|
القاصة سارة الجاك ومجموعتها القصصية الأولى ( صلوات خلاسية ) ما بين توظيف الحلم وغموض الرمز ...
|
القاصة السودانية الشابة ( سارة الجاك ) قاصة واعدة صدر لها عن دار الحضارة المصرية مجموعة حملت اسم ( صلوات خلاسية)، وهذه المجموعة تعتبر أول الإصدارات التي اختارت القاصة قصصها لتكون مجموعة واحدة ، فللقاصة العديد من القصص الأخرى أتمنى أن تتاح لها فرصة التدوين في شكل كتيبات حتى نستطيع من خلالها التعرف على مقدرة هذه القاصة في توظيف السرد لخدمة ما تؤمن به ، وما تبشر به من خلال سردها الشيق الجميل . تتنوع تجارب قصص ( صَلَوَات خُلاسِيَّة ) للقاصة سارة الجاك ؛ بين القصة القصيرة والأقصوصة ، وتضم المجموعة بين ضفتيها سبعة عشر نصاً كُتِبت في الفترة الممتدة من 2006 – 2007م ، وقد حُظِيتُ من القاصة بمسودات النصوص ، فلها شكري وتقديري . من حيث الترتيب الموضوعي انحصرت المجموعة بين عنصري من عناصر الطبيعة المبهجة والمفرحة ألا هما : ( الوردة الحمراء ) كنص أول وختمتها القاصة ب (زهرة اللوتس ) . الإنسان والطبيعة محورا قصص هذه المجموعة ، ومن هنا كان التوقع بأن نصوص المجموعة ستخلق لنا أفقا عاماً نستطيع من خلاله أن نلمس الربط ما بين دلالة اختيار اسم المجموعة ( صَلَوَات خُلاسِيَّة ) وبين النصوص المكونة لها ، وذلك بأن نرى في نصوص المجموعة ما يؤكد هذه الصلوات الهجين أو الدعوات الهجين حيث أن الصلاة لغة : هي الدعاء ، وأن تكون قادرة على إعطاء المتلقي مبرراً لاختيار ذلك الاسم مثل أن يكون هناك نص بالمجموعة يحمل اسم ( صَلَوات خُلاسِيَّة ) ، ولكن يمكن اعتبار أن الهجين يأتي في هذه المحموعة من كونها شملت مواضيع عدة : الطبيعة ودلالاتها ، والحاكم الذي يأتي إلى الحكم بمحض الصدفة كما في قصة ( البروز البري ) و فلسفة شفافية النور في ( انكسار اللون الأبيض ) وتجليات ظهور اللون الأخضر في كثير من النصوص وفي قصة ( تراتيل المتاهة ) نجد أن القاصة قسمتها إلى تراتيل ثلاث : بدءأ من ترتيل ( الهبوط ) ثم ( ترتيل المتاهة ) ف (ترتيل العروج ) في ترتيب عكسي تحمل رحلة أنثى مع نفسها ونصفها الآخر في إطار لا يخرج من كونه حوار فلسفي بمنولوج داخلي ؛ بيد أن القاصة في قصتها ( حوارية الحنين ) تتجلى بوضوح المسحة الصوفية والصراع الحاد ما بين الرؤى والواقع ، وهموم الإنسان الذاتية وسعيه لتجاوز واقعه المهترئ نحو عالم القيم ، وتجسيد ( الكرامات ) في التغيير إلى ما هو أفضل أو ما هو مأمول ، وتسير القاصة في نفس الدرب ذي البعد الصوفي فنطالع قصتها (ديناميكا الأرض.... إستاتيكا الارتحال ) ففيها تنتصر الكاتبة للخلوة والمسيد والشيخ عندما تحلق ببطلها عاليا في لحظة تمنى فيها لو أن الأرض اختفت ليكون هناك ، وبذلك يكون عنوان القصة (ديناميكا الأرض.... إستاتيكا الارتحال ) مبررا ومناسبا .. لتفتح المجال للقارئ ليحدد بنفسه أي مكان هذا الذي سما إليه بطل القصة وكيف حاله الآن ؟ وكيف .. وكيف .. وكيف .. ؟ أسئلة ما تطفق تطوف بخيال القارئ عند الانتهاء من قراءة القصة ،ونبقى مع هذا الفيض الصوفي ونحن نقرأ النص الذي يحمل اسم (حُلُولات القَمَر عندَ فَاطْنَة تِـرْ ) ، وبالمجموعة أيضاً قصص أخرى غاية في الروعة والتصوير المدهش سأكتفي بالإشارة إلى مسمياتها حتى لا أفسد على القارئ حاسة التوقع ،ومن هذه القصص : ( خضاب الدم ) و( ونشيج ) و( قاطرة ) و ( ذات خسوف ) و (اشتراق ) و (اهتزاز في شبكيَّة البصيرة ) وأخيراً زهرة اللوتس ، ويمكنني القول إن القاصة قد نجحت في هذه التجربة ويمكننا من خلال قراءة هذه المجموعة أن ندرك خصائص هذه القصص من ناحية الرؤية ، والأداة ، والتكنيك الفني ؛ حيث نجد أن رؤية القاصة تتسم بالمثالية والروح الشفافة والمبادرة للتغيير ، والتطرق لكثير من الأشياء التي تمسك بخناق الإنسان وتكاد تعصف به ، ومحاولة علاجها برؤيتها الخاصة ذات الطابع المثالي الذي كله انتصار للخير واستشراف للحلم ، ونصب حربٍ للواقع المادي بما فيه من جشع وتحلل ، وهناك ظاهرة في لغة القاصة بجانب اهتمامها بالجمل الشعرية ، هي توظيفها للتراث الديني والشعبي ، خاصة الألفاظ ذات الدلالة الصوفية ، والمقولات المأثورة التي يزخر بها المجتمع السوداني مثل بعض الأشعار السائدة في جلسات الزار (يَا مَرْحَبَاً بِالخَوَّاجَةْ يَا مَرْحَبَاً دُوْدْ مَاجَهْ ) كما في قصة (اهتزاز في شبكيَّة البصيرة ) ، وهي اقتباسات قد قصدت بها القاصة التعبير عن الخط الدرامي لسردها ، والكشف عن التضاريس النفسية لشخوص نصوصها ، محاولة منها لاستبطان شخوصها أو بعضها وسبر أغوارها ومعايشة وضعها الداخلي من قلق وتوتر ومعاناة ؛ أما التكنيك الفني لهذه المجموعة القصصية نجد أن القاصة قد مازجت في نصوصها ما بين السرد والحوار ، وأحياناً تلجأ لاستخدم أسلوب الارتداد في بعض النصوص ، وقد وضح أن المجموعة بها عدد من القصص يعرف بالأقصوصة ، وهي التي تحتل مساحة ضئيلة قد لا تتجاوز الصفحة الواحدة مثل (الوردة الحمراء) ، (البروز البري ) ، وكما هو معروف فإن هذا النوع من القصص يحتاج في شكله الفني إلى قدر كبير من التكثيف والسيطرة المحكمة على البناء الفني ؛ أما قصة (تراتيل المتاهة ) إذا أخذنها كما أرادت القاصة مقسمة إلى أقصوصات نكون قد تعرفنا إلى شكل فني حديث استخدمته القاصة حيث أنها نوَّعت المشاهد داخل القصة الواحدة ، بحيث تبدو في الظاهر مُجزأة ، منفصلة ، ولكنها في النهاية تكون رؤية واحدة ، هي تعميق الموقف بكل تفاصيله في حياة الإنسان عموماً . إذاً هي دعوة للجميع للإطلاع على هذا السفر الذي حاولت فيه القاصة الاستفادة من الحداثة في كتابة القصة القصيرة وتطوير أدواتها الفنية ، وعرض بعض التقنيات الحديثة ، كتوظيف الحلم كما في ( حوارية الحنين ) ، واستخدام تيار الوعي كما في (خِضَابٌ مِنْ دَم ) وغموض الرمز كما في ( الوردة الحمراء ) ، ( وزهرة اللوتس ) .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: القاصة سارة الجاك ومجموعتها القصصية الأولى ( صلوات خلاسية ) ما بين توظيف الحلم وغموض الرمز (Re: عروة علي موسى)
|
تمارس القاصة في هذه المجموعة القصصية قدراً من نداء الطبيعة ، وتؤكد على تراص عناصرها من أجل البقاء ، وكل هذا يكون بدلالات رمزية كبيرة بدءًا من العنوان كما في أقصوصة ( الوردة الحمراء ) دلالة الحب وتدله الأنثى ، ورمز( القطف ) بمعنى التعدي عموماً ، ويكون الغرض من تراص عناصر الطبيعة( الأنثوية ) مع بعضها البعض هو حماية نفسها ، وهنا إشارة من القاصة على أن مجتمع الأنثى له القدرة على حماية بعضه البعض ، وذلك بالتنادي حين تكون أحدهن في موقف يمكن أن يصيبها مكروه من بعض المارقين على قانون الأخلاق والعرف الاجتماعي ، وذلك مثلما فعلت ( النحلة ) الصديقة المخلصة وبذلت ما في وسعها لإنقاذ صديقتها ( الوردة الحمراء ) رغم إصرار المارق على (القطف ) الذي هو هنا رمزاً للتجني وعبور الخط الفاصل ما بين الفضيلة ونقيضها . لتشرق الحياة بين عناصر الطبيعة ( الإناث ) ويحلِّقن مع قوس قزح كرفيقين .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القاصة سارة الجاك ومجموعتها القصصية الأولى ( صلوات خلاسية ) ما بين توظيف الحلم وغموض الرمز (Re: عروة علي موسى)
|
هذه القصة باسم ( ظلال ) ليست ضمن مجموعة ( صلوات خُلاسية ) ولكني أردت بها أن أقف معكم على قدرة القاصة على السرد .. فنقرأ جميعاً هذا النص ثم سأعود من بعد لتقديم قراءتي حوله : : :
ظلال بحثتُ عني ، دخلتُ عليّ ، أغلقتُ البابَ خلفي ، توجهتُ إليه ابتسم صمتُ ولم أكنْ شيئاً ... المسافة ُ بيننا ممتدةُ وبعيدة ، أتمعنُ فيه بلا حراك ، أرفعُ قدمي لأسعى إليه لكنها تأبى ... هو يبتسم ... أنا أكدح إليك : لأًلاقيك ، اعنّي خففني مني ، ارفعني ، ارفع قدمي لأبلغك ، أُحادثه لكنه ... بل يبتسم ... لابد لي من بقائي أَمامك وإياك أماني ، دونك هلاكي ، أيا أنت ... أنام بتناهيدى ، أُطبق جفني تُضئ روحي ، الضوء بعيد وخافت ، أخضر ينبعث من شمعة ٍ زيتونة ٍ محايدة ، تصبحه رائحة القرنفل ، أرفع قدمي ...، أخطو ..، أسمو ... أكاد أبلغه ... أبحث عنى تسيل دموعي تعزف موسيقى حزن ، شموع تتراقص على أنغام سيمفونية الدموع ، ظلال تنعكس من ضوء الشموع ، الشموع ترسم ظلالي وكذلك دموعها ... دخلت علىّ أغلقت الباب خلفي ، حلمت بأني الميرم ، افترشت الحرائر والتحفت أرياش النعام في غرفتي الجميلة المعطرة ، أردت مليكي ، استنسخت مني أخرى ، انتظرتها انكمشت ، ضمرت ، تحولت لضلع أيسر ، انشطر فكان عظام قفص صدري ، سويتها من اعوجاجها ، كسوت العظام لحماً، صارت أدمى ومليكي ، دخل عليّ أغلق الباب خلفه ....أمامنا الأنواع المنوعة من الخمر والعجة ، أخذنا منهما زادنا لإبحارنا فينا ، راق مزاجه راق مزاجي ، واقعني كنت مهرته التي لا تروض . وكان فارسي شديد المراس اشتد أوار النزال هناك وجدناه حيانا ، وابتسم ومضى . نزل منى حييته على نزاله حي ّجيوش الحروف في دمى ، كتبت القصة ، تمنيت مقارعة الشعر ، صحوت برأس مثقل ، نشوة ناقصة مالحة ، عظام حوضي تؤلمني ، أوقدت الشمعة كتبت : ( رسمتني ظلالها على الجدار بنهدين رحيبين ، خصر ناحل ، صدر ناحب ، خد متلألئ بالدموع ... ) أنا دمية تحركها خيوط ، يعيرها محركها صوته ، يجرى قوله على قولها تتراقص طربانة تُضحك رواد مسرحها ، تبكي بلا صوت لأنها منزوعة الحُنجرة ، يتبعها فني الإضاءة بالشموع ليريها ظلها في الجدار لكن هيهات لأنها أيضاً منزوعة الصوت ... أطفئت الأنوار ، أوقدت الشموع ، ذاب خيط الشمعة الكبيرة ، تفلطحت كقبعتي ، انسربت الدمعات وتراكمن ، عرضت الشمعة فكانت كتفاي ، رسمتني الشموع في الجدار المقابل ، طفلة ترتدي قبعة تتباهى بها أمام صديقاتها المتحلقات حولها لاعبت ظلها والشمعة ، ثم وقفت ولم يقف ظلها ، لان الهواء يراقص لهبات الشمعة أضيئت ألأنوار ، هُنئت بعيد ميلادي الرابع .... أبحث عني ،أدخل علىّ أغلق الباب خلفي ، أطبق جفني تضئ روحي ، أرفع قدمي ، أخطو ، أسمو ، أبلغه هو داخلي ... وجدتني عندي لبرهة ، سالت دموعي فرحاً ، عزفت موسيقى صاخبة ، تراقصت الشموع على أنغام سيمفونية الدموع ، الشموع رسمت ظلالي كذلك دموعها !
سارة الجاك ،،، 23-8=2008
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القاصة سارة الجاك ومجموعتها القصصية الأولى ( صلوات خلاسية ) ما بين توظيف الحلم وغموض الرمز (Re: عروة علي موسى)
|
للحبيبة سارة اولا مبروك الانجاز الرائع"لازم تجيبى لى هديتى من الكتاب " اعجبتنى اللغة التى تعنى انها شابة مزدانة واحتها بالاطلاع واضح من سياق الكتابةانها مهتمة بالمفردة وتركيبها الى حد كبير لكن هذا لم يحدث خللا فى سياق النص نفسه فى القصة التى اتيت بها اخى عروة من خارج المجموعة احسست انها تحدث ذاتها من اول وهلة لذلك لم تقم بكتابة "ذاتى " فى النص وهذا ما جعلنى استمتع بالقراءة فى هذا النص الذى تتحدث فيه عن ذاتها واستخدمت الضمير "انا" وبات المخاطب هنا "هى نفسها " حيث تنسب الاحداث وتنقلها الينا عبر "حالة ذاتية " مما اكسب النص مذاقا خاصا ربما لانى استخدم تلك الطريقة فى زمان كنت اكتب فيه القصة ما علينا لكنى معجبة بطريقتها فى السرد واللغة العالية والتماهى بين الذات والاخر سارة الجاك كاتبة واعية لانسانيتها وانوثتها الكتابية تحياتى لكما
| |
|
|
|
|
|
|
|