مدينة الفاشر، التي تقبع تحت الحصار منذ ما يقارب العامين، تنزلق سريعًا نحو المجاعة. الأسواق فارغة، القوافل الإنسانية تُنهب أو تُمنع من الدخول، حالات سوء التغذية تتزايد، وشبكات الإغاثة شبه مشلولة. لكن هذه ليست مجاعة ناتجة عن جفاف أو كارثة طبيعية، بل هي مجاعة مُصنّعة عمدًا، تُنفّذ عبر الحصار، وسلاح التجويع، والقصف العشوائي، والتهجير القسري، كل ذلك جزء من حملة تقودها مليشيا الدعم السريع المدعومة من الإمارات، لإبادة سكان المدينة عبر القصف وتقويض وسائل الحياة.
لكن هل نحن أمام مأساة أخرى تُسجّل؟ أم أصبح هذا الوضع فراغًا مقصودًا في ضمير المجتمع الدولي؟
لماذا لم يتغير شيء؟ • غياب الابتكار في الإغاثة: الرد الدولي لا يزال حبيس الإجراءات. ورغم التجارب الأخرى، لم يُطلق أي برنامج جدي لإسقاط المساعدات جوًا نحو الفاشر. • الحصانة السياسية: تواصل الإمارات تمويل الحصار وتوجيهه، دون أن تواجه أي تبعات دبلوماسية تُذكر. • صمت إعلامي: شهادات الناجين، الصور، وتوثيق المجاعة المتعمدة خلف خطوط الحصار، كلها موجودة، لكن غرف الأخبار العالمية أغلقت الملف. يكمن دور وزارة الإعلام في السودان ايضاً إلى جعل هذا الأمر الاولوية القصوى للدولة وهذا ما لم يحدث حتى الان .
المشكلة ليست في غياب القدرة، بل في غياب الإرادة.
ما الذي يجب فعله, مسارات عاجلة للإغاثة وتحقيق العدالة
ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحرك فوراً عبر تدخلات تتجاوز البيانات والمواقف الرمزية. إن عمليات الإسقاط الجوي للمعونات، المنسقة عبر الأمم المتحدة والمجربة في نزاعات أخرى، لا تزال غائبة عن السودان رغم فداحة الأزمة. وفي الوقت ذاته، فإن فرض عقوبات موجهة على المتعاقدين العسكريين المرتبطين بالإمارات وقيادات مليشيا الدعم السريع يُعد ضرورة قصوى؛ فهذه الحرب تُموَّل من الخارج، ووقف تدفق الأموال قد يُضعف قدرة المليشيا على الاستمرار.
ولحماية المدنيين، يمكن فرض مناطق هدنة جغرافية (ceasefire geofencing) بإشراف دولي حول مدينة الفاشر، بهدف الحد من القصف والسماح بوصول المساعدات الغذائية والدوائية بأمان. وعلى الأرض، من المهم إنشاء عيادات متنقلة وتوزيع الحصص الغذائية عبر شبكات مجتمعية لامركزية، كحل عملي لتجاوز البنية التحتية المدمّرة وسلاسل الإمداد المنهارة.
أخيراً، على الجاليات السودانية في الخارج وحلفائها تكثيف حملات التوعية الإعلامية، ونقل شهادات الناجين، وإنتاج مواد بصرية قوية لإحياء الضغط الأخلاقي الدولي. فغياب التحرك الجاد قد يجعل هذه الكارثة تُطوى من الذاكرة العالمية، بينما يواصل الأبرياء في السودان معاناتهم بصمت.
هل هناك مجال للأمل؟
نعم. لا تزال القوة المشتركة والجيش السوداني يصدّان هجمات الدعم السريع، مما يثبت وجود ثغرات في الحصار. كما تواصل لجان الأحياء تنظيم جهود التطوع والدعم المحلي. وهناك شبكات في المهجر جاهزة لتفعيل حملات ضغط سياسي وإعلامي، لكن كل ذلك سيفقد قيمته إذا استمرت الطرق مغلقة، والممرات الإنسانية ممنوعة. يجب كسر الحصار، وبشكل عاجل.
كلمة أخيرة
في كل يوم في الفاشر، وفي مدن من جنوب كردفان، يُقتل شخص ليس بسبب الطبيعة، بل بسبب السياسة. وبينما يتلاشى الاهتمام الدولي، لا يجب أن يتلاشى صوت السودانيين. علينا أن نواصل الضغط حتى يصل الغذاء، ويتوقف القصف، ويُحاسب المجرمون.
يطالب اتحاد دارفور في المملكة المتحدة بـ: • السماح الفوري للمساعدات الإنسانية بالدخول، بما في ذلك ممرات جوية تقودها الأمم المتحدة نحو الفاشر • فرض وقف إطلاق نار حقيقي تدعمه آلية دولية محايدة • عقوبات عاجلة على المسؤولين الإماراتيين وقادة الدعم السريع • تحقيقات مستقلة في جرائم الحرب واستخدام سلاح التجويع والحصار • حراك شعبي وإعلامي يقوده السودانيون في الداخل والشتات لإبقاء القضية حية
الفاشر ليست ذكرى تاريخية، إنها جرح مفتوح، وامتحان أخلاقي للسودان والعالم أجمع. لنتحرك قبل أن يتحول الصمت إلى تواطؤ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة