لا أريد الخوض في مسائل اللغة من نحو وتصريف فقد أسهب صاحبنا عجب الفيا في موضع آخر فأصاب وأفاد فجزاه الله عنا كل خير. والظاهر أن العرب قد جمعت صغائر الأشياء وصغار الناس على وزن فعلان بضم الفاء ومن هنا قولهم غلام وغلمان وطفل وطفلان وأسود وسودان وهلم جرى. وقد أردت بالغلمانيةالحداثة وقلة الخبرة وضعف الرآي في شؤون السياسة وأمورالحكم أذكر أيام الديمقراطية الثانية التي تلت الأنتفاضة الشعبية الأكتوبرية وسبقت السطو المسلح المايوي، أن قدم مدينتنا عروس الرمال غلام مهداوي توسم الناس فيه كل خير وهبوا لنصرته كما فعلوا من قبل مع جده الأكبر موحد الطرق الصوفية وباعث الأسلام ومحرر السودان من قبضة التركية. وبعد أن أكمل الغلام المهداوي دراسته الجامعية في بلاد الضباب والعيون الزرق والوصاية المفروضة، عاد إلى السودان تحمله رياح التغيير التي كان الناس تنتظرها بفارغ الصبر بعد فشل الديمقراطية الأولى والعسكرية الأولى في حل أي من مشاكل السودان بعد خروج المستعمر والمتمثلة في حرب أهلية طاحنة وغلاء فاحش في المعيشة وعجز في ميزان المدفوعات وعطالة عن العمل وغيرها كثير. ورغم أني من بيت ختمي تزين جدران صالونه وغرف نومه وحتى مطبخه صور السادة الميرغنية آل البيت تيمنا وتبركا، والذي لا يخلو من حين لآخر من نوبة ذكر وفتة يسيل لها لعاب الأنصار والكيزان والأتحاديين وحتى الشيوعيين وأعضاء حزب البهجة، فقد وجدت نفسي بين حشد من الناس لا يعرف أول له من آخر وفيه أصحاب العمامات ذات العزبة والجلاليب امقلوبة، وأصحاب اللياقات البيضاء، والأردية الكاكية، والعراريق والسراويل أبو تكة،والعارية صدورهم حافية أقدامهم، والمحتشمات من النساء، والكاسيات العاريات، ومساعدي الحلة بفتح الحاء،وصبيان الأورنيش وغيرهم كثير، نهتف بحياة الغلام المهداوي كوريث شرعي للخلافة المهدية الأزلية وكبديل ديمقراطي للطائفية المتخلفة المتمثلة في السيدين الأكبرين رحمة الله عليما وغفر لهما ذنوبهما فيما أرتكباه في حق السودان والسودانيين. ومرت الأيام وتعاقبت السنون ودخل السودان لعبة الكديس والفار، فما يأنس الفار أمنا حتي ينقض الكديس عليه من حيث يدري ولا يدري. ورغم طول أمد اللعبةوعنفها ومرارتها وملالتهاإن جاز التعبير، فقد ظل غلامنا المهداوي غلاما لم تصقله السنين وشاب بجهله السياسي وخاب عشم الأمة فيه وبعد أن كان الأمل صار البلاء، وخير البلية ما يضحك وغلام سياسي آخر، هو الغلام الأزهري، عاصرته أيام الدراسة الجامعية في ذلك الصرح التعليمى الذي كان يعرف حينها بجامعة الخرطوم قبل أن تتحول بقدرة قادر يين عشية وضحاها إلى معهد الخرطوم الديني العلمي. لم تربطني به صداقة أو حتى معرفة فقد كنت مغمورا وكان مشهورا... وكيف لا يكون مشهورا وقد أحتفل السودان بميلاده وختانه وبكوا معه حين وفاة والده رحمة الله عليه. كنا نراه دائما حاملا قيثارته متكئا علي مقدمة سيارته مسامرا أقرانه مما عرف في ذلك الحين بالحناكيش من أبناء وبنات الأعيان وعلية القوم. كان أصحابي من الغبش حديثي العهد بالخرطوم لم يلبسوا بنطالا في حياتهم إلا بعد دخولهم الجامعةولم يعرفوا طعم الآيس كريم حتى يومنا ذاك. كان أصحابي يدفعهم الحقد الطبقي ينظرون إلى الغلام الأزهري مستنكرين ملبسه ووقفته وعدم مبالاته ويرددون بحسرة: النار تخرى الرماد. لم أكن أوافقهم الرآي إذ أن مسألة النار هي ذاتها محل تساؤل. لم أعرف لذلك الغلام الأزهري أيام الدراسة أي نشاط ثقافي أو سياسي، ويعلل مريدي حزب أبيه بأنها تقيةآخذين في الأعتبار السياسة القمعية التي كانت تمارسها الفاشية المايوية بعد خروجي من السودان سمعت أن الغلام الأزهري قد تبوأ مقعدا قياديا في الحزب الأتحادي وقد أصبح أملا أزهريا لموالي الحزب القدامى فتأوهت في حسرة وبكيت من غير دمع وتضرعت للمولى متوسلا أن يحمي السودان من طيش الغلمان ظاهرة الزعامةالوراثية ليست مقصورة على السودان فحتى في الديمقراطيات الغربية تحظى بيوت دون غيرها بالرئاسة، إلا أن البون شاسع بين حال هذه الدول والسودان فالزعامة لها مقومات أخرى كالبرنامج الأنتخابي والنزاهة إلى غيرها
(عدل بواسطة Abu Suzan on 08-09-2003, 03:21 AM)
08-09-2003, 03:28 AM
bayan bayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة