حامد جمعة ومعطف غوغول • عبد الجبار عبد الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-01-2025, 05:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-14-2016, 10:52 AM

محمد تروس
<aمحمد تروس
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 153

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حامد جمعة ومعطف غوغول • عبد الجبار عبد الله

    09:52 AM Jan, 14 2016

    سودانيز اون لاين
    محمد تروس-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    حامد جمعة ومعطف غوغول
    • عبد الجبار عبد الله

    إيهٍ ...إيهٍ..آهٍ من قوافل الأصدقاء والفنانين والمبدعين الذين ما انفكوا يشدّون الرحيل واحداً تلو الآخر.. هكذا في صمت ودونما استئذانٍ أو وداعٍ إلى "عالم هاديس". وأنَّى لنا بأورفيوس هذا القرن ونايه السحري الذي ينفخ الروح في الموتى ويعيدهم إلى عالم الأحياء مرة أخرى مثلما حدث في تلك الأسطورة اليونانية التي حكتها إلياذة هوميروس وما تزال من يومها تشكّل جزءا عزيزا مما هو مشترك بيننا نحن المسرحيين؟وها أنتَ آخرهم حامد جمعة، تحمل عصا ترحالك في صمت وكأنك تعيد علينا إنتاج مسرحيتك "الرجل الذي صمت" في وجهها التراجيدي الحزين في هذي اللحظة الأبدية الأخيرة الفارقة!
    وما بين "عالم هاديس" ومخزن أمي العتيق القديم، ثمّة في مكانٍ ما تقبع تلك البطانية الدافئة الرمادية اللون ذات الخطوط الزرقاء والقرمزية على كلا الجانبين التي جعلت منها أمي ما بين الأعوام 1978-1982 ماركة مسجلة باسم حامد جمعة وحده لا غير. كانت تقول إن مدّ أحد منا أو من الأصدقاء والصديقات يده إليها: "دي بطانية حامد جمعة... وما في زول يهبشا". وبالحرص ذاته كانت في بيتنا أغطية شتوية تحولت إلى ماركات خاصة مسجلة بأسماء أصدقاء وصديقات، أخوات وإخوان كُثر لا يحصى لهم عدد، لم تلدهم حاجّة الريلة ولكنهم أصبحوا لنا أخوة برضاعة دفء الشتاء وحده وحنان الأمومة ولقمة العصيدة وأكواب الشاي الحارة التي كنا نكشحها في جوفنا ونتركها فارغة في لمح البصر بينما لا تزال تتصاعد منها ألوية البخار الحار. وكم رشفتُ ذات الأكواب أيضا من يد أختي وصديقتي العزيزة أميرة الجزولي أنا وصديقي زوجها الراحل محجوب شريف الذي كان يحرّضني في عناد غريب على عمل "دويتو" نصدر فيه صوتا ثنائيا عاليا أثناء ارتشاف الشاي الحار، ثم يقول لي بعد أن نضع الكوبين معا فارغين تماما ويتصاعد منهما البخار: "أيوه نحن بنشرب الشاي كده.. مُش زي بنات الأحفاد الرقيقات اللائي يرشفنه في دلعٍ بلا صوت". يا لحلاوة الروح وذاك المزاج المسرحي المشاغب الخلاّق..فتأمّل! أين أنتما الآن لنرشف تلك الأكواب معا؟

    كيف نقرأ كلاسيكيات المسرح العالمي بعين نقدية حديثة؟ وضمن ذلك، كيف نفهم مسرحية عُطيل وكيف نجيب عن ذلك السؤال الفلسفي الجمالي المُلِغز العويص "لماذا تلكّأت يا هاملت؟" وماذا يكمن وراء نظرية "موت المؤلف" في الدراما و"مسرح الممثل"؟ وبأي الأشكال والرؤى يمكننا توظيف مسرح الصحيفة الحية واتجاه المسرح الحي عموما في المشهد المسرحي السوداني؟ ومن أي منظور نواصل العمل على "إعداد الممثل" استنادا إلى كتاب ستانسلافسكي الشهير الذي يحمل ذاك العنوان؟ وهل ما زال يكتسي ذلك السِفر الأهمية ذاتها في تعلُّم حرفية التمثيل والأداء قياسا إلى نظريات أخرى حديثة منافسة في الحقل نفسه كما هو الحال لدى برتولد بريشت ومسرحه الملحمي النقيض لفكرة الإيهام من أساسها، أو كما يذهب مييرهولد وجروتوفسكي في الدعوة إلى المسرح الفقير؟ وكيف نستخدم المسرح أداة للتعليم ومحو الأمية ونشر الوعي العام مثلما حدث في البرازيل؟ وهل ثمة سبيل لاستعارة تجربة مسرح الشارع والمسرح المتجول وتجارب المنودراما لتمكين العرض المسرحي من الذهاب إلى جمهوره والبحث عنه عوضاً عن تلك العلاقة الكلاسيكية الثابتة التي يتجه فيها الجمهور نحو العرض المسرحي عادةً؟ وما هي التقاطعات وخطوط التماس بين الدراما والتشكيل وفنون الرقص والغناء وغيرها من الفنون المرئية المسموعة؟ ومن أي منظور ورؤى يمكننا تطوير شكل العرض المسرحي في السودان؟وكنا قد تنبهنا في وقت مبكر من دراستنا المسرحية المشتركة–بفضل أساتذة كبار مرموقين، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عثمان جعفر النصيري، وهاشم صديق، وعلي عبد القيوم، ويحيى الحاج وفتح الرحمن عبد العزيز-إلى أن تجربة المسرح في السودان قد نشأت منبتّة الجذور عن إرثها الكامن في محفل التراث الشعبي السوداني، وأنها تشكلت على أساس فهمٍ أرسطيٍ للدراما، كونها جاءت وافدة مع المد الكولونيالي الغربي ومرجعيته القائمة على هيمنة المركزية الأوروبية. ولهذا فقد كنا شديدي الاهتمام والشغف بتجارب الطليعة والحداثة المسرحية الباحثة عن أشكال ورؤى جديدة للتعبير المسرحي، ومنها بالطبع تجارب المسرحيين في غرب أفريقيا، وفي نيجريا على وجه التحديد، حيث وولي سوينكا وبحثه الدؤوب عن شكل خاص فريد لما يمكن أن يكون عليه المسرح القائم على ركائز الثقافة الوطنية المحلية وإرثها الشعبي بطقوسه وأساطيره ورقصاته وفنون عرضه وحكاياته الشعبية وتراثه الشفوي. وضمن ذلك كانت تتقاطع ما بيننا القراءات والسجالات النظرية العميقة في تاريخ المسرح ونظرية الدراما واتجاهات المسرح وتياراته في مجالات التمثيل والإخراج وسيميولوجيا العرض والنقد المسرحي وعلم الجمال وفلسفة الفن..إلى أخره.

    كان هذا بعضٌ مما احتقبناه معاً من زاد معرفي إبداعي غني إلى قسم الدراما بقصر الشباب الأطفال، حيث سبقنا إليه الأستاذ الفنان المسرحي القدير، محمد عبد الرحيم قرني، والأستاذة الممثلة البارعة فادية جنيدابي، ثم جئت أنا وزملائي حامد جمعة والرشيد أحمد عيسى وحاتم محمد محمد صالح. وقبل ذلك كان هناك رصيد ثر من التجارب المسرحية الباذخة التي أرستها عروض دبلوم المعهد والنشاط المسرحي المستمر داخل المؤسسة وخارجها، من أمثال "مسرحية حب على الطريقة السودانية" من تأليف وإخراج الفنان الفاتح مطيع، وذلك التقليد السنوي الذي يقام احتفاءا بالمسرح الملحمي وغيره. وكانت هناك أيضا جماعة السديم المسرحية التي ما تزال المداميك الراسخة التي وضعتها ترفد الحركة المسرحية وتلهمها بكثير الرؤى والأفكار الإبداعية الخلاقة. هنا أناديك صديقي الشاعر والكاتب المسرحي محمد محي الدين، ألومك على اختبائك في خلف الكواليس عني في ظلام الأبدية. أتذكُر أنَّا في ربيع الحب كنا نتناجى ونغني؟ باخَتِ الدنيا علينا يا صديق.. شجرٌ شاحبٌ وعيونٌ حزينةٌ .. كما تقول .. إلى أن أصبحتَ أنت وحامد جمعة وغيركما كثيرون جزءا لا يتجزأ من سُداةِ ذلك الحزن المخيّم بيننا ولُحمته.

    وفي حديقة قرني ومحمد محي الدين وحاتم محمد محمد صالح وعادل السعيد وعادل الياس وجلال بلال ويحيى فضل الله وقاسم أبو زيد والسماني لوال وعبد الله الشماسي وديرك ألفريد أويا وآخرين تفتقت زهيرات جماعة السديم المسرحية، وقدّمت للمرة الأولى إلى جمهور المسرح، خاصة في الجامعات والمعاهد العليا والساحات الشعبية والقرى والمدن خارج العاصمة، زميلنا الكاتب المسرحي والممثل القدير حامد جمعة. وكأني أراه الآن في عروضه الصامتة الشعرية البهية تلك وهو يحكي بلغة الجسد وحدها ما تئن تحت وطأته اللغة وتعجز عن حمله جميع الكلمات. أنّى لنا الآن ذلك الجسد المسرحي الممشوق؟ أنّى لنا ذاك التوازن الحركي الدقيق، تلك الخطوات الرشيقة التي تفعل فوق منصة المسرح الأفاعيل بسحر فنون التشكيل الحركي الأخاذ؟
    وبإسهامه وإسهام كل طاقم الأساتذة والأصدقاء والصديقات، تحولت تلك المساحة السخية المخصصة لقسم الدراما بقصر الشباب والأطفال إلى "معمل مسرحي" بمعنى الكلمة والعبارة. فهناك توضع المعايير الدقيقة الصارمة لاختيار الطلاب والدارسين على أساس الموهبة وحدها ولا شيء سواها. ومن ثم تُجرى المعاينات ويبدأ العام الدارسي والحصص والمحاضرات التي يمكنك أن تضبط عليها ساعتك تماما وكأنك في إنجلترا أو سويسرا أو ألمانيا.
    وهناك يبدأ تدريب الممثل المخرج الكاتب العارف بحرفية التمثيل والإخراج والتأليف المسرحي عبر فن الارتجال والتجريب اللذين كانا ضمن المواد الأساسية التي يقوم عليها منهج القسم. وكان حامد جمعة يُعدي الدارسين بفيروس عشق المنصة وفنون الحركة والرقص وتعاويذ لغة الجسد. وكانت المعرفة النظرية بكل هذا وباتجاهات نظرية الإخراج والتمثيل وتاريخ المسرح جزءا لا يتجزأ من ذلك الفعل المسرحي المتكامل العناصر والبنيان.
    ليست هذه هي المناسبة التي أستطرد فيها في الكتابة عن هذه المدرسة المسرحية البالغة الأهمية في تطورحركة المسرح الحديث في السودان، ولكنني سأفعل وسأفي بديني كاملا لها ولصديقي وأستاذي محمد عبد الرحيم قرني مؤسسها ورائدها بلا منازع. وكانت تلك المدرسة، بفضل إلهامه وقيادته، ومشاركتنا جميعا فيها، بمثابة "معطف غوغول" في عالم الأدب الروائي ردا للعبارة الشهيرة "لقد خرجنا جميعا من معطف غوغول" إلى قائلها الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي. فقد تخرّجت في ذلك القسم الركائز الأساسية التي تقوم على جماع إسهاماتهم وإبداعاتهم الحركة المسرحية اليوم، كما عدّدهم الفنان القدير محمد تروس، الذي هو نفسه أحد أبرزخريجيها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ولج إلى عالم الدراما من هناك:
    سيف الإسلام حاج حمد، نزارأحمد ادريس، سيد عبدالله صوصل ، صالح عبد القادر، عبدالحكيم عامر ، عوض شكسبير، عبد السلام الطاهر، قاسم أحمد، عبد الحفيظ على الله، حافظ محمد خير، عبدالسلام جلود ،محمود عبداللطيف كابو ، لؤي حامد، دفع الله حامد، تهاني عبدالله ، عبدالمجيد حسن ، قسم الإله حمدت الله، عبد العظيم حمدنا الله، مجدي النور، آمال مصطفى و عشرات من الممثلين و المخرجين، بمن فيهم الفنان الأسطورة محمود عبد العزيز الذي طغت عليه ميوله الغنائية الموسيقية، فغادرنا إلى ذلك الفن المجاور القريب.

    وفي سياق الذكرى والتداعيات هذه، قرأتُ ذات مرةٍ في سيرة الفيلسوف الألماني الكبيركانط أنَّ سحابةً كبيرةً بيضاء قد خيمت في سماء مدينته الألمانية يوم رحيله، وأنها رابضت هناك على مدى ثلاثة أيام بلياليها دون أن تبرح مكانها. ولتكن لك يا صديقي حامد تلك الشموع والأنجم الكثيرة اللألاءة التي بعثرتها في سمائنا الصافية الزرقاء على امتداد ما يربو على ثلاثة عقود من الزمان منذ تخرُّجه في عام 1982.

    عزائي الحار لرفيقة دربه صديقتنا سهير، لأسرته الكبيرة الممتدة ما بين الجبلين إلى الرجّاف إلى كوستي، لجميع زملاء دراسته ومن نحتوا معه قصوراً وأيقونات من بهاء الفن المسرحي. تبكيك العصافير، نسائم النيل وذرات رمل الصحراء، ودموع حاجّة الريلة، أمك الأخرى التي أحبّتك ولن تنساك أبداً وما تزال تحفظ بطانيتك ماركة مسجلة باسمك وحدك دون سواك.
                  

01-14-2016, 07:47 PM

محمد تروس
<aمحمد تروس
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 153

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حامد جمعة ومعطف غوغول • عبد الجبار عبد ال (Re: محمد تروس)

    حامد جمعة ومعطف غوغول
    • عبد الجبار عبد الله

    إيهٍ ...إيهٍ..آهٍ من قوافل الأصدقاء والفنانين والمبدعين الذين ما انفكوا يشدّون الرحيل واحداً تلو الآخر.. هكذا في صمت ودونما استئذانٍ أو وداعٍ إلى "عالم هاديس". وأنَّى لنا بأورفيوس هذا القرن ونايه السحري الذي ينفخ الروح في الموتى ويعيدهم إلى عالم الأحياء مرة أخرى مثلما حدث في تلك الأسطورة اليونانية التي حكتها إلياذة هوميروس وما تزال من يومها تشكّل جزءا عزيزا مما هو مشترك بيننا نحن المسرحيين؟وها أنتَ آخرهم حامد جمعة، تحمل عصا ترحالك في صمت وكأنك تعيد علينا إنتاج مسرحيتك "الرجل الذي صمت" في وجهها التراجيدي الحزين في هذي اللحظة الأبدية الأخيرة الفارقة!
    وما بين "عالم هاديس" ومخزن أمي العتيق القديم، ثمّة في مكانٍ ما تقبع تلك البطانية الدافئة الرمادية اللون ذات الخطوط الزرقاء والقرمزية على كلا الجانبين التي جعلت منها أمي ما بين الأعوام 1978-1982 ماركة مسجلة باسم حامد جمعة وحده لا غير. كانت تقول إن مدّ أحد منا أو من الأصدقاء والصديقات يده إليها: "دي بطانية حامد جمعة... وما في زول يهبشا". وبالحرص ذاته كانت في بيتنا أغطية شتوية تحولت إلى ماركات خاصة مسجلة بأسماء أصدقاء وصديقات، أخوات وإخوان كُثر لا يحصى لهم عدد، لم تلدهم حاجّة الريلة ولكنهم أصبحوا لنا أخوة برضاعة دفء الشتاء وحده وحنان الأمومة ولقمة العصيدة وأكواب الشاي الحارة التي كنا نكشحها في جوفنا ونتركها فارغة في لمح البصر بينما لا تزال تتصاعد منها ألوية البخار الحار. وكم رشفتُ ذات الأكواب أيضا من يد أختي وصديقتي العزيزة أميرة الجزولي أنا وصديقي زوجها الراحل محجوب شريف الذي كان يحرّضني في عناد غريب على عمل "دويتو" نصدر فيه صوتا ثنائيا عاليا أثناء ارتشاف الشاي الحار، ثم يقول لي بعد أن نضع الكوبين معا فارغين تماما ويتصاعد منهما البخار: "أيوه نحن بنشرب الشاي كده.. مُش زي بنات الأحفاد الرقيقات اللائي يرشفنه في دلعٍ بلا صوت". يا لحلاوة الروح وذاك المزاج المسرحي المشاغب الخلاّق..فتأمّل! أين أنتما الآن لنرشف تلك الأكواب معا؟

    كيف نقرأ كلاسيكيات المسرح العالمي بعين نقدية حديثة؟ وضمن ذلك، كيف نفهم مسرحية عُطيل وكيف نجيب عن ذلك السؤال الفلسفي الجمالي المُلِغز العويص "لماذا تلكّأت يا هاملت؟" وماذا يكمن وراء نظرية "موت المؤلف" في الدراما و"مسرح الممثل"؟ وبأي الأشكال والرؤى يمكننا توظيف مسرح الصحيفة الحية واتجاه المسرح الحي عموما في المشهد المسرحي السوداني؟ ومن أي منظور نواصل العمل على "إعداد الممثل" استنادا إلى كتاب ستانسلافسكي الشهير الذي يحمل ذاك العنوان؟ وهل ما زال يكتسي ذلك السِفر الأهمية ذاتها في تعلُّم حرفية التمثيل والأداء قياسا إلى نظريات أخرى حديثة منافسة في الحقل نفسه كما هو الحال لدى برتولد بريشت ومسرحه الملحمي النقيض لفكرة الإيهام من أساسها، أو كما يذهب مييرهولد وجروتوفسكي في الدعوة إلى المسرح الفقير؟ وكيف نستخدم المسرح أداة للتعليم ومحو الأمية ونشر الوعي العام مثلما حدث في البرازيل؟ وهل ثمة سبيل لاستعارة تجربة مسرح الشارع والمسرح المتجول وتجارب المنودراما لتمكين العرض المسرحي من الذهاب إلى جمهوره والبحث عنه عوضاً عن تلك العلاقة الكلاسيكية الثابتة التي يتجه فيها الجمهور نحو العرض المسرحي عادةً؟ وما هي التقاطعات وخطوط التماس بين الدراما والتشكيل وفنون الرقص والغناء وغيرها من الفنون المرئية المسموعة؟ ومن أي منظور ورؤى يمكننا تطوير شكل العرض المسرحي في السودان؟وكنا قد تنبهنا في وقت مبكر من دراستنا المسرحية المشتركة–بفضل أساتذة كبار مرموقين، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عثمان جعفر النصيري، وهاشم صديق، وعلي عبد القيوم، ويحيى الحاج وفتح الرحمن عبد العزيز-إلى أن تجربة المسرح في السودان قد نشأت منبتّة الجذور عن إرثها الكامن في محفل التراث الشعبي السوداني، وأنها تشكلت على أساس فهمٍ أرسطيٍ للدراما، كونها جاءت وافدة مع المد الكولونيالي الغربي ومرجعيته القائمة على هيمنة المركزية الأوروبية. ولهذا فقد كنا شديدي الاهتمام والشغف بتجارب الطليعة والحداثة المسرحية الباحثة عن أشكال ورؤى جديدة للتعبير المسرحي، ومنها بالطبع تجارب المسرحيين في غرب أفريقيا، وفي نيجريا على وجه التحديد، حيث وولي سوينكا وبحثه الدؤوب عن شكل خاص فريد لما يمكن أن يكون عليه المسرح القائم على ركائز الثقافة الوطنية المحلية وإرثها الشعبي بطقوسه وأساطيره ورقصاته وفنون عرضه وحكاياته الشعبية وتراثه الشفوي. وضمن ذلك كانت تتقاطع ما بيننا القراءات والسجالات النظرية العميقة في تاريخ المسرح ونظرية الدراما واتجاهات المسرح وتياراته في مجالات التمثيل والإخراج وسيميولوجيا العرض والنقد المسرحي وعلم الجمال وفلسفة الفن..إلى أخره.

    كان هذا بعضٌ مما احتقبناه معاً من زاد معرفي إبداعي غني إلى قسم الدراما بقصر الشباب الأطفال، حيث سبقنا إليه الأستاذ الفنان المسرحي القدير، محمد عبد الرحيم قرني، والأستاذة الممثلة البارعة فادية جنيدابي، ثم جئت أنا وزملائي حامد جمعة والرشيد أحمد عيسى وحاتم محمد محمد صالح. وقبل ذلك كان هناك رصيد ثر من التجارب المسرحية الباذخة التي أرستها عروض دبلوم المعهد والنشاط المسرحي المستمر داخل المؤسسة وخارجها، من أمثال "مسرحية حب على الطريقة السودانية" من تأليف وإخراج الفنان الفاتح مطيع، وذلك التقليد السنوي الذي يقام احتفاءا بالمسرح الملحمي وغيره. وكانت هناك أيضا جماعة السديم المسرحية التي ما تزال المداميك الراسخة التي وضعتها ترفد الحركة المسرحية وتلهمها بكثير الرؤى والأفكار الإبداعية الخلاقة. هنا أناديك صديقي الشاعر والكاتب المسرحي محمد محي الدين، ألومك على اختبائك في خلف الكواليس عني في ظلام الأبدية. أتذكُر أنَّا في ربيع الحب كنا نتناجى ونغني؟ باخَتِ الدنيا علينا يا صديق.. شجرٌ شاحبٌ وعيونٌ حزينةٌ .. كما تقول .. إلى أن أصبحتَ أنت وحامد جمعة وغيركما كثيرون جزءا لا يتجزأ من سُداةِ ذلك الحزن المخيّم بيننا ولُحمته.

    وفي حديقة قرني ومحمد محي الدين وحاتم محمد محمد صالح وعادل السعيد وعادل الياس وجلال بلال ويحيى فضل الله وقاسم أبو زيد والسماني لوال وعبد الله الشماسي وديرك ألفريد أويا وآخرين تفتقت زهيرات جماعة السديم المسرحية، وقدّمت للمرة الأولى إلى جمهور المسرح، خاصة في الجامعات والمعاهد العليا والساحات الشعبية والقرى والمدن خارج العاصمة، زميلنا الكاتب المسرحي والممثل القدير حامد جمعة. وكأني أراه الآن في عروضه الصامتة الشعرية البهية تلك وهو يحكي بلغة الجسد وحدها ما تئن تحت وطأته اللغة وتعجز عن حمله جميع الكلمات. أنّى لنا الآن ذلك الجسد المسرحي الممشوق؟ أنّى لنا ذاك التوازن الحركي الدقيق، تلك الخطوات الرشيقة التي تفعل فوق منصة المسرح الأفاعيل بسحر فنون التشكيل الحركي الأخاذ؟
    وبإسهامه وإسهام كل طاقم الأساتذة والأصدقاء والصديقات، تحولت تلك المساحة السخية المخصصة لقسم الدراما بقصر الشباب والأطفال إلى "معمل مسرحي" بمعنى الكلمة والعبارة. فهناك توضع المعايير الدقيقة الصارمة لاختيار الطلاب والدارسين على أساس الموهبة وحدها ولا شيء سواها. ومن ثم تُجرى المعاينات ويبدأ العام الدارسي والحصص والمحاضرات التي يمكنك أن تضبط عليها ساعتك تماما وكأنك في إنجلترا أو سويسرا أو ألمانيا.
    وهناك يبدأ تدريب الممثل المخرج الكاتب العارف بحرفية التمثيل والإخراج والتأليف المسرحي عبر فن الارتجال والتجريب اللذين كانا ضمن المواد الأساسية التي يقوم عليها منهج القسم. وكان حامد جمعة يُعدي الدارسين بفيروس عشق المنصة وفنون الحركة والرقص وتعاويذ لغة الجسد. وكانت المعرفة النظرية بكل هذا وباتجاهات نظرية الإخراج والتمثيل وتاريخ المسرح جزءا لا يتجزأ من ذلك الفعل المسرحي المتكامل العناصر والبنيان.
    ليست هذه هي المناسبة التي أستطرد فيها في الكتابة عن هذه المدرسة المسرحية البالغة الأهمية في تطورحركة المسرح الحديث في السودان، ولكنني سأفعل وسأفي بديني كاملا لها ولصديقي وأستاذي محمد عبد الرحيم قرني مؤسسها ورائدها بلا منازع. وكانت تلك المدرسة، بفضل إلهامه وقيادته، ومشاركتنا جميعا فيها، بمثابة "معطف غوغول" في عالم الأدب الروائي ردا للعبارة الشهيرة "لقد خرجنا جميعا من معطف غوغول" إلى قائلها الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي. فقد تخرّجت في ذلك القسم الركائز الأساسية التي تقوم على جماع إسهاماتهم وإبداعاتهم الحركة المسرحية اليوم، كما عدّدهم الفنان القدير محمد تروس، الذي هو نفسه أحد أبرزخريجيها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ولج إلى عالم الدراما من هناك:
    سيف الإسلام حاج حمد، نزارأحمد ادريس، سيد عبدالله صوصل ، صالح عبد القادر، عبدالحكيم عامر ، عوض شكسبير، عبد السلام الطاهر، قاسم أحمد، عبد الحفيظ على الله، حافظ محمد خير، عبدالسلام جلود ،محمود عبداللطيف كابو ، لؤي حامد، دفع الله حامد، تهاني عبدالله ، عبدالمجيد حسن ، قسم الإله حمدت الله، عبد العظيم حمدنا الله، مجدي النور، آمال مصطفى و عشرات من الممثلين و المخرجين، بمن فيهم الفنان الأسطورة محمود عبد العزيز الذي طغت عليه ميوله الغنائية الموسيقية، فغادرنا إلى ذلك الفن المجاور القريب.

    وفي سياق الذكرى والتداعيات هذه، قرأتُ ذات مرةٍ في سيرة الفيلسوف الألماني الكبيركانط أنَّ سحابةً كبيرةً بيضاء قد خيمت في سماء مدينته الألمانية يوم رحيله، وأنها رابضت هناك على مدى ثلاثة أيام بلياليها دون أن تبرح مكانها. ولتكن لك يا صديقي حامد تلك الشموع والأنجم الكثيرة اللألاءة التي بعثرتها في سمائنا الصافية الزرقاء على امتداد ما يربو على ثلاثة عقود من الزمان منذ تخرُّجه في عام 1982.

    عزائي الحار لرفيقة دربه صديقتنا سهير، لأسرته الكبيرة الممتدة ما بين الجبلين إلى الرجّاف إلى كوستي، لجميع زملاء دراسته ومن نحتوا معه قصوراً وأيقونات من بهاء الفن المسرحي. تبكيك العصافير، نسائم النيل وذرات رمل الصحراء، ودموع حاجّة الريلة، أمك الأخرى التي أحبّتك ولن تنساك أبداً وما تزال تحفظ بطانيتك ماركة مسجلة باسمك وحدك دون سواك.
                  

01-14-2016, 11:43 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حامد جمعة ومعطف غوغول • عبد الجبار عبد ال (Re: محمد تروس)




    عزائي الحار لرفيقة دربه صديقتنا سهير، لأسرته الكبيرة الممتدة ما بين الجبلين إلى الرجّاف إلى كوستي، لجميع زملاء دراسته ومن نحتوا معه قصوراً وأيقونات من بهاء الفن المسرحي. تبكيك العصافير، نسائم النيل وذرات رمل الصحراء، ودموع حاجّة الريلة، أمك الأخرى التي أحبّتك ولن تنساك أبداً وما تزال تحفظ بطانيتك ماركة مسجلة باسمك وحدك دون سواك.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de