتبه الأستاذ عبد القادر محمد الحاج
                  

05-16-2016, 09:44 PM

معتصم سليمان
<aمعتصم سليمان
تاريخ التسجيل: 02-28-2014
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    تحية طيبة لك أخي الكريم

    والتحية الطيبة لأهلنا في بورتبيل كلهم

    سبحان الله جاورونا في رفاعة ناس أول ماعرفتهم أنهم من مدني
    سرعاااااان ماصححوا لي المعلومة أنهم من بورتبيل ومن يومها
    عرفت بورتبيل وانا صبي في بداية طاشرات العمر ..الناس ديل
    الان بالنسبة لينا أهل ماجيران وبس .

    في نهاية السبعينات جيت للدراسة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة
    إلتقيت بفخرالدين عبدالرحيم أبوسنينة ووبابكر وعبدالرحيم اولاد
    العباس وعرفت أنهم من بورتبيل .

    شكراً لك ولطرحك الذي ربطني بواقع عشته ..شكراً لك
                  

05-16-2016, 10:59 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: معتصم سليمان)

    sudansudansudansudan33.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الموقع الجغرافي:تقع قرية بورتبيل بين خطي طول (30 و35) وخطي عرض (12و 15) تقريبا. تتبع لمحلية المدينة عرب تقع في منطقة جنوب الجزيرة ولاية الجزيرة - جمهورية السودان


                  

05-16-2016, 11:19 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    تأليف ولحن وغناء : المرحوم محمد أحمد الكبيش
    الليل الليل أنا مــــــــــــــا بهوي غيرك يـــــــا بورتبيل
    فيـكـ الطبيعة تجلي لونها فيـــكـ بهجتها وروعة فنونها
    فيكــ العزاري الساحرات عيونها وما فيكـ عوازل قط يعزلونــا
    الليل الليل أنا مــــــــــــــا بهوي غيرك يـــــــا بورتبيل
    ***بلد الجمال بلد الرزانه بلـــــــد الحنان بلد الفطانــــــــة
    بلد النهوض غير أستكانه مالكاني بي ريدها وحنانـــــــها
    الليل الليل أنا مــــــــــــــا بهوي غيرك يـــــــا بورتبيل
    ***
    يا أية الزوق و الجمال يا جنة وارفة الظــــــــــــلال
    يا منبع الحب الحلال ويا رشفه من نهلك منــــــال
    أسقيني من فيضك زلال
    الليل الليل أنا مــــــــــــــا بهوي غيرك يـــــــا بورتبيل
    ***
    فيك بسمة الطفل الوليد وفيك نشأة الجيل الجديد
    من عهد أجدادنا التليد أيام هناء وليالي عيـــــد
    الليل الليل أنا مــــــــــــــا بهوي غيرك يـــــــا بورتبيل
    gg.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
    محمد أحمد الكبيش مؤلف قصيد بورتبيل

    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-17-2016, 08:02 AM)
    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-17-2016, 08:03 AM)

                  

05-16-2016, 11:51 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: معتصم سليمان)

    Quote: تحية طيبة لك أخي الكريم

    والتحية الطيبة لأهلنا في بورتبيل كلهم

    سبحان الله جاورونا في رفاعة ناس أول ماعرفتهم أنهم من مدني
    سرعاااااان ماصححوا لي المعلومة أنهم من بورتبيل ومن يومها
    عرفت بورتبيل وانا صبي في بداية طاشرات العمر ..الناس ديل
    الان بالنسبة لينا أهل ماجيران وبس .

    في نهاية السبعينات جيت للدراسة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة
    إلتقيت بفخرالدين عبدالرحيم أبوسنينة وبابكر وعبدالرحيم اولاد
    العباس وعرفت أنهم من بورتبيل .

    شكراً لك ولطرحك الذي ربطني بواقع عشته ..شكراً لك


    عزيزي معتصم سليمان
    مشكور علي المرور فلك ولهؤلاء الأخوة الكرام أبناء عمنا النقابي الفريد عبد الرحيم أبوسنينة أحدي قيادي وأيقونات مشروع الجزيرة الخضراء في عهده الذهبي وخالص التحية و الود لأبناء خالاتهم أبناء عمنا العباس البخيت خالص التحية و التقدير

                  

05-17-2016, 07:20 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    تحياتي عمر مصطفى

    ***

    عند دخول العرب وتكوين دولة الفونج في مطلع القرن السادس عشر هجرتها قبيلة البرته حيث أستقرت في منطقة النيل الأزرق الحالية ، فقال الناس وهذه الرواية الثانية :
    " البرته زمان والبرته قبيل إلي أن صارت بورتبيل " وشخصياً أرجح هذه الرواية لأنها بورتبيل وردة في طبقات ود ضيف الله .

    ***

    كلما مرّ هذا الإسم كنت أتساءل عن مغزى الإسم.
    ولكن التحليل الذي رجّحْته أنت هو الأصوب والأقرب بشكل منطقي.

    واصل
    دمتم
                  

05-17-2016, 09:47 AM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: ابو جهينة)



    شكرا أخ عمر بتشريفي بصورة الاخ طارق محمد الحاج

    الذي لا يزال شاباً

    وله مني تحيـة وارفـة ودعوات صالحـة وأتمنى له طول سلامة وعافية ولأهله في بورتبيل

    كم كان هذا السودان جميلاً .. حتى الآن أخ عمر أعرف عن الأخ طارق حبـه للوطــن بعمـق تشربــه الصافي لحقيبـة الفــن وانتماءه الأصيـل لقريــة بورتبيـل ... كانت مخطوطة على دولاب ملابســه بالسكن الداخلي بالجامعـــة بخــط غايـة في الروعــة

    لم نكن نسأل عن القبيلة أو العشيرة أو الجهــة .. كل زميل تعرفــه القريــة أو المدينــة التي قــدم منهـــا

    يا لطيب ذلك الزمــن وحياك الغمام أخي طارق

    أحمد الشايقي
                  

05-26-2016, 01:47 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: أحمد الشايقي)

    Quote: شكرا أخ عمر بتشريفي بصورة الاخ طارق محمد الحاج

    الذي لا يزال شاباً

    وله مني تحيـة وارفـة ودعوات صالحـة وأتمنى له طول سلامة وعافية ولأهله في بورتبيل

    كم كان هذا السودان جميلاً .. حتى الآن أخ عمر أعرف عن الأخ طارق حبـه للوطــن بعمـق تشربــه الصافي لحقيبـة الفــن وانتماءه الأصيـل لقريــة بورتبيـل ... كانت مخطوطة على دولاب ملابســه بالسكن الداخلي بالجامعـــة بخــط غايـة في الروعــة

    لم نكن نسأل عن القبيلة أو العشيرة أو الجهــة .. كل زميل تعرفــه القريــة أو المدينــة التي قــدم منهـــا

    يا لطيب ذلك الزمــن وحياك الغمام أخي طارق

    أحمد الشايقي


    تسلم أخي العزيز أحمد الشايقي
    نعم لقد كانت الجزيرة مرتع للتسامح و الخصال الحميدة وهي كانت أحد أسباب أنصهار وقومية أبناء الوطن وكما قيل خير الأمور أوسطها وهم كذلك أهل علم وكرم لك و لهم التحية و التقدير...
    ولك خالص التحيات الزاكيات من الأخ طارق.
                  

05-17-2016, 10:17 AM

Abutalib Elgorashi

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: ابو جهينة)


    التحية لكل الاهل في بروتبيل
    فقد زاملناهم في مشروع الجزيرة وفي مدرسة حنتوب
    وعرفناهم بتواجدهم بأسواق مدني بمختلف المهن
    فقد كانوا نعم الاخوة ولهم منا خالص التحايا

    ود الباشمفتش سليمان القرشي
                  

05-17-2016, 01:34 PM

طه داوود
<aطه داوود
تاريخ التسجيل: 04-29-2010
مجموع المشاركات: 375

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Abutalib Elgorashi)

    التحية للأخ عمـر مصطفى على هذا التقديم الجميل عن هذه القرية الجميلة..

    سرد تفصيلي بلغة سلسة تجبر القارئ على مواصلة القراءة لآخر كلمة ثم البحث عن المزيد..

    وتحية خاصة لمؤلف كتاب بورتبيل / الاستاذ عبدالقادر محمد الحاج..

    وهو بهذه الخطوة يطرح مبادرة تحفيزية لكل أبناء قرى الجزيرة وغيرها للكتابة عن مجتمعاتهم المحلية التي تشهد تغيراً مستمراً يحتاج إلى رصد وتوثيق..

    ومشكلة التوثيق من أكبر المشاكل التي عاني منها السـودان على مر العصور.

    *لم أتشرف بزيارة قرية بورتبيل، ولكن من ضمن شهرة هذه القرية، حسب ما كنا نسمع منذ عقود، وجود إمرأة معالِجة يقصدها الناس من مختلف المناطق.. هل هذا صحيح؟

    التحيــة..
                  

05-17-2016, 01:57 PM

Osman Dongos
<aOsman Dongos
تاريخ التسجيل: 03-03-2012
مجموع المشاركات: 673

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: طه داوود)

    المكرمون/ عمر مصطفى و ضيوفك،
    السلام عليكم،يا عزيزي جزيت خيراً على هذا التوثيق و السياحة بنا في ربوع بورتبيل العريقة. التحية و الإجلال موصولان إلى الأستاذ عبد القادر محمد الحاج مؤلف كتاب بورتبيل التراث - الحاضر - و المستقبل، بارك الله في عمره و نفع بعلمه.
    أنا نشأت و قضيت جزء من عمري الغض في الجزيرة الخضراء حيث كان الوالد رحمه الله أحد العاملين في هيئة البحوث الزراعية. كنت أتسآءل دائماً عن إسم قرية بورتبيل، إسم يعطيك إنطباع بانه أجنبي لأنه يبدو غريباً وسط أسماء القرى و البلدات في الجزيرة حيث جُلَّها تحمل أسماء عربية مع بعض الإستثناءات مثل إسم كركوج.
    نحتاج إلى مثل هذه التواثيق و التأصيل عن مدننا و قرانا و تاريخنا عموماً. توثيق مجرد و مبني على حقائق، بدلاً عن تاريخ يوثق لبعض الحقائق و الأحداث و يغفل أُخر.
    لك كل الود و التقدير،
    عثمان دُنقس

    (عدل بواسطة Osman Dongos on 05-17-2016, 02:00 PM)

                  

05-17-2016, 03:50 PM

خالد حاكم
<aخالد حاكم
تاريخ التسجيل: 08-25-2007
مجموع المشاركات: 3434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Osman Dongos)

    االاخ عمر مصطفى
    التحية لك والتحية لاهل بورتبيل
    والتحية لبورتبيل التى انجبت امثال مولانا القاضى فوزى ( القاضى المقيم الاسبق لمحكمة سنار )
    يا ريت يا عمر تحكى للناس قصة مولانا فوزى مع هذا النظام الفاسد وشجاعته التى افقدته وظيفته عندما كان قاضيا مقيما لمحكمة سنار
    عشان الناس تعرف انو العدالة فعلا انتهت فى السودان مع امثال مولانا فوزى
                  

05-26-2016, 02:25 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Osman Dongos)

    Quote: المكرمون/ عمر مصطفى و ضيوفك،
    السلام عليكم،يا عزيزي جزيت خيراً على هذا التوثيق و السياحة بنا في ربوع بورتبيل العريقة. التحية و الإجلال موصولان إلى الأستاذ عبد القادر محمد الحاج مؤلف كتاب بورتبيل التراث - الحاضر - و المستقبل، بارك الله في عمره و نفع بعلمه.
    أنا نشأت و قضيت جزء من عمري الغض في الجزيرة الخضراء حيث كان الوالد رحمه الله أحد العاملين في هيئة البحوث الزراعية. كنت أتسآءل دائماً عن إسم قرية بورتبيل، إسم يعطيك إنطباع بانه أجنبي لأنه يبدو غريباً وسط أسماء القرى و البلدات في الجزيرة حيث جُلَّها تحمل أسماء عربية مع بعض الإستثناءات مثل إسم كركوج.
    نحتاج إلى مثل هذه التواثيق و التأصيل عن مدننا و قرانا و تاريخنا عموماً. توثيق مجرد و مبني على حقائق، بدلاً عن تاريخ يوثق لبعض الحقائق و الأحداث و يغفل أُخر.
    لك كل الود و التقدير،
    عثمان دُنقس


    الحبيب عثمان دُنقس
    لك خالص الشكر و الحب علي مروركم الجميل وخالص التحايا العطرات ، أنشاء الله تكون الإيضاحات عن إسم قرية بورتبيل قد فكت لك الشفرة التي كانت للكثيرين كشفرت دافنشي هههههه ، نعم نحتاج للتوثيق و الكتابة عن القري و الفرقان ومناطقنا لربط أواصر المحبة وربط الحاضر بالماضي و المستقبل وهنالك العديد من القري في السودان تحتاج لدراسات عميقة لمعرفة المدلولات التاريخية لنشأتها ...
    مع خالص الشكر و التقدير
                  

05-26-2016, 02:17 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: طه داوود)

    Quote: التحية للأخ عمـر مصطفى على هذا التقديم الجميل عن هذه القرية الجميلة..

    سرد تفصيلي بلغة سلسة تجبر القارئ على مواصلة القراءة لآخر كلمة ثم البحث عن المزيد..

    وتحية خاصة لمؤلف كتاب بورتبيل / الاستاذ عبدالقادر محمد الحاج..

    وهو بهذه الخطوة يطرح مبادرة تحفيزية لكل أبناء قرى الجزيرة وغيرها للكتابة عن مجتمعاتهم المحلية التي تشهد تغيراً مستمراً يحتاج إلى رصد وتوثيق..

    ومشكلة التوثيق من أكبر المشاكل التي عاني منها السـودان على مر العصور.

    *لم أتشرف بزيارة قرية بورتبيل، ولكن من ضمن شهرة هذه القرية، حسب ما كنا نسمع منذ عقود، وجود إمرأة معالِجة يقصدها الناس من مختلف المناطق.. هل هذا صحيح؟

    التحيــة..


    مشكور عزيزي طه داوود
    لك خالص التحية من العم عبد القادر محمد الحاج نعم هي بادرة طيبة وأعتقد هنالك العديد من الجهات التي حزت حزوه و علي ذلك يكونوا كسروا حاجز التوثيق الشفاهي الذي عانينا منه فعلاً تاريخ السوداني شفاهي وهنالك بعض طمس للحقائق وقد ساهم المؤرخون لتاريخ السودان في إخفاء بعض معالمه فاخفوا حقائق وضخموا أحداث ولعل من أجمل ما جاد به التوثيق هو كتاب الطبقات لود ضيف الله الذي زكر بعض الأساطير في قصصه وكتاب (حياتي) لبابكر بدري ومذكرات الزبير باشا رحمة...
    بخصوص المرأة التي تعالج هي الخالة بخيتة التي سوف أفرد لقصتها حيزاً فهي ظاهرة تحتاج للدراسة و التوثيق فهي إحدي معالم بورتبيل فهي تسمي ( بخيته الجنوبية) نسبة لللهجة التي تتحدث بها من لهجة أهنا في جنوب السودان وأيضاً تسمي (الكجورية) نسبة للكجور ، فهي يقصدها الجميع من خارج ودأخل السودان

                  

05-26-2016, 01:54 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Abutalib Elgorashi)

    Quote: التحية لكل الاهل في بروتبيل
    فقد زاملناهم في مشروع الجزيرة وفي مدرسة حنتوب
    وعرفناهم بتواجدهم بأسواق مدني بمختلف المهن
    فقد كانوا نعم الاخوة ولهم منا خالص التحايا

    ود الباشمفتش سليمان القرشي



    ولك خالص التحيا الأخ Abutalib Elgorashi
    نعم هنالك لفيف من أبناء بورتبيل درس بمدرسة حنتوب الثانوية و كانوا نعم السفراء لبورتبيل والقائمة تطول ، وأيضا هنالك العديد منهم من ينتشر في الأسواق المجاورة كسوق المناقل و سوق ودمدني و سوق الكريبة ( الأحد و الأربعاء) وسوق المدينة عرب ( السبت و الثلاثة) فلهم خالص التحية و التقدير.
                  

05-26-2016, 11:50 AM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: ابو جهينة)

    Quote: رحلة الى بورتبيل - الجزء الاول - بقلم عبد القادر محمد الحاج
    ‏11 مارس، 2010‏، الساعة ‏06:11 مساءً‏
    بورتبيل
    رحلة من جذور الماضي
    الى ملامح الحاضر وافاق
    المستقبل
    مقدمة: مدثر محمد وداعة الله

    دراسة توثيقية للطابع الاثني والعرقي والتداخل والتمازج بين السكان منذ عهود بعيدة وتقريب صور صلة القرابة الى اذهان الكثيرين وليس القصد بان يسوود اخرون ويتلاشى اخرون انما هي بعض من الحقائق التاريخية وبعض من الروايات التي احاط بها الكثيرين من الرعيل الاول ادراكهم ونقلوها كما هي لكي ننظر بعين الاعتبار الى ماهية هذه القرية النموذج وكيفية النشــأة والتطور .. قد نكون بهذا ننقل روايات منقوصة واخرى غير صحيحة واخرى لم يرد ذكرها عليه نتمنى من الجميع تنبيهنا الى اي نقص او تقصير وان كانت هذه الدراسة هي في مرحلتها الاولى ومحتاجة الى الكثير من التمحيح والتدقيق وعليه نضع بين يديكم هذا الجهد المتواضع الذي قام به عمنا الاستاذ / عبد القادر محمد الحاج .. وان كان من اكبر همومه ان ترى هذه الدراسة النور وقد كان عبر سنوات طويلة يجاهد بان يضع بين البورتبيليين هذا المجهود الذي اعتقد بانه يزيل الكثير من الامور العالقة والشائكة في الكثير من القضايا التي يجب ان تحل لصالح انسان بورتبيل من اجل حياة كريمة يسودها احترام الانسان لاخيه الانسان
    .
    مقدمة : عبد القادر محمد الحاج
    في يوم 19/11/1969م خرج والدي رحمه الله من مستشفي ود مدني. فاخذته معي الى تفتيش حمدنا الله حيث كنت اعمل مفتش غيط هناك, وذلك من اجل الراحة التامة والاستجمام كما وصى له الطبيب بذلك. استمرت فترة الاقامة لاسبوعين. وخلال اليومين الاولين انتهت كل المواضيع التي ناقشتها مع ابي مثل الحواشة والزراعة وما الى ذلك من المواضيع المحدودة. فنجم فراغا كبيراً لابد من ملئه باي وسيلة حتى لا يمل ويطالب بالرجوع الى بورتبيل حيث لا يوجد ما يملأ الفراغ مثلما يحدث اذا كان بين اهله وعشيرته.
    بعد مخاض وتفكير كثير عنت لى فكرة, فاحضرت كراسة وقلمة وبدأت اسجل منه كل الذين تربطنا معهم صلة قرابة او رحم من ناحية والدته ووالده عليهم رحمة الله وحتى لا يشعر بالملل فقد كنت اسجل بتاني شديد ثم اعطيه الفرصة للراحة وبعدها اوصل معه حتى اكمل ما انقطع حديث.
    بعد الانتهاء من هذه الجزئية واصلت معه من ناحية والدتنا رحمه الله من جهة والدها العامري ووالدتها الحضرية رحمهم الله جميعاً.وهكذا دواليك حتى حصلت على شجرة وارقة الظلال متعددة الفروع كثيفة الاوراق باثقة الطول بفضل الله وتوفيقه.
    وبعد ذلك ولجت الى القبليات. فبدأ لي بقبيلة العوامرة. وكان يحتفظ لها بورقة نسب في الخزنة مكتوبة باليد سلمني اياها وهي الان بحوزتي كمستند هام جداً. ثم ذكر لى كل القبائل التي تسكن بورتبيل. وسوف يرد ذكرها لاحقاً.
    ولجنا بعد ذلك لبداية التعليم بالخلاوي ثم فترة الشريفية وبعدها الارشاد النسوي وتعليم الكبار والمدارس وكل النهضات السابقة التي حظيت بها قريتنا الحبيبة من دور عبادة وغيرها.
    بعد فترة الاسبوعين التي مرت كما يمر كل جميل في الحياة , تجمعت لدي معلومات غزيرة وثرة فتحت شهيتي للمزيد من المعلومات, كما اوجدت عندي الرغبة الاكيدة وفجرت في روح البحث والتمحيص والتنقيب وجمع المزيد من المعولمات بكافة الطرق والوسائل ومن اهلنا الكبار لمطابقتها وتاكيدها من اكثر من مصدر حتى تكتمل جوانب هذه الدراسة التي وجدت فيها ضالتي المنشودة.
    بالفعل صرت اواصل كلما وجدت فرصة اجازة سنوية مع اهلنا الكبار منهم ومتوسطي العمر. حتى اوثق واوصل من وجهات نظر مختلفة من ناحية ومن الناحية الاخرى لكي اجمع اكبر قدر من التراث عن بورتبيل في ماضيها وحاضرها الذي عايشنا جزء منه ووضعنا مع اخوة لنا جزءً اخر لذا قمت بالاستمتاع بحضرة جلوس الى الكل من :
    1- المرحوم محمد فضل الله 2- المرحوم عبد الله محمد علي صالح 3- المرحوم الحسن النعيم 4- المرحوم البخيت الحسن 5- المرحوم محمد احمد عوض الكريم 6- المرحوم الصديق فضل الله 7- المرحوم محمد خير علي محمود 8- المرحوم النذير الخالدي 9- المرحوم محمد نور الله
    ومن النساء:
    1- المرحومة بخيتة محمد الخضر 2- عائشة دفع الله البشير 3- المرحومة فاطمة حاج احمد 4- المرحومة فاطمة عيسى
    ومن الاحياء 1- جدتنا الحرم حاج احمد 2- بتول الخالدي 3- فاطمة عمر الجنيد 4- حفصة عمر الجنيد
    وةفي نهاية المطاف تجمعت لدينا حصيلة زاخرة بكل شي عن بورتبيل في شتى المناحي شجعتني لكي اجملها وارتبها بمساعدة الاخوة عبد الله العباس البخيت وابراهيم حماد ومدثر محمد وداعة الله. كما تكف الاول بطباعتها ولكن نعتقد بان كثرة المشاغل تحول دون ذلك.
    وهذه المعلومات التي حوتها هذه الدارسة قد اجريت بعض البحوث عليها بواسطة كل من 1- تقوى الصديق العباس 2- تيسير محمد الحاج 3- مشاعر عباس ابراهيم غناوة وغيرهن ونالت درجات ممتازة بفضل الله وسجلن اسم بورتبيل في قاعات المكتبات ببعض الجامعات السودانية باحرف من نور.
    هذا الجهد المتواضع عزيزي القاري بين يديك فاذا اصبنا فمن عند الله واذا اخطأنا او قصرنا او سقط اسم سهواً او غابت معلومة فنلتمس الصفح والمغفرة ونرجو تنبيهنا الى اي خطا او تقصير حتى نقوم بتصحيحه
    عبد القادر محمد الحاج
    نبذة تاريخية
    يرجع تاريخ قرية بورتبيل الى عهد السلطنة الزرقاء (1505- 1821) حيث كان اهلنا الطيبون يعتمدون من بعد الله على الزراعة المطرية وفقا لعين الخريف التي سوف يرد ذكره لاحقاً ثم على الرعي والصيد والاحتطاب من الغابات التي كانت تحتويها المنطقة والتي كانت تسمى (بالبهوقي).
    استمر هذا النشاط الى قيام مشروع الجزيرة العملاق, وحيث تم تقطيع الاشجار , وسطحت الارض وشقت القنوات الكبيرة والصغيرة وتدفقت المياه من خزان سنار معلنة اكبر ثورة زراعية عرفتها القارة الافريقية منذ ذلك الزمان والى عهود قريبة وحملت معها احياء الارض اليباب منذ عام 1925م وكما هو معلوم ان طريقة الري المتبعة في مشروع الجزيرة هي ارخص طرق الري في العالم على الاطلاق . والحمد لله.
    انقلب النشاط الزراعي المطري الذي كان يعتمد بشكل كلي على محصول الذرة (الفتريتة) وشمل نطاق واسع من المحصولات مثل القطن - الذرة بعينات جديدة ومختلفة -المحصولات البوقلية بانواعها المختلفة - والمحصولات البوستانية. كل ذلك عبر المواسم الصيفية والشتوية. فصار كل موسم ينضح بما يجود به الله من رزق حلال طيب لا سيما ان الزراعة قمة الايمان حيث يرمي المزارع البزور ولا يعلم مصيرها وهو متوكل على الله.
    لذا كانت الاثنيات الاولى في بورتبيل متوكلة على الله في صياغة التفاصيل الحياتية اليومية.
    الموقع الجغرافي والاداري
    تقع قرية بورتبيل بين خطي طول (30 و35) وخطي عرض (12و 15) تقريباً وهي تبعد 23 كيلو متر غرب مدينة ودمدني عبر طريق الاسفلت الذي واصل الى مدينة المناقل . وهو يبعد منها 1.5 كيلو متر من نقطة ري الكيلو (12 بورتبيل) وهذه المسافة عملت فيها اللجنة الشعبية ردمية ترابية الان والامل معقود على الله وعلى الجهد الشعبي ومساهمة الولاية لعمل اسفلت لهذا الجزء.
    من الناحية الزراعية هي تتبع لتفتيش المدينة عرب نمر (15)التابع للقسم الوسط الذي يضم 10 تفاتيش بمشروع الجزيرة.
    من الناحية الادارية والسياسية وحسب التقسيم الجديد فهي تتبع لقطاع المدينة عرب التابع لمعتمدية جنوب الجزيرة ورئاستها بركات, وولاية الجزيرة الخريطة التالية توضح قرى المنطقة التي من ضمنها بورتبيل.


    اول من سكن.
    اول من قطن هذه البقعة هم قبيلة العوامرة ثم لحقت بهم بقية القبائل تباعاً بدون ترتيب نذكر منها: - الجعليين - المحس - الخوالدة - المغاربة - البطاحيين - اللحويين - الركابية- الهوارة - الحضور - البزع - الجعافرة - الحلاويين - الكواهلة - المسلمية - الشايقية
    كما نزح اليها بعض من قبائل الهوسة والفلاتة والبرنو وخليط من قبائل غرب السودان وتشاد وافريقيا الوسطى وشمال وشرق السودان.
    مما يجدر ذكره ان جهود هذه القبائل قد تضافرت جميعها في تناغم وانسجام تام من مكونة بذلك مجتمع تسووده روح الاحترام والحب والاخاء الصادق بعيداً عن النعرات والتعصب القبلي ونبذ الاحقاد الطبقية التي جاء يحاربها الاسلام منذ فجره الاولى في مكة المكرمة. والشاهد هنا ان بورتبيل قرية مؤحدة بالله وجميعها تعتنق الاسلام منذ نشأتها الاولى والحمد لله. لذا تجد اهل بورتبيل في الافراح والاتراح في مكان واحد بعيدا عن التعنصر والتعصب الاعمى .. فالى عهد قريب كان مسجدهم واحد الى ان اتساع الرقعة الجغرافية وبعد المسجد جعل هنا جهود بان يكون هنا مساجد اخرى في اطراف القرية. وهذا اكبر دليل على ان القرية تنبذ كل اشكال التعصب القبلي ومنذ عهود سابقة والحمد لله على هذا
                  

05-26-2016, 12:10 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    Quote: التمرد على سلطان الباطل هو عمل الأنبياء و المصلحين:
    بقلم الفقير إلى ربه / صبحي محمد بابكر بورتبيل
    فرنسا - باريس ‏28 أبريل‏ 2016، الساعة ‏03:02 صباحاً
    إذا ما طلعنا من ثنية لفلف فبشر رجالاً يكرهون إيابي
    وأخبرهم أن قد رجعت بغبطة أحدد أظافري وأصرف نابي
    وأنا ابن حرب لا تزال تهرني كلاب عدوي أو تهر كلابي
    لقد حباني الله نعمة يقصر عن إدراكها المتناول و تتراجع عنها سوابق الهمم. لا أبرر للعامة أو الخاصة من الناس دافع البوح عنها، كما لا يمنعني أحد عن كتمانها، لأن الجهر بها أو كتمانها هو محط فنائها و سر عدميتها و تلاشي معنى وجودها.
    لقد وهبني الله نعمة التمرد؛ تمرد على الواقع، تمرد على سلطان العادة و الرتابة، تمرد على الأغيار بل و تمرد حتى على ذاتي المفكرة و ذاتي الواعية و ذاتي اللاواعية و ليت شعري هل أذكر تمردي حتى على بركان شهوتي و دحر جيوش غريزتي و رغبتي و سري و جهري و فكري و وجدي.
    و لعل بذرة التمرد مغروسة في حامضي الوراثي (DNA) و متجذرة في نواة مغنطيس إرادتي، فهو بوصلتي التي أستدل بها في صحراء لات حين مناص.
    لا جرم أنني ورثتُ هذا التمرد عن جدي العظيم جداً المغفور له بإذن الله ( الحاج قسم الله أحمد قسم الله) المعروف نسباً و حسباً و المعروف لا يعرف لكننا نعرفه هنا من باب ارفع رأسك عالياً لأنك من سلالة رجل رفض تزويج أولاده لأهله بسبب تعاطيهم الخمر و قد اشتهر بورعه لدرجة أن قيل عن أسرته:
    (عرسهم مسيخ)، بسبب منع جدي تقديم الخمور في أعراسه و مناسباته و هي عادة الناس سابقاً. و قد سمعتُ رواية من عمي الشيخ (أحمد محمد مضوي)، مفادها أن جدي (الحاج قسم الله) و جدي (الحاج مضوي ود الجنيد) هما الرجلانِ الوحيدانِ في قريتنا اللذانِ يقيما الصلاة و يصليانِ في المسجد في زمن من محطات الجاهلية الكبرى من تاريخ قريتنا، كانت صلاة الجمعة لا تكتمل لقلة المصلين و كثرة الملتهين.
    لا جرم أنني قد ورثتُ أيضاً جذوة هذا التمرد عن جدي العظيم جداً الذي أفتخر بالإنتماء إليه و أعتز بالانشطار من سنا نوره الباسق، المرحوم بابكر ود الحاج قسم الله ود أحمد ود قسم الله ود حسب الله ود مضوي ود محمد ود حسب الله ود المؤذن.
    لا أبتغي بذكره إثبات عز أو تثبيت ملك و جاه، فليس كل جميل محجوب و ليس كل محجوب جميل، فبغرة الفرس غنى المغني و طرب السامع، بيد أن الحديث عنه يجرح حسن سيرته كما تجرح أنامل الأطفال رقة الفراشة و رونق لطافة شتلة الباباي.
    كان الشيخ بابكر ود قسم الله متمرداً من طراز فريد، يستر تمرده بسخريته و شخصيته الفكاهية الكوميدية اللطيفة و عدم إلتزامه بمنهج الجدية. لقد ذكر لي والدي المرحوم / محمد بابكر قسم الله أن جدي كان محبوباً لدى الإنجليز لكن تمرده عصمه من أن يستوطأ مهاد الخمول أو أن يألف مضاجع الامتهان و لم يدفعه طبعه المتمرد إلى العمالة أو الارتزاق.
    التمرد حرية في الرأي و تفرد في الشخصية و إبداع و إمتاع دفع جدي بابكر ود قسم الله لأن يبتكر زراعة البساتين و يتفرد تميزاً عن غيره في فلاحة الجنائن، فكان أول مزارعي المنطقة يزرع البصل و الطماطم و الخضروات بدلاً عن النمط الذي كان سائداً وقتذاك في زراعة المألوف من محاصيل الذرة و الفول السوداني.
    ورث أبي التمرد عن جدي، فعمل بالتجارة في القرية ثم فتح متجراً في المدينة عرب، ثم تاجر (بالمسمس) إذ كان يأتي به من مدينة الهلالية. و قد حكى لي رحمه الله أنه كان من أوائل أهل الجزيرة الذين باشروا الزراعة المطرية في منطقة القضارف. لكن الحظ لم يحالفه في هذه المهنة بسبب شُح الأمطار و الجفاف الذي ضرب هذه الناحية من شرق السودان في ذاك العام.
    في سنة 1953، هاجر والدي، رحمه الله إلى مدينة عروس الرمال (الأبيض) في تلك الناحية الوسطى من غرب السودان الحبيب حيث هجر العمل غير المجدي في الحواشات و استبدله بحرفة التجارة، تغرَّب ليناطح ذروة الشرف و ليبلغ الدرجات الرفيعة و المقامات المحمودة في هذه المهنة التي لم يكن العمل بها مسموحاً إلا لفئة الأذكياء الأزكياء.
    هاجر و هجر القرى إلى المدينة، و في الهجران تمرد، و لم يركن إلى أبي لهب أو أبي جهل و سافر إلى غرب السودان و صادق و ماثل و سابق أهل الهمم الرفيعة و أصحاب النفوس العزيزة، أضراب آل قوي و آل بدري و أهل العلم و آل الشرف و أصحاب الخلق و ذوي الحسب و النسب. أكل أحسن الأكل و لبس أجمل اللباس و سكن أرقى المدائن و صادق أشرف الناس و أحسن الناس و أجمل الناس و أفضل الناس و أكثر الناس تمرداً ...
    و لعل من أبرز ما أمرنا به الشرع الحنيف أن نبر والدينا في حياتهما و من بعد موتهما، فهأنذا أبر والدي بذكر محاسن أصدقائه و أطوف حول سيرتهم و أتبرك بسيرهم و بنهجهم. و يطيب لي المقام و يتعطر لي المقال هنا أن أذكر صديق والدي:
    جدنا الحاج علي محمود (والد الخير و الجاك و كلتوم)، رحمهم الله جميعاً:
    كان (الحاج علي محمود) علماً متمرداً اتسم بالصدق مع نفسه و بالصدق مع الخلق و الخالق، كان شريفاً في طبعه، راقياً في عيشه، مدنياً في سلوكه الظاهر و الباطن. غادر القرية و عمل بالتجارة في مدينة سنار (مكوار)، حيث سما إلى مرتبة الشهرة بذكائه و زكائه و حنكته و فطنته و خبرته و شجاعته و روحه الطيبة و أخلاقه السامية لا سيما حكمته.
    جمع مجلس (الحاج علي محمود) جدي بابكر و والدي محمد بابكر و أخي الأكبر عبد الله محمد بابكر، و عمنا (ود الغالي) في قرية ود الضو العركيين. كانوا جميعاً أصدقاء، و قد شكل التمرد نسيج صداقتهم و وحدة مودتهم و تراحمهم و تفننهم في الوفاء و الإخلاص لبعضهم البعض.
    أذكر من أصدقاء والدي، المتمرد الكبير عمه الشيخ عبد الرحيم ود حاج الصديق، رحمه الله، كان شخصاً مهيباً تكسوه هالة الجاه و هيبة الزعامة، و أكاد أجزم أن شخصيته قد فصِّلت للقيادة و الريادة و الشياخة و السلطة؛ كان يهابه الغريب و القريب، كنت أمثاله دوماً بأبي سفيان بن حرب و بعبد الملك بن مروان و بالوليد بن عبد الملك و أيضاً بصقر قريش، عبد الرحمن الداخل.
    أعتقد أن مشيخة القرية لم تأتِ للشيخ عبد الرحيم ود حاج الصديق فضلاً و زيادة بل طوعاً و كرهاً معاً؛ فقد اتسم هذا الرجل بكل مقدرات السلطة و الحكم و القيادة إذ كان رجلاً فطناً، وقوراً، ذكياً، شجاعاً، كريماً، ذَا هيبة و جاه أكان أجزم بأنه لم يمرض قط بالملاريا في حياته لأن البعوض يخاف أن يقترب من جسمه.
    كان العم المتمرد المرحوم (أحمد ود حسب الله) من أصدقاء والدي، رحمهم الله جميعاً:
    كان رجلاً شجاعاً ذَا هيبة و شدة تلوح على محياه سمات التمرد و العصيان ضد الرتابة و سلطان العادة، بل ضد القانون و السلطة. و يخيل لي أنه لم يخلق إلا للزعامة و القيادة و تطبيق القانون و تكسيره و تجاوزه لأنه شخص متمرد بفطرته و طبعه و سمته؛ كان يتقدم الصفوف عندما يتأخر الناس، همته همة الملوك و نفسه ترى المذلة كفراً، بموته فقدت القرية أسداً هصوراً أن طالما ساهر مدافعاً عنها في شتى ضروب الحياة السياسية و الإقتصادية و التعليمية و الصحية و المدنية و الزراعية.
    التمرد هو فعل الأحرار و ديدن المصلحين، فكل مصلح هو متمرد فلت من دائرة فلك الرتابة و العادة و تفرد بالدوران حول فلك الإبداع و الخلق و الابتكار.
    ألفت عيني التمرد منذ أن سطعت عليها أشعة الظهور و خلصت إلى نور البيان؛ وجدت أعلام التمرد حولي، فاهتديت بهديهم و رشادهم و تعرف عقلي على شفرات إرسالهم و (بلوتوث) إستقبالي، فاختلطت ملفات التمرد في طبعي و قولي و فعلي، و امتزجت كالماء بخمور الأندرينا مشعشعة في كأس سري و جهري و باطني و ظاهري و روحي و وجداني و عقلي و قلبي.
    هل أتاك حديث الناس عن أخي الأكبر الأستاذ الكبير عقلاً و منزلة (عبد الله محمد بابكر)، إذ ناداه صوت التمرد من جانب الوادي الأيسر من صدره، فكشف القناع بلا نفاق و أذَّن في الناس ركباناً و رجالاً و خرج من سترة الريب إلى صحن اليقين بفكره الثوري و نضاله العلمي و العالمي.
    و ما انفكت الأفواه تتمضمض بأقواله و مواقفه و أحاديثه و سيرته ضد الظلم و الطغيان إذ كان سليط اللسان، واضح البيان، لطيف الذوق، سريع البديهة، ذكي العقل و فوق ذلك كله، زكي القلب و الروح.
    التمرد هو الحرية، و الحرية هي الأخلاق و صاحب الأخلاق يجافي الناس أكثر من أن يخالطهم، فهو يغترب و لا يقترب، المتمرد يفر من الأماكن التي يرتادها عامة العوام من الناس لأنها أكثر الأماكن زحمة بالوساخة و تفاهة.
    التمرد هو التفرد و هو الخلوة و الجلوة، فالمتمرد يكون بين الناس و ليس مع الناس، لغته الصمت لأنه إذا تكلم أوجع و أفظع؛ جنته في السجن لأنه يستغرق و يغرق داخل نفسه و يسافر على الدوام في نفسه و إلى نفسه؛ ما أجمل السفر في النفس ! يقول في ذلك سيدي جلال الدين الرومي، قدس الله سره:
    ***
    سافر إن لم تكن لك جناحانِ تسافر بهما
    سافر في نفسك سافر إلى نفسك.
    ***
    المتمرد نقيض المنافق، فالأخير يلجأ إلى الناس لكي يظهر و يُبين، بينما المتمرد يفر من عامة الناس و يكر عليهم مكافحاً شرهم، لأن مقامه قهر الهون و الهوان و الظلم و الاستبداد.
    المتمرد لا أهل له و لا صاحب له، يفر عن الناس قبل أن يفر منه الناس؛ يعيش وحده و يموت وحده كأبي ذَر الغفاري، رضي الله عنه، بل لا قبر له كالشهيد المفكر محمود محمد طه. المتمرد #################### خرج عن قانون فرعون لكنه موسى عليه السلام الذي قدم من طور سينين، و هو عيسى عليه السلام الذي حكم عليه أحبار الظلم و الجبروت بالصلب و القتل، و هو محمد سيد الخلق عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم الذي أقسم بألا يتخلى عن دينه حتى لو وضع طغاة قريش الشمس عن يمينه و القمر عن يساره. المتمرد هو ابن تيمية الذي جنته في صدره، فلا سبيل لسلبها منه لأن نفيه سياحة و سجنه خلوته و قتله شهادة. المتمرد هو أبو عبد الله الحسين بن منصور الحلاج الذي أنشد قائلاً:
    ***
    أقتلوني يا ثقاتي
    إنّ في قتـْلي حياتــــي
    و مماتـي في حياتـي
    و حياتي في مماتـي
    أنّ عنـدي محْو ذاتـي
    من أجّل المكرمـات
    و بقائـي في صفاتـي
    من قبيح السّيّئــات
    سَئِمَتْ نفسـي حياتـي
    في الرسوم الباليـات
    فاقتلونـي واحرقونـي
    بعظامـي الفانيــات
    ثم مـرّوا برفاتـــي
    في القبور الدارسـات
    تجدوا سـرّ حبيبــي
    في طوايا الباقيــات
    ***
    أحببتُ أهل التصوف لتمردهم على شروحات العامة و لتفردهم في استنطاق النص و استبطان المضمون و استخراج المعنى من باطن السر كما يستخرج الماء من البئر. هم أهل الخاصة و أهل التفرد بإمتياز؛ متفردون في عيشتهم و عباداتهم و معاملاتهم و تفسيراتهم و تأويلاتهم و حبهم و شوقهم و زهدهم و قناعتهم و اقتناعهم، صدق شاعرنا السوداني محمد مفتاح الفيتوري حين قال فيهم:
    ****
    لن تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا
    لن تعرفنا ما لم نجذبك فتعرفنا
    وتكاشفنا
    أدنى ما فينا قد يعلونا يا قوت
    فكن الأدنى تكن الأعلى فينا
    * * *
    السادة الصوفية هم أهل الغرام و الحب و العشق بل هم أهل السر و أصحاب الإشارة، و لعمري صدق شيخنا الأكبر محي الدين بن عربي حينما قال:
    (الإشارات هي عبارات خفية و هي مذهب الصوفية).
    أشد الناس غفلة من ربَّع يديه و اكتفى بالقشور و لم يسبر أغوار النصوص بعقله و لم يدرك البعد الباطني للمعاني و استسلم للظاهر و ظن الأشياء هي الأشياء، يقول الشيخ الولي الصالح سليل أهل البيت (أحمد بن عجيبة الحسني التطواني المغربي)، قدس الله سره:
    (الإشارة أرق وأدق من العبارة ، و الرمز أدق من الإشارة ... فالعبارة توضح ، والإشارة تلوّح ، والرمز يفرّح ).
    عشقتُ مدرسة المعتزلة و توقفتُ كثيراً على كبار أساتذتها: واصل بن عطاء، و القاضي عبد الجبار، و إبراهيم النظام، و الجاحظ، و حبستُ أنفاسي تعجباً في تفردهم في المنطق و قوة حججهم و تميزهم في المناظرات و دقة استعمالهم للعقل و سعة باعهم في التفكير و وضوح بيانهم و بلاغتهم في اختيار العبارة، يقول الصوفي الجهبذ (محمد بن عبد الجبار النفري):
    (كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة).
    عاش المعتزلة عيشة المتمردين، إذ كانوا زاهدين عن موافقة سواد الناس و منفردين في شروحاتهم و مواقفهم لذا حرِّقت مؤلفاتهم و ماتوا في غياهب السجون و كفرهم أهل الدجل و النفاق و الرياء.
    أكاد أجزم أن أعظم تركة عرفتها البشرية، جاءتنا من عقول المتمردين، فهم أولوا العزم من الناس، لأن غايتهم ليس إرضاء الناس بل البحث عن الحق و السير في طريق الحقيقة.
    ما برحتُ أقف كثيراً في عظمة الفيلسوف الطبيب الفقيه الفلكي قاضي قرطبة ( أبو الوليد ابن رشد الحفيد الأندلسي)، الذي كفره أهل التطبيل و التصفيق للحكام لأنه لم يسائر سواد الناس و لم يركن لعوامهم في النظر و التفكير، حرِّقت كتب مؤلف كتاب:
    (فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال).
    أحمد الله أنني سجلت زيارة لقبره في مدينة مراكش في المغرب عام 2010، و ما زلت أتوقف على مقولته الشهيرة في الجمع بين المعقول و المنقول:
    (الحقيقة لا تتناقض مع الحقيقة و لا تخالفها).
    يمين الله هذه مقولة أعظم من كل خطبة قالها كل إمام مسجد كفَّر ابن رشد أو ساهم في حرق مؤلفاته.
    و هذا متمرد آخر جاءنا من الأندلس هو علي بن حزم الظاهري مؤلف كتاب طوق الحمامة و أكثر علماء الإسلام تأليفاً بعد محمد بن جرير الطبري، حرِّقت كتبه بسبب ضيق أفق معارضيه و تمرده على أهل اللا منطق المتعسف، و قد دوَّن هذه الحادثة شعراً فقال فيها:
    فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي
    يَسِيْرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي
    وَيَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي
    شكلت إقامتي في بلاد السند و متحف اللوڤر، شكلت برزخاً زمنياً و فاصلة حسية و معنوية قائمة غير ساهية تبين لي البون الشاسع بين حال السودان قبل الإنقاذ و واقع السودان بعد الإنقاذ، فكلما أسافر إلى السودان، أسافر في الماضي المقدس المنحوت على حجارة الذكرى الكريمة القابعة داخل متحف عقلي و محراب قلبي، بيد أني سرعان ما أصاب بالغثيان مجرد أن يصطدم خيالي بسبورة الواقع الهش، إذ أبصر شخبطات ملطخة بلوث البؤس و جيف التعاسة حيث تداعت الأشياء و تهاوت الأخلاق و انفرط عقد القيم، لم يعد المكان هو المكان و لم يعد الزمان هو ذاك الزمن النبيل؛ تغير كل شيء و تبخر و تبعر حيث أمسى التعبير تفكير و التأخير تدبير.
    وجدت الناس تسرق كل شيء حتى القسم على كتاب الله العظيم؛ اللصوص أئمة و التيوس شيوخاً و الفسقة رجال أمن، و أرباب الجهالة أساتذة في الجامعات و مراكز البحوث. علماء لا يقدرون على ربط تاء التأنيث و لا التمييز بين القاف و الغين و لا (إذ) من (واظ)، أباحوا سرقة الشهادة بدون نقطتين و علقوا دليل جهلهم على اسم الله العظيم و كتبوه بنقطتين.
    استجلبوا و استوردوا من صحراء الربع الخالي من التفكير منهجاً للتدبير، يبيحون سفك دم المؤمن في الجمعة الأخيرة من رمضان و يكفرون زيارة القبور و حلق اللحى و لا يسمحون بالدعاء و الصلاة على الرسول.
    ترك الشباب المدارس و هجروا دور التعليم و حلقات الذكر و التلاوة و المكتبات و تحلقوا خلف المساجد، يحفظون آية من هنا و حديثاً من هناك ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله، يكفرون حيناً الشيخ الورع (عبد الرحيم البرعي)، و حيناً يشتمون المؤمنين و يطعنونهم و يعلنونهم و يقتلونهم، إلتفوا و اختلفوا و احتشدوا و قالوا للناس إنهم علماء.
    سيقول السفهاء إنهم علماء أو خطباء و هم لا يميزون بين ذكر العام و المطلق قبل الخاص، و المقيد و حمله عليه، و لا يعرفون الفرق بين الناسخ و المنسوخ في القرآن و في الحديث، و لا يدركون الفرق بيت الحقيقة و المجاز، و لا ينتبهون لظروف المعنى و توثيق النص، و يتخبطون بين استعمال التقية و التدرج و الدلالة التصويرية و الدلالة الاستعمالية و الدلالة الجدية.
    سرقوا كل شيء حتى نور المساجد و ورق المصاحف و ميكرفون المآذن و خطبة الجمعة و فطور رمضان و الدعاء بعد الصلوات و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
    كانت المساجد بيوتاً لله، لا يقصدها أهل الطرب و الهرج و الرقص حياءً و خوفاً من الله، لكن الإنقاذ دنستها و أباحتها دوراً للسياسة و أندية للقاء و الجدال و الدجل و الفتن و الوسوسة في صدور الناس حيث غابت آيات الله و الصلاة على رسول الله من خطب الجمعة و الأعياد و بات الأئمة عيوناً و ببغاواتٍ للسلطة و بُوَقاً للسلاطين إذ تُغدق عليهم رؤوس الأموال السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية. فكل باحث عن الجاه أصبح إماماً و كل باحث عن المال أضحى إماماً و كل فاقد لمكانة اجتماعية أو علمية أو حسية أو معنوية أمسى إماماً.
    اغتصبوا المسجد و سرقوا الإمامة و نهبوا الأذان و يسعون لسرقة سمعنا و بصرنا و عقلنا و بصيرتنا ! كلا ثم كلا، لن تقبل ذاكرتنا محو صوت (عبد الله ود عامر)، و (الصديق ود عمر) و (الصديق ود علي ود الني)، هذه الأصوات الملائكية التي سمعناها في الطفولة، و القرآن الذي تعهدنا حفصه في الطفولة و الأئمة الذين صلينا خلفهم في الطفولة و سمعنا خطبهم في الجمعة و الأعياد.
    رحم الله مولانا الشيخ الورع (محمد فضل الله)، ما برحت أسمع بحة صوته المدوزن في آذاني؛ ما زلت أسمعه يقح بصوته الذي شاب في الخشوع و الركوع و الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و الاستعداد ليوم الرحيل.
    رحم الله و الدي محمد بابكر قسم الله و رحم الله أجدادي و أصدقاء والدي .
    رحم الله يا سادتي السودان و رحم الله الإسلام و المسلمين !
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

                  

05-26-2016, 12:10 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    Quote: شخصيات عظيمة من قرية بورتبيل
    حبوبتي الكنداكة / التومة بنت جابر
    سليلة الملكة النوبية الكنداكة (أماني ريناس) - Candace و بنتها الكنداكة أماني (الله أدانا بنت العصام)، طيب الله قبريهما. (١) (٢).
    بقلم الفقير إلى ربه / صبحي محمد بابكر بورتبيل
    أتيتُ بكل أسف متأخراً لأحتفل بشخصية احتفى بها التاريخُ و صفق لها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام و نيف، هي حفيدة الملكة الكنداكة (أماني ريناس) و (أماني شاخيتي) و (أماني تاري)، هي بنت النيل و بنت مملكة مروي و حضارة كرمة و نبتة و البجراوية و المقرة و علوة و بنت كوش بن حام بن نوح، هي الكنداكة أماني (التومة بنت جابر)، و الكنداكة في اللغة الكوشية تعني المرأة القوية.
    المتتبع لتوثيقي المتواضع يجد أني
    أتحاشى أي محاولة تنحو منحى إثنياً أو طائفياً لتفسير التاريخ، لأنها تخرج المؤرخ من دائرة التحليل الموضوعي إلى حيّز التبرير الأيديولوجي الذي سرعان ما تلتف حوله شجيرات اللعوت و الكتر و الضريسة و الحسكنيت و هي البيئة الخصبة لتكاثر عفاريت العنصرية و أفاعي القبلية. بيد أني لا أسلط الأضواء حول القبيلة إلا من منظور أنثربولوجي يضعها حصرياً في دائرة العلم كمجموعة بشرية عاشت أو تعيش في رقعة جغرافية، تتميز بخصال واحدة و سلم موسيقي واحد، تختلف عن محيطها و تتفرد دون سواها بصفات معينة، كقبيلة الهوسا أو العركيين أو الشايقية أو قبائل البجا، و هذه المعايير الموضوعية قل أن نجدها في قرى الجزيرة و ذلك لاختلاط الأجناس و تمازج الأعراق. فنعيش اليوم في قرية امتزج أهلها، و لا توجد اليوم ميزة واحدة تضع حاجزاً تعريفياً بين فرد و أخيه في قرية هجين مثل بورتبيل، و لعمري هذا هو التطور بعينه الذي انتشل سكان قريتنا من براثن و أغلال القبيلة إلى رحاب التمازج و الانصهار في منظومة أرقى سلوكاً و أسمى ذوقاً.
    لكن واقع بلادنا التي اعتلى دست الحكم فيها ذووا الأفق الفكري المتدني من مثقفي أطراف السودان الذين لا يحسون برعشتهم الكبرى في اللذة إلا باجترار ثقافة القبيلة و نشر هذه الثقافة و بسطها في ربوع البلاد عبر الأجهزة الإعلامية التي أمست حكراً لهم، فهم يتغنون بالقبيلة شعاراً لهم بغية السيطرة على غيرهم و استئصال من هم من أصل غير أصلهم، لأنهم لم يتربعوا في مناصبهم السيادية إلا بسبب انتمائهم للعشيرة أو القبيلة، لذلك هم يرونها محمدة لهم بل قيمة تتجاوز قيم العقيدة و الولاء للوطن.
    أسفنا كبير على ما آل إليه الوضع حالياً في قرية مثل بورتبيل نجت بأعجوبة التاريخ من حيّز القبيلة الضيق و اعتنقت دين المدنية بعد هجرة استغرقت أكثر من ثلاثة قرون من الزمان، نرى أصابتها حمى الوادي الثقافي المتصدع، و هاهي باتت تلقي السمعَ لأسماء نكرة تشحن عقولها بخرافات و أفكار ضارة لا تورث إلا الشحناء و تمحو ذاكرتهم الجماعية.
    سادتي، يضع قلمي اليوم نياشين في صدر حبوبتي الكنداكة أماني الحبوبة (التومة بنت جابر) و خليفتها بنتها الكنداكة أماني العمة (الله أدانا بنت العصام) رحمهما الله و أحسن إليهما، ليتم تعميدهما كقديستين من رموز حضارتنا النوبية التي وضعناها- منذ سقوط سوبا عاصمة مملكة (علوة) العظيمة في 1504م - وضعناها في خانة العشق الممنوع و منزلة الكفر الصريح، و صحراء الربع الخالي من القيم و الشرف و ألبسناها لباس الحرام و جُبّة الممنوع من الصرف.
    ننتمي جميعاً في السودان لحضارة تمثل مع صنوتها الحضارة الفرعونية بنت مصر بن حام بن نوح في شمال وادي النيل، تمثلا ظاهرة لا مثيل لها في التاريخ، و هي الحضارة النوبية بنت كوش بن حام بن نوح في جنوب وادي النيل أعني في سوداننا الحبيب. و إننا إذ نحتفل اليوم بتعميد الكنداكة أماني الحبوبة العظيمة ( التومة بنت جابر) و خليفتها بنتها الكنداكة أماني العمة العظيمة (الله أدانا بنت العصام) في سجل عظماء بورتبيل، نتقدم خطوة للأمام صوب محراب جمال المعرفة، و يطيب لي أن استشهد هنا بمقولة مشهورة للفيلسوف اليوناني الكبير سقراط التي تقول:
    (اعرف نفسك بنفسك).
    نعم، يجب على كل شخص منا أن يعرف هُويته، أعني هويتنا السودانية بغية أن نتصالح مع أنفسنا، مع تاريخنا الذي لا يبدأ (بالطيب ود ضحوية) و لا بعبد الله جماع، بل يبدأ (بإنسان سنجة) قبل أكثر من 130 مليون سنة، ببداية تواجد الإنسان في أفريقيا، و حقاً لنا أن نفتخر بحضارة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف عام، شيدت أكثر عدداً من إهرامات في العالم (243 هرماً)، حضارة ترقد في جيناتنا، تمنحنا العزة و الشموخ و الكبرياء و نمنحها و تنظر لنا بعيون الحبوبات و لذة الحلويات، لكننا نمنحها العار و الكفر و الشؤم و النخاسة و السخرة و ننظر لها بعيون عبد الله بن أبي السرح و اتفاقية البقط (pact)، لتلك أبكي و لا أبكي لمنزلة كانت تحل بها هندٌ و أسماءُ.
    سادتي هويتنا ليست فقط العروبة و الإسلام، بل هويتنا هي وجود الإنسان، وجود أقدم حضارات عرفها الإنسان، أعجب كيف نحاول عبثاً التصفيق بيدٍ واحدة و نحن أمة حباها الله يدينِ ! نحن أحفاد (كاشتا)، و (بعنخي)، و (طهارقه) ملوك (الأسرة الخامسة و العشرين) من الكوشيين الذين حكموا مصر و تخوم بلاد الشام.
    تلك إشارة و لعمري الإشارة أبلغ و أدق و ألطف من العبارة، إشارة للأجيالنا القادمة بأننا أمة عظيمة كُتب تاريخها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، و يسعى أصحاب الأفق المتدني من المعرفة أن يبتدروا تأريخنا من رعاة الضأن و الأغنام من بعض أجدادنا. نلمس تشويشاً مقصوداً من بعض العقول الخربة التي استيقظت متأخراً لكتابة تاريخنا لأنها لا تبحث عن التحقيق الأكاديمي بل تسعى لإقامة مشروع سياسي يروم الاستحواذ على المجتمع و تسعى لإقامة صروح الأنا المتعطشة لهل من مزيد من العجرفة و التعالي الأجوف و النوم السرمدي على مسندة الجهل و الضلال.
    و إني أرى أن اسم (بورتبيل) كلمة من أصل نوبي قح، لا علاقة لها بالعروبة، ورثناه من أجدادنا النوبة مثلما ورثنا منهم (الرحط) و (الجرتق) و (الخمرة) و (الآبري) و (جريد النخيل) و (حفرة الدخان و أعواد الطلح) و (الكجور) و (صليب الذهب) الذي تحول لهلال بعد اعتناقه الإسلام، كما ورثنا منهم السحنة الداكنة و المقاطع الأفريقية البينة.
    لست من أهل الغلو و دعاة التعصب الذين يرفسون دماءهم و ثقافاتهم العربية، و بالمقابل لست من أهل التدليس و أرباب الحيل و التشويش الذين يتنكرون لأصولهم الكوشية و عاداتهم و تقاليدهم و إرثهم النوبي العظيم، فأنا ابن بورتبيل القرية النوبية التي تُكتب اليوم بحروف عربية، و ضاع معناها في ليل شتاء النسيان السرمدي و مُسحت دلالتها (ببشاورة) النسيان الممنهج بعدما مسحت كثيراً من معالم مدينة سوبا.
    سادتي، خربت عجوبة سوبا، فماتت سوبا لكن عجوبة مازالت حية لم تمت، ما برحت تشعل الفتن فنجدها تسكن تارة في (اللغير) و طوراً تطلب نجدة توليد نساء الجن من حبوبتي الداية الحكيمة (التاية بنت محمد ود قسم الله) و بنتها (الحرم بنت قسم الله بنت أحمد ود قسم الله)، و نراها تحتسي القهوة في شوارع بورتبيل و أزقتها المسكونة، تعترض أحبابها من بني آدم، فنسمع شخصاً يجزم بأنها حسناء و آخر يقسم بأنها بعاتي.
    و يهمس بعضٌ منا بأنها تشاجرت مع (عمر مصطفى) في الفيس بوك، و سمعتُها توسوس في الناس بأنّ (صبحي) لم يتسلق في فروع شجرة (حاجة آمنة بنت الحرم ود قسم الله) و قضى جل حياته في حي قبة مدني السني.
    عجوبة حيّة تسعى لتمسح من سبورة تاريخنا و بهاء ماضي بورتبيل و إرثه التليد و تشوه بل تغيب حاضر وعيه في غيابات الجب، و جاءت سيارة من الأعراب، فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه، قال يا بشرى هذا غلامٌ و أسروه بضاعة، و شروه بثمن بخسٍ دراهم معدودة و كانوا فيه من الزاهدين. تعرض تاريخ بورتبيل أسوة بتاريخ أماكن كثيرة من ربوع سوداننا الحبيب لأكبر عمليات سطو و محاولات تزوير عرفها التاريخ. حرقت مدنٌ و دمرت آثار و معالم مشرقة من هذا التاريخ العتيق.
    ضاع معنى كلمة بورتبيل و شُوِّه معنى كلمة (الكار توم) و خُربت سوبا، لكن أسوأ من ذلك كله، اجبر كثير من الكوشيين على الفرار، و اختلط منهم آخرون و امتزجوا عرباً و نوبة، من هذا الهجين الذي يشكل اليوم قبائل وسط السودان الكبير الذي يبدأ من ديار الشايقية شمالاً و حتى مناطق الإلتماس عند مناطق النيل الأزرق، بالأحرى انحدرتُ أنا منهم كاتب هذا المقال، بينما تقهقر كثير من النوبيين صوب أدغال أفريقيا و تشتتوا جنوباً في المناطق المدارية، فقد وجدتُ في دولة ال (Gabon) إبّان فترة عملي مترجماً في السفارة السعودية في ليبرفيل سنة ٢٠٠٤ - ٢٠٠٥م، وجدتُ أكثر القبائل المتعلمة في هذه الدولة المطلة على المحيط الأطلسي أو بحر الظلمات، التي يمر بها خط الاستواء، تسمى (Fang)، تقول بأنها قبيلة نيلية أتت من السودان و مصر.
    و انزوت فروع من القبائل النوبية في الجبال و الغابات، ظلت تعيش بتوجس من بطش الثقافة العربية ذات النزعة الجامحة التي فلتت في كثير من الأوقات من كبح تعاليم الدين الإسلامي لها، عاشت حياة شبيهة بحياة الجانجويد اليوم، لا سيما في المناطق الرعوية، و كان كثير من القبائل يغير بعضها على بعض، تستولى القبائل المنتصرة في الحرب على القبائل المنهزمة، كان هذه الفترة صفحة سوداء في تاريخ الإنسان منذ أمدٍ بعيد، عرفتها كل الحضارات و كل الديانات في كافة أنحاء العالم. كانت القبيلة آنذاك منظومة اجتماعية لها قيمتها و دورها في الدفاع عن عناصرها و حماية أفرادها من الضياع، لذلك سعى بعضها تمييز عناصرها بالوشم و الشلوخ للمحافظة على وجودها.
    حبوبتي الكنداكة / التومة بنت جابر
    سليلة الملكة النوبية الكنداكة (أماني ريناس) - Candace و بنتها الكنداكة أماني (الله أدانا بنت العصام)، طيب الله قبريهما (٢).
    وسط هذا الجو المعكر، تزاحمت ثقافات، و تمازجت أخرى، غابت حقائق و غرقت للأبد في لجة بحر الزمن، و طفت على سطح واقعنا حقائق بديلة، المهم نحن لسنا مسؤولين عن دُجون ذاك الماضي، لكننا ملزمون بمعرفته بغية تفادي أخطائه و ما أكثرها، و تبقى حقيقة واحدة لم يعفُ رسمها ألا و هي كلكم لآدم و آدم من تراب. من هذا المنظور، يلزمنا عقلنة ما نقول و نفعل، لأن قيمة التاريخ ليس لمتعة السرد، بل لتصحيح أخطاء الماضي، و تنقية واقعنا الذي يتسم بتشعبات سياسية و ثقافية و اجتماعية معقدة أتت حين غفلة و ليس بترتيب مسبق. هنا يحتم علينا ضميرنا الإنساني مراجعتها و تصحيحها إن لم يكن باليد و اللسان، فتلزمنا مراجعتها بالقلب و هذا أضعف الإيمان بالله و الإنسان و الوطن.
    رأيتُ حبوبتي الكنداكة (التومة بنت جابر) رحمها الله و غفر لها، حباً في عيون أبي، يحدثنا عنها تماماً كما يحدثنا عن أمه، و لا أنتحل العاطفة حينما أكتب عنها، بل أكتب عن والدة ثانية لأبي، كنت أمر تارة ببيتها في طريقي للمدرسة، فأراها ترشفني ببصر الحبوبات و تنظر إليَ بعيون الأمهات، تكاد تحلق روحها الثريا حين تراني أو ترى أحداً من أخواني، لا سيما حينما يزورها أخي الأكبر العلامة عبد الله، فهي امرأة عظيمة تماماً مثلما قال عنها أبي، و عهدي بأبي رجل يقول الحق و يعرف عظمة الناس، كانت امرأة شجاعة، جريئة، واثقة فيما تقول و تفعل، كانت أمة من الناس و تقرأ في عيونها أخابير الماضي و عذابات و آلام حضارتنا النوبية التي طمرت آثارها في لجج الغفلة الممنهجة و دفنت معالمها في رمال التناسي المقصود.
    لا ينتابني أدنى شك بأن بلادنا لن تستيقظ إن لم تتصالح مع موروثاتها و ثقافاتها الغائبة عن الوعي في حاضرها، أعني أن نصحح التمثيلية الزائفة التي جعلت الفرد منا يتكلم بلغة واحدة مع قدرته على التحدث بأكثر من واحدة. حبوبتي التومة هي دماؤنا الكوشية الغائبة في حاضرنا، هي الفاعل القريب الذي حل محله نائب الفاعل الغريب.
    ورثت الكنداكة أماني العمة (الله أدنا بنت العصام ) كثيراً من أخلاق حبوبتي (التومة بنت جابر) غفر الله لهما و أحسن إليهما، ما برحت حاضرة في حياتنا حضور الحبيب القريب الذي لا يعاتب و يسامح عن الهفوات و يغفر الزلات. و هنا استحضر أبيات شعر لابن الرومي تقول:
    (إني لأُغْضي عن الزلاَّتِ أثبتُها
    ذكراً إذا كانَ بعضُ القول نسيانا
    أمضَّ ما كنتُ من أقذاءِ مَعْتَبة ٍ
    أغضَّ ما كنتُ للإخوان أجفانا
    أُغضي الجفونَ عن السُّوءَى مراقبة ً
    لما يكونُ من الحُسنى وما كانا
    أجزي الأخلاَّء صفحاً عن إساءتهم
    إذا أساءوا وبالإحسان إحسانا
    أذكِّرُ النَّفس مَثْنى من محاسنهم
    إذا ذكرت ذنوب القوم أَحدانا
    وليس ذاك لآبائي ومجدِهُم
    لكن لأنِّي اتخذتُ العدلَ مِيزانا.
    أكاد أجزم أن حبوبتي التومة بنت جابر و كل أولادها و بناتها و أحفادها خلقوا من طينة ملوك مروي و نبتا و كرمة و المقرة و علوة حيث تتجلى فيهم صفات الملوك و طبع مكوك النيل، كلهم جميعاً دون استثناء لا سيما العمة الله أدانا، و العم عبد الرزاق و العم الجاك و العم جمعة و العمة بخيتة، غفر الله لهم جميعاً و رحمهم أمواتاً و أحياءً.
    تعرفت على عمتي الله أدانا بنت العصام، طيب الله ثراها، منذ استقرار أهلي في القرية، كنت أراها تلبس ثوب الحداد في أتراحنا و ترقص و تزغرد في أفراحنا و تتفقد مرضى بيتنا، يمين الله لا أذكرها اليوم إلا كما أذكر شقيقة لأبي و أمي. و هأنذا أفتقدها اليوم و أبكي فراقها بقلب مئق لا يملك سوابق عبرته، يتوجد و يتضور رحيل امرأة جميلة حنينة كريمة أصيلة نبيلة عزّ علي فراقها.
    سادتي، عاشت عمتي الكنداكة أماني ( الله أدانا بنت العصام) حياة بسيطة لا يستشفها إلا أهل البساطة و لا يدرك عظمتها إلا الذين يقفون على التفاصيل الدقيقة، و لعمري لا قيمة للتحليل و التقييم إلا في الجزئيات التي تنزلق و تتفلت من برج المراقبة و يكمن فيها صدق المرء و تتجلى عندها ماهية حدود حريته. فالأنقياء هم أحرار في تصرفاتهم، يستوي عندهم السر و العلن، لأنهم لا يفعلون إلا الخير.
    قفا نبكي رحيلها و نستدعى وقفتها أمام إنسان عيني؛ تخرج (جزلانها) و تقدم لي مصاريف الدراسة في زمن قاسٍ من أيام دراستي في حنتوب الثانوية، قدمت لي كثيراً من المعروف باسم الله و الحب دون أن تتبع في صنيعها منّاً و لا أَذًى، رحلت قبل أن أقدم لها شيئاً غير نية تضمرها ضلوعي دون أن تعلم هي منها شيئاً.
    رحم الله حبوبتي التومة بنت جابر و عمتي الله أدانا بنت العصام و غفر لهنّ ذنوبهنّ و غفر لنا و لجميع موتانا، و إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون.
    ابنكما صبحي ..
    sudansudansudansudansudansudan85.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-26-2016, 12:15 PM)

                  

05-26-2016, 12:11 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    Quote: شخصيات عظيمة من قرية بورتبيل
    (في حضرة مولانا، العارف بالله، سيدنا الإمام / محمد فضل الله حمد أحمد (١) (٢).
    بقلم الفقير إلى ربه / صبحي محمد بابكر بورتبيل
    الراحل المقيم فينا العالم النحرير، الإمام جدي الشيخ الورع / مولانا محمد فضل الله حمد أحمد ، من الشخصيات التي ما برحت تطرح أسئلة في حياتي و حياة كثير من الناس، غيبه الموت أو لم يغيبه، ترك هذا الرجل إرثاً من القيم الإنسانية النبيلة التي لا تقدر بثمن، رجل تصالح مع ذاته قبل أن يتصالح مع الناس، و عاش بفضل هذه الثمرة الناضجة سلاماً مع الخلق و الخالق. عشق كتاب الله و وعلوم اللغة العربية و الفقه الإسلامي منذ نعومة أظافره، شغفها حباً، فبادلته العلوم عشقاً و حباً و شغفاً.
    لا مراء في أني لست مؤهلاً و لا أدعي أني أمتلك القدرة على أن أزيح ستار الضباب الكثيف الذي يغطي الذاكرة الجماعية لبورتبيل حين استدعائها سيرة عالم في مقام مولانا و سيدنا الشيخ محمد فضل الله حمد، قدس الله سره، فثمة سنوات ضوئية لا تحصى و لا تعد تفصل بين وجودنا في الثرى و مقامه في الثريا. إنها محاولة غريق في بحر الزمن السرمدي يتشبث بحبال الهواء الأبدي، تتأرجح عندي أمواج من المسوغات و تقف أمامي بكثافة و تتزاحم، أصابت ذهني بالذهول و شتت كل بوارق أمل في الحضور. صور عديدة و إقاعات تنوخ في وجداني و أخرى تتبخر صوب حدسي، و ألوان تنسدل و أخرى تتداعى و تتبدد.
    تعلمت من سادتي السمانية، و هو بالطبع ديدن كل أهل التصوف عموماً، أنّ زيارة الأولياء و العلماء تتطلب أن يكون الزائر طاهراً و على وضوء، و أن ينوي الزيارة بقلبه قبل الشروع فيها، و أن يتأدب و يتحلى بالتواضع و الخشية و الانكسار لله، لأنه داخل لحضرة الله، يقول سيدي العارف بالله الشيخ قريب الله نفعنا الله ببركته:
    اضرب عن الناس و ادخل حضرة اللهِ
    و الله و الله لن تلقَ سوى اللهِ
    لذا ينبغي عليَّ أن أتأدب، فهأنذا أحج إلى ذكراك سيدي، بعدما اغتسلت روحي بنور الجمعة و ارتدى عقلي إحرام الخشوع، حاسر الرأس هيبة من مقامك، مستشف من كل شيء جمالاً و من حضورك
    ألف معنى و معنى بحساب نجمك الذي هيهات أن ترصده عينا روحي هيهات !
    مددٌ مددٌ مددٌ يا رجال الله مدد !
    بِسْم الله مجراها و مرساها، يا قلبي اخلع النعل و اخفضِ الطرف و اخشع و لحضرته أقول : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته!
    أتيتك يا سيدي ، ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس.
    يقول سادتنا أهل التصوف:
    (بداية المعرفة هي أن تدري بأنك لا تدري) !
    و إني أجزم بأني لا أدري كيف أكتب عن ذكرى رجل عجزت عن رصد فضائله روزنامة الأيام و ألسن المادحين !؟
    أخرج الدارمي في السنن وابن عبد البر في العلم وأحمد في الزهد عن الحسن البصري قال
    كانوا يقولون موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار
    وقيل موت عالم هو موت أمة بحالها.
    و قال الكاتب الفرانكوفوني الموسوعي المالي الشهير ، الشيخ أحمدادو همباتيبا:
    ( أذا مات شيخ في أفريقيا، احترقت مكتبة بأكملها).
    حدثني والدي، طيب الله ثراه و أحسن إليه، حديثاً مستفيضاً عن مولانا محمد فضل الله: عن قرابته معه، عن أصوله و حسبه و نسبه، عن ذكائه الحاد، عن علمه و ورعه، عن سبب قدومه من مدني إلى بورتبيل و عن زواجه الأول في مدني ثم زواجه الأخير و استقراره في بورتبيل و لعلي ما برحت أذكر ما قاله لي أبي من أحاديث و أعيها كما أعي فاتحة الكتاب و استحضر اسمي.
    ذكر لي والدي بأن مولانا - أو كما يناديه دوماً خالي - محمد فضل الله حمد أحمد (العامري) من جهة أبيه و (البطحاني) من جهة أمه، كان زميلاً في الخلوة لشقيق والدة أبي محمد بابكر قسم الله، (جدي عبد الله الفكي أحمد عبد الرحمن السعادة، والد عمتي المرحومة ثريا، عطر الله ثراها (أم أولاد عباس الطيب) حفظهم و حفظه الله.
    ذكر والدي نقلاً عن خاله ( جدي عبد الله ود الفكي أحمد) أن مولانا محمد فضل الله كان يسمع الدرس من شيخه و يخرج ليلعب و يركض مع الأطفال، ليأتِ في صبيحة الغد مسمعاً الدرس، لوحده دون سواه، بذاكرة تصويرية حادة أقوى من ذاكرة الفيل.
    و لعلي سقت هذا المثال آنف الذكر لأَنِّي أعتبره نصاً يشرح و يفسر ذكاء هذا العالم الضليع الذي ولد على ما يبدو سنة ثماني و تسعمائة و ألف في بيت علم و بركة و زهد، والده فضل الله حمد أحمد الذي يعود نسبه إلى قبيلة العوامرة.
    و والدته البطحانية حليمة بنت زهراء بنت عدلان ود حمد.
    و زهراء هي شقيقة لآمنة بنت عدلان (والدة عمي الصديق علي الني)،
    و عدلان ود حمد البطحاني هذا هو شقيق (لجدتي طيبة بنت حمد)،
    و طيبة هذه أم (فاطمة) التي أنجبت والدي محمد بابكر قسم الله، كما أنجبت (زينب) أم (نفيسة) أم (نادر عباس غناوة) و (عبد الله ود الفكي أحمد) الذي ذكرته آنفاً والد عمتي المرحومة (الثريا) أم أولاد (عباس الطيب).
    و لا أخفيكم بأني ذكرت علاقة جدي مولانا محمد فضل الله بأبي ريثما أشير للحب الجارف الذي كان يكنه أبي لمولانا محمد فضل الله، دون أن أنسى و لن أنسَ الدموع الهواطل التي زرفها جدي العالم الراحل المقيم / محمد فضل الله حينما سمع بخبر وفاة والدي، و شهد لنا بذلك مراراً ولده الحبيب / أحمد التيجاني كما شهدناه و شاهدناه نحن.
    جاء أبي من أقصى مدينة الأبيض، و هو يسعى متسائلاً لماذا لا يخصص أهل القرية راتباً شهرياً لخاله الإمام الراتب هذا طالما
    خصص كل وقته للناس، يصلي بهم الصلوات الخمسة و الجمعة و العيدين و الكسوف و الخسوف و الجنازة و يقدم فوق ذلك كله الدروس و النصح و الإرشاد لأهل القرية علمائها و عوامها؛ نساء و رجالاً و أطفالاً ؟
    رحل أبي لكن هذا السؤال لم يرحل و ظل عالقاً لم يجد إجابة حتى هذه اللحظة. أهل القرية الذين مردوا على طرح الأسئلة باستمرار و لم يلتفتوا لما وراء الإجابات التي تمثل هي أيضاً تساؤلات: لماذا تأخر الإمام ؟ لماذا لم يحضر الشيخ عبد الله ود عامر للآذان في صلاة الظهر ؟ لماذا يسهو كثيراً إمام المسجد هذه الأيام ؟
    الإمامة عمل صعب و قاسي، لكنه أشد صعوبة إذا تعلق الأمر بمسجد عابق بخلافات أهل الريف الذين لا يضعون فواصلاً بيت الخاص و العام، يتهجمون للزيارة وقت القيلولة و الحيلولة و العيلولة، يطرحون أسئلتهم للإمام حتى في سجوده أو أثناء خطبة الجمعة و العيدين، يفرضون على الإمام أن يكون حكماً و شاهداً و كاتب عدل و مؤذناً و مأذوناً و أستاذاً يوجهون إليه فيضاً من أسئلة دون حواجز في ميدان العلوم، تارة دينية و تارة طبية و طوراً سياسية و حيناً عدمية أو لاشيئية.
    إمام أهل الريف إمام معصوم في حساباتهم من الخطأ، فإن أخطأ، يا وَيْل له، إنه ليس بإمام، ينتقدونه يلومونه يعاتبونه، يهمزونه، يلمزونه، يخاصمونه، يكذبونه، يسعون لضربه، يتمنون أحياناً موته، و فوق ذلك ينتظرونه للصلاة و الخطبة و الفتوى و الضحكة، و يحاسبونه حساباً عسيراً إذا غضب أو قح أثناء خطبته.
    ما أجملك يا سيدي محمد ود فضل الله ما أصبرك ما أشجعك ما أحسنك ! لم تَكُ إماماً تصلي بالناس، بل كنت دليلاً ساطعاً قاطعاً يفسر عذابات الأنبياء و الأولياء و كل آلِ الله، و يقيني يقيناً لا ريب فيه أنك كنت ولياً من أولياء الله ! جهلناك فلم نعرف قدرك و أضعناك فلم نستفد من حياتك ! كم و كم تشاجرنا و تخاصمنا في بيت الله قبل الصلاة و في الصلاة و بعدها، كنت رزيناً سهلاً جميلاً حكيماً صامتاً صمت الحكماء، تنظر لنا بنور عيون استضاءت بنور القيام و الصيام و القرآن دون أن تلعن أو تسب أو تغضب !
    تزوج جدي مولانا محمد فضل الله لأول مرة و سكن في حي المدنيين القابع في مدينة ود مدني، مع زوجته (بنت المنا) التي مكث معها ثمانية عشر عاماً لم يرزقه الله بذرية منها، و لما أذن قدر الله له بإنجاب ذرية له لكن مع غيرها، نشب خلاف بينه و بين زوجته هذه بسبب رغبة جدي مولانا محمد فضل الله بأن تأتي معه زوجته إلى بورتبيل، بورتبيل القرية التي سطعت في ربوعها يومئذٍ جذوة العلم التي أوقدها العالم ذائع الصيت (الشيخ البشير)، وأزمعت على تشييد مسجدها العتيق و عزمت على إكماله، قرر مولانا و هو التلميذ الألمع بين أقرانه رجال بورتبيل السبعة الراسخين في العلم الذين سطع نجمهم و ذاعت سيرتهم، قرر أن يتفرغ للتحصيل من جانب بصحبة شيخه البشير و للمساهمة في إعمار بيت الله من جانب آخر، لذلك وجد نفسه مضطراً لفسخ زواجه، فطلق بنت المنا بعدما أحس بإصرارها على عدم استبدال المدينة بالقرية.
    نحن أمام ظاهرة أخرى من الصدق بعدما أوردنا الظاهرة الأحمدية (حاج أحمد ود قسم الله) الذي كما أشرنا سابقاً بأنه طلق باسم حبه للمصطفى عليه أفضل الصلاة و التسليم، هذه الظاهرة الفضلية (ود فضل الله) التي تجسد حب هذا الرجل الورع للعلم و لصدقه مع نفسه و صدقه مع الله، طلق أيضاً في الله.
    إنهم رجال الله حياتهم لله، حبهم لله و في الله زواجهم أمام الله و في الله و كذلك طلاقهم لله و كل حركاتهم و سكناتهم لله و في الله، إنهم دوزنوا و رسموا كل حياتهم تماشياً مع نسق وتر حبهم لله ! يستخيرون الله
    حتى في شعث نعالهم، إنهم الرجال الجبال:
    مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب:23-24
    (في حضرة مولانا، العارف بالله، سيدنا الإمام / محمد فضل الله حمد) (٢)
    لا غرو أن الوحي انقطع عن أهل الأرض، بيد أن فيوضات الله و تجلياته لعباده لم تنقطع و لن تتوقف، هكذا تتدفق الرحمات غيداقاً فغيداقاً، ألوان طيف من آلاء الله تتعاظم كثافة بمشيئة الرحمن و تصغر لطافة بقدرة الرحيم ليصيب بها كافة مخلوقاته كل فرد مقدار احتياجاته و قدر استعداده، لا يخلو جرم في الكون إلا يسبح بحمد ربه على جزيل نعمائه و عظيم سلطانه، وفق هذا القانون الذي طالما فلت من تقديرات البشر فلا سلطان إلا لمشيئة الله و قدره النافذ.
    و هكذا فرّ سيدي الشيخ محمد فضل الله إلى الله، و هرب من قدر الله إلى قدر الله، و قال ربي إني بما أنزلت إليَّ من خير فقير ! عرض عليه الرجل الكريم جدنا (علي ود بيلا رحمه الله) الزواج، فزوجه ابنته (خولة) التي تمشي على استحياء !
    اكتمل بناء المسجد بيد أن النهايات السعيدة تعقبها أحياناً خواتم حزينة، حزن أهل القرية لفقدهم (للشيخ البشير) الذي أرسله الله تعالى وريثاً للنبي صلى الله عليه و سلم بسلسلة نورانية متصلة ليغرس بذور العلم و الصلاح. رحل و ترك لنا علماء جهابذة مشهورين مثل مولانا محمد فضل الله و أقرانه الذين درسوا أيضا على يديه نَفَر غفير من أهل القرية لعل كان أكثرهم شهرة هم:
    •جدنا المرحوم الشيخ / محمد محمد أحمد الخالدي .
    •جدنا المرحوم الشيخ / محمد الحسن (أبو معاوية).
    •جدنا الشيخ / الفكي البخيت ود الحسن .
    •جدنا المرحوم الشيخ / الحسن ود نعيم.
    •جدنا المرحوم الشيخ / دراج عبد الفضيل (أبو عّم عِوَض الله).
    جدنا المرحوم الشيخ / الصديق فضل الله (شقيق مولانا محمد فضل الله).
    جدنا الشيخ / فكي حسين الهواري ( أبو إبراهيم و محمد نجيب و أخوانهما).
    و قد عرفوا برجال بورتبيل السبعة الذين شهد لهم بالورع و التقوى و العلم و الذكاء الحاد. منارات و نجوم في وقت كانت الدنيا ظلاماً ضَل سالكه.
    وكانت حلقات العلم تتقيد بالجدية و المثابرة و الاجتهاد إلا أنها لم تخلو من النوادر و الطرائف. و يحكي لي والدي رحمه الله أن جدي بابكر ود قسم الله رحمه الله كان متصفاً بخصلتي الشجاعة و سرعة البديهة التي تتخللها المزاح و الطرافة:
    (نصح جدي بابكر ود قسم الله شيخه البشير بأن يبدأ الدروس بالأدب قبل الفقه حينما رأى كثيراً من أهل القرية يأتون للدرس بنفس الطريقة التي يأتون بها إلى حواشاتهم و بهائمهم. و لما لاحظ جدي اصرار الشيخ في مزاولة دروس الفقه، و لم يتقيد بنصيحته، عمد على اخفاء (حقة تمباك) أحد أجدادنا !
    استمر الشيخ البشير في تقديم درسه، بحث الرجل (حقته) فلم يجدها في جيبه. غمز إليه جدي بابكر ليعلمه خلسة بالإشارة بأن ما تبحث عنه، يمكنك، لا ضير، أن تطلبه مباشرة من الشيخ نفسه. اقتنع الرجل القروي البسيط بأنه من الممكن أن يوقف الدرس لكي يستعير (حقة) الشيخ العالم (البشير). بينما كان الشيخ يتكلم عن باب في الفقه و يوصي بضرورة التقيد بالكتابة و الإنتباه، قاطعه هذا الرجل مبدياً رغبته في الحديث. أوقف الشيخ الدرس ظناً منه بأن هذا الرجل متابعاً الدرس و لا يريد إلا طرح سؤال مهم، فأذن له بالحديث. قال له يا سيدنا:
    (كدي أديني - حقتك -أن نسف ما عرفت حقتي مشت وين ! )
    هنا تبسم جدي بابكر ضاحكاً و ساخراً و مع إحساسه بالنصر، أردف قائلاً للشيخ:
    (يا سيدنا أنا ما قلت ليك الناس دي محتاجين يبدو بالأدب ما بالفقه... و واصل ضحكته) !
    لعمري لا دين لمن لا أدب له و لا علم لمن لا أدب له، السلوك هو قوام الدين، أسّه و ساسه المتين؛ من هنا وهناك تكشفت لمولانا محمد فضل الله منذ نعومة أظافره أنّ العلم علمان ِ، علم ظاهري و هو العلم الشرعي، و علم باطني لا تكتسبه إلا بمنهج الطريق من شيخ واصل متصل بالله.
    لله درُّك عالماً ملأ الدنيا و شغل الناس ! حدثني والدي و أنا صغير عن فضله:
    (لا أعلم رجلاً بين النهرين - أي بين النيل الأبيض و النيل الأزرق - أعلم من مولانا محمد فضل الله، فهو الرجل الوحيد الذي لا يستعين في خطبه بورقة و لا بكتاب).
    و لعلني لا استطرد عن فضله في هذا المجال إذ لا محل لإقناع مقتنع، ملك قلوب الناس من الشغاف إلى الشغاف، فكان أعلم الناس، و كان أفضل الناس و كان وريثاً لإمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه، تدرج في مدارك السالكين حتى غدى لا يفتى و مولانا محمد فضل الله في بورتبيل و كل قرى ريفي المدينة.
    كان أعلم الناس في موطأ الإمام مالك. لقد بلغ مولانا محمد فضل الله قدس الله سره، شأواً بعيد المدى في الفقه المالكي، بعد أن درس المدونة للإمام سحنون، و الرسالة للقيرواني، و الكافي لابن عبد البر، و بداية المجتهد لابن رشد، و إرشاد السالك إلى أشرف المسالك للبغدادي، و مختصر خليل مع كل شروحاته و بلغة السالك للصاوي، و منح الجليل و فتح الرحيم و فتح العلي، دون أن أنسى ضلوعه في علوم اللغة العربية من صرف و نحو و فقه لغة و بلاغة و علم التوحيد و علوم الحديث و علم الفروض و المنطق.
    و كان والدي رحمه الله يقول لي دوماً بأنّ مسجد القرية في عهد (الشيخ البشير) و تلاميذه الأكثر شهرة، و أخص منهم مولانا محمد فضل الله، أحدث نقلة نوعية و طفرة علمية، و قد تبين ذلك جلياً حينما راسلوا الأزهر الشريف في مِصْرَ، يطلبون منه شراء بعض المراجع المتعلقة بالعلوم الإسلامية و العربية. جاء رد الأزهر الشريف يكتنفه التعجب و الدهشة ببلوغ أهل قرية في وسط السودان هذه الدرجة الرفيعة من العلم.
    أراني ما برحتُ أذكر جلسة مولانا محمد فضل الله و نَفَر من المصلين منهم الخال إبراهيم عمر و العم الحاج محمد صالح إغيبش و العم الفكي الزرقاني و غيرهم، يذكرون الله بعد صلاة عصر الجمعة و قبل المغيب، و الظل يتمدد أمام المسجد العتيق و النسيم يعبث بشجيرات المسجد الجميلة حيث تسمع التسبيحات في ساحة الله الرحبة، و تعجز عن جمع السعادة الفائضة من القلوب.
    لست أدري كيف أستطيع وصف سماحة الذكر بالاسم المفرد (الله) و وصف طعم حلاوة الصلاة على الرسول و اندلاق فيوضات اليقين على قلوب ذاكرين عرفوا كيف يكتمون السر و يغمضون عيونهم و قد شاهدوا ما شاهدوا من جمال ليلى، شربوا خمراً من الحب شعشعت في الكأس، إنها حلقة السادة التيجانية التي تتمخض في سيرها من (عين ماضي) في صحراء الجزائر و تزحف كالرمال كلما زحف السادة الشناقيط نحو الشرق، ريح محبة هبت بشائرها بالسيدة رفيعة الشريفية من بلاد شنقيط إلى الحجاز، حملت عطر محبة النبي و أريج التصوف و طيب وداد اسمها الذي تركته بصمة لعملها الصالح و كم يغمرني الحبور حين تذكري أن والدتي حفظها الله اقترن اسمها بهذه السيدة الشريفية، و هكذا اختزل ذكريات جميلة من أبهى صفحات التاريخ التي لن تتكرر. و كيف و لا بد لكل شيء من كيف، كيف تتكرر و قد توقف مدد أهل البيت السادة الشناقيط من قريتنا بعد مشاهدة قوافلهم تحلق في السماء بالطائرات و لم تعد تعبر سفن الصحراء عبر سوداننا الحبيب.
    كانت لسيدي و مولاي محمد فضل الله مساجلات و لقاءات مع شيوخه في الطريقة التيجانية التي ينتمي إليها، عرفوه، فحبوه، فكاشفوه و أيدوه بجنود لم تروها، شرب العلوم الباطنية منهم و زاد معينه و ارتوى الورد بالورد من العلوم الظاهرية، فأصبح من أهل الحقيقة الذين لا ينضب معين شرابهم، العارفين الواصلين الراسخين. و أهل التصوف لا سيما التجانية معروفون بالرسوخ و الضلوع في العلم.
    هنا في بورتبيل، القرية العتيقة التي عانق فيها وقار التاريخ فتنة الجغرافيا و تشتم رائحة القهوة التي تنبعث من بين أزقتها الضيقة، و تنبعث من فتحات نوافذها (الطاقات) المنحنية تواضعاً، كان إمامنا الشيخ ود فضل الله يروح و يغدو من بيته إلى مسجد القرية الذي ما فتئت تغازله أزهار الخريف بين تجاعيد وجهه العتيق الذي قضى فيه ريعان شبابه ثم شاب أيضاً و شاخ فيه.
    أنجب سيدي الإمام محمد فضل الله من البنات أم سلمة، و الزهراء، و عاتقة، و ماريا و أماني و آسيا، كما رزقه الله من الأولاد الأستاذ إبراهيم و الأستاذ الأمين و سيدنا أحمد التيجاني و زين العابدين، حفظهم الله جميعاً و رعاهم و تبارك الله أحسن الخالقين. و لقد علمت من ابنه أحمد التيجاني أنه أطلق على ولده الصبي الصغير اسم محمد ليجمع بركة سيدنا الرسول الكريم و العالم الورع أبيه.
    و أشير أيضاً لأسرته الممتدة من أخيه المرحوم الجد (الصديق فضل الله حمد) والد المرحوم (الباشمهندس محمد صديق) الذي يعتبر هو أيضاً من أعلام بورتبيل، و للمرحوم سيدنا محمد فضل الله شقيقتان هما فاطمة أم (المرحوم عبد الله الباهي) و عائشة والدة زينب التي تزوج منها العم المرحوم (محمد أحمد البشير المشهور بود أحمد نور) و أنجب منها (البرعي) و (عمر) حفظهما الله.
    و إني أنتهز السانحة هذه لأعرب عن جميل تقديري لسيدي محمد الصغير الحفيد الذي ظل متابعاً - من السعودية - ما كتبته عن جده طيب الله ثراه، كما أدعو الله أن يمده جده ببركة العلم و الصلاح. و أدلف إلى ابنه (أحمد التيجاني) لكي أخصه بفيض امتناني و عميق شكري لأنه زودني بباقة من المعلومات و الحقائق عن إمامنا الذي عجزت النساء في قريتنا أن يلدن نظيره.
    تتلمذ على يد الشيخ محمد فضل الله عدد غفير من أهل بورتبيل و خارجها أذكر و أذكر منهم النابغة الذي كان مولانا يشير إليه بالبنان العم بابكر ود الكندو أطال الله في عمره، الذي حفظ القرآن الكريم، و كان عين اهتمام أستاذه لفرط ذكاءه الحاد، و أيضاً المرحوم عمنا (الخير علي محمود) ابن أحد أعلام بورتبيل الراحلين الذين شهروا اسمها عالياً في مدينة سنار و الذي عرف أيضاً بالحكمة و الذكاء و الوقار و الأريحية و العلم و هو الشيخ / علي محمود (والد كلتوم و جد عبد الباقي عثمان)، و درس أيضاً على يده الشيخ / معاوية محمد الحسن و الخال / إبراهيم عمر قسم الله و العم المرحوم النذير الخالدي و العم المرحوم / محمد نور الله و الأستاذ / صالح عمر عبد الوهاب و عمنا محمد عبد الله عيسى و غيرهم من أهلنا في القرية.
    و تقتضي الأمانة العلمية أن أذكر بأني كنت أحضر هذه الدروس و قمت بشراء كراسة بغية تدوين دروس الفقه و اللغة العربية، لكن الدنيا شغلت الناس و لم تبق لهم إلا أيام معدودة من أيام شيخنا العالم النحرير مولانا محمد فضل الله حمد أحمد ظل المصلون ينتظرونه بشغف للصلوات الخمسة و لخطبة الجمعة و العيدين، و أحياناً يشرح باسماً للناس و يُبين لهم بكل تواضع و بساطة مسائل الإئتلاف و مسائل الإختلاف دون أن يتطاول أو يزدري الناس بالرغم من تنطع المتنطعين و سفاهة المتسافهين و غفلة الغافلين و جهل الجاهلين.
    كتبت ما كتبت و في النفس شجون و في القلب محبة لرجل كان إمامنا و شيخنا و عالمنا و والدنا و صديقنا حيث كنت آتيه في بيته عندما أفتقده في المسجد، فأجده مريضاً تعباً، فكان يناديني باسمي و يترحم على روح والدي بقلب رقيق و عين باكية.
    في سنة ثماني و تسعين و تسعمائة و ألف، اشتاقت روحه الطاهرة للقاء الرفيق الأعلى، ففاضت إلى السماء و انطفأت منارة علم قل أن يجود الزمان بمثلها، رحم الله سيدنا الإمام، الورع، السمح، الكريم، العالم، الجليل، أيقونة بورتبيل، جدي و سيدي مولانا محمد فضل الله، إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون، اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا من بعده، و اجعله و اجعلنا في معية سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنة الفردوس، آمين !
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan11.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-26-2016, 12:21 PM)

                  

05-26-2016, 12:30 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: ابو جهينة)

    Quote: تحياتي عمر مصطفى***عند دخول العرب وتكوين دولة الفونج في مطلع القرن السادس عشر هجرتها قبيلة البرته حيث أستقرت في منطقة النيل الأزرق الحالية ، فقال الناس وهذه الرواية الثانية :" البرته زمان والبرته قبيل إلي أن صارت بورتبيل " وشخصياً أرجح هذه الرواية لأنها بورتبيل وردة في طبقات ود ضيف الله .***كلما مرّ هذا الإسم كنت أتساءل عن مغزى الإسم.ولكن التحليل الذي رجّحْته أنت هو الأصوب والأقرب بشكل منطقي.واصلدمتم
    الحبيب أبو جهينة لك خالص الود و التقدير وأنا أيضاً أقف مع هذه الرواية ولكن رواية البئر أيضاً تقرب إلي الصحة لأنه هنالك بئر كان موجود إلي مطلع الثمانانينات من القرن الماضي وقيل إن هذا البئر حفر في عهد مملكة الفونج وأعتقد أنه بئر طبيل مما يرجح رواية وجود العنج أو الفونج وأيضاً عندما درست الجامعة علمت من بعض الزملاء الدناقلة أي أبناء دنقلا بإن بورتبيل تعني (برتي بيل) وهي تعني مرعي الأغنام فكلمة برتي تعني غنماية وبيل تعني مرعي في لغة الدناقلة مما يدلل بأن هنالك وجود قديم لأهلنا الدناقلة...

    (عدل بواسطة Omer Mustafa on 05-26-2016, 01:40 PM)

                  

05-26-2016, 01:57 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    بورتبيل تعني (برتي بيل) وهي تعني مرعي الأغنام فكلمة برتي تعني غنماية وبيل تعني مرعي في لغة الدناقلة مما يدلل بأن هنالك وجود قديم لأهلنا الدناقلة...

    ***

    تحياتي عمر

    إن كانت كلمة برتي تُنطق بفتح الباء وتسكين الراء وكسْر التاء ، فبلا شك فإن الكلمة تعني الغنم ...
    مما يدل على أن هذا التحليل أيضا يصب في صحة الإسم ومعناه

    دمتم
                  

05-26-2016, 03:11 PM

شمس الدين ساتى
<aشمس الدين ساتى
تاريخ التسجيل: 12-14-2008
مجموع المشاركات: 2642

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: ابو جهينة)

    سلام للكل واخص صاحب البوست وقريبى أبوجهينة

    والله انا برضو فكرت نفس الفكرة بتاعة انو الإسم مأخوذ من لغتنا الجميلة النوبية

    واستحضرت كلمة مارنجان ... وهى بالمحسية ..اشترى عيش.. (مرى نجان)

    قيل لى ان المحس كانو يتاجرون فى الحبوب فى تلك المنطقة ..ومعظمهم لايعرف العربية

    كانوا يفترشون الحبوب وينادون ... مرى جان ..مرى جان .. ومنها صارت إسم للمنطقة....مارنجان
                  

05-26-2016, 03:34 PM

عبدالرحمن أحمد السعادة

تاريخ التسجيل: 01-16-2013
مجموع المشاركات: 662

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: شمس الدين ساتى)




    تحية لصاحب البوست
    تحية للمتداخلين
    تحية لأهل بورتبيل عامة
    تحية لأهلي بها

    *****

    على ما أذكر كتب رجاء النقاش بكتابه تأملات في الإنسان أن الفنان الأمريكي جيمس دين تغنى بكلمات منها :
    ناديني باسمي
    فأنا طفل صغير
    أفرح حين أسمع اسمي
    ولأنه يستبطن بجنانه قيمة المناداة بالاسم كان إذا نسي اسمًا بطول عهد لأحد من معارفه
    تحرى عنه عاجلاً قبل أن يصله فيسلِّم عليه باسمه.
    « اللغات تنادي بعضها »
    هذا ما قاله لي وهو يعلمني verbe etre من مباديء الفرنسية التي تفوق فيها مع من تفوق عندما التقيته صدفة
    بدار اتحاد طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية، وقد فارقت الفرنسية مذ فارقته.
    تحية خاصة لدكتور صبحي محمد بابكر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de