سادت أجزاء من السودان قديماً حضارات تراوح تأثيرها في مجاهل تلك الرقعة الجغرافية ما بين مؤثرات عابرةٍ وهيمنة طاغية، غير أن عدم قدرة تلك الحضارات على تجديد ذاتها كان عنصراً حاسماً في إضمحلال مؤثراتها في التركيبة السكانية "لأرض السودان القديم".
وإن حاولنا الحديث بلغة الحاضر، فإن سلاح الإستلاب الحضاري لم يكن متوفراً حينها، وأعني هنا اللغة القادرة على هيكلة وتقنين التطور البشري بل وفتح أفاق جديدة له إضافة لما تشكله من خط دفاع ضد مؤثرات قادمة من "لدن الآخرين".
إن كان لنا أن نتحدث اليوم عن السودان "المجتمع" الذي يجسم أمامنا،
فليس لنا إلا أن نستند على تلك الحقبة التي بدأت من بواكير دخول ما عرف لاحقاً بالثقافة العربية الإسلامية،
وهو ما يعود بنا إلى تلك الممالك الإسلامية التي بدأت هيكلة الوعي السوداني الراهن ومن ثم أكملت الحقبة التركية حفر أخاديده، لتأتي الدولة المهدية وتطبع إطاراً معرفياً إسلامياً عربياً في السودان..! السودان الدولة المطله على التشكل العالمي الجديد.
وكان أن بدأ تشكل مجتمع سوداني " على الأقل في شماله" من نافذة أخذٍ لإطار ديني وافد من بلاد العرب،
ولأن المثيولوجيا الدينية الإسلامية إرتبطت إرتبطاً وثيقاً باللغة العربية أضحت هذه اللغة لازمة لإكمال التحول الديني والمعرفي لذاك المجتمع نحو الإسلام،
هذا ولقد ساهم "الضعف" الذي لازم اللسان اللغوي المحلي وتشعبه، في سيادة شبه كاملة للغة الوافد الجديد وبالتالي محمولها الثقافي.