الحب في زمن الثعالب (2 ) الأستاذ محمدحمدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2015, 03:04 PM

الطيب الشيخ
<aالطيب الشيخ
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 197

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحب في زمن الثعالب (2 ) الأستاذ محمدحمدي

    02:04 PM Dec, 24 2015

    سودانيز اون لاين
    الطيب الشيخ-الخرج ـ السعودية
    مكتبتى
    رابط مختصر

    ساحة مباركة
    الحب في أزمنة الثعالب (٢)

    توالت الأيام تباعا ونحل العام الدِّراسي ، و سوسن كانت تزداد في عينيه ألقا كأنما حين يقابلها يخيل له أن فراشات تخرج طائرة من على كتفيها ويخفق قلبه كعصفور يبدأ أول رحلات استكشاف العالم بعيدا عن العش ، ويتبعها لما وراء النَّخلتين والنوافذ ويعود أرقا و سهدا منتصف الليالي. كان في الصَّباح يراها وتنمو داخله الأغاني وفي المساء وعلى أطراف الحقول البعيدة ينثر الحبَّ للطيور ويتلف الفخاخ المنصوبة لصيدها، وفي عتمة الليل والسهد يجدد عهدا قطعه أنْ يقدم مايأتي قربانا لعينيها
    بعد انسداد الطُّرُق أستمع لمشورة صديقه.قال له وهما يذرعان الشَّوارع ليلا ويقصِّران الملل بالمسامرة إنَّ الحل يكمن في تلك اللغة التي لا ترد في كتب المدارس. ودله على بيت العرَّاف الأعرج محج الحيارى والتَّائهين.

    في أمسية مشحونة بالأشجان والترقب والحيرة سيجد نفسه في كن العرَّاف الأعرج بطرف الحي العشوائي. هذا هو إذن الرَّجل الذي بيديه إجابات المسائل العصية. بدا وجه العرَّاف على ضوء السِّراج شاحبا وحزينا.يداه خشنتان مثل حراشف سلحفاة هرمة. وهو يتحرك ببطء مثلها، يحرك رأسه يمينا ويسارا بصمت وهو ينبش مقتنياته القديمة والرثة ، أعواد وأخشاب وخيوط ملوَّنة من أيام درب الحرير والقوافل التي تعبر الصَّحارى في طريقها لتمبكتو. وهو ينتظر إجابة من هذا العرَّاف، الذي يُحْكى أنَّه سافر كثيرا وحارب في برقة وشاهد رومل يكتب فصل مجده الأخير في صحراء العلمين ، ولما عاد التزم الصَّمت والتَّنسُك وعمل أن يكفر عن سيئات الحروب بتوليف القلوب العاشقة . هو الآن في هذا الجُب يراقب العرَّاف الأعرج وقد تعلقت آماله بكلمة منه . يتابع حركاته ويأمل أن تخرج من هذه الجرابات حلا سحريا يمسح المسافات بينه وسوسن ،طلسما حين يطرحه في الهواء ستنبت من الأرض أو تتدلى من السَّماء جدران عالية وملساء تحجب عنه شرور النًَّوافذ والسَّماك وشباكه الممزقة.

    كانت الغرفة سيئة التهوئة لأن إحدى النافذتين كانت مواربة والأخرى مسدودة بأغصان شوك اتقاء دخول العصافير المتطفلة التي يقطع حفيف دخولها وقفزها الرشيق طقوس تنسك العرَّاف. كان الدُّخان يتصاعد من السِّراج بتكاسل متكاثفا في جو الغرفة فتزداد اختناقا فلا يجد مهربا سوى أن يلوذ مستعصما بقلبه حيث وجه سوسن تلك الوردة البريَّة التي لا تنبت إلا مرَّة واحدة عند استدارة الأزمنة. قال له العرَّاف بصوت أجش سأمنحك طلسما حين تضعه بجيبك لن تراهم ولن يروك. سأل العرَّاف مقاطعا وقد تجمع الملح بحلقه وما فائدة ألا يراها أو تراه؟. نظر العرَّاف إليه بعينين دامعتين يحيط سوادهما هالة زرقاء وقال له بصوت كأنه يخرج من مغارة عميقة مخطيءإن كنت تحسب أن كل الحروب قد كسبت بالسيوف والبنادق. كانت تلك مقدمة على أن الحديث سيتحول للحرب والموت في الخنادق، ولأنه كان لا يعشق التأريخ و لا يود أن يعرف الكثير عن الحروب فقد آثر ألا يخوض في جدال هلامي، وخرج من عنده على أن يعود إليه متى ما غيَّر رأيه، ستمر عدة أسابيع بعد هذه الزيارة وسيجد سانحة في معرض إقامته مدرستها احتفاء بانتهاء العام، سينضم لجمع الزوار ويتجول بأريحية في أقسام المعرض وثمة شعور عميق يدغدغه إنه سوف يلاقيها في مكان ما .سيكون لقاءا مغايرا لا تحفه هواجس السَّاحة.

    وعندما وصل لمعرض العلوم رآها هناك مشرقة تتحلق حولها الوجوة كزهور عباد الشمس. كانت تضع على رأسها طرحة بيضاء ناصعة وقد تركت خصلة تبرز من تحتها منسدلة على جبينها. شعر وهو يمشي أن الغرفة استحالت بحرا وقلبه سفينة تائهة وتلك الخصلة هي المنارة التي ترشدها نحو الموانيء والمراسي الآمنة، أو ربما هي تعويذة تحرسها أيضاً وهي تعبر مثلث برمودا. وبرمودا ساعتها كان بضع بلاطات تفصل بينهما . دقات قلبه خيل مسرجة بالكلمات تخرج راكضة بجنون في شرايينه ، من أجل لحظة كهذه تجشَّم مخاطرة عبور الأحياء المنسيًَّة ودروبها المفخخة بالكلاب الضالة التي تحمل الريح نباحهها شاقا صمت ليالي الشِّتاء الحالكة.
    الطَّريق للزاوية التي تقف فيها مفروش بالصمغ والرِّمال المتحركة، كأنه استغرق أعواما ليصل للجمهرة التي تحيط بها وهي تشرح لهم شي يتعلق بالمجرات والكون وإنا في مكان ما هنا ووضعت المؤشر وسط صورة سديمية. كانت تلك أول مرَّة يسمع صوتها، بنبر وتنغيم فائق العذوبة، ولو كان موسيقيا لاختاره ليكمل مقطوعة حار طويلا كيف يختمها .

    مضي وئيدا نحوها وقد أحس أن الأرض قد وقفت ثم دارت عكس محورها . كان الجمع قد انفض من حولها وبقيت هناك لوحدها وهو يجمع أشتات الكلام في الطَّريق إليها إذ يتناهى لسمعه وقع حذاء عالي وسريع ، التفت ورأى معلمة تمضى باتجاه الزاوية وتأمر سوسن بصوت جاف وحاد كرجع المطارق الحديدية أن تغلق المعرض وتذهب لمساعدة الأخريات وراء المسرح . تلك المعلمة كانت تسكن بأطراف الحي الغربي ومنذ أن سافر زوجها قبل سنوات بعيدة عبر الصَّحراء وانقطعت أخباره درجت على لبس الثوب الأبيض لجميع المناسبات، ويقال أنها كانت تبكي و الدمع يجري على خديها مثل عقارب مسعورة متى ما جاءت سيرة الصَّحراء والسَّفر باللواري التي تئن وهي تعبر فراغاتها الموحشة.

    لملمت سوسن أشياءها وأسرعت خارج الغرفة مكبة وقد بدأت عليها علامات الارتباك والاضطراب. أما هو فلا يعرف كيف وجد نفسه هناك ، في منتصف السَّاحة قرب النَّخلتين اللتين لفهما ظلام الليل. النَّوافذ مغلقة والسَّماك ليس بمكانه والصَّمت سيد مطلق. كان عالقا هناك في مراراته ،كالشجر يقف بلا خيار سوى أن يترك فروعه للهواء يعبث بها، مكبلا بأحزانه كمنازل البلدة وتاريخها .ذكر له شخص في إحدى اللحظات التي تتخذ الأحاديث بلا مناسبة مسارا أحولا، حكاية معروفة لحد الرَّتابة، أن البلدة شيدها مسافر وحيد استبد به العطش فجلس تحت الأجمة شرب حتى ارتوى ثم أخذته سنة ولما صحا تلفت حوله وتملكه إحساس عجيب بالألفة فنسي أمر العودة وطاب له المقام. جاء عابرون آخرون ورعاة عالقون في رحيل أزلي وراء أنعام لا تسمن وتزاوجوا وتتاسلوا عبر مئات السَّنوات، ونقلوا لنسلهم عادة التلفت والرَّصد والتي كانت في ما مضى لأجل البحث في الفلوات عن الماء والكلأ لكنَّها الآن تحوَّرتْ لمآرب أخرى.

    في الأسبوع الذي تلى المعرض بدأ سعير الامتحانات وتمايزت المواعيد وخفت ضجيج السَّاحة.رآها في مرات متباعدة وسط أخريات في جدال حول إجابة ما ثم حلت الإجازة الصَّيفية.سيعد نفسه لعام قادم ،خطى أخرى واعدة ، ربما تغلق النوافذ وتهاجر الأسماك للبحر فيغادر السَّماك مكانه عند النَّخلتين. ولكن سوسن لن تعد ترى في الأنحاء في بداية العام، ترقب رؤيتها يوم وراء يوم لكنها لم تظهر ثم ما لبث أن عرف أن أباها انتقل للعمل في مدينة بعيدة. ترى ما عساه يفعل بالجغرافيا المتحوِّلة، بالتضاريس وأديم الأرض القاسي الذي لا يلد إلا دروبا خرساء وضريرة، وحيث لا خرائط ولا بوصلة تحدد مسير الخطى ناحية بلاد خبأت وجوه حبيبة؟ . وماذا يفعل مع هذا الكائن البشري وولعه باختراع الأشياء كالتخفي والمراوغة والسَّفر وتبديل الأمكنة؟ ثمة أعين وراء ستارة ما قرأتْ حيرته وستبدأ حكاية . أعين تنام ملء جفونها غافلة لا تلقي بالا لزوار الليل لكنًَّها تجتهد كي تظل يقظة لما يدور بالساحة ترصد و تسجل مختبئة خلف الستائر كاختبائها في الأجمة لصيد الطيور البريَّة . هي نفس الأعين التي تمشي بوقار للمناسبات الرسميَّة وما أن تنفض تلك الاحتفالات حتى تعود لعادة التلفت والترصد في أرض بوار عاطلة من الألوان.

    كان يحلم بمجيء أزمنة أخرى،غير أيام الحرارة الكاوية. رذاذ بارد ينثال بطيئا، سماء صحو تفتح أبوابها لما فوق المألوف والعادي ، شمس حانية ،مصلحين وقديسين وهبوط أرض جديدة خالية من التَّطفل تصبح الأحلام فيها ممكنة.
    أما الآن فعليه أنْ يتعلم كيف يبقى يقظا ليعبر الرِّمال المتحركة حوله ، أن يتفادى أؤلئك الذين ينتشرون في فجاج الطُّرق، يراقبون المارة وتدور رقابهم في جميع الاتجاهات كطيور البوم
    وهو يعبر السَّاحة ذات يوم قابل العرَّاف في أحد نوبات خروجه النَّهارية النَّادرة فخاطبه الأخير ، كأنما كان يستأنف حديثا قطعه عابر :
    ستلتقيان عند مفترق الطُّرق.كانت عيناه ترمشان ببطء وهو يلقي بهذه العبارة، ثم بعد أن دقَّ الأرض مرتين بعصاته استطرد" حين تصل لذلك المكان ستشعر بألفة عجيبة لكأنه أحد المراتع التي شهدت مرح بواكير طفولتك. وحين تعود غافلا لديارك ستكاد تجهش بالبكاء لأنك نسيت أن تقطف زهرة بريَّة نامية بجانب الطَّريق وتقدمها لها.ثم مضى مقوس الظهر يدب بعيدا عن المكان في مشهد ذكره وداع لاعب معتزل الذي حين أولى ظهره للجمهور أحس أنه قد طوى خلفه وللأبد صفحة عريضة من الهتاف والتبجيل. كانت تلك العبارات كفيلة بتحريك فضول السَّماك والذي من فرط تعجله لفك طلاسم الكلام كان يرفو طرف قميصه عوضا عن الشِّباك الممزقة. ولما حار في ربط أول الكلام مع وجه مألوف أجتر بفمه بصوت عالي مخاضا ولم يبصقه. ترك السَّماك في حيرته ومضى في طريقه يفكر في تقاطعات الدُّروب التي تنمو بأطرفها الزُّهور البريِّة.
    في زمن آخر سيبدل الجغرافيا ويسافر بعيدا لسنوات للدراسة،وسيعود بخرائط جديدة وبوصلة حاذقة ولغة جلية غير مراوغة.
    بغرفته التي ينسحب منها الضجيج في هزيع الليل،وسط أكداس المراجع و نصوص القوانين كان يسترجع وجهها والسَّاحة وذلك الحلم . في الحلم كانت تبتسم بوجهه ويملأوه إحساس لا يفسر كذاك الذي يعتري المرء حين يشاهد لأوَّل مرَّة صورا ملوَّنه لأعماق الكون الفسيح.كان بينه وبينها نهرا ،وأشجاراً غريبة .كانا يقفان على جسرين شاهقين متقابلين يعلوان ويهبطان بتناغم وبطء مثل كفتي ميزان ، يقتربان ثم يتباعدان كانفصال عربات قطارين يمضيان عند مفترق السكك في اتجاهين متضادين . راقبها وهي تختفي رويدا في الأفق وراء غيمة سديمية، ومضي هو عابرا جسورا أخرى ومياه ومستنقعات لا نهائية وغابات يعيش بها أناس لهم وجوه ثعالب بفك رخو متدلي كأنهم لوحات سريالية . كان حلم يتكرر بتفاصيل مختلفة قليلا عن كل نوبة ، غير أنه دائماً ما يصحو ليجد نفسه وحيدا في مكان مغاير، بلد غريب أو مدينة بعيدة في بلاده ، ثم تتكور في قلبه رويدا ككرة الثلج خيبة ومرارة ترافقه بقية اليوم.

    على المقعد الحجري قرب الرصيف جلس وفي حجره كومة جرائد. وضع حقيبته قرب ساقه اليمنى بانتظار دابة السَّفر التي تقله لوجهته.كانت السَّاعة العتيقة بمدخل محطة الحافلات جامدة على الثَّانية عشر إلا ربعا، ربما منذ عدة سنوات هي على هيئتها تلك،لم يصلحها أحد ولم يتكبد عناء تبديلها فبقيت رمزا لزمن مضى وذكرى حوادث جميلة وأخرى مؤلمة . حدق فيها مليا واسترجع خطى وصخب دب يوما في ساحة مباركة سطت عليها أيدي بتبدل الأيام وتناسلت فيها حوانيت ومباني أبوابها مشرعة كأفواه ذئاب جائعة . حمل حقيبته وتوجه للحافلة ميمما شرقا ليكمل حديثا كان سيبدؤه ذات يوم بالساحة المباركة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de