مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:09 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-11-2009, 10:20 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة

    إنما هي مواضيع متناثرة تصلني علي الايميل واردت فقط اشراككم في الاطلاع عليها:

    المحكمة الجنائية والخيارات السودانية‏

    دخلت الأزمة في السودان منعطفا خطيرا, ضاعف من حجم المشكلات التي تتناثر في أنحاء مختلفة من أقاليمه, وزاد من التعقيدات التي تواجهه علي مستويات متعددة. فقرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس عمر حسن البشير انطوي علي مضامين ورسائل سياسية في اتجاهات محلية وإقليمية ودولية, حيث أكدت المذكرة, التي أصدرتها المحكمة في 4 مارس 2009, إخفاق الخرطوم في قراءة كثير من المعطيات الإنسانية والتطورات السياسية التي لاحت في الأفق منذ اندلاع الأزمة عام 2003, وأن طريق المراوغات ومنهج المناورات يمكن أن يغرق البلاد في دوامة مركبة من الأزمات. وبهذه المذكرة التي احتوت علي سبعة اتهامات تعرض الرئيس البشير للاعتقال, ازداد قلق كثير من دول الجوار, سواء التي لها مصالح مباشرة مع السودان, أو التي تخشي قياداتها من تسليط سيف المحكمة علي رقابها. كما أن هذا التطور أشار إلي نمط جديد من التفاعلات الدولية في التعامل مع بعض القضايا الإقليمية, قد يؤدي شيوعه إلي مزيد من اشتعال النيران في جنباتها, خاصة أن كل المقدمات حذرت من خطورة توقيف رئيس بلد, مثل السودان, يعاني سلسلة كبيرة من المشكلات, تمتد من الغرب إلي الشرق, وتتواصل من الشمال إلي أقصي الجنوب. كان الرفض السوداني للتعامل مع المحكمة الجنائية - ومن ثم قرارها في حق البشير - لافتا, وتذرع النظام السوداني بمجموعة من الحجج, أهمها نفي قيام الخرطوم بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور, وأن كل ما حدث من تجاوزات أو خروقات تتحمل مسئوليته الحكومة والمتمردون علي حد سواء. كما تذرع النظام السوداني بأن غالبية التقارير التي استندت عليها المحكمة أعدتها جهات مشكوك في صدقيتها, ومنظمات إنسانية لديها أجندات خفية, تقف خلفها قوي دولية تسعي لاستهداف السودان وتحقيق فوائد اقتصادية وصيانة مصالح استراتيجية, فضلا عن حرص المتمردين علي تضخيم خسائر أهالي دارفور لتوسيع نطاق قضيتهم وتعظيم مكاسبهم, ووضع النظام السوداني تحت ضغط مستمر ربما يجبره علي التسليم بمطالبهم. ولم تتوان الحكومة السودانية في العزف علي وتر عدم توقيع اتفاقية روما في 17 يوليو 1998 التي حددت عمل المحكمة, وقامت 108 دول بتوقيعها, وبالتالي فالسودان (من وجهة نظر حكومته) غير معني, شكلا, بالمحكمة ومذكرتها وما يترتب عليها من ملاحقات. لم توقف كثرة الحجج وتباين الذرائع عمل المحكمة, وربما زادتها إصرارا علي المضي في طريقها لتأكيد جدية خطواتها ومحاولة ردع القيادات المماثلة. ففي 13 مارس 2009, قالت وثيقة نشرتها المحكمة الجنائية إن مدعي المحكمة يريد تقديم استئناف لقضاة المحكمة لإبقاء تهمة ارتكاب 'إبادة' التي أسقطها القضاة من بين التهم التي استندوا عليها في توجيه مذكرة توقيف بحق البشير, علي اعتبار أن مستوي الإثبات الذي طلبه القضاة بالنسبة لبعض التهم, وبينها 'الإبادة', بدا - علي حد قول بياتريس لي فرابر مستشارة المدعي العام - 'أكثر مما ينص عليه ميثاق روما'. ومع أن المسألة دخلت مجالا قانونيا مثيرا يستوجب الرد بطريقة مماثلة, إلا أن النظام السوداني لجأ إلي التشكيك في الأهداف والتقزيم من التحركات المناهضة, دون أن يقدم مبررات منطقية تثبت عكس الاتهامات الموجهة إليه وتفسد توجهات مستهدفيه. فالاكتفاء بالتظاهرات والتنديدات والتحذيرات زاد العقبات, ولم يخفف الممارسات القاسية التي لاحت لتطويق السودان إنسانيا واقتصاديا. وكانت إجراءات المحكمة قد وجدت دعما في بعض الوثائق الرسمية التي اعترفت فيها الحكومة السودانية بوجود انتهاكات. فعندما أكدت فصائل المتمردين أن هناك مائة ألف مواطن سوداني قتلوا في دارفور, لم تنكر الحكومة التهمة, لكنها خفضت العدد إلي عشرة آلاف, كل جريمتهم أنهم من قبائل الفور والزغاوة والمساليت. ونجحت المحكمة في الحصول علي معلومات من منظمات دولية, واستمعت إلي العشرات من شهود العيان الذين أكدوا حدوث انتهاكات ضد الإنسانية. وفشلت الخرطوم في دحض الاتهامات أو تبني خطة تسوية متكاملة تفضي إلي تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم, وتوقف زحف السيناريوهات الغامضة, التي لقيت تأييدا من قبل مجلس الأمن وعدد من قواه الرئيسية, مما أفضي إلي حشر النظام السوداني في زاوية ضيقة. تحركات سياسية وإجراءات جنائية : ترجع إحالة مجلس الأمن الوضع في دارفور إلي المحكمة الجنائية إلي ما خلصت إليه لجنة تقصي الحقائق الدولية التابعة للأمم المتحدة, من أن حكومة السودان وميليشيات الجنجويد الموالية لها مسئولة عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وأعدت اللجنة قائمة ب- 51 مشتبها (لم يتم إعلان أسمائهم رسميا) قالت إنه من الواجب إجراء تحقيقات إضافية معهم, بينهم مجموعة من كبار المسئولين, وقادة عسكريون من الرسميين والمتمردين. وتم تسليم القائمة للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة, كوفي أنان, ومعها توصية بإطلاع الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية عليها. من هنا, تغلبت المحكمة علي مشكلة عدم تصديق السودان علي وثيقة روما, حيث يحق لمجلس الأمن إحالة أي قضية إليها, وهو ما حدث فعلا في 31 مارس 2005 بموجب قرار المجلس رقم 1593 للنظر في اتهامات ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وبعد نحو عامين (أبريل 2007), أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول أوامر الاعتقال بحق أحمد هارون وزير الدولة للشئون الإنسانية في السودان, وعلي محمد علي عبدالرحمن الكشيب, القائد الميداني للجنجويد, بسبب الدور القيادي لكل منهما فيما يوصف بأنه جرائم حرب وإبادة جماعية وقعت في إقليم دارفور. وقد رفضت الخرطوم هذا الأمر, واعتبرته ابتزازا من قبل بعض القوي الدولية ومحاولة للضغط علي الحكومة, لتحقيق مآرب سياسية وأمنية واقتصادية, بل تعمدت الحكومة السودانية أن تضع هارون في موقع يحمله مسئولية الجماعات (وزير دولة للشئون الإنسانية) التي تردد أنه أسرف في ترويعها. تهاونت الحكومة السودانية في التعاطي مع الإشارات الإنسانية والسياسية. وعندما دقت المحكمة الجنائية ناقوس الخطر بقوة, مضت الخرطوم في ممانعتها لكل خطواتها, وأصرت علي تجاهل الإنذارات المتكررة أو التظاهر بعدم سماعها, وواصلت تطبيق تصوراتها للحل وتصرفاتها للحسم. ولم تكن نتائجهما (الحسم والحل) مرضية. وفي 16 يونيو 2008, طالب مجلس الأمن بالإجماع السودان بالتعاون مع المحكمة الجنائية. فقد أعلن لويس مورينو أوكامبو, المدعي العام للمحكمة, في تقرير قدمه لمجلس الأمن أنه توصل إلي أدلة ل- 'خطة إجرامية تستند إلي تحرك جهاز الحكومة بالكامل' لارتكاب جرائم في دارفور. وفي يوليو من العام نفسه, طلب أوكامبو من الدائرة التمهيدية الأولي بالمحكمة إصدار أمر اعتقال بحق الرئيس عمر البشير, بناء علي اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في الإقليم. كل هذه الخطوات تعمدت الحكومة السودانية التقليل من أهميتها, تارة بالرشق بالكلمات والاتهامات لأوكامبو وأعوانه ومن يقف وراءهم, وأخري عبر الإيحاء بأن هناك عملية جارية للتسوية السياسية في دارفور. ولأن الأولي بدت بعيدة عن الواقع الدولي ومعطياته, والثانية أخفقت في إثبات جديتها, فقد أصدرت المحكمة الجنائية قرارها باعتقال الرئيس البشير الذي لم يخطيء العقل توقع حدوثه, فكل المعلومات والرسائل كانت تشير إليه. بذلك, أصبح (قانونا) علي الرئيس عمر البشير أن يسلم نفسه تلقائيا للمحكمة, أو أن يتم تسليمه من جانب السلطات السودانية. كما أنه علي دول العالم, لاسيما الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية, أن تعمل علي تنفيذ القرار وتقديم البشير للمحكمة عقب إلقاء القبض عليه, إذا تواجد علي أرضها. فالمادة 88 من النظام الأساسي للمحكمة تحدد بوضوح إجراءات إلقاء القبض, من خلال قيام المحكمة بتقديم طلب مشفوع بالمواد المؤيدة للقبض علي شخص وتقديمه إلي أي دولة قد يكون ذلك الشخص موجودا في إقليمها, وعليها أن تطلب تعاون تلك الدولة في القبض علي ذلك الشخص وتقديمه, وعلي الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض. في حالة السودان الذي رفض الانصياع لقرار المحكمة, ولديه ما يشبه شبكة أمان من بعض الدول العربية والإفريقية, سوف تقوم المحكمة بإحالة القرار إلي مجلس الأمن, للبحث في كيفية التنفيذ وإرغام السودان علي التعاون مع المحكمة. يتضمن ذلك إصدار قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, الذي يلزم سائر الدول الأعضاء بها بالتعاون لتنفيذ أمر الاعتقال, بمعني أن القضية سوف تتقاطع فيها الأبعاد القانونية مع نظيرتها السياسية, وتتسبب في إحراج كثير من القوي الإقليمية والدولية التي كانت تمانع أو تتحفظ علي إحالة البشير منذ البداية. ثلاثة اتجاهات متوازية : تظاهرت الحكومة السودانية منذ البداية برفض التعامل مع المحكمة الجنائية, وبدت غير عابئة بالمذكرة. وفي خطوة مثيرة, عقب إصدار أمر التوقيف ضده, أعلن الرئيس البشير طرد 13 منظمة إغاثة إنسانية تعمل في دارفور, بذريعة أنها مضرة بالأمن القومي. ونوهت الحكومة السودانية إلي امتلاكها معلومات تفيد بتعاون وتآمر بعض المنظمات الانسانية مع المحكمة الجنائية. وفي 16 مارس 2009, قرر الرئيس البشير نقل مهام الإغاثة في مخيمات اللاجئين في الإقليم من المنظمات المطرودة إلي منظمات وهيئات وطنية, التي قرر أيضا أن تتولي جميع المهام الإنسانية في غضون عام. مع ذلك, أخذت الخرطوم تواصل مساعيها نحو تجاوز عقبات المحكمة الجنائية, عبر عدد من الإجراءات العملية التي تؤكد أنها لا تقف بمفردها في الميدان, وأن استهداف نظامها سيواجه برفض تام من جهات عربية وإفريقية وربما دولية. في هذا السياق, حاول النظام السوداني استثمار تكاتف الجهود الإقليمية لإنقاذه رقبته من مقصلة المحكمة الجنائية, وسعت تحركاته قبيل وبعد مذكرة التوقيف في ثلاثة اتجاهات. كان الاتجاه الأول الذي سعي فيه النظام السوداني هو محاولة الاستفادة من المادة 16 من القانون الأساسي, والتي تخول مجلس الأمن تجميد قرار المحكمة لمدة عام قابل للزيادة. وفي فبراير 2009, تشكل وفد عربي - إفريقي وذهب إلي نيويورك لتفعيل هذه المادة, لكن الوفد اصطدم بحائط رفض منيع من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ولم يكف تعاطف روسيا والصين في تحريك الموقف لصالح الخرطوم. عند هذه اللحظة, تيقنت جهات كثيرة بأن ملف المحكمة سوف يمضي إلي غاياته, خاصة أن الإشارات التي تلقتها دول مجاورة بهذا الخصوص سارت في الطريق ذاته. لكن تمسكت الخرطوم برهانها علي تحركات جهات عربية وإفريقية تسعي لتليين المواقف الدولية. واعتمدت في هذا التحرك علي أداتين, الأولي: السعي لإقناع المجتمع الدولي بأن الحكومة السودانية عازمة هذه المرة علي التوصل لتسوية سياسية تنهي معاناة الإقليم. والثانية تتكفل بتوضيح المخاطر التي سيحملها الاستمرار في طريق المحاكمة علي دارفور وغيره من الأقاليم السودانية التي تعاني مشكلات هيكلية. فالأزمة سوف تزداد تعقيدا في ظل مساعي المتمردين لاستثمارها في رفع سقف مطالبهم, ووسط احتمال أن يتأثر جنوب السودان ببعض تداعيات الأزمة, مما ينعكس سلبا علي تطبيق بنود اتفاق نيفاشا الذي تسانده جهات دولية كثيرة. ويتمثل الاتجاه الثاني في بوادر ليونة برجماتية في الموقف السوداني, ظهرت تجلياتها في إعلان الخرطوم عن التحقيق الجاد مع عدد من المشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وحسب بعض التقارير, تم حصر 176 متهما وألقي القبض علي 12, بينهم علي كوشيب, المعروف بأنه الزعيم الميداني 'للجنجويد' والمطلوب الثاني في اللائحة الأولي للمحكمة الجنائية. كما أعلن نمر إبراهيم, المدعي السوداني لجرائم الحرب في دارفور, أنه يولي اهتماما ببلاغ ضد كل من كوشيب وأحمد هارون, وزير الدولة للشئون الإنسانية. ورغم أن هذا التحرك ينطوي علي تغير طفيف في الموقف السوداني, إلا أن إمكانية استكماله تظل محفوفة بهواجس وخبرات سابقة تشير إلي سيطرة منهج المناورة. وكان الاتجاه الثالث يسير بالتوازي مع الاتجاه الأول, وقام علي محاولة تحقيق اختراق في ملف التسوية السياسية للأزمة. وهنا, برزت ثلاث محطات أساسية, أولاها: إعلان جامعة الدول العربية, خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة في سبتمبر 2008 عن مبادرة للحل - انضم إليها لاحقا الاتحاد الإفريقي - علي أمل أن تتحرك الخرطوم لتفشيل خطة المحكمة عبر قنوات سياسية, تعطي فرصة للمدافعين عن النظام السوداني للضغط علي رافضيه ودحض حججهم للمحاكمة. وثانيتها: قيام الحكومة بعقد ما يسمي بملتقي أهل السودان في شهر أكتوبر 2008, وتدشين تظاهرة إعلامية توحي بأن هناك التفافا محليا وإقليميا ودوليا حول الرئيس البشير. لكن قيمة الملتقي تراجعت بسبب مقاطعة عدد من قوي المعارضة السودانية, وفي القلب منها الفصائل الأساسية في دارفور, وعجز الحكومة عن تقديم رؤية عملية تثبت رغبتها في التسوية الحقيقية. وثالثتها: نجاح قطر في الجمع بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في فبراير 2009, لإثبات الرغبة السودانية في التسوية. غير أن محادثات الدوحة لم تتمخض سوي عن إعلان حسن نوايا بين الطرفين, وأخفقت في التوصل لاتفاق إطاري للحل. وعقب صدور مذكرة التوقيف, بدأت الأمور تسير في طريق غامض, حيث سعت حركة العدل والمساواة لاستثمارها في مزيد من الضغط علي الحكومة, وهي محشورة في زاوية قانونية ضيقة. في محادثات الدوحة, كانت ظلال المحكمة الجنائية حاضرة بقوة من زوايا عدة, أهمها أن الحكومة السودانية بدت حريصة علي الحوار مع حركة العدل والمساوة, باعتبارها أبرز الحركات السياسية والعسكرية, ولديها سلسلة من الملفات المعلقة التي يمكن الضغط عليها من خلالها, مثل ملف المعتقلين, ورغبتها في أن تتبوأ مكانة القوة الوحيدة في دارفور. لذلك, كانت الخرطوم تعتقد أن تحقيق إنجاز سياسي معها في هذا التوقيت ينطوي علي دلالة واضحة لمن يهمه الأمر بأنها تسعي للحل, وبالتالي التأثير علي قرار المحكمة الجنائية بصورة إيجابية. وقد فطنت حركة العدل والمساواة لهذه المسألة. فعندما قررت حضور محادثات الدوحة, دخلت وفي ذهنها أحد احتمالين, إما الحصول علي مكاسب نوعية من الحكومة بما يجعل الحركة رقما محوريا في قسمة السلطة والثروة, أو تعرية الخرطوم أمام المجتمع الدولي والتدليل علي عدم جديتها في الحل, وأن الكرة لم تبرح ملعبها. من هنا, يمكن فهم الرسالة التي حملها تصريح خليل إبراهيم, زعيم الحركة, إبان محادثات الدوحة الخاصة بضرورة تسليم البشير للمحكمة, وأنه لن يتواني عن القيام بهذه المهمة بنفسه, في محاولة لإجبار الحكومة علي تقديم أقصي تنازلات ممكنة. وفي هذا المجال, يمكن أيضا الإشارة إلي مقالة خليل إبراهيم في 20 مارس 2009 بشأن عزم حركته عدم الذهاب للدوحة (مرة ثانية) ما لم تسمح الحكومة السودانية للمنظمات غير الحكومية ال- 13 (المطرودة) بالعودة للسودان. الحاصل أن الحكومة السودانية ارتكبت مجموعة من الأخطاء, سهلت مهمة المحكمة الجنائية. وهي أخطاء لا تتعلق بما جري في إقليم دارفور من تصرفات بحق المواطنين فقط, بل بممارسات سياسية أوحت بعدم وجود جدية كافية لجلب الأمن والاستقرار. وفي هذا المجال, يمكن التوقف عند ثلاثة محددات أساسية. يتمثل المحدد الأول في فشل جولات المحادثات والمفاوضات, التي جرت في أروشا وسرت وطرابلس وغيرها, في التوصل لرؤية مقبولة للحل. وحتي اتفاق أبوجا الذي وقعته الحكومة في مايو 2006 مع مني أركو ميناوي, زعيم أحد أجنحة حركة تحرير السودان, يعاني مشكلات هيكلية جعلته قليل الفائدة. فغالبية إجراءات تقاسم السلطة والثروة تواجه عثرات كبيرة. كما أن تجربة ميناوي عززت الاقتناع بعدم الثقة في تصرفات الحكومة, الأمر الذي استثمره المتمردون في تبرير العزوف عن الحوار معها أو الهروب من توقيع اتفاقات منقوصة من وجهة نظرهم. ويمثل تراجع الحكومة عن الوفاء بإجراء محاكمات داخلية لبعض المتهمين المحدد الثاني. فرغم إعلانها والتزامها بهذه المهمة, إلا أن خطواتها جاءت عقيمة, وهو ما ضاعف من الشكوك والظنون في توجهاتها, ومنح المحكمة الجنائية الدولية مبررات وافية للمضي في طريقها لتطبيق لائحة اتهامات بحق البشير وغيره من القيادات السودانية. ففي تقدير بعض الدوائر أن إتمام خطوة المحاكمات الداخلية للمتهمين أحمد هارون وعلي كشيب كانت ستعطي انطباعات إيجابية في أروقة المحكمة الجنائية, وتثبت جدية الحكومة في الوفاء بتعهداتها, وتؤكد أن إحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية له مرام سياسية ولا علاقة له بأي قضايا إنسانية. وكان المحدد الثالث كثرة المناوشات التي حدثت بين حزب المؤتمر الوطني وشريكه في الحكم, الحركة الشعبية لتحرير السودان, مما زاد من هواجس جهات مختلفة, خشية انهيار اتفاق نيفاشا. وبدا الرئيس عمر البشير ورفاقه مسئولين عن جزء معتبر من المشكلات التي نجمت مع الحركة الشعبية. وهذا العامل كان من بين الأسباب التي حرضت بعض الجماعات الغربية علي تشجيع المحكمة الجنائية للتحقيق فيما يوصف بأنه جرائم ضد الإنسانية في دارفور, للضغط علي حزب المؤتمر الوطني بغرض تخفيف قبضته في بعض الملفات الخلافية مع الحركة الشعبية. مسئولية ثلاثية : إذا كانت الحكومة السودانية تتحمل جزءا معتبرا من مسئولية ما حدث في دارفور, فإن هناك جهات أخري لا يقل دورها تأثيرا في خط سير الأزمة. فعلي عاتق المتمردين, بمشاربهم وأطيافهم المختلفة, تقع مسئولية إتاحة الفرصة لكثير من التدخلات الخارجية. فقد دخلوا مرحلة خطيرة من الانقسام والتشرذم, وافتقروا إلي القيادة الرشيدة والموحدة التي يمكن الالتفاف حولها, ووصل عددهم - وفق بعض التقديرات - لأكثر من عشرين فصيلا, بصورة يصعب معها التفرقة بين القيادات الحقيقية والهامشية, لأن معظمهم يفتقر إلي الوجود الفعلي في الميدان, ويكتفي بلائحة تحمل اسم أحد الأفراد تناضل عبر الفضائيات, أو له موقع إليكتروني يصدر البيانات ويكيل الاتهامات. كما أن الأهداف الشخصية علت علي نظيرتها الوطنية, ونسجت بعض الفصائل علاقات متنوعة مع جهات مشبوهة, لعبت دورا في تعقيد الأزمة. ولنتمعن في زيارة عبد الواحد نور, زعيم أحد أجنحة حركة تحرير السودان لإسرائيل في أوائل فبراير 2009, وما حملته من مضامين تدعم رؤية الحكومة بأن هناك دورا لاسرائيل في إقليم دارفور, علاوة علي أن فصائل المتمردين تعمدت تضخيم بعض الأحداث, للاستفادة من وصول ملف دارفور إلي ساحة المحكمة الجنائية, سواء في الضغط علي الحكومة, أو شيوع مزيد من الفوضي والسيولة لتحقيق مكاسب كبيرة. علي صعيد المجتمع الدولي, تعاملت قوي كثيرة بازدواجية مع ملف دارفور. ففي الوقت الذي جري فيه تكثيف الجهود لكيل الاتهامات للحكومة السودانية, لم نشاهد بيانات تدين المتمردين, مع أن عددا كبيرا منهم يتحمل جانبا من مسئولية ما حدث من تجاوزات إنسانية. فعملية اقتحام الخرطوم في مايو 2008, التي قامت بها حركة العدل والمساواة, لم تجد إدانة مناسبة من فئات دولية تزعم أنها تعمل لصالح أمن واستقرار السودان. كما غضت هذه الفئات الطرف عن معارك مهاجرية التي وقعت في شهر يناير 9002, علما بأن حركة العدل والمساواة هي التي قامت بالاعتداء علي أماكن تمركز قوات ميناوي. ولم تتصد القوي الدولية للحوادث التي تعرض لها أفراد عاملون ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية علي أيدي المتمردين. كما أن دوائر كثيرة تجاهلت دعم التسوية السياسية في الإقليم مبكرا, ولم تتخذ إجراء ضد قيادات المتمردين الذين رفضوا أو امتنعوا عن الانخراط في التسوية, وسمحوا لعدد كبير منهم بالتمتع بالعيش في سلام, والانتقال بأمان إلي عواصم غربية متباينة. علي ضوء صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية, أصبح عمر البشير أول رئيس دولة يصدر ضده أمر اعتقال أثناء السلطة. وقد وضعت المذكرة السودان أمام ثلاثة خيارات محورية, سوف يحدد أحدها الطريقة التي ستسير عليها كثير من الأمور في البلاد خلال الفترة المقبلة. الخيار الأول هو الإصرار علي رفض الامتثال لمذكرة الاعتقال, مع الأخذ في الاعتبار أن هناك ضريبة متعددة الأوجه سيتحملها النظام السوداني جراء هذا الموقف. وأبرز ما يترتب علي ذلك مواجهة الرئيس عمر البشير صعوبة في السفر إلي بعض الدول, بموجب لائحة المحكمة, واتساع نطاق الضغوط الخارجية علي الخرطوم, وهو ما سيرخي بظلاله السلبية علي بعض الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية أيضا. حيث تدفع الأوضاع نحو تزايد احتمال ممارسة ضغوط داخلية من قبل قوي شمالية أو دارفورية, في مسعي يحاول الاستفادة من هذه الأجواء, التي تؤدي إلي عدم استبعاد فرض الأحكام العرفية وتهديد عمل البعثات الأجنبية والقوات الدولية في ربوع السودان. ويمكن أن يترتب علي هذا النوع من الإجراءات تعطيل بعض الاستحقاقات, مثل الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها في غضون شهور قليلة, وفتح الطريق علي مصراعيه أمام انفصال جنوب السودان الذي يبدو مهيأ لهذا الخيار, حتي قبل أن تنتهي الفترة الانتقالية, وينظم الاستفتاء علي تقرير المصير عام 2011. ناهيك عن استغلال فصائل المتمردين هذا التطور في محاولة إملاء شروطهم والمغالاة في أهدافهم, بصورة قد تهز أركان كافة الأقاليم السودانية. ولأن الحكومة السودانية ترفض التعامل بشكل قانوني مع المذكرة, فخيارها الثاني يتمثل في التركيز علي الشق السياسي من خلال الإقدام علي تسوية حقيقية وسريعة, تقنع العالم بأن هناك خطوات عملية لحل الأزمة ووقف تداعياتها المفتوحة. وفي هذا المجال, يمكن الاستفادة من الاتفاق الذي وقعته خمسة فصائل سودانية متمردة في 18 مارس 2009 بليبيا, وعرف بميثاق طرابلس من أجل وحدة وأمن واستقرار وسلام إقليم دارفور. وحسب البيان الصادر عن الاتفاق, فإن الفصائل الموقعة هي حركة جيش تحرير السودان (قيادة الوحدة), وحركة جيش تحرير السودان برئاسة خميس عبدالله أبكر, وجبهة القوي الثورية المتحدة, وحركة العدل والمساواة (جناح إدريس أزرق), وحركة جيش تحرير السودان (وحدة جوبا). وأكدت الحركات الخمس التزامها بالمشاركة بموقف موحد في المفاوضات التي ستعقد في الدوحة. وشدد قادة الحركات في هذا الميثاق علي وقف الاقتتال بين الحركات وإعادة السلم الاجتماعي, والتزام حركاتهم بالدخول في مفاوضات ذات طابع وموقف موحد يعبر عن القضايا العادلة لأهل دارفور, وبالتعاون في المجالين السياسي والعسكري, وصولا للاندماج الكامل. وأوضح القادة أن الحل السلمي أفضل الخيارات, كما شددوا علي الالتزام بتسهيل عمل المنظمات الإنسانية. لكن تطبيق هذا السيناريو في الوقت الراهن يضاعف مكاسب المتمردين في دارفور, ويقود إلي إضعاف حزب المؤتمر الوطني, لأن أي تسوية سياسية شاملة سوف تؤدي تلقائيا إلي خصم جزء من رصيده في السلطة والثروة. ويظل هذا الخيار الأكثر واقعية, لأنه سيفضي إلي تفريغ كثير من التوجهات القاتمة من محتواها الرامي لإثبات تهمة التقاعس علي الحكومة السودانية وفتح الباب علي مصراعيه للفوضي والانفلات. من هنا, يمكن قراءة الأسباب التي دعت مصر لطرح فكرة عقد مؤتمر دولي بشأن السودان لتطويق تداعيات مذكرة التوقيف. غير أن عدم حماس الخرطوم لهذا الخيار قلل من أهمية هذا التوجه. أما الخيار الثالث, فيتمثل في حدوث انقلاب عسكري أو تحول سياسي ينهي حقبة البشير ورفاقه, ويبعد السودان عن شبح المحكمة الجنائية. وخطورة هذا الاحتمال في عدم وجود قيادة قوية في المؤسسة العسكرية السودانية, حيث قام البشير بإبعاد كثير من الضباط في الآونة الأخيرة, علاوة علي صعوبة الإمساك بزمام الأمور في بلد تبدو مفاصله مفككة, مما يجعل وحدته التقليدية مهددة بالانهيار. وربما تمثل صيغة تراجع البشير عن ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة مخرجا مناسبا لأطراف كثيرة, محليا وإقليميا ودوليا, بصورة تخفف من حدة المطالبات بالمحاكمة الجنائية, شريطة أن تحتوي علي ضمانات تبعد البشير عن الملاحقة بعد خروجه من السلطة.


                  

04-11-2009, 10:22 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    حقوق الإنسان والأمم المتحدة


    عند تعرضنا لموضوع حقوق الإنسان, نري أن ميثاق الأمم المتحدة تناوله في الديباجة, حيث نص علي أن: 'نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا علي أنفسنا .... أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان ...'. كما جاء في صلب المادة الأولي, الفقرة الثالثة: 'تحقيق التعاون الدولي ... علي تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية'. كما أكدت الفقرة (ج) من المادة 55 ذلك بأن نصت علي: 'أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين'. ومن الجدير بالذكر أن الميثاق لم يتعرض نهائيا 'للديمقراطية', باعتبارها مكونا رئيسيا لا ينفصل عن عملية حماية حقوق الإنسان, حيث أكدت الأمم المتحدة أهمية إبراز انتهاجها للحياد في تعاملها مع النظم السياسية للدول الأعضاء. ومن أجل إنجاح سياسات الدول, لم تعترف الأمم المتحدة أو القانون الدولي بأي فكرة تعبر عن الشرعية الديمقراطية, وقد يظهر ذلك جليا في أثناء فترة الحرب الباردة, عندما اشتد الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب, كادت الأمم المتحدة تنهار لولا أن تمسكت بمنهج الحيادية. بالإضافة إلي ذلك, كان هناك تناقض كبير داخل نظام الأمم المتحدة. ففي الوقت الذي نص فيه الإعلان العالمي في مادته الحادية والعشرين, فقرة 3, علي أن 'إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة, ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري علي أساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب رأي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت', لم تبال الأمم المتحدة علي الإطلاق بالانقلابات وبتعدد النظم الديكتاتورية. وواجه المجتمع الدولي موقفا مزدوجا, فالحركة التشريعية لصالح حقوق الإنسان لم تتوقف عن الانتشار, في حين أن حركتها السياسية الساعية إلي التطبيق العملي للديمقراطية علي الدول الأعضاء كانت منعدمة, بل ممنوعة بموجب الفقرة السابعة من المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة التي أكدت أن: 'ليس في هذا الميثاق ما يسوغ 'للأمم المتحدة ' أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما'. ومن الملاحظ أننا لم نر تطبيقا حقيقيا لمعني الشرعية الديمقراطية إلا في نهاية الحرب الباردة, عندما أوضحت الجمعية للأمم المتحدة أن الديمقراطية ليست فقط شعارا, ولكنها أيضا أداة حتمية للتنمية. وبعدما أكدت من جديد في قرارها رقم 34/751 بتاريخ 8 ديسمبر 1988 أن إرادة الشعب التي تعكسها انتخابات نزيهة تجري دوريا هي أساس لسلطة وحكم الشعب, أعلنت أن: 'التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الاشتراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخري', فكان ذلك دليلا علي التكامل الواضح بين حقوق الإنسان والديمقراطية. وتناول المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا في يونيو عام 1993 هذا التكامل بين حقوق الإنسان والديمقراطية, ليثبت أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة. وبذلك, تنازلت الأمم المتحدة عن الحيادية أمام النظم السياسية للدول الأعضاء لتؤكد معيار الشرعية. وتعد هذه النقلة تحولا كبيرا في مفاهيم أصبحت بعد ذلك أهدافا للأمم المتحدة واليونيسكو والعديد من المنظمات غير الحكومية المهتمة بحماية وتنمية حقوق الإنسان. ولقد انعكس تغير موقف الأمم المتحدة تجاه الاستفتاءات الشعبية والانتخابات الوطنية علي الطلبات التي قدمتها الدول لمساعدتها, فاستعانت دول بالأمم المتحدة لتقوية مؤسساتها التي لها علاقة بالانتخابات, كما طلبت الدول الأعضاء مساعدات علي مستوي واسع, ليس فقط قبل وأثناء الانتخابات, ولكن أيضا بعد إجرائها 'وذلك بغية ضمان استمرار وترسيخ عملية إقامة الديمقراطية في الدولة العضو التي تطلب الحصول علي مساعدة'. (قرار 84/131, فقرة 4). ولكن حتي نتمكن من ترسيخ النظام الديمقراطي في مجتمع ما, ينبغي لهذا المجتمع أن يلتزم بالسير في هذا الطريق الطويل ملتزما بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كمنهج. وقد تناول القراران رقم 94/091 بتاريخ 23 ديسمبر 1994, ورقم 05/581 بتاريخ 22 ديسمبر 1995, الصادران من الجمعية العامة للأمم المتحدة, المفهوم الجديد للمساعدة في فترة ما بعد الانتخابات, وكذلك المفاهيم الخاصة بحماية حقوق الإنسان, بالتطوير والتحليل. وقبل أن أستعرض أمثلة لبعض المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة للدول في أثناء فترة ما بعد الانتخابات, خاصة الجزء المتعلق بحقوق الإنسان, أود أن أتوقف أمام دور الأمم المتحدة في مجال المساعدة في أثناء إجراء العمليات الانتخابية. ففي أثناء فترة عملي وبتشجيع مني, استجابت الأمم المتحدة بصورة إيجابية لجميع الطلبات التي قدمتها الدول في هذا الإطار, وقامت بتقديم المساعدة لها في أثناء إجراء العمليات الانتخابية. لكن الأمم المتحدة بعد ذلك أصبحت أكثر تحفظا, خاصة مع نقل إدارة المساعدات الانتخابية إلي إدارة الشئون السياسية في يوليو 1995 . أصبحت الأمم المتحدة تبدي تحفظا أكبر عن الاشتراك في العمليات الانتخابية, واكتفت بتنسيق المساعدات للمنظمات الإقليمية, مثل الكومنولث, والمنظمة الفرانكفونية, والاتحاد الإفريقي, والاتحاد الأوروبي, والمنظمات غير الحكومية, وتركت المجال للجنة حقوق الإنسان في جنيف لتولي الدفاع عن حقوق الإنسان. ويمكننا القول إن تاريخ تطور سياسة الأمم المتحدة في مجال المساعدات الانتخابية وحماية حقوق الإنسان ينقسم إلي ثلاث مراحل: - تبدأ المرحلة الأولي من عام 1989, وهو العام الذي تم فيه الإشراف علي الانتخابات في ناميبيا, وتنتهي بنهاية فترة عملي في ديسمبر 1996 . - وتمتد المرحلة الثانية من عام 1997 وحتي إنشاء المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف. - بينما تمتد المرحلة الثالثة من إنشاء اللجنة حتي وقتنا هذا. ويمكن القول إن حركة الأمم المتحدة الساعية إلي ترسيخ السلام وحماية حقوق الإنسان لم تقم بدورها الأمثل إلا من خلال عمليات حفظ السلام (Peace Keeping) . ولقد أدت زيادة حجم الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في النزاعات الداخلية - الحروب الأهلية - إلي التغيير في مهام عمليات حفظ السلام التي أصبح لها من الآن فصاعدا طابع متعدد الجوانب. وهناك جانب من هذه العمليات لا يهدف فقط إلي احترام وقف إطلاق النار أو حفظ الهدنة, ولكن إلي العمل أيضا علي ترسيخ السلام عن طريق الإشراف علي الانتخابات وحماية حقوق الإنسان, وهي عملية معقدة, وقد تستغرق أعواما عديدة, وتتطلب جهودا كبيرة, وقد تتعرض لنكسات. فعلي سبيل المثال, أعطي 'اتفاق باريس', الذي عقد بهدف تسوية الصراع في كمبوديا, تفويضا متعدد الأوجه للسلطة المؤقتة للأمم المتحدة في كمبوديا(APRONUC) لتقوم بدورها في مجالات متعددة, مثل حقوق الإنسان والانتخابات وإعادة اللاجئين وإعادة إعمار البلاد. ونظمت 'وحدة حقوق الإنسان' التابعة للسلطة المؤقتة للأمم المتحدة في كمبوديا حملة واسعة لتوعية الشعب بهذا الموضوع, وتم إعداد برامج تدريب تهدف إلي نشر العديد من المفاهيم الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان في الأوساط والمجموعات المختلفة, وأنشئت وحدات متحركة للمعلومات في كل محافظة, مجهزة بمكبرات صوت وبشاشات فيديو لعرض أفلام تتناول الأفكار لحقوق الإنسان. وبالتعاون مع اليونيسكو, تم تزويد السلطة بفريق من المغنين الشعبيين الذين قاموا بجولات في المحافظات, تصاحبهم عروض مختلفة تعكس رسائل حول مفاهيم حقوق الإنسان. ولأول مرة في البلاد, عقدت أول ندوة دولية لحقوق الإنسان, من 30 نوفمبر إلي 2 ديسمبر 1992 في 'بنوم بنه' العاصمة. وفي سياق هذه الأنشطة, ينبغي لنا أن نذكر إنشاء لجنة مراقبة السجون التي نجحت في إطلاق سراح أكثر من 250 مسجونا تم احتجازهم بدون محاكمة. وهناك مثال آخر في السلفادور, حيث كانت مهمة لجنة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في السلفادور يقتصر عملها في بادئ الأمر فقط علي التأكد من احترام حقوق الإنسان. ولكن بعد توقيع اتفاقية 'مكسيكو للسلام' في 16 من يناير 1992, تم توسيع صلاحياتها, فشملت إلي جانب العمل للدفاع عن حقوق الإنسان, العمل مع وحدات عسكرية من الشرطة, وإنشاء وحدة انتخابية, حيث يقتضي عقد انتخابات حرة, أي وضع الناخبين أمام خيار حقيقي احتراما لحقوق الإنسان, الأمر الذي كانت تفتقده السلفادور بسبب الحرب الأهلية الدموية المدمرة. وقد تطلب جذب الفصائل المتحاربة إلي العملية الانتخابية بذل الكثير من الجهد في هذا السياق بعد تحويل جبهة FMLN(الجبهة الوطنية للتحرير) إلي حزب سياسي. وقد كانت إعادة ضم المحاربين إلي الحياة المدنية إحدي التجارب الناجحة التي قامت بها الأمم المتحدة لتطبيق النظام الديمقراطي. وفي هذا الصدد, أود أن أشير إلي حركة الأمم المتحدة لصالح حقوق الإنسان في موزمبيق. فقد أعطي الاتفاق العام للسلام في موزمبيق اهتماما كبيرا لموضوع حقوق الإنسان, وقامت الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة (CIVPOL) من التأكد من الشكاوي التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان, متضمنة تلك التي ارتكبتها قوات الشرطة الموزمبيقية وقوات الأمن الأخري في البلاد. وفي ديسمبر عام 1994, بدأت قوات الأمم المتحدة المشار إليها في التحقيق في 511 شكوي, من بينها 61 تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان, وتم تحويل هذه الشكاوي إلي الشرطة الموزمبيقية من أجل اتخاذ إجراءات تأديبية ووقائية. ونأتي أخيرا إلي حركة الأمم المتحدة في كوسوفو, فقد تم توزيع بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في كوسوفو علي أربع منظمات دولية, وأشرف عليها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة, وكان الجزء الإداري من مسئولية الأمم المتحدة, والجزء الخاص بإنشاء مؤسسات جديدة من مسئولية منظمة الأمن والتعاون الأوروبي (OSCE), بينما أشرفت المفوضية العليا لشئون اللاجئين علي الجزء الإنساني, وتولي الاتحاد الأوروبي تطبيق الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. ويتضح لنا من خلال تلك الأمثلة كيف اتسع دور الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان في إطار عمليات حفظ السلام. ولتحليل دور الأمم المتحدة من أجل تطبيق الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان بشكل أكثر عمقا, هناك عدة ملاحظات أود أن أقدمها: - الملاحظة الأولي: إن تسريح الجيش وإعادة ضم المتمردين إلي الجيش الوطني وإنشاء شرطة حيادية يعد شرطا أوليا لحماية حقوق الإنسان, فلا يمكن أن توجد حماية لحقوق الإنسان في بلد يعاني ويلات الحروب, خاصة الحروب الأهلية. - الملاحظة الثانية: ضرورة وجود كيان للأمم المتحدة عقب تشكيل حكومة ديمقراطية هدفها الأول حماية حقوق الإنسان, وأن يواصل عمله لفترة ملائمة. فعند المغادرة المبكرة لكيان الممثل للأمم المتحدة (قوات حفظ السلام, مراقبون, مكاتب دعم لعمليات تطبيق الديمقراطية), تواجه المجتمعات خطر ضعف الحكومة المنتخبة, أو تهميش المؤسسات المكلفة بنهضة وحماية حقوق الإنسان, أو تحريض الخاسرين في الانتخابات أو المتمردين القدامي علي استعادة الحكم. - أما ملاحظتي الثالثة, فهي تتعلق بدور الأمم المتحدة عقب إعادة حكومة انتخبت بطريقة ديمقراطية إثر انقلاب نظام الحكم, فيجب ألا يدفع الانتقام هذه الحكومة إلي القيام بسلسلة انتهاكات لحقوق الإنسان ضد مدبري قلب نظام الحكم, فيبقي العفو والمصالحة السبيلين الوحيدين لإقامة سلام دائم وحقيقي بعد معارك رهيبة ومذابح يقتتل فيها الإخوة. وأريد أن أختم هذا الموضوع بتسليط الضوء علي المخاطر التي تهدد حركتنا الساعية إلي النهوض بحقوق الإنسان لجعلها اللغة المشتركة للإنسانية. وتنقسم هذه المخاطر إلي أربع فئات: أولا: الخطر الأيديولوجي الذي يفند عالمية إعلان عام 1948, والذي يعتمد في المقام الأول علي إعطاء الأولوية للفرد, في حين أن المجتمعات في العالم الثالث - في إفريقيا وآسيا - تعطي الأولوية للقبيلة. ومن المؤكد أن ضمان الحقوق الفردية للإنسان يأتي من خلال حماية حقوق القبيلة, وأري أنه سيكون من الخطأ عدم تقدير أهمية نظام حكم القبيلة, ومشاعر الأمان والوفاق التي تمنحها الأقليات العرقية والدينية أو اللغوية لأفرادها, مقابل قدرة الدولة فعليا علي حمايتهم. ويأتي الدين في المقام الثاني, ليقف أمام عالمية حقوق الإنسان, حيث إن الإعلان يتعارض مع بعض أحكام الشريعة الإسلامية. ويتعلق هذا التعارض بالحقوق الأساسية للمرأة, وحرية تغيير الدين, وتطبيق العقوبات الجسدية. ومما يزيد الأمر خطورة ما يراه التيار السلفي الأصولي الإسلامي في الدفاع عن حقوق الإنسان من تدخل استعماري جديد وحملة صليبية جديدة ضد الإسلام. يأتي هذا في الوقت الذي تلتهب فيه المشاعر مع ازدياد الهجمات ضد الإسلام من العالم الغربي, نتيجة لهجمات سبتمبر في نيويورك وواشنطن, التي أصبح بمقتضاها كل مسلم ينظر إليه بوصفه إرهابيا أو مشروع إرهابي. وهناك خطر فقد أهميته, ولكنه قائم وقد يعود, خاصة بعد ازدهار قوتين كبريين هما الصين والهند, ويقصد هنا التيار الآسيوي الذي سيطر علي المؤتمر الإقليمي لحقوق الإنسان الذي عقد في بانكوك, بعد شهرين من انتهاء المؤتمر الدولي في فيينا في يونيو عام 1993 . ولقد أكد إعلان بانكوك, الذي أعده أكثر من أربعين ممثلا لحكومات دول آسيا المطلة علي المحيط الهادي, بصفة جماعية علي الرؤية الآسيوية لحقوق الإنسان, والتي تطالب بالأخذ في الاعتبار الخصائص التاريخية والثقافية والدينية لآسيا. وهذا ما يدفعني في الختام إلي التحدث عن التحدي الحقيقي الذي يواجه حقوق الإنسان, وهو التباين الاقتصادي والاجتماعي في كوكبنا, فهل يجب أن أذكر مثلا أن ما يقرب من ملياري نسمة يكافحون من أجل العيش بدولار أو اثنين في اليوم? وأن 35 ألف طفل يموتون يوميا نتيجة لأمراض سوء التغذية? إننا جميعا سواء, ومع ذلك سيظل التاريخ يعاملنا وكأننا مختلفون, ويضع أمامنا اختلافات اقتصادية واجتماعية ليزيد حالة الظلم. وقد دفع الإحساس بالظلم الضمير الإنساني نحو التقدم, ويعد الإعلان العالمي لحقوق الإنساني تعبيرا جزئيا عن الانتقال من مرحلة الشعور بعدم المساواة إلي التحرك للقضاء عليها. ويعد التطور الأخير في مجال تشريعات حقوق الإنسان بمثابة انتقال من المستوي النظري الأخلاقي إلي مرحلة صياغة الحقوق, ووضع مقاييس للقيم وللقواعد القانونية التي تحكم النشاط الإنساني. إن تكريس حقوق الإنسان بلا شك هو أفضل الحلول في مواجهة الاختلال العام الذي يسيطر علي العالم. إن الدفاع عن حقوق الإنسان, مهما تكن درجة التزامنا أو إصرارنا, يمكن أن يظل رسالة بلا قيمة, إذا لم نهيئ في الوقت نفسه الظروف المناسبة لإقامة سلام وتنمية مستدامة وموزعة وعادلة.



    {
                  

04-11-2009, 10:24 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    الحالة القطرية والمشهد السياسى العربى‏

    تضع الجغرافيا السياسية معايير محددة يجب أن تتمتع بها الدول لكى تصنف كدول كبرى على المستوى الدولى ويأتى على رأس هذه المحددات 'القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والمساحة الجغرافيا وعدد السكان' كما أن المقولة القديمة فى العلاقات الدولية التى تقول إن نجاح الدبلوماسية والوساطة بين الدول هى حكر على الدول الكبرى ولا مكان للدول الصغيرة أو الضعيفة، قد لا تنطبق مع الحالة القطرية، التى أثارت نجاحاتها المتوالية في عقد المصالحات بين الدول المختلفة الريبة فى مصداقية هذه المحددات والمقولات.

    حيث استطاعت قطر - التى لا تعد ضمن الدول المجيشة ذات القوة العسكرية الدولية والتي لا تتجاوز مساحتها الجغرافية 11.750 كيلو مترا مربعا ولا يزيد عدد سكانها على المليون ونصف مليون نسمة - تحقيق نجاح دبلوماسي عجزت كثير من الدول العربية والدولية عن تحقيقه وذلك فى إدارة حوار وطنى لبنانى فى العاصمة القطرية الدوحة في الحادي والعشرين من مايو 2008.

    وعلي مدي خمسة أيام من المناقشات والسجالات بين أعضاء اللجنة العربية برئاسة وزير الخارجية القطري والفرقاء اللبنانيين استطاعت قطر التوصل معهم إلى اتفاق أجمعت عليه الأطراف اللبنانية 'الأغلبية والمعارضة' والذى يقتضي بتسمية رئيس الجمهورية اللبنانى الجديد 'العماد ميشيل سليمان' المقعد الذى ظل شاغرا لثمانية عشر شهراً، شهدت لبنان خلالها العديد من المبادرات العربية والإقليمية والدولية كالمبادرة 'المصرية – السعودية – اليمنية - الأردنية ومبادرة جامعة الدول العربية' والمبادرات الأجنبية 'المبادرة الفرنسية – والأمريكية – الكندية – الإيطالية ومبادرة أمين عام الأمم المتحدة' التى لم تستطع إحداهما إقناع الفرقاء اللبنانيين بالجلوس حول طاولة الحوار والمفاوضات خلال العام ونصف العام الماضى، بينما نجحت الوساطة القطرية فى إقناع الفرقاء اللبنانيين بإجراء حوار وطنى لبناني في الدوحة، الحوار الذى أتت نتائجه بتوصل اللبنانيين إلى توقيع اتفاق الدوحة ووضع حد للمواجهات المسلحة بين الفرقاء وتسمية رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، الأمر الذى يشير إلى حزمة من التساؤلات حول ماهية الدور القطرى فى إنهاء الأزمة اللبنانية، وكيف نجحت قطر فيما أخفق فيه الآخرون؟ وما هى المقومات التى يقوم عليها الدور القطرى فى تسوية النزاعات بين الدول المختلفة؟ وما هى العوامل التى ساهمت في نجاح الوساطة القطرية؟

    توجهات السياسة الخارجية القطرية:

    إن تحليل معطيات المبادرة القطرية (اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين) ودراسة مدلولات التحرك القطرية بهذا الشأن لا يتم بمعزل عن آليات عمل السياسة الخارجية القطرية وتنظيمها الداخلى والخارجى، خاصة البعد الخارجى المتمثل فى الدور المتنامى للدبلوماسية القطرية بمستوياته العربية، والإقليمية، والدولية، والذى أخذ فى البروز مع نهاية القرن الماضى، والذى ارتبط ظهوره مع تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر الحكم فى عام 1995، وارتبط أيضاً بالشيخ حمد بن الجاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، حيث تنطلق الدبلوماسية القطرية من حزمة من الثوابت تجاه القضايا العربية والإسلامية والمجال الدولي، ومن بين هذه الثوابت.

    – الالتزام بحقوق السيادة والدولة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية وتجنب سياسة المحاور.

    – الالتزام بقواعد التبعية الدولية ومواكبة المستجدات والتطورات العالمية و التكيف معها..

    - تبني فلسفة الدبلوماسية الوقائية مع تقبل تبرعات الإسهام فى تحقيق السلام ورفض الاحتكام إلى القوة فى فض المنازعات.

    تعتمد الدبلوماسية القطرية بتطبيق الثوابت الثلاثة السابقة على ركيزتين أساسيتين هما: 'العقلانية' والواقعية' كمنهج استراتيجى فى العلاقات الدولية وهو يتيح لقطر أن تكون بمقربة من مختلف الأطراف السياسية والإقليمية والدولية وبالتالي تحصل علي ثقتها، ومن ثم تستطيع قطر أن تستثمر هذه العلاقة المتميزة فى بذل المساعى الحميدة وتقريب وجهات النظر بما يحقق حل الأزمات وخدمة السلام والاستقرار. وعلي المستوي الدبلوماسي الدولي تتبني قطر سياسة القرب المتوازن مع الولايات المتحدة والغرب عموما إلى جانب إسرائيل وأن هذه السياسية المتبعة مع الغرب لا تخدم دورها كلاعب عربي مهم بقدر ما تخدم مصالح قطر كدولة، وبالتالي فإن هذه الفاعلية التي تظهرها الحكومة القطرية إنما تأتي لطبيعة الهدف الاستراتيجي للدولة القطرية.

    فحكومة قطر تريد فيما تتبناه من سياسة خارجية ودبلوماسية فاعلة في الوقت الحالي الذي يشهد انقساما عربيا و دوليا، أن تطرح نفسها في العالم العربي والإقليمي بصورة الطرف والوسيط المحايد الواضح الذي يحترمه الجميع فضلا عن البحث القطري عن التراكمية السياسية، فتتميز طبيعة القيادة السياسة الحاكمة في قطر مقارنة بغيرها من الدول بصغر سن القيادة من أمير الدولة ورئيس وزرائها، وهو ما يعطيها الدافع للبحث في إيجاد تراكمات سياسية تاريخية تمكنها مستقبلا من تثبيت و تمكين لدورها السياسي بصورة أفضل.

    إن بحث حكومة قطر عن دور ذو أهمية وفعالية في الراهن العربي و الدولي ينطلق من بحث عن تجربة و تراكمات سياسية لقيادة شابة و كذلك طرح قطر لنفسها كبديل يشبه الخط الأزرق وهو الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة من جهة أخرى في 7 يونيو 2000، ويقبل به الجميع لكنه يزعج. إلا أن السياسة الخارجية القطرية بما ما تحتويه من مكونات وديناميكية وتفاعلات هي انعكاس ومحصلة للداخل القطري.

    خلفية الدور القطري:

    تبلور النهج الدبلوماسي القطري فى جملة من القضايا أبرزها.

    - شكلت قطر لجنة التقديم المساعدات الضرورية للسودان عام 1997.

    - وساطة قطرية لإزالة الخلاف بين الرئيس السوداني عمر البشير والدكتور حسن الترابى الأمين العام لحزب المؤتمر الوطنى إثر تصاعد المواجهة بين أحزاب المعارضة الحكومية فى السودان عام 1998.

    - الدور القطرى فى رعاية المصالحة بين الرئيسين السودانى عمر البشير والأريترى أسياسى أفورقى مايو عام 1999.

    - المساهمة القطرية فى اللجنة الثلاثية الخليجية المكلفة بإيجاد آلية لحل الخلاف بين إيران والإمارات فى شأن الجزر الإماراتية. كما تبلور هذا الدور إبان زيارة أمير قطر لإيران فى صيف عام2000 حيث كانت قضية الجزر الثلاث على جدول أعمال القديمة القطرية - الإيرانية.

    - الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السابق فى العراق واللقاء الشهير والمختصر جداً بصدام حسين وكانت تتمحور حول تنازل فورى لصدام عن السلطة مقابل إيقاف عجلة الحرب الأمريكية فى عام 2003 .

    - قيام قطر برعاية اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين بمحافظة صعدة التى تقع شمال صنعاء إثر اندلاع الحرب بين الحوثيين والحكومة فى عام 2004.

    - الدور القطرى المحورى فى الإفراج عن الرهائن اليابانيين الذين اعتقلوا فى العراق فى مايو 2004م.

    - وساطة قطرية لحل أزمة درافور تتمثل فى عقد لقاء يضم الأطراف المتنازعة فى درافور بما فيها فصائل المعارضة والحكومة والأمم المتحدة، وذلك بناء على أفكار تلقتها قطر من الولايات المتحدة و مجلس الأمن لحل المشكلة السودانية 10 أكتوبر 2006.

    - مواقفها في جلسات مجلس الأمن بالأمم المتحدة ممثلة عن المجموعة العربية والتي عملت على تأخير واستبدال عبارات بأخرى أكثر تهذيبا واستبدال بنود بغيرها، وهو ما حدث في القرار رقم 1701 المتعلق بوقف العمليات العسكرية بين الجانب اللبناني وإسرائيل في حرب تموز 2006.

    - مشاركتها في قوات حفظ السلام رغم ضعف التجربة في الميدان.

    - الدور التوافقى الذي قامت به قطر فى أزمة الأردن مع أعضاء حركة حماس.

    - شكلت قطر لجنة دائمة لدعم القدس يرأسها وزير الخارجية القطرى.

    وبجانب هذا الحضور الدبلوماسى القطرى النشط على المستويين العربى والإقليمى سعت قطر أيضاً إلى تنظيم واستضافة العديد من المؤتمرات والمنتديات والملتقيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على المستوى العربى والإقليمى والدولى، والتي ساهمت في ظهورها كدولة حديثة ومتطورة وجعلت من الدوحة محط أنظار العالم، ومن أمثال هذه المؤتمرات تبنيها لمؤتمرات التقريب بين المذاهب طوال السنوات الثلاث الأخيرة ' الاجتماع الوزارى لمنطقة التجارة العالمية 2001 - استضافة مؤتمر حول التجارة الحرة والديمقراطية عام 2001- إعادة بناء الأنظمة الأمنية فى أفغانستان 2004- استضافة قطر قمة الجنوب - اتفاقية لمجموعة الـ 77 والصين 2005 وشارك فى المؤتمر 132 دولة - مؤتمر حوار المذاهب الإسلامية فى يناير 2007- الملتقى الإقليمى الثانى للديمقراطية والإصلاح فى الدول العربية مايو 2007 - مؤتمر آليات تمويل التنمية فى إفريقيا والدول الإسلامية 2007 - تنظيم مؤتمر سنوي بعنوان الحوار الأمريكي - الإسلامي بالدوحة وغيرها من المؤتمرات التي تسعي من ورائها قطر إلي صنع مكانة مرموقة بين دول العالم المتقدم، وكذلك تعريف العلماء والخبراء والأكاديميين والمتخصصين في شتى العلوم بقطر من خلال حرصها علي تقديم الدعوة لهم لحضور هذه المؤتمرات والملتقيات التي تنظمها أو تستضيفها علي أرضها، ودعمها للإبداع العربي من خلال مشروع (بئر المعرفة) الذي أعلنت عنه الحكومة في مؤتمر الأدمغة العربية المهاجرة ويعنى ذلك تخصيص عائدات بئر بترول بالكامل للبحث العلمي، بالإضافة إلى ضمها على أرضها لطائفة من العلماء والمفكرين العرب وهو ما يترجم حالة البحث عن الاستقطاب الثقافي في المنطقة الخليجية خصوصا والعربية عموما.

    الأزمة اللبنانية والوساطة القطرية:

    بعد الصدامات الأهلية التى وقعت فى لبنان والتي خلفت وراءها 65 قتيلا وحوالي 140 جريحا، قامت قطر بتقديم اقتراح للأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي في إطار سعيها لحل الأزمة اللبنانية، بتشكيل وفد عربي يضم الأمين العام للجامعة العربية و ثمانية وزراء خارجية عرب هم ' الإمارات - جيبوتي– اليمن – الجزائر– عمان – الأردن - البحرين – المغرب' وبرئاسة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم.

    تمكن الوفد من إجراء العديد من المقابلات مع الفرقاء والفاعلين الرئيسيين في لبنان والحصول علي تعهدات الأطراف المختلفة من إيقاف التصعيد المسلح فورا، واستكمال الحوار الوطني في الدوحة، والتي امتد الحوار فيها بين الفرقاء اللبنانيين نحو خمسة أيام (16-21 مايو) مارست الدبلوماسية القطرية خلالها ' تكتيكا' ذكيا، فبعد أن ضمنت موافقة 'الأكثرية' علي مبادرة اللجنة العربية أمهلت 'المعارضة' (24) ساعة لحسم خيارين: قبول الاتفاق كله أو رفضه كله، ولم تكتف بذالك، بل اتصلت بالأطراف الإقليمية المؤثرة علي المعارضة طلبا لعونها، وهكذا لم تجد المعارضة مفرا من قبول الاتفاق. وفي اليوم الخامس من جلسات الحوار(21 مايو) أعلن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة التوصل للاتفاق بين الفرقاء اللبنانيين في العاصمة القطرية الدوحة.

    أهم ملامح اتفاق الدوحة:

    عقد المجلس النيابي اللبناني جلسته برئاسة السيد نبيه بري بحضور كافة أعضاء المجلس من الموالين والمعارضين وبحضور الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر في جلسة تاريخية للمجلس تم خلالها الإعلان عن تفاصيل اتفاق الدوحة وتطبيق أول بنوده المتعلقة بتسمية الرئيس اللبناني الجديد (العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان).

    أوجد الاتفاق بين الفريقين بمشاركة و ضمانات عربية حلا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق علي قانون انتخابي كما حدد الاتفاق آلية لبحث قضية السلاح خارج الشرعية.

    - اتفق الأطراف علي أن يدعو رئيس مجلس النواب البرلمان اللبناني للانعقاد طبق للقواعد المتبعة خلال 24 ساعة لانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

    - تشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيرا توزع علي أساس 16 وزيرا للأغلبية، و11 للمعارضة و3 للرئيس وتتعهد كافة الأطراف بمقتضي هذا الإتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة.

    - اعتماد القضاء طبقا لقانون 1960 كدائرة انتخابية في لبنان ومناقشة البرلمان للبنود الإصلاحية الواردة في اقتراح القانون الذي أعدته اللجنة الوطنية .

    - وفيما يتعلق بتعزيز سلطات الدولة وحصر السلاح بيدها، أشار الاتفاق إلي أن الحوار انطلق في الدوحة وتم الاتفاق علي:

    - تعهد الأطراف بحظر اللجوء إلي السلاح أو العنف أو الاحتكام إليه فيما قد يطرأ من خلافات أيا كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية علي اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يشكل ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي.

    - تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كافة المناطق اللبنانية.

    - يتم استئناف الحوار برئاسة رئيس الجمهورية فور انتخابه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة الجامعة العربية وبما يعزز ثقة اللبنانيين.

    - كما أشار الاتفاق إلي أن القيادات السياسية أعادت تأكيد الالتزام بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي علي الفور.

    مقومات نجاح الدور القطري:

    يتوافر لدي قطر العديد من المزايا التي أهلتها لاحتواء هذا النوع من الأزمات الدولية والإقليمية ومن بينها الأزمة اللبنانية، فقطر لا يوجد لها أهداف سياسية مسبقة نحو فريق دون الآخر في كافة النزاعات التي تدخلت فيها كطرف وسيط ومن بين هذه النزاعات الأزمة اللبنانية. وينطلق الدور القطري في حل هذه الأزمات من خلال أربع ركائز أساسية تضفي القوة والهيبة لهذا الدور وهي:

    أولا: تتمتع قطر بعلاقات حيوية ومميزة مع اللاعبين الأساسيين علي المستوي المحلي والعربي والاقليمي والدولي.

    1- فعلي مستوي الأزمة اللبنانية ترتبط قطر بعلاقات حيوية ومميزة مع الفاعلين الأساسيين علي المسرح اللبناني.

    2- تعتبر قطر اقرب الأصدقاء العرب لسوريا وتستثمر فيها مليارات الدولارات في مشاريع التنمية العقارية الكبري. والجدير ذكره أنه فى عام 2007 تم التصديق على تأسيس الشركة السورية - القطرية القابضة برأسمال 5 مليارات دولار، والبنك القطري في سوريا، كما توفر قطر الدعم الدبلوماسي لسوريا و يتجلي بوضوح عندما دعت قطر الدول العربية لحضور القمة العربية التي انعقدت في سوريا في مارس 2008، في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية لا تحبذ الحضور للقمة محملة سوريا ما يحدث علي الأراضي اللبنانية.

    3- بالنسبة لإيران ترتبط قطر بعلاقات قوية معها منذ أن تدخلت كوسيط للتسوية بينها وبين الإمارات فيما نشأ بينهما من نزاع حول الجزر الإماراتية الثلاث عام 2000 ومن ذلك التاريخ يتم تبادل الزيارات بين البلدين كان آخرها الزيارة الرسمية لأمير قطر لطهران في فبراير 2008، مما فتح الباب لإقامة علاقات قوية سياسيا واقتصاديا، ثم وجهت قطر الدعوة بصفة رسمية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت مؤخرا في الدوحة برئاسة قطرية، مما أسهم بشكل جزئي في كسر الحصار المفروض علي إيران منذ 1979. يضاف إلي ذلك أن قطر كانت النافذة التي تحدث من خلالها الرئيس الإيراني لوفود دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة بشكل مباشر في قمة المجلس الأخيرة، فضلا عن الدعم القطري للقضية النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي والدفاع عن حق الشعوب في إمتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.

    ثانيا: القاعدة العسكرية الأمريكية: تمثل للولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتجي لقطر والتي يوجد بها أكبر قاعدة عسكرية 'العديد' في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر أكبر مخزن إستراتيجي للأسلحة الأمريكية في المنطقة، وهي بمثابة الضمان لأمن الخليج وجزء لا يتجزأ من التوازن الاستراتجي بين تكتلات المنطقة. وتسعي الولايات المتحدة بالدفع بقطر نحو التواجد علي المسرح الدولي عن طريق المشاركة القطرية في محاولات التهدئة وإيجاد الحلول المناسبة لها والتي تجمع عليها الأطراف المختلفة، فيما يقوم من نزاعات في المنطقة العربية والإقليمية وتعمل الولايات المتحدة علي تذليل الصعوبات التي قد تعوق هذا الدور القطري.

    ثالثا: القوة الاقتصادية يعتبر الاقتصاد القطري حاليا أكثر الاقتصادات العربية انفتاحا وأفضل نموذج في المنطقة كما مكنها النمو السريع الذي حققته من أن تصبح واحدة من أغني الدول في العالم، حيث سجلت قطر أعلي نصيب للفرد من إجمالي الناتج المحلي في العالم إذ بلغ حوالي 49.655 دولار في عام 2007، وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 64.495 دولار في العام نفسه، وتمتلك قطر ثالث أكبر مخزون من الغاز الطبيعي في العالم وبلغ حجم الاستثمارات فيه نحو 70 مليار دولار في 2008. ومن المتوقع أن تكون الدولة الأغني في العالم عام 2010، وبالتالي تنعكس قوة الاقتصاد القطري علي طبيعة الدور السياسي، وذلك من خلال القدرة علي ترغيب الأطراف المختلفة في عقد وإتمام المصالحات بينهم، ومثال علي ذلك اللجنة التي شكلتها قطر لمساعد السودان، ولجنة القدس، والوعود القطرية بالمشاركة في إعمار لبنان، اولوعود القطرية للصعديين في اليمن من بناء ما هدمته الحرب في شمال اليمن بين الحكومة اليمنية والحوثيين، فيطفي المال دوما القوة علي نجاح الدور القطري .

    رابعا: المنبر الإعلامي قناة الجزيرة: تقترن صورة قطر الايجابية في أذهان العرب، بتحقيق مشروع الإعلام العرب الريادي، إذ أصبحت قناة الجزيرة مصدرا لأخبار القنوات ووكالات الأنباء والصحف الأجنبية. ومما لا شك فيه أن قناة الجزيرة عرّفت وتعرّف عربيا وعالميا بقطر، فعبارة 'قناة الجزيرة في قطر' التي يرددها المذيعون بهذه القناة يسمعها عامة الناس وخاصتهم في الوطن العربي وفي العالم بأسره، يدعم من مكانة دولة قطر عربيا وعالميا.




                  

04-11-2009, 10:26 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    قمة العشرين والأزمة الاقتصادية العالمية‏


    تشكلت مجموعة العشرين، عام 1999، وبلغ مجموع نواتجها القومية الإجمالية عام 2007، وفقا لبيانات البنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم 2009، نحو 54.6 تريليون دولار، شكلت نحو 83.8% من الناتج العالمي في العام المذكور. وتضم مجموعة العشرين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ككتلة، مع تمثيل منفرد لكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، كما تضم المجموعة كلاً من الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا وتركيا والسعودية من آسيا، وكلاً من المكسيك والبرازيل والأرجنتين من أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا من القارة السمراء، إضافة إلى كندا وأستراليا وروسيا. أي إن المجموعة تضم أكبر اقتصادات العالم، مع استثناء وحيد هو استبعاد إيران من هذه المجموعة لأسباب سياسية على الرغم من أن ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 766 مليار دولار يفوق نظيره في أستراليا (700.6 مليار دولار)، والسعودية (554.3 مليار دولار)، والأرجنتين (513 مليار دولار)، وجنوب أفريقيا (454.8 مليار دولار). وقد شعرت بعض الدول بالغبن من استبعادها من المجموعة مثل تايلاند التي بلغ ناتجها القومي الإجمالي نحو 503.1 مليار دولار، ومصر التي بلغ ناتجها نحو407.6 مليار دولار عام 2007؛ لأنها تأتي في الترتيب في مستوى اقتصادات بعض الدول المدرجة في المجموعة أو خلفها مباشرة.
    وتعد قمة العشرين التي عقدت يوم 2/4/2009، القمة الأولى للمجموعة التي اقتصرت اجتماعاتها السابقة على المستوى الوزاري فقط. وقد جاءت هذه القمة في ظروف اقتصادية عالمية بالغة الحرج والتعقيد في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وهو ما أعطى لهذه القمة أهمية استثنائية باعتبارها مؤهلة لوضع برنامج عالمي لمجابهة الأزمة الاقتصادية العالمية بصورة فعالة.

    وقد بدأت القمة وسط ضغوط وتهديات من بعض الدول المشاركة فيها مثل فرنسا التي هددت بالانسحاب منها إذا لم تتخذ قرارات فعالة في القضايا المطروحة عليها، وبالذات قضية الملاذات الضريبية التي يتم غسل الأموال فيها أو مساعدة رجال الأعمال على التهرب الضريبي في بلدانهم. وكان الإصرار الفرنسي على إدراج هذه القضية واتخاذ قرار فيها مرتبط بالمعاناة الفرنسية من ضعف حصيلة الضرائب عن المستهدف، بسبب قيام بعض رجال الأعمال الفرنسيين بتسجيل شركاتهم في بلدان أخرى تقل أو تنعدم فيها الضرائب، وعلى رأسها سويسرا المتاخمة لفرنسا، والتي يبلغ الحد الأقصى للضريبة على دخل الشركات فيها 9%، مقارنة بنحو 33% في فرنسا. واعتبرت فرنسا أن مكافحة هذه الملاذات الضريبية أمر ضروري لمكافحة التهرب الضريبي وغسيل الأموال، ولتدعيم إيرادات الدول التي يتهرب مواطنوها من الضرائب عبر تلك الملاذات، وتمكينها من تأمين ما تتطلبه مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية من تمويل.

    كما بدأت الصين حملتها التاريخية لإزاحة الدولار من وضعية عملة الاحتياط الدولية التي أساءت الولايات المتحدة استخدامها وحققت ثراءً غير مستحق على حساب العالم من خلال الإفراط في الإصدار النقدي بلا سند من إنتاج أو غطاء ذهبي، ورفع هيكل الأجور والدخول عموماً، والإفراط أيضاً في الاستدانة من خلال السندات وأذون الخزانة. وقد دعت الصين بجلاء إلى بناء نظام نقدي عالمي جديد لا يسيطر عليه الدولار، بل يكون هناك عملة جديدة تتم تسوية الالتزامات الدولية وتسعير السلع في الأسواق العالمية بها، وتخضع لإشراف صندوق النقد الدولي. وقد رفضت الولايات المتحدة هذه الفكرة بصورة قطعية ووظفت تحالفاتها من أجل استبعادها من المناقشة في القمة، إدراكاً منها للنتائج الوخيمة التي ستقع عليها إذا تم هذا التحول التاريخي في النظام النقدي الدولي، وإدراكاً منها أيضاً لضعف موقفها لدى أي مناقشة موضوعية لهذه القضية؛ حيث إن ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي وفقاً لتعادل القوى الشرائية، لم يعد يزيد عن خمس الناتج العالمي بعد أن كان يمثل 45% منه بعد الحرب العالمية الثانية، أما صادراتها السلعية التي كانت تشكل ثلث الصادرات العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها بلغت 8.3% فقط من إجمالي الصادرات العالمية عام 2007، مقارنة بنحو 10.4% للصين، ونحو 9.1% لألمانيا في العام نفسه.

    وليس من المنطقي، والحال هكذا، أن يكون الدولار هو عملة الاحتياط الدولية، وأن يسيطر على نحو 62.5% من سلة الاحتياطيات الدولية من العملات الحرة. لكن الولايات المتحدة التي تقف في الموقف البريطاني نفسه بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، تفعل ما فعلته الإمبراطورية البريطانية الزائلة التي قاومت بضراوة إحلال الدولار محل الإسترليني كعملة احتياط دولية؛ حيث تقاوم الولايات المتحدة، الحركة الحتمية للتاريخ النقدي والتي تسير في اتجاه التخلي عن الدولار كعملة احتياط تهيمن بصورة كاسحة على سلة احتياطيات العالم على الرغم من فقدانها أسس القيام بهذا الدور في الوقت الراهن. لكن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني أن الصين وروسيا وغيرها من الدول المتضررة من وضعية الدولار كعملة احتياط دولية، سوف تستخدم قوتها الاقتصادية واحتياطياتها الهائلة من العملات الحرة في الضغط على العملة الأمريكية عبر الأسواق، إلى أن يتم تعديل النظام النقدي الدولي.

    ومقابل القضايا محل الجدل والخلاف، كان هناك توافق على زيادة الإنفاق العام للدولة كآلية مهمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، إضافة إلى ضخ الأموال للجهاز المصرفي لإنعاشه وحمايته، ودعم صندوق النقد الدولي لتمكينه من مساندة الدول النامية التي تضررت من الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها.

    وعلى الرغم من الأجواء الضبابية قبل القمة، فإنها توصلت لاتفاقات تتجاوز المتوقع منها؛ حيث تم الاتفاق على ضخ نحو 1.1 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي عبر المؤسسات المالية الحكومية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي تم الاتفاق على رفع موارده بمقدار 500 مليار دولار، لتصبح 750 مليار دولار، والسماح له بزيادة حقوق السحب الخاصة بمقدار 250 مليار دولار لتكون متاحة للاستخدام من قبل الدول الأعضاء فيه، وتقديم 100 مليار دولار على الأقل في صورة إقراض إضافي عن طريق البنوك التنموية متعددة الأطراف. كذلك تم الاتفاق على خطة تتكلف 250 مليار دولار لتنشيط التجارة الدولية. كما تم الاتفاق على قيام الدول المشاركة في القمة بضخ 5 تريليونات دولار في اقتصاداتها خلال عامي 2009، 2010، لتنشيط الاقتصاد ولتحقيق معدل نمو عالمي عند مستوى 4%.

    وأكد زعماء الدول المشاركون في قمة العشرين ضرورة إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، مع تشديد الرقابة المالية، إضافة إلى بناء مجلس استقرار مالي جديد يضم ممثلي الدول العشرين، مع تفويض أكبر يمّكن المجلس من تقديم التحذير المبكر من الأزمات المالية ووضع تصور للإجراءات الضرورية لمواجهة تلك الأزمات. كما أشار البيان الختامي للقمة إلى اتخاذ إجراءات ضد السلطات غير المتعاونة في الدول التي تشكل ملاذات ضريبية، مع الاستعداد لفرض عقوبات على تلك الدول التي سيتم إدراجها في قائمة معلنة. ومع أنه لم يتم تحديد إجراءات معينة ضد الملاذات الضريبية أو ضد الدول التي تصر على سرية الحسابات، فإن قرار القمة في هذا الشأن كان مرضياً لفرنسا في هذه المرحلة على الأقل.

    ومن أهم ما خرجت به القمة، تأكيدها أن زمن السرية المصرفية قد ولى، على أساس أن انتهاء السرية في المصارف، من شأنه أن يسهل محاصرة عمليات غسيل الأموال ومكافحة الفساد والنشاطات الاقتصادية غير المشروعة في الاقتصاد الأسود، فضلاً عن تسهيل تحديد الثروات وما يستحق عليها من ضرائب للمالية العامة للدولة.

    ويمكن القول إجمالاً، إن القمة أظهرت تضامناً دولياً في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية بصورة تحسم الجدل حول احتمالات تصاعد النزعات الحمائية والصراعات الاقتصادية بين الدول الكبرى في مساعيها للنجاة بنفسها من الأزمة الاقتصادية العالمية. كما شكلت نتائج القمة تعزيزاً لدور الدولة التي اتفق زعماء دول قمة العشرين على تدخلها ببرامج هائلة تبلغ تكلفتها نحو 5 تريليونات دولار من أجل إنقاذ اقتصاداتها من آثار انفلات قوى السوق وعدم عدالتها في توزيع الدخل، وهذا الأمر يشكل تحولاً واضحاً عن النموذج الليبرالي المتوحش المنفلت من أي ضوابط أو رقابة، والذي يبيح التهرب الضريبي في الملاذات الآمنة التي تشجع التهرب الضريبي، ويبيح ضمنياً أنشطة الاقتصاد الأسود التي تتغطى عوائدها بسرية الحسابات المصرفية. كذلك فإن القمة عززت دور المؤسسات المالية الحكومية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي تضاعفت موارده، لكنها تركت له الحرية في صياغة البرامج التي يفرضها على الدول المأزومة اقتصادياً، والتي تلجأ إليه إلى إعادة جدولة ديونها أو للحصول على قروض جديدة، على الرغم من أن هذا البرنامج الأيديولوجي الجامد، كان أحد مسببات الأزمات الاقتصادية في البلدان التي طبقته
                  

04-12-2009, 04:46 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    up
                  

04-13-2009, 07:53 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    .
                  

04-13-2009, 08:04 PM

سيف الدولة كامل
<aسيف الدولة كامل
تاريخ التسجيل: 03-29-2009
مجموع المشاركات: 4349

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: Seif Elyazal Burae)

    ابو لينا

    انت البستان وحواليك الزهر مشتت

    نهارك سعيد
                  

04-16-2009, 03:27 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواضيع سياسية منوعة يعني من كل بستان زهرة (Re: سيف الدولة كامل)

    you too dear kamil
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de