جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 02:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-20-2013, 02:14 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي


    جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي

    في نهار اكتوبري من العام 1988 هبطت الطائرة البلغارية التي كانت تقلني في مطار وارسو ببولندا قادما إليها من السودان للدراسة، كانت الشيوعية في المعسكر الإشتراكي تترنح و في بولندا أجهزت عليها معاول العمال و مناجل المزارعين الذين يفترض فيهم حمايتها، فكانت القيادات العمالية في ميناء مدينة غدانسك الساحلية و على رأسهم ليخ فاونسا ( ليش فاليسا) هم من غرس المسامير الأخيرة في نعش النظام الإشتراكي في بولندا، و لسخرية القدر كان العمال هم أول ضحايا هذا التحول من الإشتراكية إلى الديمقراطية الليبرالية لاحقاً. و قد دفعوا الثمن كاملا غير منقوصا في تلك التجربة الفريدة من التاريخ.

    في تلك الأجواء كانت حداثة تجربتي مع الجبهة الديمقراطية و لاحقاً الحزب الشيوعي السوداني الذي قضيت في رحابه ما يقارب من الست سنوات، في بداية إنضمامي للحزب حينها، كانت بولندا تضج بالكوادر اليسارية من مختلف الأعمار و الأطياف، فبجانب الطلاب كان هناك المبعوثون للدراسات العليا و معظم هؤلاء طلاب سابقين في السبعينيات عملوا في السودان ثم أٌبتِعثوا من قبل الدولة للدراسات العليا في مختلف المجالات، لفت نظري حينها أحد الكوادر السرية للحزب الشيوعي و كان مبعوثا و لكنه بدواعي سريته تلك لم يكن يحضر إجتماعاتنا الدورية و لا الدورات التثقيفية و جلسات النقاش التي تتم فيها، و تساءلت لصديقي و زميلي في الحزب حينها الأخ عادل عبد العاطي حيث كان صاحب تجربة ثرة في جامعة القاهرة الفرع، و أتانا لدراسة الصحافة بعد حوادث اغتيالات جامعة القاهرة و التي برأته منها المحاكم لكن الأخوان المسلمين كانوا يتربصون به لقتله مع تبرئته من قبل محكمة أستغرقت حوالي العامين قضاهما في اعتقال تحفظي في سجن كوبر، الجدير بالذكر أن هذه الأحداث معروفة و مدونة في صفحات التاريخ، لكن لؤم الإخوان المسلمين أبى إلا أن يهدم الوعي و أن يلبس التهمة للسيد ياسر عرمان لتلطيخ سمعته خاصة إبان الانتخابات الرئاسية و طيلة الفترة الإنتقالية.

    كان الأخ عادل متعجبا أيضا من هذا السلوك الغريب لأن دواعي السرية الصارمة تنتفي في بلد يساري مثل بولندا، و أيضا فالسرية ليس المقصود بها التخفي عن الزملاء في الحزب لكن لصرامة الحزب في ذلك الوقت و لعدم وضوح اللوائح التي تنظم العمل السري و دواعي انتفاءه خارج الوطن، ظل هذا العضو متغيبا عن أية اجتماعات أو نقاشات حزبية لعدة سنوات، و نسبة لغياب خلية للأعضاء السريين في بولندا فقد ظل بعيداً عن الحوار العلني في مسائل كثيرة خاصة و أن قضايا شديدة الأهمية كانت مطروحة في الساحة منها قضايا التغيير داخل الحزب حيث ضربت رياح البيروسترويكا الغورباتشوفية كل المعسكر الإشتراكي حينها، لكن فرع الحزب في بولندا أذعن لهذا الوضع الغريب، كما إن هذا الكادر السري لم يبادر لخلع قبعة الإختفاء عن رأسه مع أنه كان معروفا لكل عضوية الفرع حينها لا بل إن أمن الجبهة الإسلامية كان يعرف به أيضا حيث أرسل له فصلا للصالح العام وصله عبر السفارة السودانية في موسكو و التي كانت جمهورية بولندا تقع تحت مسئوليتها نسبة لعدم وجود سفارة سودانية في بولندا في ذلك الزمن.

    وصلت رياح التغيير تلك، إلى ديار الحزب الشيوعي السوداني الذي كانت تعصف به آلة الجبهة الإسلامية الغاشمة، فعذبت و أعتقلت عضويته و المتعاطفين معه، مما أدى إلى هجرة واسعة لكوادره و قياداته، بل إن الامر وصل إلى درجة أن سكرتارية الحزب الشيوعي السوداني ( و هي أعلى هيئة قيادية في الحزب الشيوعي السوداني وتترأس اللجنة التنفيذية) في مرحلة ما في بداية التسعينيات كانت قد تقلصت بسبب هذه الضربات إلى شخصين فقط، و نسبة لأن هذا العدد و حسب لوائح الحزب لا يكون هيئة قائدة فقد طلب هذان الشخصان من الأستاذ الخاتم عدلان الإنضمام إلى سكرتارية اللجنة المركزية لتكوين قيادة فاعلة خلافاً لكل الأعراف الحزبية لأن التصعيد للسكرتارية يكون من عضوية اللجنة المركزية و لكن الخاتم عدلان لم يكون عضواً في مركزية الحزب الشيوعي السوداني مطلقا، لكن كانت تلك ظروفا إستثنائية طالب المرحوم الخاتم بتوثيقها و تثبيتها إلى أن تعود الأمور لنصابها فور زوال تلك الظروف و إلا لكان الحزب بدون قيادة لقمة سائغة و صفقة تتقاذفها الرياح.

    في تلك الأجواء كتب الخاتم عدلان ورقته الشهيرة آن أوان التغيير، تلك الورقة التي قاد فيها محاولاته من الداخل لإصلاح حزبه الذي أمضى فيها وقتها أكثر من 20 عاما، و قد كانت تلك الورقة بحق نتاجا فكريا متقدما مستلهما متغيرات الواقع و تجارب التاريخ، و إنعكاسات إنهيار المعسكر الإشتراكي و التجربة الشيوعية فيه، و الحق إنني كنت مندهشا فعلاً للمعرفة الموسوعية لكاتبها و الذي كان يحلل من على البعد في تجارب كنا نحن في قلب المعسكر الإشتراكي نعايشها يوما بيوم و ساعة بساعة، و بعيد خروجه من السودان خاض نقاشا حول أطروحته تلك على صفحات قضايا سودانية لسان الحزب الشيوعي العلني في المهجر و كانت تصدر من مصر حينها، و قد كتبنا كفرع بولندا مساهمتنا في ذلك الحوار، و الذي كان متفقا في بعض المسائل مع أطروحة الخاتم عدلان حيث كتب مقرضا لمساهمتنا تلك في أحد أعداد قضايا سودانية.

    إلا إن محاولات الخاتم عدلان للتغيير من الداخل جوبهت بترسانة فظيعة من التعتيم و الرفض، حيث حبست أطروحته لستة اشهر من الطباعة في السودان حتى قام بطباعتها بصورة شخصية و توزيعها، و إبان خروجه من السودان كمسئول حزبي رفيع من سكرتارية الحزب، قاومته جحافل المحافظين و المتمزمتين و الكوادر السرية من الحزب بمباركة من التيجاني الطيب، و أستمر التضييق عليه و محاربته حتى أدى ذلك إلى إستقالته المأساوية من الحزب الذي كان قد قضى فيه حوال 30 عاما حينها.

    و لئن كانت إستقالة الخاتم عدلان خسارة ضخمة للحزب الشيوعي و لليساريين السودانيين بصورة عامة، إلى أن خروجه من قيود التنظيم كان مكسبا عملاقاً للفكر السياسي السوداني، و أدى إلى تمايز فارق بين أقصى اليسار و تيار الديمقراطية الإجتماعية الذي ساهم الخاتم بعمق في وضع لبنات قوية له بتكوينه مع آخرين للحركة السودانية للتقدم الوطني، و لاحقاً حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)، ما بين مفارقته للحزب الشيوعي السوداني في 1994 و رحيله المؤلم و المبكر في إبريل 2004 عشرة سنوات من العطاء السياسي المتميز، أثرى فيه الساحة السياسية بتيار سياسي ناضج الرؤى واضح التصورات في شكل الدولة السودانية المرتقبة و سيناريوهات مكافحة السلطة الإخوانية في السودان حتى بحمل السلاح. إن تمايزه الفكري ذلك لم يكن ليتأتى لو مكث الخاتم داخل حزبه الشيوعي العتيد، مع أنه لو تغير الحزب حقاً لاصبح وعاءاً جامعا لليساريين السودانيين بصورة عامة و لاضحى قوة اجتماعية كبرى لها امكانية تغيير واقع السودان.

    و لنعرج على الأستاذ ثروت الخرباوي المحامي المصري الذي إنضم لحركة الاخوان المسلمين في الجامعة و مضى فيها ما يقارب الثلاثة عقود أيضا، فقد سمعت لقاءاً له في قناة العربية يشرح فيه تجربته داخل تنظيم الإخوان المسلمين، فهالني هول ما سمعت من ممارسات تكميم الفكر و الأفواه لعضوية الجماعة و ذكرني لقاءه التلفزيوني ذاك لقاءاً للاستاذ الخاتم عدلان مع زميلتنا في الحزب بفرع الدكتورة ماجدة نوري في لندن عام 1995 مدته 4 ساعات سمعنا فيها ما يشيب له الولدان من الممارسات القمعية داخل الحزب الشيوعي السوداني تجاه عضويته، منها على سبيل المثال لا الحصر تصفية الوجود الشيوعي في الجيش السوداني من قبل قيادة الحزب التي تملكها الهلع من تجربة يوليو 1971 المؤلمة.

    مقابلة الأستاذ الخرباوي التلفزيونية المطولة أثارت في شغفا لمعرفة المزيد، فسعيت لإقتناء كتابه "قلب الاخوان محاكم تفتيش الجماعة" و الذي فيه من الممارسات التي تتشابه داخل كل تنظيم إيديولوجي منفصل عن الواقع متعالي على الحقيقة، الكتاب الذي طبع في 310 ورقة من القطاع المتوسط قراءة إلزامية لكل ناشط في السياسة السودانية و تداعياتها المصرية، فقد أوصدت جماعة الإخوان المسلمين و فكرها الصديء على بلادنا آفاقا كان بإمكاننا إرتيادها، و مكانة عليا كان يمكن لبلدنا أن يتبوأها.

    أهم ما لفت نظري في الكتاب مقولة حسن البنا التى تكررت في عدة مواضع، حيث قال للأستاذ فريد عبد الخالق قبيل إغتياله، " لو إستقبلت من أمري ما استدبرت ما أنشأت النظام الخاص". و النظام الخاص هو منظومة سرية داخل تنظيم الأخوان المسلمين ما يمكن تمسيته بالسوبر تنظيم و هو يشابه مسألة العضوية السرية في الحزب الشيوعي السوداني، و تتكرر المسألة بالطبع في تنظيم الاخوان المسلمين في السودان، ما أسماه الصحفي الأريب فتحي الضو بالمنظومة داخل التنظيم في سفره الرائع سقوط الاقنعة.

    في الكتاب يسرد الخرباوي كيف يصطدم التفكير الحر للمثقف بالجدران العالية للتنظيم الأيديولوجي المنغلق شبه العسكري في علاقات هيئاته ببعض، فالتفكير يصبح حكراً على قيادة غامضة تحيط نفسها بهالة من القداسة و هي موغلة في حب الدنيا و نعيمها، و من المقولات التي جوبه بها داخل تنظيمه، " إن الأخ في يد مرشده يجب ان يكون كالميت في يد غاسله يقلبه حيث يشاء"، أي حزب سياسي هذا الذي يكون تداول القضايا الإنسانية داخله بمثل هذه الآليات و هل يرجى نفعا من مؤسسة تعامل عضويتها بهذا السلب للأرادة الحرة في التفكير و التقييم. الخرباوي و الذي إلتزم بحزبه حتى أهينت كرامته الإنسانية و المهنية اكثر من مرة، و انتهى بمحكمة تفتيش عشوائية داخل تنظيمه ترأسها شيخ سبعيني مؤهله المرحلة الابتدائية في مواجهة محام ضليع و كادر إخواني مفوه. و استقال بعد لقاء أخير مع المستشار مأمون الهضيبي من اتباع تيار سيد قدطب المتشدد ونائب المرشد مصطفى مشهور حينها في لقاء لم يستمر لربع ساعة و تلك تفاصيل أتركها لمن سيقراء الكتاب.

    شاهدنا في إستعراض الشخصيتين مع إختلاف التيارين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين إن الأحزاب الأيديولوجية مهما كانت توجهاتها بها هياكل تنظيمية متشابهة، و لأن الأهداف المستقبلية لمثل هذه الأحزاب متبلورة جداً سواء بالوصول بالمجتمعات إلى مرحلة الشيوعية أو إستعادة الخلافة الإسلامية فليس هناك حوار حول البرامج بل المطلوب هو سير أعمى و إجماع إنصياعي عبودي نحو هذه الأهداف، و أي حوار أو تفكير في التقييم يعتبر تجديفا كفراً أو سقوطاً من سماوات التنظيم السياسي العلى إلى قاع الرعاع من الناس العاديين الذين أستنت لهم تصنيفات مثل البرجوازية الصغيرة أو المارقين و الكفرة.

    لقد نُكبت بلادنا بأضداد متنافرة لا توجد فيها منطقة وسطى لمصلحة الناس و الوطن، فهناك أحزاب متصارعة في أقصى اليسار و أقصى اليمين مع وجود كتلة طائفية هلامية ضخمة لا تدخلها الديمقراطية من أمامها و لا من خلفها. في خضم هذا الصراع تضيع الحقائق و يختفي الوطن، و يضمحل حكم العقل و المنطق و تسود التنظيمات التي تحركها كائنات شبحية من خلف الستار، حتى يستحيل على أعتى قادتها من أمثال الترابي التحكم فيها، فتربي هذه التنظيمات غولاً خفياً، فلمى يقوى عوده يبتلعهم جميعأ. آفاق حلول بلادنا تكمن في تنظيمات الوسط يسارها و يمينها، أحزاب تبنى على شفافية ديمقراطية يمارس فيها النقد العلني و الذاتي على صفحات النشرات الداخلية و على صفحات الصحف فيما يهم الناس، عندها فقط سيتكون عندنا المجال السياسي الصحي الذي سينتج لنا قادة المستقبل المعافين من دسائس المؤامرات و القعدات و الغرف الخلفية، تنظيمات كهذه بناءها ممكن، و أساليب بنائها معروفة و منشورة مجانا على الأثير الإلكتروني أو صفحات الكتب، لكنها تتطلب إلتزاماً أخلاقيا عالياً بالشفافية و المواثيق، عقولاً نيرة ملتزمة بمصلحة الناس و البلاد، لقد جربنا في السودان و خلال 57 عاما طرائق مختلفة للفشل، و لنا ذخيرة ضخمة من التجارب السلبية فهلا إستعنا بها لإرتياد آفاق المستقبل.

    أمجد إبراهيم سلمان
    [email protected]
    20 سبتمبر 2013
                  

09-20-2013, 10:22 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: Amjad ibrahim)
                  

09-20-2013, 10:25 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: Amjad ibrahim)

                  

09-21-2013, 08:04 AM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: Amjad ibrahim)

    عزيزي أمجد إبراهيم
    هذه كتابة هامة منك تفتح نوافذ عديدة للنقاش .سأشارك فيها.
    كتاب سر المعبد لثروت الخرباوي موجود أون لاين . الخاتم عدلان مفكر كبير ومن المهم للغاية نشر ما بحوزتك من مادة غنية في كتاب دون النظر في حساب الربح والخسارة.

    (عدل بواسطة Bushra Elfadil on 09-21-2013, 02:31 PM)

                  

09-21-2013, 08:26 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: Bushra Elfadil)

    شكراً يا أمجد
    كتابة مهمة وواعية وتصب في التوعية بالهرجلة الضخمة
    الواقع في غيها كل كيان ينشأ ويمشي على التبعية



    أنظر هذا المقال:
    المُثقَّف والسِّياسِي
    صلاح ابوسريف
    (المغرب)

    ما لم نُمَيِّز بين المعرفة والأيديولوجيا، أو بين العمل الثقافي والعمل السياسي، لا يمكن أن نضمن استقلالية الثقافة عن السِّياسة، أو تَمَيّزَها عنها، في أقل تقدير.
    إذا كانت الأحزاب والنقابات، في فترات سابقة، وخصوصاً في لحظات المواجهات العنيفة بين النظام واليسار، اعتبرتْ الجمعيات والمؤسسات المدنية المختلفة، وبينها المؤسسات الثقافية، أذْرُعاً للنضال، والمواجهة، وهو ما سينخرط فيه المثقفون بدورهم، فاليوم، لم يعد هذا مُمْكِناً، لأسباب عديدة، بينها:
    ـ الهيمنة المطلقة التي كانت للسياسي على الثقافي، واستعمال ‘الحزب’ للثقافة كواجهة، في غياب فهم واضح لدور المثقفين في صياغة مشروع ثقافي، هو ما يمكنه أن يُجَدِّدَ، أو يُعيد تفكير المعنى الأيديولوجي، أو الفكري، للسياسيّ، أو لـ ‘الحزب’.
    ـ انعدام الحوار، بين السياسي والثقافي، أو شراكة المثقف في اتِّخاذ القرارات، بما يعنيه ذلك من هيمنة كاملة للسياسي، وتهميشه لرأي المثقف الذي كان، في بعض حالات النقاش، يبدو خارجاً عن دوغمائية السياسي، أو الحزب.
    ـ عقدة ‘المثقف’ التي كان السياسي يَسْتَشْعِرُها دائماً،. وهو يقرأ، أو يستمع لخطابات، ونقاشات المثقفين، في ما يَهُمّ الشأن السياسي. فالسياسيّ، أو الحزبي، بالأحرى، هو شخص، لا يملك أفُقَ نظرٍ واضح إزاء ما يقوله، أو يفكر فيه، لأنه يكتفي براهن الأمور، ولا يستطيع قراءة ما يجري، في سياقاته التاريخية والمعرفية التي يمكنها أن تُضيء ما يبقى مُعْتِماً في نظر السياسي، ما يؤدي إلى وقوع زَلاَّت، وأخطاء في تحليلاته، وفي فهمه لما يقوله، أو يُدْلي به من تصريحات، وأقوال.
    ـ المثقف، بطبيعته، ينظر للمسألة، كيفما كان شأنها، بنوع من الحذر، والتَّرَوِي، وبنوع من القراءة المتأنية، الفاحصة، العارِفَة، وهذا ما لا يقبله السياسي، الذي هو شخص، مِتَسَرِّع، اسْتِعْجالي، يريد أجوبة، ولا يريد أسئلة.
    ـ انتهازية السياسي إزاء المثقف، فهو يعتبره قِطْعةَ غيار، يستعملها في لحظات العطب، وحالما تتحرك الآلة، لا يعود لهذا المثقف مكان في حسابات السياسي.
    ـ الهيمنة المطلقة، داخل الأحزاب السياسية، والنقابات، لغير المثقفين، على دواليب تسيير القطاعات لمختلفة للحزب، أو النقابة، وفي حالة وجود مثقفين في قطاع من هذه القطاعات، فهم يوجدون بالصفة السياسية، أو النقابية، لا بصفتهم مثقفين، لهم زاوية نظر أخرى، ولهم معطيات أخرى، تحليلية نقدية، ولهم رأي إخر، مختلف، ربما،لا يتوفر للسياسي، أو النقابي. فالحِرَفِيون، والمهنيون، أو ‘التقنيون’، ممن يمكن اعتبارهم، تجاوزاً ‘خبراء’، وهم بمثابة الإطفائيين، هم من يُهَيْمِنون على الحزب والنقابة، ويقصون غيرهم، ممن يبدو فكرهم مخالفاً لفكر الحزب والنقابة، أو يسعى لتصحيح انحرافاتهما، أو ما قد يكون من قبيل الانحرافات، أو الأعطاب التي يمكنها أن تفضي لتخلُّف الحزب أو النقابة.

    ـ ثم إن المثقف، هو شخص لا يستقر على فكر ثابت راسخ، أو على عقيدة نهائية، حاسِمَة، أو على نفس الجملة، يُعيد تكرارها، بنفس الترتيب، دون ملل، أو كَلَل. فالمثقف، قَلِق، مِلْحَاحٌ، لَجُوجٌ، انتقاديّ، مُدَقِّق، فكره النقدي يقوم على التفكيك، والحَفْر، والشَّك، وهو كثيرُ الرِّيبَة، ولا يُجيد ثرثرة النقابي والسياسي، وتعبيراته الإنشائية الخَطابية التي نتقصُها كل أدوات ‘الخِطاب’، بما تعنيه الكلمة من معنًى، في سياقها المعرفي. وهذا بين ما يجعل المثقف غير مرغوب فيه، في الحزب والنقابة، وحتى في مؤسسات الدولة التي تقوم على القبول والطَّاعَة، وتثمين القرارات، دون تفكيرها، أو مناقشتها.
    هذا بين أهم الأسباب التي تُضاعِف الهُوَّةَ، بين المثقف والسياسي، وتجعل المسافة بينهما هي مسافة غير قابلة للتَّجْسِير، كون السياسي لا يقبل بالاختلاف في الرأي والنظر، أو يعتبر ‘الانضباط’ لقرارات الحزب والنقابة، شرطَ تعاقُدٍ، بين ‘القيادة’ و ‘القاعدة’. والمُتأمِّل في بعض هذه الاستعمالات الحزبية والنقابية، سيدرك معناها العسكري، وهو ما كان سقط فيه غرامشي نفسه حين أكَّد على مثل هذه الاستعمالات، في حديثة عن دور ‘هيئة أركان الحزب’، وفي تسميتها، بالمعني التَّسَلُّطِيّ التَّحَكُّمِيّ، كما كنتُ كتبتُ في مقال ‘العنف السياسي، بين السيف والميزان’.
    الجمعية، أو المؤسسة الثقافية، لا تحتاج لتزكية السياسي، أو النقابي، فالمثقف، حين يعمل بصفته هذه، لا بِغَيْرِها، فهو يساعد السياسيّ المتنوِّر، غير الدوغمائي، أو الأرثودكسي المتزمِّت لفكره، وعقيدتخ، ولطريقته في قراءة الأشياء وتحليلها، على النظر في مرآته، بغير العُمْق الصَّقِيل الذي تَعَوَّد أن ينظر به لنفسه، بل بعمقٍ، يفضح تَشقُّقَات الوجه، وتصدُّعاته، أو ما يمكن أن يفعله فيه الزمان من أفاعيل، لم تكن تكفي عين السياسي، المتعودة على رؤية ما تريد أن تراه، لتكشفه، لأنها فاقدة لبعد النظر، وتكتفي بما هو آنِيّ، لَحْظِي، لا غير.
    العمل الثقافي، هو قاطرة العمل السياسي، وليس العكس. المثقف، هو من يقود السياسي، وليس العكس. فالسياسي، كثيراً ما يقوده عماء الأيديولوجية، لكن قراءته لتحليل المثقف، ولِما يقترحه من أفكار، يقوده للضوء، ويخرج به من الظلمة التي، هي مُشْتَرَك ‘الأصوليات’ سواء أكانت سياسية، أو دينية.
    بدا لي، وأنا أتابع بعض ما يجري في العمل لجمعوي، في أكثر من مكان، أن السياسيَّ، شرع، بعد تراجعاته السابقة، في استقطاب المثقفين، أو بعض المثقفين، وفي استعمال بعض الجمعيات، أو بعض المؤسسات الثقافية، لاستعادة ما فقده من أذْرُعٍ، ليس بتفكير دور الجمعيات، والمثقفين، في استقلاليتهم، بل بالتبعية، وهو ما كان من قبل، وكأن لا شيء تغيَّر بين الأمس واليوم.
    فتجييش ‘المناضلين’ وتعبئتهم، لاختراق المؤسسات الثقافية، هو بين ما يمكنه أن يعود بنا إلى الوراء، ويجعل مصداقية العمل الثقافي، و ما يمكن أن يكون للمثقفين من عمل، في استقلال عن الحزب والنقابة، وربما في نقده لهما، تموت، في مقابل ‘المثقف’ الذي سيقبل أن يلعب، مرة أخرى دور قطعة الغيار، أو الكومبارس، في مسرحية قديمة، بنفس الحوار، وبنفس الممثلين، ونفس الإخراج، الشيء الوحيد الذي يكون تغيَّر، هو الديكور، وبعض الأكسسوارات الصغيرة والجُزئية، أو الماكياج، بالأحرى.
    كان الروائي الراحل، عبد الرحمن منيف، في أحد أعماله النظرية، حول الثقافة والسياسة. انتقد هذه الهيمنة، وهذا الاحتلال، والتَّحَايُل الذي يستعمله السياسي، لامتصاص المثقف، وتهميشه بالتالي، من خلال ازدراء رأيه وفكره، رغم ما في فكر السياسي من جهل، وخلط، وضيق أفق، في مقابل فكر المثقف، وعُمق نظره.
    الثقافة هي أرض تقبل بالحوار، وتقبل بالنقاش والاختلافات، كما تقبل بكل المعارف التي تسمح بتوسيع أفق النظر، في رؤية المثقف، وفي تفكيره، وما يؤسس له من أسئلة، وما يطرحه من قضايا، أو إشكالات، لكنها ليست أرضاً تابعة للسياسي، يدخلها وقت ما شاء، ويخرج منها وقت ما شاء، وكأنها أرض بلا حدود، وبلا طبيعة خاصة. ففصول أرض الثقافة، هي غير فصول أرض السياسة، التي يمكنها أن تتشبَّث بنفس الفصل إذا كان سيُسْعِفُها المطر، في توسيع حجم الكارثة التي، عادةً، ما يستعملها لسياسي، بغض النظر، عما قد تُسَبِّبُه من خسارات في الأرواح، وفي البنيات المختلفة للوطن، لتحقيق مكاسبَ تجعله يحصُد الأصوات التي ستأخذه للسلطة، ومواقع القرار، كما هو حادِثٌ اليوم، في مصر، في ظل حكم ‘الإخوان’، أو في تونس، ‘حزب النهضة’.

    حسابات السياسي، والنقابي، هي غير حسابات المثقف، واستقلالية المثقف، والعمل الثقافي، هي قبل أن تكون في صالح المثقف، فهي في صالح السياسي، الذي عليه أن يخرج من صوته المفرد الوحيد، ليستمع للصوت الآخر الذي ينقصه، دائماً، في التحليل، وفي القراءة، وفي النظر، قبل أن يتخذ قراراته، التي قد تكون رَعْنَاء، وتجلب ما لا يمكن تصوره من مشكلات، وهذا ما حدث، عندنا، في المغرب، بالأمس القريب، حين تَمَّ اتِّخاذ قرار ‘التناوب التوافقي’، دون وضع هذا الشرط في حسابات السياسي، الذي عاد بعد إخفاقه ليعترف بأخطائه، وبما واجهه من مشكلات، لم يكن يتوقَّعها، أو لم يُرِد أن يفكَّر فيها، لأنه كان مُنْشَغِلاً بغنـــائم السلطة، وبإغراءاتها، وبما احْتَلَّه من كراسٍ، وهو ما يحدث اليوم للإسلامويين في مصر، وما يعيشه أخوتُهُم في المِلَّة، هنا في المغرب، وهو، في ما نسمعه، ونقرأه، ونراه في ما يجري، في أكثر من بلدٍ عربي، من البلدان التي قامت فيها الثورات ضد الأنظمة العسكرية الاستبدادية، لتجد نفسها في مواجهة أنظمة دينية استبدادية جاهِلَةٍ، وعمياء، أو بتعبير ابن رُشد فإنَّ ‘شَرَّ الظُّلْم ظُلْم رِجال الدِّين’.
    لا معنى لِسَعْيِ السياسيّ للهيمنة على الثقافة، واسْتِدْراج المثقفين، بعد تجاهُلِهِم، ورفض أفكارهم، وما كانوا يقدمونه من انتقادات، إزاء إخفاقات السياسي، حين اختار السلطة، وذهب إليها بدون برنامج، وبدون شروط. كما لا يمكن للمثقف أن يكون مُغَفَّلاً إلى هذا الحد الذي يجعل منه عَجَلَةَ احتياط، في سيارة، العطبُ موجود في مُحَرِّكِها. فالسياسي حين وجد نفسه، بدون أدْرُع، تخدم مصالحَه، وتقوي مكانتَه، عاد ليستجدي المثقفين، والجمعيات الثقافية، ولعل ما حدث في انتخابات الهيئة المسيرة لاتحاد كتاب المغرب، بين طَرَفَيْن من نفس الحزب، حول من يكون الرئيس، واحتلال بيت الشِّعر في المغرب، بالانقلاب على مشروعه، وبرنامجه، وما كان أَسَسَ له من أفكار، من قبل نفس الذين انهزموا في انتخابات الاتحاد، ما يكفي لفضح هذا التهافت السياسي، على استقلالية، وخصوصية المثقفين، والعمل الثقافي.

    القدس العربي- 8-8-2013
                  

09-21-2013, 12:26 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: بله محمد الفاضل)

    قراءة ممتعة وافكار تستحق النقاش والبلورة

    شكرا يا امجد

    يجب نقل هذا البوست للربع الجاي
                  

09-21-2013, 02:54 PM

AMNA MUKHTAR
<aAMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزاء سِنِمَّار في شيوعية الخاتم عدلان و أخونة ثروت الخرباوي (Re: د.نجاة محمود)

    أروع ما قرأت مؤخرا .

    شكرا أمجد .

    وأشهد أنك قد بلغت .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de