عندما جلست إليك، بعد إنقطاع دام عن الوطن ثلاثة أعوام، أحاول أن أكبت دموعاً هي عصارة قلبي الحزين يومها، وأنا أراك تتجلد برغم الألم الذي يعتريك، كما أنت دائما، تخلق من معانتك قصصا للتندر ولصنع الإبتسامة، وجهك لم تعتريه تقطيبة قط، لم يهزمك هذا المرض اللعين، لم يكسر روح الدعابة فيك، أخاله ما زاد فتكا بك إلا لأنه أحس عدم مقدرته على تركيعك، تكالب عليك هو وزمان الإنقاذ ليروا تقطيبة في جبينك، ما انتزعوها، هزمتهم أنت بقلب كبير، وبصبر جميل، وبإيمان ثابت.
عندما جلست إليك، بحثت كل قواميس اللغات التي خلتني تعلمتها و أجدتها، علّي أجد ما أواسيك به، ولا أجرح كبرياء إبتسامتك، التي كم منحتنا من قبل التفاؤل، والثقة بالنفس والعزيمة والإصرار، هذه اللغات اللعينة لم تضع في إعتبارها مثل ذاك اليوم، تحسبت لكل شيء، لكنها خزلتني حينها، وتركتني خاويا، بإبتسامة بلهاء في وجهي، معلنة أنني أنا من هزمه مرضك، وان سنينا طويلة من عمري كنت احمل فيها كراساتي لأتعلم، ذهبت سدى، فشلت ذلك اليوم في إمتحان اللغة، والتعبير، ليتهم وضعوا منهجا إضافيا لمجابهة ذلك الموقف، ليتهم تحسبوا لمثل ذلك اليوم .... لكنهم ما فعلوا.
عندما جلست إليك، كنت أعتقد أن دموعي التي كبتها في ذلك اليوم، أدخرها ليوم لا أرجو أن يكون قريبا، أغالط حقائق الأشياء، حاولت أن أجاري مداعباتك، خذلني كذلك صوتي، الذي كان في كل حين ما عدا ذلك اليوم عاليا، جهوراً، إذا لابد أنني كالإناء الفارغ، أول ما امتلأت بالأحاسيس خبا صوتي، تلمست حلقي، تحسست أوتار الصوت عندي وجدتها مقطوعة. خذلتني كذلك موهبة التمثيل، الذي كنت أعتقد كذلك أن لي فيها شأن عظيم، وبان لي وقتها خطل الفكرة، وفشلي في أول مشاهد الإرتجال، عزيت فشلي لخذلان صوتي، لكني تاكدت حينها أنه فشل الموهبة أساساً - إن كانت هي موجودة - لأنه كان في إمكاني تقديم مشهد صامت يليق بك، وليس مجرد إبتسامتي البلهاء تلك وعيناي المرتجفتان اللتان تصارعان مخاض دموعٍ ساخنة.
دموعي التي إدخرتها حينذاك لهذا اليوم، أبحث عنها الآن فلا أجدها، يبدو أنها في طريق طويل داخل قلبي، كأني بها تواسي كل شعيرة دموية في جسدي يعتصرها الحزن، وتأخذ نركيزا عاليا من دموعها، أو كأني بنفسي لا أزال أراك مبتسما تأبى لهذا الموت الجليل أن يمنح مرضك نشوة الإنتصار، وتأبى لنا ان نساعده في ذلك.
عزائي أنك الآن بين يدي رب رحمن، رحيم، حنان، منان، لطيف، عطوف. عزائي أن عماد و علاء و طارق يحملون جيناتك التي لا تعرف الإنكسار. عزائي أن من حضروا إلينا أبلغونا أنك حتى أول أمس، كنت جالسا، تحادثهم، وتوزع الفرح لهم. عزائي أنه لم ينتصر عليك المرض، بل انتصرت عليه انت
لك دعاءاً صادقاً أن تبعث بوجهك البشوش، فرحاً لأنك تبسمت في وجوه كل من حولك ورسولنا صلى ربي عليه وسلم قال (تبسمك في وجه أخيك صدقة)
لك الرحمة ولنا الصبر على فقدك الجلل
02-09-2016, 01:42 PM
بارودى مصطفى فاشر بارودى مصطفى فاشر
تاريخ التسجيل: 09-05-2014
مجموع المشاركات: 457
اشاطرك الاحزان اخي كمال في فقيدنا العزيز مصباح تغشاه الرحمة وشابيب الغفران.....تنوح الحمائم والقمري والدباس في اصقاعنا بالنافعاب والاركي وهي تودع المصباح الي مثواه الأخير مخلفا المعاني والسيرة والكبرياء..
الدائم الله..
02-11-2016, 06:42 PM
كمال عباس كمال عباس
تاريخ التسجيل: 03-06-2009
مجموع المشاركات: 18028
الأستاذان كمال فرانكلي وكمال عباس بارك الله فيكما وأحسن إليكما ونسأل الله أن يجنبكم الأحزان وأهليكم وكل من تحبون وتقبل الله جميع موتانا و موتاكم واسكنهم الجنان العلى
إبن عمتي محمد الكامل أحسن الله عزاءكم في مصباح ونسأل الله أن يلهمكم الصبر و حسن العزاء إنا لله و إنا إليه راجعون
02-15-2016, 10:20 AM
محمد فضل الله المكى محمد فضل الله المكى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4846
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة