بقلم المحامي / ابوبكر عبدالله ادم لاحظت في عدد من المساهمات المكتوبة والشفاهية ومن خلال مشاركتي في عدد من الندوات ان هناك خلط مزعج حول مفهوم العدالة الانتقالية Traditional Justice جعلني اشعر بشكل متزايد بضرورة فتح نقاش عام حول هذا المفهوم الحديث نسبيا لقشع الضباب حوله. لا من أجل نزهة قانونية او لتاميم المفاهيم القانونية وتقريبها للكل فحسب بل ايضا لان العدالة الانتقالية هي أكثر المفاهيم التي تحتاج تحققها في الراهن السياسي اليوم لتحقيق الحرية والسلام والعدالة.
العدالة الانتقالية ليست, كما يعتقد البعض, هي ا اداة قانونية للهبوط الناعم (soft landing) ) أو بعبارة أخرى ( ( soft justice) ولكنها وسيلة عملية لتحقيق وتطبيق سياسة ومبادئ الإنسان في مجتمع معين في مرحلة انتقال من نظام دكتاتوري لنظام يسعى لتحقيق دولة الحق والقانون دون تهديد عملية الانتقال نفسها.. والعدالة الانتقالية لا تعني العدالة الجنائية criminal justice ولكنها في نفس الوقت لا تلغيها بل تعتمد عليها باعتبارها احد مستويات ووسائل تحقيق أهدافها. العدالة الانتقالية هي اداة توصيفية وهي لذلك لا تحيل إلى مقترب متفق عليه اوتحيل إلى مبادئ عامة مجمع عليها لأن العدالة الانتقالية ما هي إلا طريقة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و تختلف دلالتها حسب الشروط الاجتماعية والسياسية كما لاحظنا في تجارب أمريكا اللاتينية ودول الاتحاد السوفيتي السابق وتيمور الشرقية وسيراليون وكوسوفو وجنوب أفريقيا ورواندا وسيراليون وغيرها.
فإن العدالة الانتقالية حسب تعبير ال ICTJ تكون قابلة للتحقق والتحقيق تعتمد بالضرورة على أدوات العدالة القانونية judicial measures الصارمة للبعض ولكنها أيضا تعتمد على وسائل وإجراءات غير عدلية بالمفهوم القانوني الصارم non-judicial measures. بذلك تكون العدالة الانتقالية هي استجابة للانتهاكات المنتظمة و الواسعة لحقوق الانسان يهدف الحصول على اعتراف لحقوق الضحايا وفتح ممكنات السلام والتسوية السياسية والديمقراطية. و في تطوره خلال السنوات السابقة اهتدي المفهوم بمبادئ حقوق الإنسان وكرامته مع التشديد على ضرورة عدم إفلات الجناة من العقوبة. كما تم الاعتماد بأشكال ودرجات مختلفة, حسب طبيعة المجتمع الذي يشتغل فيه,على وسائل لتحقيق مضامين العدالة الانتقالية وأهمها:الدعاوي الجنائية criminal prosecutions ..لجان تقصي الحقائق والاستقصاءات fact finding missions تطبيقاتها من دولة لأخرى حسب الشروط السياسية والاجتماعية والنظام العدلي فيها. تعتمد العدالة الانتقالية ضمن وسائل أخرى علي : 1- وسائل قضائية مثل: أ- الدعاوى جنائية (Criminal prosecutions) ضد مرتكبي الجرائم الجسيمة والمنهجية والأكثر بشاعة. ويمكن أن يكون ذلك عبر المحكمة الجنائية الدولية للجرائم وفقا لولايتها القضائية حسب القرار 1593 حاليا او بشكل أوسع بعد مصادقة السودان على ميثاق روما... أو عبر محاكم مختلطة نقوم بوضع القواعد القانونية والاجراءات المتبعة فيها بالاستفادة من تجارب المحاكم المختلطة ما قبل ميثاق روما في اروشا ويوغسلافيا والسيراليون وغيرها او عبر محاكم جنائية عادية وفق قانون العقوبات والاجراءات السودانية . واهمية المحاكم المختلطة تنبع من ان بعض الجرائم التي تشغل السودانيون تم اقترافها قبل انشاء المحكمة ولذا لا تدخل في ولايتها بحكم المادة المواد 11 و24 من ميثاق روما التي تنص على أن المحكمة الجنائية لها ولاية فقط علي علي الجرائم التي ارتكبت بعد دخول ميثاق روما حيث التنفيذ في يوليو 2002 و بعد 60 يوما من مصادقة 60 دولة عليها (Jurisdiction ratione temporis) وذلك وفقا لمبدأ عدم رجعية القوانين (the rule against retroactivity. لهذا السبب لم يكن من الممكن محاكمة أشخاص مثل منقستو وحسين هبري في المحكمة الجنائية الدولية. وهذا يعني أيضا ان مرتكبي فظاعات بيوت الأشباح في النصف الأول من عمر النظام والمتهمين بقتل شهداء رمضان والمتورطين في جرائم في دارفور قبل 2002 لا تطالهم يد العدالة عبر بوابة المحكمة الجنائية الدولية. عليه لابد من من استكشاف مساحات اخرى لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. بالإضافة للجنائية الدولية والمحاكم المختلطة يمكن ايضا محاكمة المجرمين عبر محاكم أهلية يتم وضع الإجراءات والقواعد القانونية الواجب اتباعها وفق قانون تشكيلها.
ب- وسائل متعلقة بعملية ولجان الحقيقة والمصالحات(Fact-Finding and Truth Commission ).. وفي هذا الإطار هناك تجارب ثرة من المغرب ورواندا وجنوب أفريقيا وغيرها يمكن الوقوف عليها لوضع نموذج خاص بنا.
ج- أجراءات إصلاح أجهزة احتكار العنف القسري (Security System Reform): هذا موضوع يحتاج لتقصي وعمل جاد في مجالات عديدة أهمها اعادة هيكلة وتأهيل النظام العدلي والقوات النظامية وشبه النظامية من جانب و العدالة الجندرية من جانب ثاني د- وسائل اجتماعية مثل أ- برامج جبر الضرر(Reparation programs) على المستويات الفردية والجماعية وبوسائل مختلفة: خطط العدالة الجندرية (Gender Justice) و عملية تخليد ذكرى الضحايا وجرائم النظام (Memorisation process).
اتمني فتح نقاشات جادة حول هذه القضايا وتداخلاتها المتعددة حتي ندرك اهمية العدالة الانتقالية في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Sediq Hamad
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست