قرية ودبلال التي إشتهرت وذاع صيتها مؤخراً،تتبع إداريا لمحلية الحصاحيصا بولاية الجزيرة ،تقع علي الضفة الغربية للنيل الازرق، وجنوبي العاصمة الخرطوم بأكثر من مائة وستين كيلو متر، وتبعد عن حاضرة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني بنحو عشرين كيلو مترشمالا، وجذبت ود بلال أنظار الجميع لتجربتها الرائدة في قلب مشروع الجزيرة والمناقل الذي طاله الخراب، ولحق به الدمار، وتراجع الانتاجية التي جعلت بعض اهالي قري الجزيرة يهجرونها بسبب قلة الدخل، ومصادر الرزق بالهجرة الي العاصمة، والمدن الكبيرة ،وطوال العقدان الماضيين إنتشرت مقولة سياسية إقتصادية تطالب بنقل المدينة الريف ،هذه العدالة في الطرح كان هدفها هو جعل سكان الارياف يعيشون حياة مثل سكان المدن فيما يتعلق بالخدمات الضرورية والاساسية، حيث ظل نصيب الارياف من الخدمات ضعيفا جدا ،هذه الهجرة الواسعة من الريف الذي صار طاردا ،وانعدمت فيه مقومات الحياة ،رفدت المدن بعمالة غير قليلة ظلت تعمل بالمدينة، وتعود في الاعياد والمناسبات الي الارياف ،لكن هذه الوضعية لم تستمرطويلا حيث شهدت القري هجرات كبيرة نحو المدن والعاصمة وأطرافها،وصبغت أحياء كاملة من هوامش المدينة بطبيعة حياتها، ومنطقة ودبلال ليس إستثناء من تلك القري المنسية في جوف المشروع العملاق،ويمتلك أهالي القرية التي كتب عن تجربتها عدد من الصحفيين منهم السر سيد احمد وضياء الدين بلال وعاصم اسماعيل، وأخرين يمتلكوا أراضي خصبة للزراعة، والتنمية الريفية الامر الذي جعل غالبية سكانها مزارعيين ورعاة ،بينما تفرغ الكثير منهم للتجارة، والعمل خارج الوطن في الدول العربية والاجنبية،وطرح ابناء،وبنات المنطقة مشروعهم التنموي التضامني الذي نفذعدد من المشروعات المختلفة مثل مزارع الدواجن، وحظائر تسمين العجول، والبيوت المحمية لإنتاج الخضر، وغيرها من المشروعات لتوفير فرص العمل، والنهوض بالمنطقة، وإدخال إهلها تحت مظلة التأمين الصحي،ويقول لي دكتور عبد الرحيم البلال الاستاذ الجامعي بجامعة الجزيرة والمدير العام لمشروع ودبلال للاستثمار والتنمية الريفية ان فكرتهم كانت بسيطة جدا لمساعدة الاهالي بالمنطقة التي يقدر عدد سكانها حوالي الف وخمسمائة أسرة شهدت هجرة، ونزوح الي العاصمة والي المدن المتاخمة مثل مدني وغيرها، فضلا عن هجرات واسعة للشباب للدول العربية لاسيما السعودية،وأوضح الاستاذ الجامعي ان عدد المساهميين يقدر بحوالي (339) تم توزيع الاسهم عليهم بواقع مائة جنيها للسهم الواحد ،ولفت البلال الي ان المقتدريين من اهالي المنطقة اشتروا أكثر من سهم، وان بعضهم قدم مساهمة مالية كبيرة لنجاح المشروع الذي صار واقعا يمشي بين الناس،وقال البلال ان مشروعهم وضعوا له دراسة جدوي جيدة حيث فاز المشروع بجائزة عالمية في دبي ضمن (250) مشروع أخر قبل نحو أربعة أعوام إقامتها وكالة رويترز للانباء، وبنك أبوظبي الاسلامي،وأوضح ان مشروعهم مجتمعي يمكن تكراره بفضل أهدافه السامية ،وقال الاستاذ الجامعي ان فوزهم في المنافسة العالمية ضاعف ثقتهم في أنفسهم أكثر، وشجعهم كثيراً،خاصة وان المشاريع المنافسة، وضعت من قبل بلاد أوضاعها الاقتصادية والتنموية متقدمة علي بلادنا وتابع(لكننا نجحنا في الفوز بالمشروع) وقال عبد الرحيم انهم دخلوا في شراكة مع بنك الخرطوم لتوفير التمويل لمشروع خاص بتسمين ألف عجل تخدم نحو (400) أسرة سيكون متاحا لها التمويل إلى جانب العون الفني والتسويقي، ويصبح المستفيد هو مجتمع القرية ككل، وذلك عبر توفير التمويل الأصغر وتجميعه في سلة واحدة لمصلحة مجموع حملة الأسهم، بدلا من صيغة التمويل الفردي السائدة، خاصة أن كل أفراد القرية يُعتبرون من حملة أسهم الشركة، بمن فيهم الذين لم يستطيعوا المساهمة، إذ تم الدفع نيابة عنهم، وذلك حتى تعمل الشركة على أسس تجارية بهدف تحقيق الربح، وتخصيص جزء من العائد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار عبد الرحيم الي انهم وجدوا مساعدات كبيرة من شركة الاتجاهات المتعددة المختصة في تسمين وتسويق العجول ،وتابع(هذه الشركة رائدة تعلمنا منها الكثير ،والان اصبحنا نعمل شغلنا لوحدنا) وذكر البلال ان فكرة المشروع تضامني لجهة حل المشكلات التي تواجه مجتمعهم الخاصة بنقص، وضعف الخدمات الصحية، والتعليمية واضاف ذلك إتجهنا لتنفيذ مشاريع ذات دخل سريع حيث خصصنا مساحة (46) فدان لمشروع حظائر دواجن، ومجزر صحي بمواصفات عالية،حيث عمل البعض متطوعين، كما وفر لنا المشروع ميزانية لتوظيف الاخرين ،وأشار المدير العام الي ان المشروع إستطاع إدخال سكان المنطقة في مظلة التأمين الصحي،وقال البلال انهم افلحوا ايضا في اقامة محطة وقود بالقرية بشراكة مع شركة الكرنيك،وختم حديثه بجاهزيتهم وإستعدادهم الكامل لمساعدة اي جهة او منطقة في إعداد الدراسات الاقتصادية الخاصة بالمشروعات التنموية وأردف(نحن جاهزين ولن نبخل بشي لمصلحة الجميع) وحول الخطط المستقبلية التعليمية بالقرية هناك مشروع محو الأمية التقنية بتعليم أهل القرية كيفية التعامل مع الحاسوب والإنترنت، وينتظر اكتمال بناء أول فصل، ومكتب ومخزن ستمثل الأساس لتشغيل روضة حديثة للأطفال تسع خمسين طفلا بداية، مع تجهيز احتياجاتها من مقاعد وألعاب ومعينات تعليمية. وتم أيضا إنشاء مكتبة تضم (12) ألف عنوان، خصص لها أحد المرافق الملحقة بالمسجد، إلى جانب توفير تغطية تأمينية صحية لغير القادرين ماليا، وتحمّل رسوم دراسة الطلاب المعسرين ليسددوها بعد تخرجهم. ويظل الهدف الرئيسي في الجانب التعليمي هو إنشاء مدرسة ثانوية نموذجية تستوعب أبناء القرية وتتيح الفرصة للأوائل من مدارس أخرى في الولاية، وإغرائهم للتقديم للمدرسة بتوفير السكن، والعديد من الأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية، بهدف إيجاد مناخ من التنافسية، وتحقيق مستوى عالٍ من التميز الأكاديمي.ووجدت فكرة المدرسة النموذجية هذه تجاوبا شعبيا كبيراً، إذ تبرع أحدهم بقطعة أرض مساحتها خمسة آلاف متر مربع لإقامتها عليها، كما تتالت التبرعات لإقامة فصل هنا أو مرفق هناك. وفي خطط الجمعية المستقبلية تخصيص جزء من عائد المشاريع الاستثمارية لمصلحة التنمية الاجتماعية، كما شمل الاهتمام أيضا الجانب البيئي بالتخلص من النفايات والتشجير. الجدير بالذكر ان وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي مشاعر أحمد الأمين الدولب كانت قد زارت المنطقة بمعية عدد من أعضاء المجلس الوطني ممثلين في لجنة الصحة واللجنة الاجتماعية ،ومدير مصرف الإدخار ومدير التأمين الصحي وممثل ديوان الزكاة وبعض مديري إدارات الوزارة،حيث تعهدت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي، مشاعر أحمد الأمين الدولب، بتوفير الضمانات اللازمة، وتوسيع المشاريع القائمة وتجويد الخدمات الصحية بقرية ود بلال التي تم إدخال جميع أهل القرية في التأمين الصحي بنسبة تغطية بلغت (100%) كأول منطقة تحقق التغطية الشاملة في السودان،وقالت الوزيرة سيكون هناك تجارب أخرى في ولاية الجزيرة على غرار هذا المشروع وضعت مشروع الأمان الاجتماعي الذى تتبناه وزارة الرعاية و الضمان الاجتماعي والذى يستهدف الوصول للشرائح الضعيفة، ويقدم خدمات في التعليم والصحة من خلال التامين الصحي وغيرها من المشروعات التي تحقق الامان الاجتماعي،وقالت الوزيرة (لمسنا من هذه التجربة ان الفكرة كبيرة برغم الصعوبات والتحديات التى تواجه كل طموح) وأكدت تنفيذ كل المشاريع بالقرية ودعم التجربة حتى تستمر وتكون محفزا لقرى ومناطق أخرى حتى تحزو حزوها كل مناطق السودان، وقالت إن المجتمع السوداني متكامل بطبيعته وهذه هي البداية لمشروعات جديدة ،من جهتها قالت رئيس لجنة الصحة بالمجلس الوطني، امتثال طه الطريفي، قالت إن المشروع حقق النجاح الذي ظهر في الأثر الاجتماعي للمنطقة وطالبت الوزارة بتذليل الصعوبات التي تواجه المشروع ودعت لتطبيق التجربة في كل ولايات السودان،أما المغيرة الأمين جاد السيد المدير التنفيذي للتأمين الصحي بالجزيرة قال إن ولاية الجزيرة تمتلك(270) مرفقا تقدم خدمات التأمين الصحي من مستشفيات تعليمية ومتخصصة ومراكز صحية وتم فيها برامج الحوسبة حسب التوجيه الإلكتروني للدولة وقرية ود بلال حققت التغطية للأسر المتبقية خارج التأمين الصحي البالغ عددها (86) أسرة بدفع اشتراك عام ،وفي الاثناء قال الدكتور طلال الفاضل مدير التأمين الصحي قال إن مركز صحي ود بلال نموذج متفرد، وهو أول مركز صحي ينشأ من التأمين الصحي في ولاية الجزيرة وتوجد به الأقسام الأساسية المطلوبة، كما تتوفر به أدوية الأمراض المزمنة.
عموما:قصة نجاح تجربة ودبلال صارت كما قلنا، واقعا وهي تجربة إستبقها من قبل اتحاد مزارعي شيخ المشاريع الزراعية مشروع الجزيرة والمناقل الذي نفذ عدد من الجمعيات التعاونية،والمشروعات التنموية عبر مال الخدمات لكن الانهيار الذي اصاب المشروع، وحل الاتحاد نفسه لاحقاً،اقعد بتلك التجربة الرائدة ، لكن ود بلال بتجربتها اكدت انه لامستحيل تحت الشمس،وانه يمكن قيام مشروع تنموي لمحاربة الفقر ودعم الاسر الفقيرة،فهل تعيد تجربة ود بلال النظر لدي المنظومات السياسية، التي أغفلت مشاريعهم الجانب التنموي مقابل إعلائها قسمة السلطة والثروة الذي هيمن علي المشهد السياسي ،وبالنظر الي كل الاتفاقيات التي ابرمتها الحكومة خلال العقدين الماضيين نجدها تركزت في مواقع وزارية ومصالح ذاتية فقط، ولم تنعكس بصورة واضحة على النواحي المهمشة مثل المشاريع الزراعية والقطاع الصناعي ،كما انها لم تخاطب قضايا التخلف وغياب التنمية والخدمات،فطوال تاريخ السودان المستقل الذي بلغ أكثر من ستين عاما، تولّت النخب المدنية والعسكرية والطائفية قيادة البلاد تحت مختلف اللافتات العسكرية والمدنية، مع تغييب واضح للبعد الشعبي، وهمومه واهتماماته. ولكن سجل أداء هذه النخب طوال العقود الماضية لم يكن مرضيا، بدليل طوفان مشاكل البناء الوطني التي لا تزال تعتور البلاد. ونموذج ود بلال يطرح صيغة جديدة، ورسالة بالغة الأهمية وهي ان النخب يمكن أن تلعب دوراً مع الناس، وبينهم لتغيير الأوضاع بدلا من قيادتهم في مسارب، وخيارات قد لا تتفق بالضرورة مع مصالحهم الحياتية،ليس بالضرورة ان ينطلق قطار التغيير من منصة سياسية اوبواسطة الحكومة ،بل يمكن كما أوضح النموذج بدء التغيير من اسفل وبمشاركة المجتمع،وهو مايشكل تحدي في كيفية تسرب هذا النموذج الي دائرة الاهتمام الوطني العام ،سياسيا واعلاميا واقتصاديا يصبح محور الفعل، والقول الذي يعطعي السياسية محتوي اكثر التصاقا بالناس الذين تتحدث باسمهم. ويعتبر سكان الريف أكثر تعرضاً لعدم استقرار الأسواق للمنتجات الزراعية والزيادات الحادة في الواردات التي يمكن أن تقضي على الأنشطة الإنتاجية الريفية التي كان من الممكن أن تحافظ على بقائها في الأحوال الأخرى. وكما تقول تقارير اعلامية ان الفقر في معظمة مشكلة ريفية ،وان غالبية فقراء العالم بالمناطق الريفية كما ان فقراء الريف أقل حظا بكثير من فقراء الحضر من حيث الحصول على الخدمات الاجتماعية مثل خدمات النظافة الصحية، والمياه النظيفة، وخدمات الصحة العامة والتعليم الابتدائي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسين سعد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست