نهاية كهنة المعبد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 08:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2015, 07:42 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نهاية كهنة المعبد

    06:42 PM Dec, 24 2015

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر


    ما الذي يتمناه أي كاتب صحفى في دولة كبيرة ومهمة مثل مصر؟
    أن يبنى مجده بانفرادات صحفية لا يقترب منها غيره، أن يكتب مقالات مدوية تصبح محورًا لحديث المجالس العامة والخاصة، أن يكون مصدرًا للأخبار والأسرار التي تدور خلف كواليس قصر الحكم.
    يمكن أن يفعل أي كاتب صحفى ذلك عبر مصادره الخاصة، لكن لا شىء يزن عند الصحفيين المصريين درجة ومرتبة أن يكونوا مقربين من رأس النظام، أو أن يحظى أحدهم بلقب كاتب الرئيس، مهما تعرض بسبب ذلك من انتقادات أو تلقى من هجوم، فأن تكون في معية الرئيس فهذا يكفيك، حتى لو ادعيت غير ذلك.
    منذ ظهور عبدالفتاح السيسى، على الساحة السياسية وهناك محاولات لا تنقطع من كبار الكتاب الصحفيين، للتأكيد على أنهم رجاله، يجلسون معه وينقلون عنه، يعرف الصحفيون أن تأكيد ذلك سيفيدهم مهنيًا وشخصيًا. هنا محاولة لرصد ما جرى، محاولة نقترب فيها من تكوين الرئيس السياسي والثقافى، ومما قاله الصحفيون الكبار الذين يدور بينهم صراع أقرب ما يكون إلى المعركة الحامية على عقل الرئيس والانفراد به.
    يمكن أن تعتبر ما ستقرؤه هنا فصلًا خاصًا من فصول قصة الصحافة والسياسة في مصر، قد تكون مكتملة وقد تنقصها بعض التفاصيل، لكننى في الغالب أحاول أن أكون موضوعيا فيها قدر الإمكان، فقد كنت شاهدًا على بعض فصولها، سمعت من أصحابها ما قالوه، ووضعت ذلك كله على طاولة أداء الرئيس السياسي.
    يمكن أن تكتشف من خلال هذه الحلقات هزال البعض من الصحفيين، وقوة البعض الآخر، لكنك ستعرف في النهاية أننا أمام نمط جديد من التعامل مع الرئيس، يقوم على أنه لا يوجد في مصر، حتى الآن على الأقل، من يمكننا التعامل معه على أنه كاتب الرئيس أو المعبر المباشر عنه، فالجميع يدّعى وصلًا بـ«عبدالفتاح السيسى»، والسيسى لا يقر لهم بذلك.
    القصة طويلة.. وهذه فقط بعض فصولها، يمكننا أن نستكملها بعد ذلك، فما سأكتبه هنا كافٍ جدا، لأن أقول إن عصر الكهنة الذين يسكنون قصر الرئاسة انتهى، وإن ما تسمعونه من كبار الصحفيين لا يعبر بالضرورة عن الرئيس، بقدر ما يعبر عنهم وحدهم.



    أقترب من «المجلس العسكري» بعد «٢٥ يناير» ولما أدرك أنه سيحترق ابتعد وقصف «رأس طنطاوى»
    أراد بـ«مقال الستين ساعة» أن يقول للجميع إنه «رجل الرئيس القادم» فلما رفض «السيسى» وجود «كهنة» بدأ فى الهجوم على النظام

    العام ٢٠٠٨.. كنت أبحث عن التكوين النفسى والاجتماعى لصناع صحافة الإثارة فى مصر، ضمن مقابلات متعمقة لإنجاز رسالتى للدكتوراه، تواصلت مع عبدالله كمال، الذى كان وقتها رئيسًا لتحرير جريدة ومجلة «روزاليوسف»، وإبراهيم عيسى الذى كان رئيسًا لتحرير «الدستور» فى إصدارها الأسبوعى، راوغنى عبدالله واستجاب إبراهيم على مضض.
    المصادفة وحدها جعلتنى أجرى مقابلة بعد لقاء إبراهيم مع أستاذنا الدكتور فاروق أبوزيد، كبير خريجى كليات ومعاهد الإعلام فى مصر، وجدته يقول لى بلا مقدمات: لديك مثلًا عبدالله كمال الذى يدافع عن نظام مبارك بصرامة، وإبراهيم عيسى الذى يهاجم هذا النظام بعنف، أتخيل فى لحظة معينة أن كلًا منهما يمكن أن يحتل مكان الآخر، إبراهيم يدافع عن النظام وعبدالله يهاجمه، فكل منهما مشروع خاص، لا ينظر إلا لمصالحه وحدها، ولو تبدلت مصلحتهما لاحتل كل منهما مقعد الآخر.
    لم تتحقق نبوءة فاروق أبوزيد إلا بعد سنوات، تحول إبراهيم عيسى لمدافع شرس عن نظام السيسى، بينما كان عبدالله يناوشه، وأعتقد أن الأقدار لو كانت كريمة مع عبدالله كمال أكثر من هذا وامتد فى عمره (توفى فى ١٣ يونيو ٢٠١٤، أى بعد اعتلاء السيسى كرسى الرئاسة بأيام قليلة) لأصبح لدينا معارضًا، واضح الموقف، حاد العبارات، فلم يكن النظام ليستريح لعبدالله كمال، ولا كان عبدالله سيستريح له.
    بنى إبراهيم عيسى مجده بعبارتين، الأولى صاحبته فى تجربته الأولى، عندما أصدر الدستور فى العام ١٩٩٦، يومها كان يقول إنه يريد تغيير العالم، أصدر صحيفة مختلفة، كانت الدستور هى الصحيفة الأولى فى مصر بلا منازع، ولما ركبه الغرور، واعتقد أنه لا أحد أقوى منه، ولا تستطيع قوة أن تغلق صحيفته، صدر القرار فى دقائق، لتغلق الدستور أبوابها فى فبراير ١٩٩٨، ومنع تداولها فى مصر، فقد كانت صحيفة قبرصية.
    قضى إبراهيم سبع سنوات بعيدًا عن جريدته، حاول خلالها أن يصدر عددًا من الصحف، لكن النظام حال بينه وبين أن تكون لديه صحيفة، وهذا سجل طويل سيأتى وقت لنرويه، بما فيه من حقائق وأكاذيب، فقد كنت شاهدًا على بعض فصوله، كان إبراهيم يصور للجميع أن النظام يحاربه بغرض تخويفه، بينما سمح له بالكتابة فى عدة جرائد، وقدم لأول مرة برنامجا تليفزيونيا على شاشة دريم، بما يعنى أنه لم يكن ممنوعا بشكل كامل، فقد حاصروه، لكن تركوه يتنفس، كما جرت عدة صفقات ليُصدر من خلالها صحفًا، لكنه كان يفسدها بشروره، واعتقاده أنه لا يزال قادرًا على تغيير العالم.
    العبارة الثانية كانت فى العام ٢٠٠٥، عندما سمح له نظام مبارك بإصدار صحيفة «الدستور» كجريدة مصرية، أصدرها بقناعة أنه صاحب رسالة، ومكلف من عموم الشعب المصرى بتغيير النظام، فحمل على كتفيه الآية الكريمة «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى» وكان الفرعون هو مبارك، الذى لم ينس إبراهيم ثأره عنده فى أى لحظة.
    فى المرة الثانية لم يكسر «مبارك» إبراهيم عيسى لأنه كان يعارضه، ولكن لأنه فتح جريدته للإخوان المسلمين، عدو النظام التقليدى، صنع منهم أبطالًا، وتعامل معهم على أنهم أشرف من فى مصر، وصدرت أعداد كثيرة من «الدستور» كنت تشعر أنها مكتوبة بالكامل فى مكتب الإرشاد بالمنيل.
    أنكر إبراهيم أنه عقد صفقة مع الإخوان، يدافع عنهم مقابل أن يشتروا صحيفته، وأنا أصدقه تمامًا، فلم يكن فى حاجة لعقد صفقة ليشتروا، كان يكفيه ويكفيهم أن يتحول إلى صوتهم، ليصبحوا زبائنه بالأمر الإخوانى المباشر، وكان لا بد من نهاية فدخل على الخط رجل الأعمال والسياسة السيد البدوى، فخلع إبراهيم من جريدته، ليمنحه طاقة جديدة وحيوية، تجعل الشارع ينظر إليه على أنه البطل الوحيد الذى قال لمبارك فى عز سطوته وجبروته «أنت طاغية».
    لم يكن هذا صحيحًا بالمرة، فلم يكن إبراهيم عيسى وحده من وقف فى وجه مبارك، فعلها قبله عبدالله السناوى، رئيس تحرير جريدة العربى الناصرى، التى كان يعاونه فى إصدارها عبدالحليم قنديل، الذى دفع ثمن معارضته الحقيقية لمبارك وزوجته ونجله «علقة ساخنة»، وإجباره على أن يسير عاريًا فى الصحراء، بينما لم يتعرض إبراهيم لأى شيء، بل حصل على عفو من مبارك بعد حملة مفبركة نشرها عن صحة الرئيس، ويومها قال مبارك إنه لا يحب أن تكون هناك خصومة بينه وبين أحد مواطنيه، فتقبل إبراهيم العفو شاكرًا ومهللًا.
    بعد ثورة ٢٥ يناير عاش إبراهيم حالة نادرة من الانتشاء السياسى والمهنى، ليس لأن خصمه اللدود مبارك سقط من على عرشه، بكلمة الشعب الذى كان يريد إسقاط النظام، ولكن لأنه كان يشعر أنه كان واحدًا ممن أسقطوه، ليس لأنه دفع بالإخوان إلى مقدمة المشهد، فى مخالفة صريحة لمبادئه وما يعتقده، ولا لأنه احتضن البرادعى ودافع عن مشروعه ووقف إلى جواره وأسهم فى صياغة تويتاته، ولا لأنه كان أحد آباء حركة ٦ أبريل، كانوا يرجعون إليه فى كل خطوة يتخذونها، قال هذا أحمد ماهر، مؤسس ٦ أبريل فى رسالة كتبها من سجنه، وأقر فيها أن إبراهيم كان مستشارهم يعودون إليه ويستشيرونه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد أن يسألوا: «وهيما رأيه إيه؟»، ولكن لأنه كان يعتقد أنه يستطيع أن يحرك الشارع بمقالة يكتبها بلغته الإنشائية الخطابية الخالية من أى معلومة، فلم يكن إبراهيم عيسى يومًا «صحفى معلومات» ولن يكون.
    مثل كثيرين اقترب إبراهيم عيسى من قيادات المجلس العسكرى، لكنه عندما أدرك أنه سيحترق، ابتعد سريعًا، وبدأ فى وصلة الهجوم، ولأنه لا يجيد اللعب مع الكبار، فقد قصف رأس المشير طنطاوى أكثر من مرة، علل هو ذلك بأنه ابتعد عن المجلس العسكرى من ناحية لأنه لم يحسن التصرف فى أحداث محمد محمود فى نوفمبر ٢٠١١، ومن ناحية ثانية لأنه مكّن الإخوان من رقبة البلد.
    من هذا السبب تحديدًا يمكن أن ندخل لعلاقة إبراهيم عيسى بعبدالفتاح السيسى، وهنا لا بد أن نعود إلى مقال إبراهيم الذى كتبه فى جريدة «التحرير»، العدد الأسبوعى فى ٢٣ يناير ٢٠١٤، فيه قال إبراهيم إنه يبرئ السيسى مما فعله المجلس العسكرى من تمكين الإخوان من مفاصل البلد، وعلل هو ذلك متطوعًا بأنه وقتها لم يكن مشاركًا فيما حدث، حسب ما يقول: «كنت أعرف وبشكل شديد الدقة مشحون بالتفاصيل أن السيسى يتحفظ تماما على الإخوان ودورهم ولعبتهم، لكن القرار وقتها كان قرار من يقرر لا من يفكر».
    كان عنوان مقال إبراهيم هو «قبل أن يصبح السيسى السيد الرئيس»، وفيه كشف لأول مرة عن علاقة خاصة جمعته باللواء عبدالفتاح السيسى، فقد كان يلتقى به بعد ثورة يناير يوم الإثنين من كل أسبوع، وكان ثالثهم فى هذه اللقاءات هو اللواء محمد العصار، الذى يكن له السيسى تقديرًا واحترامًا.
    أحصى إبراهيم عيسى الساعات التى قضاها فى معية السيسى والعصار، وأكد أنها تجاوزت الستين ساعة، فيها كما يقول: «كنا نتكلم ثلاثتنا بلا حد ولا سقف فى شئون الوطن».
    احتفظ بعيسى بتفاصيل ما دار فى هذه الجلسات، وكما قال هو فى مقاله: «لم أذع مطلقًا حتى اليوم لا خبر هذه اللقاءات ولا تفاصيل ما فيها، ولا ما كنت أعرف يومها من الرجل من أسرار وحقائق ما كان ينبغى أن تكون محلا للبوح».
    والسؤال الذى لا بد أن يراودك هو: «لماذا أفصح إبراهيم عيسى عن هذه اللقاءات قبل أن يرشح السيسى نفسه لانتخابات الرئاسة؟ فى يناير ٢٠١٤ لم يكن قد رشح نفسه من الأساس، كان ملتزما بالصمت تماما، لكن إبراهيم ومن خلال مقاله لم يجزم بأن السيسى سيرشح نفسه للرئاسة فقط، ولكنه سيصبح رئيسًا للجمهورية أيضا؟».
    والإجابة التى يمكن أن تقابلك بسهولة دون تفكير عميق هى:
    أولًا: أراد إبراهيم عيسى أن يقول للجميع إن السيسى اصطفاه وحده دون الآخرين، فقد كان يقابل أعدادًا من الصحفيين والمثقفين والمفكرين ليشرح لهم دور الجيش فى الثورة، وماذا فعل الجنود على الأرض، وتعقيبات الموقف السياسى الذى وجدت فيه القوات المسلحة نفسها أثناء الثورة وبعدها، لكنه كان يقابله وحده وبشكل منفرد كل أسبوع، ليروى له أسرارًا خصه بها.
    ثانيًا: أوحى إبراهيم بما قاله أنه مقرب من السيسى بدرجة كبيرة، يعرفه جيدًا، فقد استمع منه ما لم يسمعه الآخرون، وكأنه يريد أن يقول للجميع إنه مكمن سره، ومستودع أفكاره وآرائه.
    ثالثًا: أراد عيسى أن ينفرد بيقين يتحدث به دائمًا - يتعامل به دائمًا - وهو أنه لا يخطئ أبدا، وأن يكون المبشر الأول ليس بأن السيسى سيرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، ولكنه سيكون الرئيس، فلا منافس له، ولا أحد يصلح لهذه المهمة، وكأنه يقدم أوراق اعتماده لرئيس مصر القادم.
    رابعًا: ما فعله السيسى يمكن التعامل معه على أنه كان محاولة لمصادرة السيسى له وحده، أراد أن يقول إنه المقرب وإنه المصطفى والمختار، ولذلك ليس من حق أحد أن يقترب.
    خامسًا: أراد إبراهيم أن يؤكد للسيسى من خلال مقاله أنه يمكن أن يكون مُنظره الذى يحمله إلى الناس، ويمنحه شرعية سياسية، فقد أخرجه من مجموعة المجلس العسكرى التى مكنت الإخوان من رقبة مصر، ثم أضاف إليه أنه كان صاحب رؤية واضحة ومحددة ونبوءة بأن الشعب سوف يستدعى الجيش مرة أخرى، وكان هذا قبل أن يصل محمد مرسى إلى الرئاسة من الأساس.
    لا يمكن أن تلوم إبراهيم عيسى على محاولته مصادرة السيسى، وتصوير نفسه على أنه صديقه ومصطفاه والمقرب منه، والقادر على تقديمه بشكل مختلف للجماهير، فالكاتب الكبير كان فى النهاية يريد أن يحجز مقعده إلى جوار الرئيس القادم، أن يكون وحده إلى يمينه، لا يسمع إلا له، ولا يفكر إلا بعقله، لكن السيسى فيما يبدو خذله.
    عندما رشح عبدالفتاح السيسى نفسه للرئاسة أصبح متاحًا للجميع، جلس إلى الصحفيين والإعلاميين فى أكثر من جلسة، كان إبراهيم واحدًا من آخرين، لا وضع مميز ولا مكانة خاصة، وحتى عندما أجرى معه حوارًا مطولًا لم يفعل ذلك بمفرده، بل شاركته فيه لميس الحديدى، ليتأكد للجميع أن إبراهيم لا ميزة خاصة له عند السيسى.
    فى هذا الحوار تحديدًا بدا أن فجوة نفسية وسياسية تفصل بين الرئيس والكاتب، وأعتقد أن عيسى لن ينسى طوال حياته الغضبة الشهيرة التى أعلنها السيسى فى وجهه، عندما قال له لن أسمح لك أن تقول كلمة عسكر، ابتلع عيسى غضبة السيسى، بدا عليه التوتر، لكنه لم يملك وقتها إلا الصمت، الذى عابه عليه مريدوه، الذين يعتقدون فيه شجاعة نادرة وقدرة على المواجهة.
    خرج عيسى من هذا الحوار بحالة غير التى دخل بها، مؤكد أن الرسالة وصلته، فليس مسموحًا له أن يقول كل ما يرى أو يريد، رغم أنه أكد أن حديثه مع السيسى فى جلسات الستين ساعة كان بلا حدود ولا سقف من أجل مصلحة الوطن، وقد يكون عيسى فهم لحظتها أن عبدالفتاح السيسى الذى يجلس أمامه فى حوار، بوصفه مرشحًا رئاسيًا، ليس هو عبدالفتاح السيسى الذى كان يتحدث معه بأريحية ويفصح له عن أسرار وأخبار يخصه بها وحده.
    من الصعب بالطبع أن نصف حالة التأييد العارمة التى أبداها عيسى لمشروع السيسى الوطنى والسياسى بأنها كانت من باب الكيد للإخوان وجماعتهم، فلا يمكن أن أطعن فى وطنية إبراهيم، لكن حالة التأييد لم تكن أيضًا لقناعته المطلقة بما جاء به الرئيس السيسى.
    إبراهيم عيسى ببساطة لا يؤيد إلا نفسه، قرر بعد الضربات التى تعرض لها ألا يخسر أبدًا، ولذلك تراه يقفز بين المعسكرات والقنوات والجرائد، فهو يقف مع من يعرف أن مصلحته معه، بصرف النظر عن التناقضات التى يقع فيها، ولا الانقلابات الحادة التى أصبحت صفة مميزة من صفات مشواره السياسى والمهنى، فهو يولى وجهه شطر مصلحته، ضاربًا عرض الحائط بكل ما يقال عنه أو فيه.
    بعد أن استقر عبدالفتاح السيسى على كرسى الرئاسة أدرك إبراهيم عيسى أن السيسى لن يصطفى كاهنًا ليكون إلى جواره، الرئيس لم يخطط من الأساس ليكون فرعونًا، ولذلك فهو ليس فى حاجة إلى كهنة، إنه يطالب الجميع بالعمل، يتواصل بنفسه مع الناس، يعتذر إذا ما بدر منه ما يسىء للناس، ليس لديه ما يخفيه، ولذلك فلا حاجة لـ«كاتب» يتحول مع الأيام إلى «كاتب للرئيس».
    استرد إبراهيم عيسى نفسه، لكن بعد أن فقد كثيرًا من بريقه، فعندما كان يقدم أوراق اعتماده ككاتب للرئيس، تخلى عن صورة البطل المناضل، تحول فى مواقف كثيرة إلى مبرراتى، صحيح أنه مبرراتى مثقف بليغ واثق من نفسه خطيب مفوه، لكنه فى النهاية مبرراتى.
    فعل إبراهيم عيسى مثل الغراب الذى قرر أن يكف عن الطيران ليتعلم مشية الطاووس، وعندما فشل فى أن يكون طاووسًا حاول أن يعود لسيرته الأولى، لكنه فوجئ بأنه نسى الطيران تماما.
    قدم إبراهيم نفسه مفسرًا ومحللًا لكلام الرئيس، كثيرًا ما تجده فى حلقاته التليفزيونية ومقالاته الصحفية يقول إن الرئيس كان يقصد كذا، أو أنه لا يقصد كذا، دافع عنه كثيرًا، مدحه كثيرًا، كل محاولاته تكسرت على عتبة رئيس قرر ألا يصنع كهنة، وبدلًا من أن يصمت الكهنة تحولوا إلى مصدر إزعاج.
    لا يمكن أن أقارن إبراهيم عيسى بهيكل، المقارنة ظالمة لعيسى ومهينة لهيكل، لكن هناك ما يربط بينهما، عندما سدت الطرق المباشرة بين هيكل والسيسى، تحول هيكل إلى خصم واضح، وعندما سدت هذه الطرق بين عيسى والرئيس، ارتبك إبراهيم جدًا، للدرجة التى لا تعرف أين يقف تحديدًا، هل هو مع نظام ٣٠ يونيو أم ضده، هل يؤيده أم يعارضه، هل يحسن به الظن، أم يهيل عليه التراب؟
    بهذا النموذج صنع إبراهيم عيسى لنفسه ومن نفسه ممثلًا للنخبة الفاسدة التى تساعد فى إرباك الناس بدلا من تنويرهم، أما كيف يحدث هذا فهذه قصة طويلة تستحق أن ننتظرها غدًا.


    ياسر رزق.. أزمات جليس الـرئيس الـذى يعرف أكثر مما ينبغي

    يتعامل مع «السيسى» بطريقة أنيس منصور مع «السادات»
    لا يستطيع لعب دور «كاتب الرئيس» لأنه يجلس أمامه ممسكًا قلمه وورقته دون أن يفكر أو يمنحه خبرته أو اقتراحاته
    «السيسى» معجب بإخلاص «ياسر» ومنحه أول حديث صحفى تكريمًا له
    لم تتوفر لى خلال التسعة عشر عامًا، التى عملت بها فى الصحافة، فرصة العمل مع ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم، ورئيس تحرير الأخبار، لم أقترب منه، ولم أجلس إليه ربما إلا مرة واحدة على قهوة الزمالك، وقتها كان قد خرج من بيته فى الأخبار إلى المصرى اليوم، سألنى عن رأيى فى تجربته الجديدة التى كانت لا تزال فى أيامها الأولى، فقلت: المصرى يمكن أن تكون بالنسبة لك مجدًا جديدًا ويمكن أن تكون قبرًا جديدًا.
    أبدى بعض الانزعاج، لكنه واصل حديثه عما يخطط له فى تجربة لم تستمر طويلا على أية حال، فقد كنت أعرف أن الصحفى الذى تربى فى مطبخ أخبار اليوم لن يستمر طويلا بعيدا عن ساحته التى يجيد اللعب فيها باحتراف، ثم وهذا هو الأهم فإنه لن يتنازل عن طموحه فى العودة إلى البيت الذى أخرجه الالجماعة الأرهابية منه.
    فى السنة٢٠٠٥ كان ياسر رزق واحدا من المرشحين لرئاسة تحرير الأخبار، لكن صفوت الشريف تدخل فى اللحظة الأخيرة، ليمنعه من الوصول إلى المكتب الذى يحلم به كل العاملين فى مؤسسة هى الأهم فى الصحافة المصرية، لم يكن ياسر بعيدا عن نظام مبارك، قضى سنوات من عمره محررا عسكريا، يعرفه القادة ويقدرونه، وبعد ذلك كان محررا للرئاسة.
    كان ياسر يعمل باحتراف، فهو صحفى الى أن النخاع، يغطى أخبار المؤسسة بدقة شديدة، يعبر عن سياساتها، وينقل قراراتها، لكنه طوال الوقت كان بعيدا نفسيا عنها، وعمن يعملون فيها، فوجدانه ناصرى، وهو ما جعل رجال مبارك لا يرتاحون له كثيرًا، اعتبروه دائمًا صاحب مزاج خاص، وجراء ذلك استفادوا من حريته، دون أن يمنحوه ما يستحقه.
    عبر المشير طنطاوى استطاع ياسر أن يصل إلى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، كان المشير فى زيارة إلى أسوان، وتواجد أنس الفقى هناك، طلب المشير من أنس وبشكل مباشر أن يتولى ياسر رئاسة تحرير المجلة، فاستجاب أنس، ولعله بذلك ضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يلبى للمشير ما يريده، وفى الوقت نفسه يثبت لصفوت الشريف الذى كان يشبه عقدة لكل وزراء الإعلام من بعده، أنه يمكن أن يأخذ قرارا يخص صحفيا كان هو وراء إبعاده عن منصب يستحقه.
    خمس سنوات قضاها ياسر رزق فى الإذاعة والتليفزيون، خلقها خلقا جديدا على يديه، صحيح أنه كان يحظى بدعم مباشر من أنس الفقى، لكن لأنه أسطى من أسطوات المهنة، فقد استطاع أن ينجح بما لم يتوقع أحد، فكثيرون من أبناء المهنة يمتلكون إمكانيات ضخمة، لكنهم لا يحققون نجاحا يذكر.
    كان غريبا ألا يتفرغ ياسر رزق لمجلة الإذاعة والتليفزيون، حرص على أن يواصل عمله فى الأخبار، لم ينقطع عنها يوما واحدا، وهو ما أرهقه، لكن حلمه بمقعد جريدته الذى يجرى وراء إليه جعل من الإرهاق متعة.
    قبل ثورة ٢٥ يناير بقليل وصل ياسر رزق إلى رئاسة تحرير الأخبار، كانت أسنان صفوت الشريف قد سقطت تماما، وأدى ياسر خلال أيام الثورة أداء مهنيا، لا يزال الكثيرون يأخذونه عليه، لكن قد تلتمس له العذر، فهو رئيس تحرير جريدة حكومية، وقريب من أنس الفقى، الذى كان ولا يزال يرى أن يناير مؤامرة مكتملة الأركان، لكن وبمجرد سقوط نظام مبارك، استرد ياسر نفسه، وكان صاحب النصيب الأكبر فى كشف فساد النظام، بل خصص صفحتين يوميا من جريدته لإجراء حوارات مع أعداد من الشخصيات التى تفاعلت مع نظام مبارك، كشف من خلالهم سوءات هذا النظام.
    عندما جاء الالجماعة الأرهابية المسلمون إلى الحكم، كان طبيعيا أن يتحرشوا سياسيا ومهنيا بياسر، أخرجوه من جريدته، ولم يقبلوا أى شفاعة من أجل عودته، قبل أن يأخذوا قرارهم برحيله، تدخل السيسى بنفسه، وهناك من يقول إنه تحدث مع خيرت الشاطر، الى أن يبقوا على ياسر، إلا أن خيرتاصدريومها: ياسر رزق ليس منا ولن يكون فى يوم من الأيام.
    ما الذى يحبه السيسى فى ياسر رزق على وجه التحديد؟
    عندما ترصد أداء ياسر السياسى والمهنى ستكتشف بسهولة أنه الصحفى الأكثر كتابة وحديثا عن عبدالفتاح السيسى، يتعامل فى هذه المساحة على وجه التحديد على طريقة أنيس منصور مع السادات (الرئيساصدرلى.. وقلت له)، وإن كان ياسر يحب أن تكون صيغته مع السيسى أقرب إلى علاقة هيكل بعبدالناصر.
    يعتقد كثيرون أن علاقة السيسى بياسر رزق قديمة وممتدة، اعتقادا منهم أن عمل ياسر كمحرر عسكرى أتاح له مبكرا أن يقابل السيسى ويتحدث إليه ويعرف عنه، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، كشفها رزق بنفسه، فى مقاله « السيسى الذى أعرفه».
    قبل أن تعرف القصة الحقيقية، لابد أن أشير إلى أن ياسر رزق من الصحفيين القلائل فى مصر الذين يعرفون أكثر مما ينبغى، لكنه عندما يكتب لا يقول كل شىء، يفصح عما يراه ضروريا فقط، أما بقية ما لديه، فيحتفظ به، للوقت المناسب، وهى فلسفة يعمل بها هيكل، وأعتقد أن المقربين منه استفادوا منها، فليس معقولا أن تكتب كل ما يصل إليك فى حينه، فماذا ستفعل عندما تتراجع مصادرك وتقل المعلومات التى تصلك؟ لابد أن تحتفظ ببعض المعلومات من أجلك ومن أجل أجيال جديدة قد تنضم لقرائك.
    أعود لما قاله ياسر عن علاقته بالسيسى، التقى به أول مرة بعد أسابيع من ثورة يناير، والمقصود هنا بعد تخلى مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية، كان السيسى وقتها مديرا للمخابرات الحربية، حضر اللقاء ثلاثة من كبار قادة القوات المسلحة، وثلاثة من كبار المثقفين (لم يفصح عن أسمائهم)، دار الحديث عن أسرار وتفاصيل دور الجيش فى مساندة ثورة ٢٥ يناير، وعن خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية الأولى التى رفعت البناء قبل وضع الأساس، فبدأت بالانتخابات البرلمانية وانتهت بالدستور.
    يقول ياسر إنه خرج من لقائه مع السيسى مأخوذا بشخصية القائد الشاب الهادئ المثقف المتدين مرتب التفكير، منظم العبارات المفعم بالاعتزاز بالوطنية المصرية والمؤسسة العسكرية العريقة.
    كان هذا اللقاء مقدمة للقاءات كثيرة جمعت بين السيسى وياسر رزق، بعضها كان مرتبا له بشكل فردى، وبعضها كان ضمن مجموعات، دارت بينهما حوارات كثيرة، للدرجة التى يمكن أن تتعامل فيها مع رزق على أنه جليس الرئيس، الذى ينقل عنه وينقل منه الكثير.
    تحدث ياسر عن ملامح إعجابه بالسيسى لكنه لم يتحدث عن أسباب هذا الإعجاب.
    فى اعتقادى أن بذرة الإعجاب وضعت فى اللحظة التى اكتشف فيها رزق أنه أمام قائد عسكرى مختلف، قبل أن يلتقى به كان قد قضى فى عمله كمحرر عسكرى ما يقرب من خمسة وعشرين عاما، تعرف خلالها على أنماط كثيرة من القادة، استمع اليهم ورآهم وهم يتحركون ويتحدثون، من اللحظة الأولى بدا أنه مختلف، ثم وهذا هو المهم بالنسبة لياسر، فإن السيسى يجسد أمامه نموذج الرئيس عبدالناصر، وهو النموذج المفتون به.
    كتب ياسر بعد خطاب السيسى الذى ألقاه فى الإسكندرية ٢٤ يوليو ٢٠١٣ ودعا خلاله جموع الشعب المصرى إلى النزول لتقويضه لمواجهة العنف المحتمل،اصدرإنه التقاه قبل هذا الخطاب بأيام فى مكتبه بمقر الأمانة العامة للقوات المسلحة، أفاض ياسر فيما جرى بينهما، لكنه قبل أن يخرج من مكتبه، وكمااصدرهو: تركت السيسى وهو يقول لى إن شاء الله مصر أم الدنيا وتبقى قد الدنيا، وقلت له: بإذن الله ما دام فى هذا البلد رجال مخلصون، وغادرت المكان وهو يفوح بعطر كرامة يذكرنا بالزعيم الاستثنائى جمال عبدالناصر.
    هل أحب السيسى فى ياسر رزق إعجابه بعبدالناصر؟
    أعتقد أن هذا ليس السبب، خاصة أن السيسى ورغم تقديره الشديد لتجربة ناصر فى الحكم، الا أنه ضاق بمن يحاولون إلباسه عباءة الزعيم الكبير، وقد فهم من حاولوا ذلك، فلم يعودوا إلى تشبيهه به، وإذا راجعت كتابات ياسر فلن تجد فيها ذكرًا كثيرًا لهذه النقطة، لكن فيما أعتقد جذب السيسى لشخصية ياسر إخلاصه واستقامته فى عمله، وتفانيه فى خدمة الفكرة التى يرى أنها صحيحة.
    وقد يكون هذا هو السبب الذى قبل على أساسه السيسى أن يجرى حوارا مع رزق فى جريدة المصرى اليوم، كان الحوار أشبه بتكريم صحفى، يعرف السيسى إيمانه به، ونوعا أيضًا من التدشين لكاتب مقرب من عقل الرجل وقلبه.
    كان حوار السيسى المطول مع ياسر فى المصرى اليوم غريبا بعض الشىء، كانت هذه هى أول مرة يتحدث خلالها الرجل القوى فى مصر مع الصحافة، وكان مفترضا أن يفعل ذلك مع الأهرام أو الأخبار أو الى أن الجمهورية، لكنه فعلها مع المصرى اليوم، بما يدل على أنه لم يختر الصحيفة، بل اختار الصحفى، وأعتقد أن ياسر ربح مهنيا من هذا الحوار كما لم يربح فى حياته الصحفية.
    حدث بعد ذلك أن تسربت مقاطع صوتية من حوار ياسر مع السيسى، وهى المقاطع التى نشرتها قنوات ومواقع الإخوان المسلمين، وهى أيضًا المقاطع التى لم تنشر فى الحوار الورقى، بالمقاييس السياسية ما جرى كان كارثة مكتملة الأركان، وبالمقاييس المهنية ما جرى كان فضيحة الصحفى والصحيفة.

    جرت تحقيقات وانطلقت شائعات، وانكشف الستار عن خيانات حدثت فى الجريدة، وأعتقد أن ياسر تعرض لضغط نفسى وصحى رهيب بسبب تفاصيل هذه الأزمة، فقد حمل حواره مع السيسى مسجلا، وإذا به بعد أيام من نشره، تصبح المقاطع المحجوبة من النشر متاحة ومنتشرة، ويتم التعريض بالرجل من خلالها، وأظن ظنا ليس كله آثما بالطبع، لو أن ما جرى من ياسر رزق حدث من صحفى آخر لانتهت حياته المهنية إلى الأبد، لكن يبدو أن رصيده الإنسانى عند السيسى كان كبيرا وجراء ذلك انتهت الأزمة، وخرج ياسر من المصرى اليوم ليصبح ليس رئيسًا لتحرير جريدة الأخبار التى خرج منها فقط، ولكن رئيسًا لمجلس إدارة أخبار اليوم.

    بعد ٣٠ يونيو تحول ياسر رزق إلى ما يشبه المتحدث الشخصى باسم السيسى، لم يكن ينقل أفكاره للناس فقط، ولكن كان يرسم له صورة كاملة، وإذا جاز التعبير فإن ياسر كان يقوم بعملية تسويق سياسية وإنسانية لعبدالفتاح السيسي، الرجل الذى كان يعرف الكثيرون عنه أنه سيصبح رئيسًا للجمهورية، حتى قبل أن يصل محمد مرسى إلى الرئاسة، ويساند السيسى الشعب المصرى فى الإطاحة به.

    لم ينتبه ياسر رزق– أو ربما كان منتبها تماما– إلى أنه وهو يرسم صورة تحمل كل تفاصيل السيسى السياسية والإنسانية، كان يرسم لنفسه هو الآخر صورة، يمكن أن نطلق عليها «جليس الرئيس»، حتى الآن ورغم كثرة ما كتبه ياسر ونقله عن السيسى إلا أنك لا تستطيع أن تتعامل معه على أنه كاتب الرئيس.

    كاتب الرئيس لا يجلس معه فقط، لا يرافقه فى كل رحلاته الداخلية والخارجية كما يفعل ياسر فقط، لا يجلس أمامه ممسكا قلمه وورقته لينقل عنه كل همسة يهمس بها فقط، قد يعجبك أداؤه، فهو رغم كل ما وصل إليه، إلا أنه يعمل بدأب تحسده عليه، يجلس إلى جوار المحررين الصغار، يكتب كل ما يحدث، وعندما يحمل محررو الرئاسة تغطيتهم إليه، يراجعها، ويضيف لهم ما أسقطوه، لكن هذا ليس كل شيء.

    فكاتب الرئيس هو من يفكر معه، من يمنحه خبرته وتجاربه وقراءاته، يقدم اقتراحات للخروج من أزمات، يتنبأ بما سيحيط به من مشكلات.

    يمكن أن يحتج ياسر بأنه يناقش الرئيس، يقدم له أفكارا كثيرة، لكن مما أعرفه، فهو يقدم خلال جلساته الممتدة مع الرئيس تفسيرات لما يحدث، وهى التفسيرات التى تظل وجهات نظر فقط، تكون إلى جوارها وجهات نظر أخرى، وعلى الرئيس الاختيار من بينها، وهو ما يجعل ياسر رزق ليس كاهنا متفردا، ثم إنه يستمع أكثر مما يتحدث، وقد تكون هذه ميزة مهمة فى الصحفى، لكنها ليست كذلك فيما يهتم بأن يكون له دور إلى جوار الرئيس.

    هناك ميزة يتميز بها ياسر عن غيره ممن يكتبون عن السيسى، وهى أنه يعرف الكثير، وإذا أردت أن تعرف ماذا حدث، فى لقاءات ورحلات واجتماعات الرئيس، فتأكد أنك ستجده لديه، لكن المشكلة التى تواجه الكاتب الطموح أنك لا تستطيع أن تعرف ما سيحدث من خلاله، وهو ما يعنى أن أمامه الكثير الذى يجب أن يفعله حتى يصل إلى هذه المرحلة، إنه أقرب ما يكون للمؤرخ الذى يسجل الأحداث الساخنة على الأرض، ويمكن ببساطة إذا أردت أن تعرف ما يحدث داخل كواليس النظام أن تكتفى بما يكتبه، فهو صحفى أمين ومتمرد تماما، لكن هذا كله لا يكفى بالطبع.

    هناك عقبة بالطبع تعترض طريق ياسر رزق، وللحقيقة ليس وحده، ولكنها تقابل أعدادا من الصحفيين الكبار الذين يحيطون بالسيسى، فهناك رغبة لدى المجموعة التى تعمل مع الرئيس، أن تكون هناك مجموعة جديدة من الشباب، يكونون هم الوسطاء الذين ينقلون منه وعنه للناس، وقد بدا الوضع محرجا فى زيارة الفيوم التى كان السيسى يفتتح خلالها أعدادا من المشروعات التى نفذتها القوات المسلحة.

    اجتمع الرئيس مع المجموعة التى تطلق على نفسها شباب الإعلاميين لما يقرب من ٢٠ دقيقة، كان يجب أن يتحدث الرئيس مع كل الصحفيين الموجودين، وكان ياسر رزق من بينهم، لكنه لم يفعل، وأصبح مطلوبا من الصحفى الكبير أن ينقل عن هؤلاء الشباب ما قاله الرئيس لهم، لكن ياسر يومها رفض، وقال إنه لن ينشر شيئا لم يسمعه من الرئيس بنفسه، وهو ما حدث بالفعل، ففى اليوم التالى خرجت جريدة الأخبار بتغطية للحدث خالية من التصريحات التى أدلى بها الرئيس لمجموعة الشباب، كان هناك ما هو أكثر، فقد أعلن اعتراضه على الطريقة التى تعاملوا به معه وكان إلى جواره رؤساء تحرير صحف قومية أخرى، ولأن مقامه محفوظ، فقد تواصلت معه الرئاسة فيما يشبه تطييب الخاطر، فلا أحد يقدر على إغضابه.

    قد يكون هؤلاء الشباب مجرد جملة اعتراضية فى العلاقة بين الصحافة والرئيس، سرعان ما ستنتهى، وربما تطول، على الأقل فى سياق صراع الأجيال، وأعتقد أن ياسر رزق على درجة من الذكاء والطموح والحيوية السياسية والمهنية ستجعله يتعامل مع أى مستجدات فى مساحة علاقته بالرئيس، بما يضمن بقاءه وتطوره وصعوده .. قد يكون هذا رهانه، وأعتقد أن لن يخسره.. أبدًا.

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de