زرائب اللغة

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 07:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2006, 12:36 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
زرائب اللغة

    زرائب اللغة
    __________________

    اللغة – أي لغة – بحر واسع من المصطلحات والمعاني والدلالات القريبة والبعيدة. إن اختراع الإنسان للغة كان بدافع الحوجة للتعبير عن المدركات والمشعورات. وتطور اللغة بعيداً عن محور هذه الحوجة هو أمر طبيعي في نظري. فالطفل يحتاج إلى المشي كي يستطيع الوصول إلى الأشياء التي تشده ، أو تغريه مجاراة الأطفال من حوله ليشاركهم في اللعب. فتبدأ الرغبة في محاولات تكون (الحركة) ابتداءً من الرفس إلى الزحف إلى الحبو إلى التهادي ثم المشي ثم الجري. والجري لم يكن في حد ذاته حوجة إنما هو ترف حركي أو سلوكي للقادرين عليها أو بالأصح (لمن تجاوزوا المراحل السابقة). وهذا الترف ينشأ عن ميزة الإنسان في الاكتشاف والتجديد الدائب والمستمر. إنها الصيرورة التي ترهقنا دون توقف. والجري يغري بالقفز والتفنن في أداء بعض الحركات التي تشترط القدرة على أداء مهارات أساسية محددة مثل الوقوف والتوازن وغيرها.

    وهكذا اللغة. بدأت بحوجة محاكاة أصوات الحيوانات والطيور والكائنات التي كان الإنسان الأول يشاهدها فيما حوله ، ثم تطور الأمر إلى رغبة في التعبير ثم رغبة ملحة في خلق التميز والتفرد كما تتفرد كل الكائنات بأصوات متباينة ومتفاوتة ما بين الحدة والخشونة. والبحث عن (التميز) هو ما يفسر لنا سعي الإنسان الدائم لخلق أدوات جديدة تأخذ فكرتها من الطبيعة ، ويصبغ عليها الإنسان لمساته الخاصة. تماماً كفكرة استخدام الحربة كبديل عن النياب والمخالب لدى الحيوانات. والانتقال من الأكل الأرضي إلى الأكل في أوعية ، وفكرة تسخين اللحوم النية بعد اكتشاف النار والتي تعتبر ثورة ونقلة نوعية في حياة الإنسان عبر تاريخه والذي شهد ثورات ونقلات نوعية كبرى على مر العصور والأزمان كاكتشاف الزراعة.

    عندما تمكن الإنسان من تكوين أول جملة صوتية مستفيداً من جهازه الصوتي الذي لم يكن مستغلاً من قبل (أو ربما تطور هو الآخر بتطور الإنسان والبيئة المحيطة به) – ومن نافلة القول أن الجهاز الصوتي للإنسان متطور أكثر من غيره من الكائنات الحية - نجد أنه بدأ في تركيب بعض الأصوات والترميز لها بما حوله ، وهكذا حتى نشأت اللغة. ثم تطورت حتى أصبحت لغات ولهجات وألسن. إذاً فهي حركة تغيير وتطور مستمرة.

    الوصول إلى نقطة الغرور المعرفي (الجري) هو ما يغري بالمزيد من الأداء. فإذا كانت اللغة سواءً الصوتية أو المقروءة نتجت بدافع الحوجة عن التعبير ، فلماذا جاء الترميز؟ عن أي شيء يبحث الإنسان من خلال اللغة المشفرة؟ وما هي دلالات هذا التشفير أو الاقتباس البيئي؟

    في رأيي أن النزوع إلى الترميز أو تشفير المعاني واستحداث مفردات جديدة في أي لغة ينشأ عند وجود معضلة ثقافية محددة هي ما تجعلنا نشعر بأن اللغة المستخدمة لا تستطيع خدمة المعاني بشكلها المطلوب تماماً. ورغم محاولات اللغويين إلا أن قطاعاً كبيراً جداً من المحدثين ينزعون دائماً إلى استخدام غريب اللغة. وهذا التفسير – رغم سطحيته – إلا أن له دلالات كبيرة وهي واسعة الانتشار لدرجة ألا سبيل لحصرها. وعلى عكس ذلك فإنني أفسر ظاهرة "التقهقر اللغوي" إلى عدم قدرة اللغة المستخدمة على إشباع غريزة تحديد المعنى من جهة ، وإشباع ملكات الكاتب الذاتية من جهة أخرى. وهذا يفسر تلك الظاهرة التي دعت بعض الشعراء – مثلاً - إلى اختيار "غريب اللغة" والمدروس منها. ربما لأن اللغة هي "رختر" الحركة الاجتماعية والثقافة المتكونة من وعي الإنسان مرتبطاً ببيئته ، أو ربما هي نزعة نحو الإنفرادية والتميز الذي يجعل الكاتب يستعرض قاموسه اللغوي كنوع من التعويض عن ملكات مفقودة له. وأنا هنا إنما أتكلم عن عصر نزع فيه أغلبية الكتاب إلى "المجاراة" أي متابعة نمط الكتابة. إضافة إلى أن المفردة اللغوية ذات الدلالات المتعددة تساعد في الاستفادة من ملكة الخيال لا سيما في أغراض التشبيه والصيغ البلاغية ، إذ أن الحس التخيلي مرهون باللغة وبحيويتها. وفي رأيي أن كل لغة (كائن حي) لا يعيش إلا في أوساطها التي نشأ فيها ، ولا أعتبر عملية تطور اللغة إلا استكمالاً لدورة حياة هذا الكائن الحي. يمر خلالها بأطوار نحو الكمال ثم الانحطاط بعد ذلك. تماماً كما في بقية الكائنات الحية التي تصل في طور من أطوارها إلى قمة الاكتمال والنمو ، ثم تبدأ بالانحدار إلى القاع وهو ما أسميه بـ(شيخوخة اللغة) ، أي عندما تكون اللغة عاجزة عن القيام بوظيفتها الحيوية في التعبير عن المتخيّل والمستشعر والملموس. كما يمكن أن نطلق عبارة شيخوخة اللغة على اللغة عندما تصبح عاجزة عن تطوير نفسها لمواكبة متطلبات المجتمع اللغوية والمرتبطة هي الأخرى بنشاط البشر الاقتصادي والسياسي والثقافي والصناعي وأي نشاط بشري آخر. فكما أن الإنسان يطور أدواته في دورته التطورية التاريخية فلا بد للغة أن تسير مع هذا التطور حذو القذة بالقذة ، هذا إن لم تكن اللغة قادرة على السبق أصلاً.

    كما أن القهر السياسي هو من أحد أهم العوامل التي ساعدت على تكوين التيار الرمزي. والقهر السياسي الذي عرفه الإنسان على مختلف أطواره ومراحله التاريخية أثر – ليس فقط على اللغة وحسب – إنما على مستواه السلوكي أيضاً ، وامتد حتى شمل رقعة واسعة من نشاطاته الاجتماعية والاقتصادية والنشاطات الحيوية الأخرى. فالرمز المستخدم في الصراع ضد السلطة ، وذلك الآخر المستخدم في التعبير عن أحلام قطاعات المستهلكين والمنتجين للغة كان النواة الأولى التي خلق هذا التيار الذي تطور أيضاً تقادمياً في الوسط المتخيل ليشمل جميع أنواع الفنون الأخرى. فالسريالية والتجريدية والتكعيبية هي إنما عدوى هذا الوباء السياسي ربما أضيفت إليه بعض العوامل الأخرى التي لا تكاد تنفصل عنها والكامنة في رغبة الإنسان – كما قلت – إلى التغيير والتطوير والتميز والإبداع بلا شك.

    للغة زريبتها التي تخزن فيها ما تشاء من سقط المعاني المبهمة. وهذه الزريبة ما هي إلا وعينا الذي يرفض التصريح ويميل إلى الرمز على اعتباره بوابات للهروب من النقد والمسائلة. ولا أريد أن أقول أن الرمز القائم على الخيال هو أمر سيئ على الإطلاق. بل هو أفضل ما يكون إن تم توظيفه في إطار أدبي وفني. على ألا تستهدف النخب فقط. فالتعاطي مع اللغة لا يمكن أبداً أن يتم من خلال مفهوم طبقي أبداً. إنما اللغة يجب أن تتحد مع الخيال وتصاغ في رمز جيد حتى تحسن من مستوى فهمنا وقراءتنا للنصوص والأعمال الفنية وإلا فليترك الناس الشعر والفن ويلتفتوا إلى خطب المنابر وأحاديث المجالس.

                  

02-14-2006, 01:08 PM

عبد الله عقيد
<aعبد الله عقيد
تاريخ التسجيل: 09-20-2005
مجموع المشاركات: 3728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ هشام
    تحة

    قرأت هذا المقال المتميز بتمعن
    وأحييك على هذا الأسلوب الجاد
    واللغة الرصينة

    تقديري
                  

02-14-2006, 01:56 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبد الله عقيد)

    الأستاذ عبد الله العقيد....

    أشكرك جزيل الشكر أستاذي على المرور وعلى المداخلة. وأتساءل هل توافقني فيما قرأته حول تشفير اللغة ودواعيها أم أن لديك تفسيراً آخر لهذا التفسير. أو ربما كانت لديك وقفات على جزئيات أخرى من البوست.

                  

02-14-2006, 02:29 PM

عبد الله عقيد
<aعبد الله عقيد
تاريخ التسجيل: 09-20-2005
مجموع المشاركات: 3728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ الأستاذ هشام
    لك التحية

    Quote: في رأيي أن النزوع إلى الترميز أو تشفير المعاني واستحداث مفردات جديدة في أي لغة ينشأ عند وجود معضلة ثقافية محددة هي ما تجعلنا نشعر بأن اللغة المستخدمة لا تستطيع خدمة المعاني بشكلها المطلوب تماماً. ورغم محاولات اللغويين إلا أن قطاعاً كبيراً جداً من المحدثين ينزعون دائماً إلى استخدام غريب اللغة


    أؤيد هذا التفسير (العميق) عكس ما وصفته أنت، وأعتبر وصفك له بالسطحي من باب التواضع.
    ووجه تأيدي له هو (كما ذكرت أنت) الشواهد الكثيرة المتوفرة..
    ومنها على سبيل المثال، بالنسبة لوجود (المعضلة الثقافية)
    أن الكثير من مثقفينا ومن خلال قراءاتنا لمساهماتهم في الفضاء
    الإلكتروني (المنتديات) ومنها هذا المنتدى، أصبحوا يستخدمون -وبكثرة- عبارات دارجية لم تكن
    تستخدم من قبل في سياق النص (الفصيح الجاد).
    إضافة إلى استخدام (تعابير) ومصطلحات مأخوذة من (لغة الشارع) أو من الدارجية الريفية
    (إذا صحت التسمية).. لدرجة أن عدد غير قليل منهم، ولعدم استخدامهم هذه المصطلحات
    والتعابير (على الطبيعة) يخطئون في استخدامها ويفسرونها بطرق خاطئة، فيضعونها في غير
    مواضعها، ويأتي غيرهم (مقلدا) فيرتكب نفس الخطأ.

    ولو أردنا أن نضيق تفسيرا آخر، وأظنك تطرقت له، فهو سعي المثقف، أو الكاتب إلى
    (حشر) تعابير وكلمات (إنجليزية) أو غير عربية على العموم لسببين، أولهما شعوره
    بأن اللغة العربية لا تستطيع خدمة المعنى الذي يسعى لتوضيحه، وهذا ذركرته أنت في تفسيرك.
    وثانيهما، محاولة (تأكيد) اتساع ثقافته واطلاعه ومعرفته لهذه اللغة.
    ولكن هل يعتبر ذلك من قبيل (التشفير) الذي قصدته أنت في مقالك؟!
    هذا حديث آخر.. آمل العودة له.
    ولك التقدير
                  

02-14-2006, 03:23 PM

Faisal Taha

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 1123

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبد الله عقيد)

    في ظني ان ماقلته من كلام طيب يندرج ايضاضمن إطار ما عرف بمفهوم اللاتقليدية unconventionality ولاشك ان إستخدام مفهوم اللاتقليدية في التعبير اللغوي والمضامين نتج عنه إنتاج ادبي عالي القيمة والجمال قاده الشاعر الفذ نزار قباني في عصرنا الحديث

    فيصل طه
                  

02-14-2006, 04:24 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: Faisal Taha)

    مرحباً أخي فيصل

    إن مدرسة نزار قباني (اللاتقليدية) والتي تقوم أساساً على كسر المحظورات ، وهتك ما يهتك علناً ، والخوض في أعماق غير مطروقة إنما هو أسلوب - في اعتقادي - يهدف إلى شد الانتباه واستهداف فئة محددة من المستهلكين. وهي كذلك طبقية لغوية. وأقصد بالاستهداف هنا هو جعل الأنثى مادة أدبية قائمة بحد ذاتها. يسمح لنفسه صاحب هذه المدرسة أن يتجول كما يشاء في تضاريسها دون خوف ودون خجل.

    لا أدري ولكنني أشعر به نوعاً من التصريح غير الناضج. وأقول أنه غير ناضج رغم أن فكرة الولوج القسرية أو الوقحة تلك هي فكرة ناضجة في إطار تطور التناول الأدبي للموضوعات. ويمكن أن يندرج في ذلك تناول الموضوعات المقدسة بغير قداسة. وهذا أيضاً تناول منتشر بكثرة قص شريطها الشاعر المصري نجيب سرور بقصيدتيه: (لزوم مايلزم) و (××××أميّات)

    أشكرك جزيلاً على المشاركة القيمة التي أضافت لهذا الموضوع. ودوام المواصلة أمنية

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-14-2006, 04:27 PM)

                  

02-14-2006, 03:59 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبد الله عقيد)

    عزيزي عبد الله

    فيما يختص باستخدام مفردات الشارع أو اللهجة العامية في التعبير الأدبي الذي ذكرته في مداخلتك يؤخذ على وجهين. منها ما تطرقت إليه في مقالي :
    Quote: فإنني أفسر ظاهرة "التقهقر اللغوي" إلى عدم قدرة اللغة المستخدمة على إشباع غريزة تحديد المعنى من جهة ، وإشباع ملكات الكاتب الذاتية من جهة أخرى. وهذا يفسر تلك الظاهرة التي دعت بعض الشعراء – مثلاً - إلى اختيار "غريب اللغة" والمدروس منها.

    وإذا قرأت هذه الفقرة جيداً ستجد أني أقصد تحديداً (غريب اللغة) و (المدروس منها) والغريب والمدروس ألفاظ تطلق على العبارات غير المستخدمة في اللغة الحية المستخدمة. ولكن هذه النقطة التي أثرتها بمداخلتك يا عزيزي جعلتني أتساءل: عن أي لغة نتحدث؟ هل اللغة باعتبارها ضرب من ضروب الأدب ، أم اللغة باعتبار وسيلة للتواصل؟

    أفرق بينهما كثيراً لأننا للأسف أصبحنا في واقع يحمل ثنائية اللغة العامية والفصحى. إحدى اللغتين نستخدمها في مراسلاتنا وأعمالنا الكتابية والأخرى نتداول بها مستشعراتنا لنتواصل عن طريقها مع الآخرين.

    وأعتقد أن جل ما ذكر في المقال ينتناول اللغة باعتبارها ضرباً من ضروب الأدب والفن لا تلك اللغة المخترعة للتواصل مع الآخرين. أؤكد على أن اللغة المكتوبة هي أداة من أدوات التواصل كذلك وعلى هذا نجد التبرير المنطقي لهذا الـPuzzle اللغوي. وفي اعتقادي أن مستهلكي اللغة يستعملون ألفاظاً عامية على سبيل التبسيط - ربما - ، أو ربما على سبيل محاولاتنا غير الواعية بترسيخ الانتمائية غير المبررة وغير المفروضة كذلك. وفي أحيان كثيرة نجد أن اللغة (الاختراع) لا تسعفنا دائماً في إيجاد المعنى المحدد لبعض المواقف ، لذا فإننا نلجأ إلى فتح معجم اللألفاظ المدروسة لأغراض الإضاءة والتنوير ثم نعيدها في مكانها للاستخدام عن الحاجة. وهذا في حد ذاته دليل على عدم كفاءة اللغة. أليس كذلك؟

    وهنا سؤال يطرح نفسه. كيف نشأت اللهجات؟ وهل نشوء هذه اللهجات يعني بالضرورة انقراض اللغة العربية؟ أم أننا نعتبر أن اللهجة هي لغة عربية ولكنها للمبتدئين؟ حقيقة لم أجد في قراءاتي ما يجيبني على هذا التساؤل المربك. فاللغة قد تضاف عليها مصطلحات وعبارات تقتضيها ضرورة التطور البشري ، ولكن أن تتحول اللغة من أصل إلى فرع فهذا ما لم أجد له تفسيراً.


    أما عن استخدام مصطلحات وعبارات إنجليزية أو فرنسية أو غيرهما فإنني أؤيدك فيما ذهبت إليه من تفسير ، غير أن ذلك لا يعد تشفيراً للغة في اعتقادي فالتشفير يكون ذاتياً أي من أصل اللغة نفسها. ولكي أدلل على كلامي إليك هذا المثال:

    "خلع الليل عباءته المبلولة بالظلام .. ونام تحت ظل شجرة عجوز. عجوز متصابية ، ترتدي طرحتها بالمقلوب ، تلعب بخصلات شعرها الغصنية ، فازلين الريح الذي يمسح كل غصلة ليفرقها عن أختها. يضحك ضفدع منتفخ الأوداج على قارعة البحيرة ، البحيرة التي يثقلها ضوء القمر .. القمر وحمة الليل في ساعده الأيمن. إنها آيدولوجيا الاغتراب الزمني. زمني؟ كم الساعة الآن؟"

    (هذا نص قديم لي ... استشهد به لأنني لا أريد أن أضع أحداً محل اختبار)

    إذا نظرنا إلى النص أعلاه نجده شديد الرمزية. فهل تستطيع أن تجزم أنني اتكلم عن زمن؟ (ليل) وأصف الليل ومظاهره؟ أم أنني أرمز بالليل عن شيء آخر وبالبحيرة عن شيء آخر وبالضفدع عن شيء آخر ... وهكذا؟ ثم لو لاحظت إلى الكلمات (آيدولوجيا) و (وحمة) و (طرحة) تجد أن بعضها تم إقحامها إقحاماًرغم وجود بدائل لغوية أكثر تحضراً كـ(طرحة) ، والبعض الآخر (آيدولوجيا) لم أجد كلمة دقيقة أكثر منها ، حيث أشعر بنقص في المعنى إذا ما قلت (مذهب) أو (فكر) أو (ديدن) أو أي كلمة تقارب (آيدولوجيا) في المعنى. وكذلك (وحمة).


    أشكرك وآسف للإطالة ....

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-14-2006, 04:09 PM)

                  

02-15-2006, 03:03 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ هشام.. حبابك

    اول بالتبادي.. شكرا على هذا الكلام عن اللغة .. و بصراحة .. لم أقرأ كلاما مستفزا (بالمعنى الإيجابي) مثل هذا قريبا..و قد قرأته أكثر من مرة .. حتى عجزت عن التفاكر معه.. لأني في كل لحظة أكتشف مطب أو منعطف يحتاج لكثير من التأمل و التوقف.. يعني يا هشام ، مساهمتك دي مفخخة ( و أيضا بالمعنى الإيجابي) .. أي تعامل معها ببساطة و سطحية .. ح يودي القارئ في ستين ألف داهية.. و أنا بصراحة يعجبني هذا النوع من المساهمات .. الذي لا يكتفي بالإكليشهات المحفوظة و المعهودة كرد.. و انما يفرض عليك أمرين: اٍما الجدية .. و اٍما السكوت .. و هذا الأخير مزعج و فيه ظلم لك كباحث .. و لمساهمتك كدعوة للنقاش و التفاكر..

    و قبل .. أن أطرح تفاكري هنا .. لفتت نظري مسألة (كينونة و حيوية اللغة) حيث تقول:

    Quote: و في رأيي أن كل لغة ( كائن حي)لا يعيش الإ في أوساطه التي نشأ فيها ولا أعتبر عملية تطور اللغة الإ استكمالا لدورة حياة هذا الكائن الحي .
    .. و هي مقولة قديمة قليلا .. و مناط علم سيوسيولوجيا اللغة .. و هو علم راسخ .. و له حدوده و مزاعمه .. و طرائق بحثه.. و طريقة قولك لها و بهذا الفهم .. أوحى لي ، و أتمنى أن أكون مخطئا.. أن الفكرة في جوهرها هي من عندك أو من أنجازك .. أقول بذلك .. أنا موقن بأنك تملك القدرة على ابتداع و انجاز ما يخصك .. و الذي يحمل نفس و طريقة تفكير هشام ادم..
    و نفس القول ينطبق على مفهوم شيخوخة اللغة.. حيث تقول بعد الشرح
    Quote: و هو ما أسميه (بشيخوخة اللغة)..

    مع ملاحظة أن وضعك ، لمثل هذه المفاهيم بين الأقواس ، لأ يشير صراحة الى أنها مأخوذة من مكان ما..

    و بعد..

    ألتبست على المفاهيم .. و رأيت فيها بعض الغموض و التداخل .. و أتسائل: هل هناك فرق بين (غريب اللغة) و الرمز؟.. مع بعض الملاحظات: أولا .. مساهمتك أوحت لي في أكثر من مرة أن هذه المفاهيم متطابقة .. و كل منهما تدلل على الأخرى .. يعني كلامك عن (غريب اللغة) كمرادف للرمز ..
    ثانيا: غريب اللغة .. في اعتقادي ( و أنا مسئول عن هذا الإدعاء) مفردة عاشت في زمانها .. و وجودها استجابة لمعطيات راهنها و في زمانها.. يعني الظرف الإجتماعي المحيط بها .. أوجدها كمفردة للتعامل .. و في وقتها قطع شك لم تكن غريب لغة .. و انما عادي لغة .. يعني مفهوم و متداول .. و انما الغربة لاحقة .. و لظروف و معطيات اجتماعية معينة .. تراكمت لمدى من الزمن الوجودي و الحضاري ..
    ثالثا: الرمز .. قد لا يكون غريب لغة .. و انما اٍلباس معنى مغاير للمعنى الظاهر .. و هذا يقودني للتساؤل.. ماهو الرمز؟ هل هو المفردة في حد ذاتها .. أم هو حالة ذهنية .. تتطلب الإحالة لدلالة معينة متخفية (سياسية..اجتماعية.. اخلاقية ..جمالية.. ألخ)؟

    انت تقول:
    Quote: يمر خلالها بأطوار نحو الكمال ثم الإنحطاط بعد ذلك..

    هذا الكلام يتسق مع اتجاهك في تفسير ظاهرتي التقهقر اللغوي و الشيخوخة اللغوية كما تقول بهما.. و بالمناسبة أحييك على قدرتك على ضبط مفاهيمك و الحرص على تعريفها بدقة متناهية .. و هي خاصية يفتقدها الكثيرون من متكلمي الثقافة و القضايا الأخرى في الحقول السودانية ..
    كلامك بهذه الكيفية ينطوي على سلفية لغوية صارمة.. و لكي أدلل على ذلك .. أقول الكلام عن التقهقر اللغوي ..و اٍنحطاط اللغة و بالتالي شخوختها .. بالضرورة يقتضي معيار ثابت .. نقيس به جودة اللغة و بالتالي نحكم على مدى قدرتها على التمتع بالجمال.. أو القبح ..و التعبير بفصاحة ( مع تحفظي على الفصاحة هذى) و هو نفس الإتجاه الذي يتبعه سلفي اللغة و سدنتها الزبانية الغلاظ .. الذين لهم جلابيب ثابتة من الأحكام .. مثل الركاكة.. الإنحطاط .. الشوارعية.. السوقية .. الدراجية .. و غيرها من التعابير المتناسلة..التي يقرأون و يحاكمون بها منجز الغير..
    وخلافي هنا.. أنى لا أرى تقهقر.. تراجع.. أنحطاط.. أو شيخوخة .. لأن اللغة ( و كما ذهبت انت و غيرك) كائن حي .. و أضيف أن اللغة هي الإنسان نفسه(الإنسان كظاهرة كونية ، و لأ أعنى الفرد لأنه يتقهقر و ينحط و يشيخ و يموت كمان).. و لا أظن أن ما نعيشه الآن من تأريخ البشرية فيه نوع من التراجع و الإنحطاط .. و انما هو تطور .. و تطور ايجابي ..أقول بهذا الكلام .. و أنا على قناعة تامة .. بعدم ايماني بالحدود بين المنجز الكلامي .. يعني الأدب منجز لغوي .. سواء امتطى صهوة الفصحى أو لغة المعيش اليومي .. و مسألة التحديد و المفاصلة .. هي جزء من تلك السلفية التي قلت بها قبل قليل..

    و الآن نجي لجوهر القصة .. و الذي لخصته بتساؤلك الجيد .. حيث تقول:
    Quote: فلماذا جاء الترميز؟
    .. و طبعا كلنا نتفق أن الرمز هو الناتج و أن الترميز هو العملية المنتجة للناتج..
    و في بحثك للإجابة على هذا السؤال الجوهرى .. ذكرت القهر السياسي .. كعامل مهم جدا..
    و أنا أضيف الخوف الإجتماعي .. كركيزة من ركائز علمي السيكولوجيا و السيكلوجيا الإجتماعية..
    و اذا اعتمدنا ذلك .. ففي ظني يساعدنا على تفسير الكثير .. فمثلا .. في مسيرة الغناء السوداني .. و في حقبة معينة .. قلما تظهر عبارة ( الحبيبة) .. أو أي شئ يفصح عن المرأة.. مع أن جل ذلك الغناء يتخذ من المرأة موضوعة جمالية و اجتماعية(يعني الشاعر فاهم.. و المغني .. وكذلك المتلقي).. و نلاحظ شيوع مفردة ( حبيبي) بدلا عن ( حبيبتي) .. و هنا تحضرني طرفة .. حيث كنت أحدث بعض الأصدقاء هنا (كندا) و معظمهم أجانب .. و قد ابدت صديقة كندية ملاحظة ذكية .. حيث قالت: اذن المجتمع السوداني مجتمع منفتح و يبيح المثلية.. حيث حلال على الرجل أن يتغزل في رجل اخر و بوضوح كمان .. و كلفني دحض تلك الخلاصة شرح مسهب .. و بالجد اخرجتني فكرة الخوف الإجتماعي تلك من الورطة اٍياها ..
    اذن .. الصرامة الأخلاقية .. و بالتالي الضبط الإجتماعي .. قد يؤثر كثيرا في خيارات المبدع من حيث الإفصاح أو الرمز..
    اضافة لعامل الخوف الإجتماعي تلك .. هناك مسألة الإحباط العارم ( و هو حالة نفسيه لها خطرها).. و هنا أرجو الرجوع لأعمال امل دنقل.. خصوصا ( مقتل القمر) و ( لا تصالح).. فاستحضار الرمز الغائب هو نوع من البحث عن معوض مثالي ..و بالتالي رفض و ادانة مبطنة للواقع ( الراهن)..

    و يبقى السؤال: هل للرمز جماليته الخاصة؟ و اٍن وجدت ماهي حدودها؟

    اخيرا .. كلامك في المداخلة الثانية عن نشوء اللهجات و ما ادراك ما اللهجات .. مهم جدا و جدير بالبحث .. أقول بذلك لأني أرى أن اللهجات ، خصوصا المشتقة عن اللغة العربية في السودان (خذ عربي جوبا + لهجة أمدرمان).. هي في النهاية عبارة عن عملية ترميز تضليلي كبير ( و يمكننا دعم هذا الزعم بمقولات أبكر ادم حول جدلية الهامش و المركز).. حيث تمارس ثقافة و تبدع ترميزها الخاص و تقدمه على أنه مسلمات مطلقة لا يجوز مسائلتها و البحث فيها..

    شكرا ..
    و لنا عودة بما يتسع به زمن المعيشة ( و هي سلطة قاهرة يا صديقي)..

    محمد النور كبر





                  

02-15-2006, 03:46 AM

farda
<afarda
تاريخ التسجيل: 04-08-2003
مجموع المشاركات: 826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    Quote: والجري لم يكن في حد ذاته حوجة إنما هو ترف حركي أو سلوكي

    Quote: الوصول إلى نقطة الغرور المعرفي (الجري) هو ما يغري بالمزيد من الأداء.


    الجري في بلد العمايا رقيص...
    مثل صيني
                  

02-15-2006, 12:43 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: farda)

    الأستاذ محمد النور

    أولاً دعني أشكرك على المداخلة التي أقل ما يقال عنها أنها (ثرة) ولقد وضعت لي مداخلتك هذه الكثير من النقاط على بعض الحروف التي استعصى علي فهمها بعيداً عن التجريد.

    واسمح لي أن أتجاوز عن المقدمة التي بدأت بها، مشيراً إلى أن ما جاء في البوست ما هو إلا بعض (خطرفات) حاولت بها أن أجد مخارج لهذا الـPuzzle لمعرفة ما يكمن وراء أكمة اللغة الرمزية. وأعترف بهذا ضمنياً أنني لست على معرفة بـ(سيوسيولوجيا اللغة) وربما كان ذلك بمثابة حبة لفتح الشهية تدفعني إلى اقتناء ما يفيدني في معرفة المزيد عن هذا العلم. غير متشكك في أنه قد يضيف إلي الكثير من الفائدة حول هذا المجال.

    نعرج فوراً على متن مداخلتك لأقول:
    فيما يتعلق بالفارق بين (غريب اللغة) وبين (الرمز) فإنني اجد نفسي متفقاً معك في تعرفك لكل منهما ولا أعرف كيف أنني أصبتك بهذه الربكة. فكلامك:
    Quote: غريب اللغة .. في اعتقادي ( و أنا مسئول عن هذا الإدعاء) مفردة عاشت في زمانها .. و وجودها استجابة لمعطيات راهنها و في زمانها.. يعني الظرف الإجتماعي المحيط بها .. أوجدها كمفردة للتعامل .. و في وقتها قطع شك لم تكن غريب لغة .. و انما عادي لغة .. يعني مفهوم و متداول .. و انما الغربة لاحقة .. و لظروف و معطيات اجتماعية معينة .. تراكمت لمدى من الزمن الوجودي و الحضاري ..

    وأحببت فقط أن أغازل انتباهك وأصرفه إلى نقطة محددة هي: إذا كنا نتفق على أن اللغة تتطور بتطور وعي الإنسان - وقد لمست ذلك من خلال جملتك:
    Quote: أنى لا أرى تقهقر.. تراجع.. أنحطاط.. أو شيخوخة .. لأن اللغة ( و كما ذهبت انت و غيرك) كائن حي .. و أضيف أن اللغة هي الإنسان نفسه

    فإذا كنا نتفق على تطور اللغة وكينونتها؛ فإننا بلاشك نؤمن بأن اللغة خلال هذا التمرحل تحذف بعض مفرداتها إلى (زريبة اللغة) لنشوء الجديد والذي من المفترض أن يكون أصلح لمعيطات الزمن والأكثر حميمية لممارسات الإنسان الحياتية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وجميع نشاطاته. أليس كذلك؟ إذا تقوم بعض المفردات على أنقاض بعض المفردات الأخرى التي تصبح بالتقادم (غريبة) فإذا كان كذلك ، فما هو تفسير لرجوع البعض إليها في محاولة لإعادة إحيائها مرة أخرى رغم وجود الـUpdated اللمصطلحي؟ هذا هو محور التباسي.

    والرمز كما تفضلت إنما هو:
    Quote: اٍلباس معنى مغاير للمعنى الظاهر

    وأنا إذ أتفق معك معك حول هذه الجزئية أتفق ضمنياً في سؤالك الموضوعي:
    Quote: ماهو الرمز؟ هل هو المفردة في حد ذاتها .. أم هو حالة ذهنية .. تتطلب الإحالة لدلالة معينة متخفية (سياسية..اجتماعية.. اخلاقية ..جمالية.. ألخ)

    ولقد تفضلت فأضفت (الخوف الاجتماعي) إضافة إلى (القهر السياسي) - والذي أرى أنه قد يندرج تحت ما تفضلت به من "الإحباط العام" - وأرى يا عزيزي أن وعي الإنسان المرتبط بعلاقته مع الطبيعة هو ما أثر على حالة الرمز هذه. فقد كانت نظرة الإنسان الأول لكل ما هو حوله نظرة ذات بعد واحد فقط فهو يرى ورقة الشجر عبارة عن (مجرد) ورقة شجر. والشمس هي (مجرد) شمس. وخوف الإنسان من الطبيعة هو ما كان يجعل الإنسان ينفر منها ويخلق نوعاً من اللاحميمية بينه وبين أدوات الطبيعة. ولكن كلما اقترب الإنسان أكثر من الطبيعة كلما زادت الإلفة بينهما وقل الخوف، وزيادة الإلفة وعكسها (انحسار الخوف) هو ما جعل الإنسان يشعر بالمعاني الأخرى للأشياء فأخذ تلك الورقة واستخدمها كزينة وحلي. وهكذا بالنسبة لجميع الأدوات الأخرى. ففرو الحيوانات أصبح غطاء أو فراش ، وأنياب الحيوانات استخدمها كقلائد وكأسنة لرماحه البدائية ... وهكذا. لا شك أن هذا تطور ملحوظ في وعي الإنسان بالطبيعة نفسها. وهذا الوعي ساعد بدون شك في تحفيز قدرتها التخيلية على إبداع الأشياء المدهشة من (المجردات) البسطية التي يراها ويتعامل معها بشكل يومي.

    فالنهر الجاري مثلاً قد يكون جيشاً جراراً يزحف على الأعداء ... وقد يكون دماءاً تجري في الوريد أو تسيل على جسدٍ ما ... وقد يكون منديل حبيبة طويل غادرت للتو .... وقد تكون رسالة مطوّلة من حبيب يسكن في الجنوب إلى حبيبة مجافية تسكن في أقاصي الشمال... وهكذا. فالخيال هو ماعون الرمز والباعث عليه.

    Quote: و يبقى السؤال: هل للرمز جماليته الخاصة؟ و اٍن وجدت ماهي حدودها؟

    في اعتقادي أن الرمز الذي يسعى إلى إيجاد روابط بين الأشياء هو نوع من الجمالية إذ أن النصوص أو الأعمال التي لا تحفز القارئ أو المتلقي على التفكير وعلى إعمال العقل ، هي نصوص رخيصة ولا تستحق القراءة. ولقد رأيت أن الرمز إذا كان مقصوده تفعيل الخيال فهو مستحسن ، أما إن كان غير ذلك فهو في نظري صنعة فكرية وترف ثقافي يستحق أن يودع في زرائب اللغة.

    وتبقى المسألة الأكثر إثارة للجدل : كيف تشكلت اللهجات؟ فمن يمتلك المعرفة أرجو أن يدلو بدلوه في ذلك. فربما ساعدنا ذلك على فهم أفضل.

    هشام آدم

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-15-2006, 12:45 PM)

                  

02-17-2006, 10:56 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    ما تزال الدعوة مفتوحة لمناقشة كيفية نشوء اللهجات وأسباب الترميز في اللغة.
                  

02-17-2006, 11:03 AM

نادية عثمان

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 13808

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    Quote: ما تزال الدعوة مفتوحة لمناقشة كيفية نشوء اللهجات وأسباب الترميز في اللغة.



    بما انه امر شائك وفى غاية الاهمية ..ويحتاج الى كلام مؤسس من متخصيين وعارفين ..فيسعدنى جدا ان اكون هنا للتعلم والمعرفة من عميق بحور علمك ومعرفتك اخى النبيل هشام ..

    كن دوما بالف خير
                  

02-17-2006, 11:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: نادية عثمان)

    أستاذتنا نادية عثمان

    تسعدني متابعتك طبعاً ... وأتمنى أن يكون ما يقال هنا له دور في إضافة الفائدة المرجوة من النقاش. ولكنني لست ذلك الشخص الذي تزعمين ، إن أنا إلا شخص يحاول أن يعرف مثله مثل غيره سر هذه اللغة وأتمنى من أولئك المتخصصين والعارفين أن يدلو بدلوهم في هذا الموضوع لمزيد من المعرفة المؤسسة.

    أشكرك يا نادية.
                  

02-17-2006, 11:44 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    أخي العزيز هشام آدم..
    أشكرك على هذا المقال الرائع الذي تجولت من خلاله في ربوع اللغة.. ولكن دعني أناقش فكرتك التالية، وأرجو من الله ألا أكون متهافتا:

    Quote: وهكذا اللغة. بدأت بحوجة محاكاة أصوات الحيوانات والطيور والكائنات التي كان الإنسان الأول يشاهدها فيما حوله ، ثم تطور الأمر إلى رغبة في التعبير ثم رغبة ملحة في خلق التميز والتفرد كما تتفرد كل الكائنات بأصوات متباينة ومتفاوتة ما بين الحدة والخشونة. والبحث عن (التميز) هو ما يفسر لنا سعي الإنسان الدائم لخلق أدوات جديدة تأخذ فكرتها من الطبيعة ، ويصبغ عليها الإنسان لمساته الخاصة. تماماً كفكرة استخدام الحربة كبديل عن النياب والمخالب لدى الحيوانات. والانتقال من الأكل الأرضي إلى الأكل في أوعية ، وفكرة تسخين اللحوم النية بعد اكتشاف النار والتي تعتبر ثورة ونقلة نوعية في حياة الإنسان عبر تاريخه والذي شهد ثورات ونقلات نوعية كبرى على مر العصور والأزمان كاكتشاف الزراعة.


    اعتقد أن نشوء اللغة أعمق من أن يكون مجرد محاكاة لأصوات كائنات شاهدها الإنسان في بيئته.. اللغة أبرز أدوات التواصل.. والتواصل شيء وجودي أصيل تقوم عليه الحياة ولولا التواصل لما كانت الحياة.. الأدمغة لا تعمل إلا من خلال التواصل.. والخلية الحية تحافظ على استمرارية الحياة من خلال التواصل الدائر بين مكوناتها (تواصل داخلي) وتواصل مع غيرها (تواصل خارجي).. وهكذا فإن اللغة تحتل موقعها ضمن الكائن البشري في المرحلة الجينية.. ولعلك تذكر حديث شومسكي عن النحو التوليدي، وكيف أن الاستعداد لممارسته أمر فطري..
    لذا فإن الوصول إلى مرحلة التعبير باللغة اللفظية ما هي إلا مسألة وقت ليس إلا.. وفي انتظار التمكن منها يلجأ الجنين ومن ثم الطفل الرضيع إلى اللغة غير اللفظية للتواصل مع الآخرين..
    التعبير عن الأفكار والمشاعر والاتجاهات أمر جوهري للكائن الحي لا يستطيع أن يحيا بدونه.. ويجب ألا نعتقد أن الإنسان ولد صامتا وتعلم النطق من الكائنات الأخرى وقام بتقليديها ليطور لغته التواصلية، لأن هذا المبدأ لا ينطبق على الكائنات الأخرى التي خلق الله لكل نوع لغته الخاصة به والتي لم يتعلمها عبر تقليد غيره من الكائنات..
    ولك تقديري وشكري لأنك فتحت لي نافذة للحديث عن اللغة.
                  

02-17-2006, 12:03 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: محمد الأمين موسى)

    الأستاذ محمد الأمين موسى

    أشكرك على هذه المداخلة التي فتحت نافذة أخرى لهذا النقاش حول اللغة وتطورها. دعني بداية أتكلم عما ذهبت إليه في إنكار نشوء اللغة على أساس محاكاة. واستشهادك بما ذهب إليه البروفيسور نعوم شومسكي عن نحو التوليد. وفي اعتقادي الخاص جداً يا عزيزي أن اللغة - بناءً على الدراسات الأنثربيولوجية التي أجريت - كان صامتاً منذ وجوده الأول. ولقد أغرته أصوات الطبيعة من حوله: رياح - أصوات الحيوانات - زقزقة العصافير - خرير الماء في الأنهار والجداول ... إلخ. ولا أريد أن أقول أنه كان أخرساً ثم حاول تقليد تلك الأصوات بالمعنى الذي توحي به الجملة. ولو قرأت المقال جيداً ستجدني أتحدث عن الجهاز الصوتي للإنسان وعن أنه لم يكن مستغلاً بصورة جيدة. وأنه اكتشف اللغة مثله مثل اكتشاف النار والزراعة. فالزراعة كانت موجودة والنار أيضاً كانت موجودة ولكنه الإنسان اكتشف أدواتها وأدوات توليدها في وقت لاحقا. وكذلك اللغة. ولعلك تذكر أن الإنسان البدائي وفي أقاليم متفرقة كان يعتمد (التصفير) لغة أساسية لها معانيها ومغازيها التي اخترعها كضرورة لهذا التواصل الذي اتفق معك حوله.

    إن التواصل البشري - في اعتقادي - لم يكن يعتمد على اللغة عند الإنسان البدائي بقدر ما كان يعتمد على اللمس مثلاً وعلى السلوك المفيد لهذا المعنى. فنجد أن الإنسان البدائي كان يعبر عن حبه وعطفه للآخر عن طريق (اللعق) وكان يعتقد أن اللعق أمر حميمي ثم تطور هذا المفهوم فانتقل التعبير عن الحب والحميمية من اللعق إلى التقبيل. وهكذا اللغة أيضاً. فالإنسان الأول لم يكن متمكناً من أدوات إصدار اللغة. تماماً كما لو أساء شخص ما استخدام آلة موسيقية لأنه لا يستطيع العزف عليها. بينما عدم معرفته بالعزف لا تنفي وجود الموسيقى في المجمل. وهذا هو ما أردت توضيحه.

    وتبقى المعضلة الرئيسية هي فيما مرحلة ما بعد اكتشاف الإنسان للغة واتفاقه على (المصطلحية) للتعبير عن الأشياء والمستشعرات البيئية .. فما الذي أدى إلى نشوء لغات مختلفة ثم ما الذي دفع الإنسان لاختراع (اللهجات)؟ وبين هذا وذلك ... تبقى الرمزية ذلك السر الذي يحيرني قائماً يحتاج إلى إجابة.

    أشكرك مرة أخرى عزيزي
    ولمزيد من التواصل والمناقشة
                  

02-18-2006, 02:14 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    أخي الفاضل هشام آدم.. أشكرك على التوضيح، ولكن دعنا نستمر في مناقشة أصل اللغة وارتباطها بأصل الإنسان.. وكأني بك تبني آرائك على النظرية الداروينية التي لا تقر بأن الإنسان وجد كنوع قائم بذاته بل تطور من نوع آخر.. فماذا لو أخذنا بنظرية أخرى مقابلة، وانطلقنا من وجهة نظر دينية تجعل من سيدنا آدم أول كائن بشري خلقه الله في أحسن تقويم وعلمه الأسماء كلها ومنحه القدرة على التعبير؟ ألا تعتقد أن فكرة تعلم اللغة عبر تقليد الأصوات قد لا تصلح في هذا السياق؟
    ومن ناحية أخرى لماذا اتقصرت عملية تقليد الكائنات الأخرى من أجل اكتساب اللغة على الإنسان ولم تشمل الكائنات الحية الأخرى؟ هل يصلح القول على سبيل المثال أن الكلب تعلم نبيحه من سماع أصوات أخري وجدها في بيئته إلى أن طور شكل النباح الحالي؟
    ألا تلاحظ معي أن إنتاج اللغة - سواء كانت لفظية أو غير لفظية - يتحدد في كل الكائنات الحية بيولوجيا-فسيولوجيا وأن الأسد مهما فعل ومهما حاول لن يستطيع أن يغرد!
    في رأي المتواضع أن العديد من الدراسات حول حول أصل اللغة التي تضع فرضيات تطورية أو إسقاطات أنثروبولوجية تقدم اللغة وكأنها شيء غير أصيل في تكوين الإنسان.. كأنها شيء مكتسب.
                  

02-18-2006, 05:06 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: محمد الأمين موسى)

    الأستاذ / محمد الأمين موسى

    أشكرك على الاهتمام والمواصلة. واسمح لي قبل أن أواصل نقاشي معك حول أسلمة نظرية علم الإنسان (الإناسة) ومناقشة الجزئية المتعلقة بالميثولوجيا الدينية حول الإنسان الأول وتجسديها في شخص آدم (أبو البشر) اسمح لي أن أتناول موضوع اكتساب اللغة من أصالتها. ففي اعتقادي أن اللغة شيء مكتسب وليس شيئاً أصيلاً مرتبط بوجود الإنسان. وما أردت قوله في المداخلة أعلاه هو أن الإنسان رغم امتلاكه بجهاز صوتي قابل للنطق والتطور إلا أن الإنسان الأول لم يكن قادراً على استخدامه بالطريقة الصحيحة المفضية إلى خلق اللغة أو تكوين جمل ذات دلالات محددة ومعروفة. بدليل أننا لو وضعنا طفل في وسط يخلو تماماً من أي نوع من أنواع الاتصال بالبشر في منطقة نائية سواء في صحراء أو في غابة فإن هذا الطفل سوف لن يكتسب أي لغة. وسوف يكون عاجزاً عن الكلام والنطق رغم حوزته لجهاز صوتي متطور جداً.



    ودعني أوضح لك نقطة هامة جداً فأنا لا أتفق مع النظرية الدارونية على الإطلاق بيد أنني أؤمن بنظرية التطور الناتجة لحصول الوعي وليس تطور الخلايا العضوية في الكائن الحي. فأنا لا أصدق أن الإنسان كان كائناً آخر غير الإنسان ولكنه تطور من كائن حي وحيد الخلية إلى ضفدع ثم إلى قرد ومنه إلى إنسان. فهذا ليس بمنطق أبداً لأن دورة التطور في تاريخ الكائنات الحية ما يزال مستمراً منذ نشأة العالم وحتى يومنا هذا وإذا صح تصور دارون فكان يجب أن يصل التطور بجميع الكائنات الحية إلى مرحلة الإنسان فلماذا إذاً ظلت بعض القرود كما هي ولم تتطور إلى إنسان ولماذا الحصان لم يتطور ولماذا الزرافة ؟؟؟ أضف إلى ذلك لماذا لم يتطور الإنسان ليصبح كائناً آخر غير هذا الإنسان الذي نعرف؟

    إن تطور الإنسان هو تطور معرفي ووعيوي يظهر في شكل تكيفه مع بيئته المحيطة به وفي شكل تناوله للأدوات المتوفرة وقدرته في إبداع أدوات جديدة تساعده على المبدأ الأساسي أو الغريزة الأساسية القائمة لديه ألا وهي (حفظ النوع) ومع انعدام هذه القدرة لدى بعض الكائنات الحية نجد أنها تنقرض وتختفي من الوجود تماماً.

    أما بالنسبة للميثولوجيا الدينية التي تصور أصل الإنسان وتجسده في شخص ( آدم ) واعتمادهم في هذه النظرية على النصوص القائلة بذلك فإن لدي قراءتي الخاصة لذلك. فإذا نظرنا إلى الآية القرآنية القائلة ( وإذ قال ربك للملائكة إن جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنت تكتمون ) - أرجو تعديلي في الآية إن كان ثمة أي خطأ – حسناً ... إذا قرأنا الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى استخدم لفظ ( جاعل ) ولم يقل ( خالق ) وهذا يدلنا على أن الإنسان كان مخلوقاً من قبل هذا الحوار بين الله وبين الملائكة. ودليل ذلك هو اعتراض الملائكة القائم على المشاهدة الحية من هذه المخلوقات التي ترى أنها لا تفعل شيئاً غير الإفساد في الأرض وسفك الدماء . وقراءتي الخاصة لذلك هي أن الإنسان الذي كانت الملائكة تتكلم عنه إنما الإنسان في مرحلة ما قبل التطور المعرفية. لذا فإن الله سبحانه وتعالى قال ( إني أعلم ما لا تعلمون ) وما لا تعلمه الملائكة أن هذا الإنسان البدائي البسيطة يحتوي في خلقه على أدوات تحصيل معرفية بالغة الدقة وأنه في يوم من الأيام بعد المرور بعمليات تطور كبيرة جداً وقفزات تاريخية تنقله نقلات نوعية من مرحلة إلى مرحلة سوف يكون ( خلقاً آخر ) تماماً مثلما نحن من نسل أولئك البدائيين وما حدث ذلك إلا عبر تطور فكر الإنسان ووعيه.

    وفي اعتقادي أن ( آدم ) لم يكن أول البشر الموجودين على وجه هذه الأرض بل كان قبله بشر أقل معرفة وأكثر بدائية وظل الإنسان عبر آلاف السنين في تطور حتى وصل إلى مرحلة النضج المعرفي الذي خوله بعد ذلك إلى ( الخلافة ) تماماً كما تربي ابنك الصغير على أمر ما فإن العقل لا يتصور أن هذا الطفل الذي لا حول له ولا قوة يمكن أن يكون خليفتك في مالك مثلاً بينما يقول العقل أن هذا الطفل عبر مراحل نموه سوف يصل إلى مرحلة معينة يصبح قادراً فيها إلى تحمل تلك المسؤولية الجسمية التي حملتها على عاتقه. وهذا هو تفسيري لقوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون). وفي الآية التي تقول (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فالتسوية هنا هي تمام الخلق وليس الخلق في حد ذاته. وتمام الخلق هو اكتمال الوعي ونضوجه. وأراني ارتاح كثيراً لتفسير (نفخت فيه من روحي) إلى أن المقصود به هو العقل والدماخ البشري الذي هو المعول الأساسي في عملية التطور وتمام الخلق هذه. إذ أن الإنسان منذ تملكه بأدوات الوعي والإنتاج وقدرته على اكتشاف طاقاته الذاتية الكامنة في التفكير والقدرة على الإبداع والتخيل والابتكار أصبح عندها جاهزاً للمهمة العظيمة التي أعدها له الله ، ألا وهي ( الخلافة ).


    هذا رأيي في هذا الموضوع وأعتقد أن اللغة مع الإنسان الأول لم يكن لها وجود إنما تطور كما تطورت قدرة الإنسان على التعاطي مع مكونات الطبيعة من حوله.
                  

02-18-2006, 11:39 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    UP
                  

02-19-2006, 02:07 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    إذا قرأنا الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى استخدم لفظ ( جاعل ) ولم يقل ( خالق ) وهذا يدلنا على أن الإنسان كان مخلوقاً من قبل هذا الحوار بين الله وبين الملائكة. ودليل ذلك هو اعتراض الملائكة القائم على المشاهدة الحية من هذه المخلوقات التي ترى أنها لا تفعل شيئاً غير الإفساد في الأرض وسفك الدماء . وقراءتي الخاصة لذلك هي أن الإنسان الذي كانت الملائكة تتكلم عنه إنما الإنسان في مرحلة ما قبل التطور المعرفية. لذا فإن الله سبحانه وتعالى قال ( إني أعلم ما لا تعلمون ) وما لا تعلمه الملائكة أن هذا الإنسان البدائي البسيطة يحتوي في خلقه على أدوات تحصيل معرفية بالغة الدقة وأنه في يوم من الأيام بعد المرور بعمليات تطور كبيرة جداً وقفزات تاريخية تنقله نقلات نوعية من مرحلة إلى مرحلة سوف يكون ( خلقاً آخر ) تماماً مثلما نحن من نسل أولئك البدائيين وما حدث ذلك إلا عبر تطور فكر الإنسان ووعيه.

    Quote: وفي اعتقادي أن ( آدم ) لم يكن أول البشر الموجودين على وجه هذه الأرض بل كان قبله بشر أقل معرفة وأكثر بدائية وظل الإنسان عبر آلاف السنين في تطور حتى وصل إلى مرحلة النضج المعرفي الذي خوله بعد ذلك إلى ( الخلافة ) تماماً كما تربي ابنك الصغير على أمر ما فإن العقل لا يتصور أن هذا الطفل الذي لا حول له ولا قوة يمكن أن يكون خليفتك في مالك مثلاً بينما يقول العقل أن هذا الطفل عبر مراحل نموه سوف يصل إلى مرحلة معينة يصبح قادراً فيها إلى تحمل تلك المسؤولية الجسمية التي حملتها على عاتقه. وهذا هو تفسيري لقوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون). وفي الآية التي تقول (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فالتسوية هنا هي تمام الخلق وليس الخلق في حد ذاته. وتمام الخلق هو اكتمال الوعي ونضوجه. وأراني ارتاح كثيراً لتفسير (نفخت فيه من روحي) إلى أن المقصود به هو العقل والدماخ البشري الذي هو المعول الأساسي في عملية التطور وتمام الخلق هذه. إذ أن الإنسان منذ تملكه بأدوات الوعي والإنتاج وقدرته على اكتشاف طاقاته الذاتية الكامنة في التفكير والقدرة على الإبداع والتخيل والابتكار أصبح عندها جاهزاً للمهمة العظيمة التي أعدها له الله ، ألا وهي ( الخلافة ).


    هذا رأيي في هذا الموضوع وأعتقد أن اللغة مع الإنسان الأول لم يكن لها وجود إنما تطور كما تطورت قدرة الإنسان على التعاطي مع مكونات الطبيعة من حوله.


    أخي الفاضل هشام أشكرك كثيرا..
    أخشى أن يكون ردك هذا قد حمل معه بعض التناقضات: لقد ميزت بين الإنسان البدائي وبين سيدنا آدم، والسؤال هو: هل نحن من سلالة الإنسان البدائي أم من سلالة آدم؟ وهل خلق الله آدم كإنسان بدائي ثم تطور فيما بعد؟
    قال تعالى في محكم تنزيله: (واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين)
    أنت تعلم أن معظم النظريات التي تسعى لتفسير ظاهرة وجود الإنسان تنطلق من فرضيات واحتمالات، ولا اعتقد أن هذه الفرضيات ستكون أكثر مصداقية من حديث الله سبحانه وتعالى الخالق الوهاب.
    إن اعتراضي أساسا - فيما يتعلق بأصل اللغة - ينبع من عدم الاقتناع بفكرة المحاكاة التي لم تزعم عند الكائنات الأخرى.. فكر معي في هذا: لماذا نحن وحدنا الذين اضطررنا لتقليد غيرنا حتى نسترشد إلى تكوين لغتنا..؟
    ولنعود إلى القرآن الكريم الذي تحدث عن سيدنا آدم: كيف تعلم سيدنا آدم اللغة، خاصة وأن القرآن الكريم وتفاسيره يشير إلى آدم كنقطة انطلاق بشرية؟
    على أية حال لا أريد أن أشوش عليك بهذه الجزئية التي لا تنتقص من أهمية مقالك، لأن النقاش عن أصل اللغة يصعب حسمه كما النقاش عن أصل الكون.
    ودمت في رعاية الله وحفظه.
                  

02-19-2006, 03:44 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: محمد الأمين موسى)

    الأخ هشام
    تحية طيبة وبعد
    كجزء من زريبة اللغة ( الصراع بين الفصحى والعامية )
    إذا ألقينا نظرة فاحصة على الصراع اللغوي بين الفصحى والعامية خاصة في اللغة العربية رغم تواجد الفصحى بقوة القرآن فلم تستطع أن تقضي اللهجة فلا غرو في دمومة اللهجة طالما توفرت فيها ظواهر اللغةالمتمثلة في النظام الصوتي ( Phonetics) والتشكيل الصوتي ( Phonology) والصرفي أي بنية الكلمة( Morphology) والنحوي أي نظام الجملة ( Syntax) ودلالة الألفاظ أي المعاني (Semantics) والتي تعد العناصر الأساسية التي تُكَوِّن اللهجة وهي الصوت، الكلمة، الجملة والمعنى ، ويخضع كل عنصر منها لمنهج علمي مستقل، وهذا أيضاً نريد أن تضفي عليه بحثاً مستفيضاً .
    ولعل سهولة اللهجة ومطاطيتها أصبحت الأوسع انتشاراً وهذا موضوع يحتاج لبوست آخر منك .
    وأما بخصوص نشأة اللغة فقد دارت نظريات حول نشأتها وقد انحصر هذا الجدل في اتجاهين :
    الأول يرى أن اللغة نشأت كهبة من الله تعالى كإفلاطون الذي يقول " إن اللغة ظاهرة طبيعية لا شأن للإنسان في وجودها"
    وكذلك هيراقليلوتس الذي يقول " إنها وحي من السماء" وعلماء اليهود يتفقون مع هذا الاتجاه استناداً لما جاء في التوراة " والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول، وجميع طيور السماء ثم عرضهم على آدم ليرى كيف يسميهما ، وليحمل كل منها الاسم الذي وضعه آدم ..." وكذلك أكثر علماء الإسلام على هذا الرأي استناداً لقوله ( وعلم آدم الأسماء) كأبي الحسن الندوي وابن فارس وابن فورك والغزالي والسيوطي .
    أما أصحاب النظرية الثانية : مذهب " المواضعة والاصطلاح " يأتي أرسطو على رأسهم إذ يقول أن اللغة " رابطة اجتماعية " وقد سبقه في ذلك ديمقطروس وفي القرن التاسع عشر نجد الفيلسوف الإنجليزي آدم سميث والفرنسي جان جاك روسو يتفقان على أن اللغة اصطلاح واتفاق بين البشر ويوافقهم في هذا الرأي أيضاً العالم اللُّغوي أبو الفتح بن جني حيث يقول ( إن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة ....)
    وهناك نظريات أخرى في اللغة تعرض لها علماء اللغة كنظرية المحاكاة التي أشرت لها في هذا البوست Bow-Bow ونظرية التنفيس عن التنفيس Pooh-pooh ونظرية الاستعداد الفطري Ding Dong والتي أذاها موللر ونظرية He-HO - yo للعالم جيجر ونظرية التطور اللغوي والتي مرت بعدة مراحل : مرحلة الأصوات الساذجة ، ومرحلة الأصوات المنبئة عن الأغراض المصحوبة بالإشارة المتنوعة ، ومرحلةالمقاطع ، ومرحلة الكلمات ، وأخيراً مرحلة الوضع والمصطلحات فهي مرحلة النمو اللغوي المعرفي .
    ومما لا ريب فيه أن الله علم آدم لغة واحدة ، واضحة تعلمها منه أبناءه حين صار الناس شعوباً وقبائل ، فترعت اللغة إلى لهجات ، ثم تحولت اللهجات إلى لغات شتى وهي اللغات الماثلة اليوم .
    لطيفة :
    تتأثر اللغة بعاملين :-
    - التفوق الحضاري .
    - التفوق العددي .
    آسف للإطالة .

    (عدل بواسطة عبدالرحمن الحلاوي on 02-19-2006, 04:26 AM)

                  

02-19-2006, 06:25 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    الأستاذ محمد الأمين موسى

    لا أفشي سراً إذا قلت لك أن الحديث عن اللغة وأصل الإنسان هو حديث ممتع ومشوق لا سيما إذا كان الغرض منه هو الوصول إلى الحقيقة التي لن نتمكن من الوصول إلى الجانب الكامل منها ، إنما نحن نبحث بما هو متاح ومتوفر لدينا من معلومات سواء عبر نتائج الدراسات المتعمقة التي أجراها ويجريها علماء الأنثربيولوجيا أو سواء مستفيدين من الإرث الديني الذي يخبرنا بعض الحقائق التي ربما تلتبس حيناً بسبب احتمال اللغة لأكثر من وجه وتفسير.

    أولاً دعني أخبرك أنك لم تشوش علي بمداخلتك هذه إنما على العكس تماماً جعلتني أكثر حماسة في المواصلة في هذا النقاش الذي أزعم أنه نقاش موضوعي دافئ أتمنى أن يستمر على هذا المنوال حتى نصل إلى نهايته. عندما قرأت مداخلتك استخلصت ثلاث نقاط أساسية – وآمل إفادتي إذا كان ثمة نقاط أخرى تجاوزتها سهواً - :

    النقطة الأولى: حول الفرق بين آدم والإنسان البدائي
    النقطة الثانية: لماذا نحن الوحيدون الذين اضطررنا إلى التقليد والمحاكاة.
    النقطة الثالثة: كيف تعلم آدم اللغة.


    وإن لم أكن مخطئاً فهذه النقاط الثلاث كلها تصب في محور حديثنا عن أصل اللغة. وهذا ينفي التشويش الذي تخشاه. عموماً دعني أحاول أن أعرج على النقاط الثلاث محاولاً توضيح ما أشكل فيها ربما بسبب رداءة اللغة التي استخدمها وربما بسبب حساسية الموضوع وارتباطها بالجانب الديني.


    ( آدم ) هذه الشخصية الدينية بعينها ليست أول هي أول البشرية بل إنما هو من نسل ذلك المخلوق الذي كان الله سبحانه وتعالى يتكلم عنه في حواره مع الملائكة. وذلك المخلوق الذي نتفق على تسميته بـ(الإنسان الأول) كان أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان بمعنى أنه لم يكن ذا وعي متطور إذ لم يكن بعد قد مر بتلك النقلات النوعية التي ساعدته على تطوير وعيه وسلوكه الاجتماعي. فالإنسان الأول كان مثله مثل الحيوانات يسعى في الحصول على غذائه عن طريق الصيد أو الالتقاط وكان يعيش في كهوف وكان يخاف النار وكان يأكل اللحوم نية وكان لا يمتثل بالترتيب الاجتماعي ولا يعرف شيئاً عن التنظيم الأسري والعائلي ، فكان فقط يعيش في مجموعات بدائية جداً حتى أنه لم يكن يعرف أبجديات دفن الموتى أو حتى نظام التخلص من الفضلات ووووو إلى آخره من الأشياء التي أكتسبها الإنسان بمزيد من الاحتكاك بالطبيعة والتقليد. وفي الميثالوجيا الدينية نجد أن الإنسان عرف دفن الموتى عن طريق (الغراب) فأصبح يقلده في ذلك وتقول الآية (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) ومن المعروف أن علماء الآثار والباحثون الأنثربيولوجيون يعتمدون في بحوثهم وحفرياتهم على مدافن الشعوب وأدواتهم الإنتاجية والاستهلاكية في تقييم حضارتهم. وعلى هذا فإن هذا الكائن - الذي حتى علماء الإنثربيولوحيا لم يتفقوا على تسميته بالإنسان إلى في مراحله المتقدمة – كان كائناً بدائياً خضع لعمليات متتالية من التطور والرقي حتى وصل إلى مرحلة الكمال البشري المعقول الذي أهله ليصبح (خليفة الله في الأرض) فأصبح عارفاً لكيفية التعامل مع الطبيعية والتكيف معها وأصبح متمتعاً بملكات التفكير العقلي والاستنتاج والاستنباط والتحليل بحيث أصبح ينزع إلى الاختراع بدلاً من اعتماده على الموجودات المفردة من حوله. ومن هؤلاء البشر المتطورين اختار الله ( آدم ) ليكون أول هو صاحب رسالته الأولى لهذه البشرية. وبهذا التفسير فإنني أفرق بين الإنسان الأول وبين آدم غير أنهما من سلالة واحدة (البشرية) ونحن كذلك من تلك السلالة البدائية. وما هذه الحضارة التي نعيش فيها اليوم إلا امتداد طبيعي لسلسلة احتكاك الإنسان البدائي الأول بالطبيعية في محاولاته للتغلب على الطبيعة من أجل (البقاء) وحفظ النوع. وفي اعتقادي أن خلق البشرية لم يكن بتلك الصورة التي يفهمها الكثيرون من أنها كان عبارة عن تجسيد الله لطينة لازبة في هيئة بشر ثم النفخ ليصبح هذا الكائن عبارة عن صنم طيني متحرك. بل إن مراحل الخلق كانت أكثر تطوراً من هذا المعنى السطحي للخلق. وإصرار القرآن على أن أصل الإنسان من الطين ما هو إلا دلالة أن العنصر الأساسي المكون لهذا المخلوق هو الطين وهذا الطين بمكوناته الحيوية وعناصره المعدنية هو النواة الأساسية لهذا المخلوق. وإلا فكيف نفسر وجود اللحم والعظم والدم؟


    النقطة الثانية: لماذا نحن الوحيدون الذي اضطررنا للتقليد.
    من قال أننا الوحيدون الذين اضطررنا إلى التقليد؟ إن التقليد والمحاكاة في السلوك هو سنة طبيعية سارية على جميع المخلوقات الحية. فصغار الطيور تقلد أمهاتها في الطيران. وهنالك العديد من الأمثلة التي توضح ذلك. أما إذا اقتصر استفهامك عن تقليد الأصوات. فلك أن تعلم أن الإنسان يمتلك جهازاً صوتياً متطوراً لا يجود لدى بقية المخلوقات الحية. وهو – أي الإنسان – لديه قدرة كبيرة على التقليد لا سيما تقليد الأصوات مقارنة ببقية الحيوانات التي لا تستطيع إلا أن تقلد نفسها. وهذه واحدة من الميزات التي يمتاز بها الإنسان عن سائر الكائنات إضافة إلى أنه يسير على قدمين. فالإنسان حتى وإن وجد في بيئة تخلو من البشر فإنه وبمرور الوقت فسوف نجده يسير على قدمين رغم أنه لم ير أمامه مخلوقاً يفعل ذلك. على عكس اللغة التي يجب أن تتوفر لديه حتى يستطيع امتلاكها عن طريق المحاكاة والتلقين.



    النقطة الثالثة: كيف تعلم آدم اللغة؟
    أولاً يجب أن نتفق أن آدم وجود عارفاً للغة التي كانت موجودة من قبل أسلافه. ولكن كيف عرف هؤلاء الأسلاف اللغة؟ في الحقيقة لا أجد أمامي أي حقيقة علمية يمكن الاعتماد عليها لمعرفة كيف اكتشف الإنسان اللغة غير أن الميثولوجيا الدينية تقول (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة....) الآية. وهنا أتوقف كثيراً عن لفظ (علّم) فكيف كانت طريقة الله في تعليم البشر هذه اللغة؟ لا أعتقد أن الله سبحانه وتعالى قام بتلقين البشر اللغة تلقيناً مباشراً بل كان التعليم عن طريق توفير أدوات مساعدة. كيف؟ امتلاك الإنسان للعقل الذي هو أعظم نعمة وميزة يتميز بها الإنسان عن بقية الحيوانات هو كان المعول الوحيد في استطاعة هذا الكائن البدائي في خارجه على استنباط وسائل جديدة. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع الابتكار والاستنتاج والاختراع. ولقد مكن الله لهذا الكائن في عقله هذه القدرة التي لم تكن الملائكة تعرف به ولذا فقد استغربوا أن يجعله الله خليفة له في الأرض. والأسماء التي عرضها الله على الملائكة هي كل موجودات الكون: الأرض – السماء – الأشجار – البحار – الجمادات .... إلخ فالإنسان هو من أطلق عليها هذه الأسماء معتمداً على الميزة التي يملكها في تسمية الأشياء بأسمائها. وبهذا فلم يكن تعليم الله للإنسان عن طريق التلقين وإلا لانتفت حكمة الاختبار الذي أقامه الله لإثبات (أني أعلم غيب السماوات والأرض) ولو لاحظنا نجد أن الملائكة عندما طرح عليهم هذا السؤال قالوا (لا علم لنا إلا ما علمتنا) أي أنهم يعتمدون على الله في المعرفة وليست لديهم القدرة التي لدى البشر في الاستنتاج وفي التحليل وفي الاختراع فهم – أي الملائكة – مخلوقات غير متطورة كما البشر.


    أخشى أني أطلت عليك ... ولكن الحديث ذو شجون

    ولك المحبة والتحية
                  

02-19-2006, 07:53 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأستاذ عبد الرحمن الحلاوي

    لا أشك أن إضافتك هذه قيمة إلى درجة أنها قد تقلب الأمور رأساً على عقب في مسار هذا البوست. لاحتوائها على معلومات علمية قيمة جداً. والعلمية تتفوق على النظريات العشوائية والاجتهادات الفردية دائماً. غير أنك – ولمزيد من الجهجهة اللذيذة – تفرد لنا خيارات أوسع من التي كنا نبحث عنها. فتناولك لنظريات المثاليين أمثال الغزالي وأفلاطون حول أصل اللغة ونشأتها بزعمهم أنها هبة من الله هو تدعيم لما ذهب إليه الأستاذ محمد الأمين موسى في معرض كلامه غير أني – مع احترامي لهذا الاتجاه – لا أجد نفسي متفقاً مع هذا التيار على اعتبار أن اللغة بهذه الدقة لا يمكن أن تكون قد تم إهدائها على طبق من ذهب للإنسان. فاللغة مثلها مثل المشي – كما ذكرت في بداية المقال – خضع لسلسلة من التطورات والعمليات الثورية التي شملت التغير والتعديل والإضافة فبدأت بدائية جداً لدرجة أنها لم تكن مفهومه تماماً كما لغة الأطفال التي لا تعدو كونها صراخاً وغمغمات غير مفهومة غير أنها لدى الأطفال عبارة عن ألفاظ لها دلالات ومعاني محددة إلا أنها غير مفهومة لنا على اعتبار أننا متطورون لغوياً عنهم. ثم بدأت مسألة تحديد العبارات ببعض الأصوات مستفيدين من بعض الحركات التوضيحية المصاحبة للعبارة.

    وأرى أن ما ذهب إليه جان جاك روسو وأرسطو في تفسيرهم للغة على أنها تحصل باتفاق واصطلاح ومقابلة. أما فيما يتعلق بمسألة تعليم الله الناس للغة فلي رأي ذكرته في تعليقي على مداخلة الأستاذ محمد الأمين موسى أعلاه. وأزعم أنه الأقرب إلى الصحة ما لم يتبين غير ذلك بدليل دامغ.

    أشكرك ومزيداً من الضرب على هذا الوتر من أجل إحماء النقاش.
                  

02-20-2006, 01:30 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    Quote: أشكرك ومزيداً من الضرب على هذا الوتر من أجل إحماء النقاش.



    الاخ المحترم هشام آدم
    أتابع بشغف واهتمام بالغين كل ما يكتب في هذا البوست و قد استوفتني العبارة أعلاه فالبوست ياعزيزي الأصل فيه الحمأ ولا يحتاج لمزيد من الفلِّ ، ولكني سأضيف له جوانب أخرى تتعلق به .
    ولك الشكر .
                  

02-20-2006, 01:40 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    أخي الفاضل الأستاذ هشام.. أشكرك على الاهتمام.. فقد فتحت مداخلتك الأخيرة شهيتي للمزيد من التعليق والتوضيح، على الرغم من أنني لست في كامل لياقتي المعرفيتة التي تؤهلني للمناقشة والتفنيد باستخدام الأدلة العلمية والإحالات المصدرية والمرجعية، ولكني سأبذل بعض الجهد في تبيان بعض الأفكار التي قد تولد أسئلة معرفية مفيدة.. وسوف أعود للتعقيب بإذن المولى تعالى.
                  

02-20-2006, 03:48 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: محمد الأمين موسى)

    الأخ هشام آدم
    تواردت لدي هذه الأفكار عن مدى الارتباط بين اللغة والمجتمع ـ بمعنى آخر هل اللغة يمكن أن تنمو ووتطور دون المجتمع الإنساني ؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد عند الوقوف كما ذكرت سابقاً عند النشأة والتكوين وقد ذهبتَ إلى المذهب الذي يقول بأن اللغة مرت بعدة مراحل ولم تكن هبة إلهية على طست من ذهب بل هي جهد بشري محض أليس كذلك ؟؟ وسوف أرجع لأفند هذا الاتجاه مرة أخرى ولكن دعني أسجل هذه الأفكار عن علاقة اللغة بالمجتمع :
    اللغة ظاهرة اجتماعية يكتسبها الإنسان من محيطه الاجتماعي وتخضع لشروط هذا المجتمع ومرتبطة بوجود هذا المجتمع وعدمه . ومعرفة أفراد المجتمع بلغة مشتركة تعزز علاقاتهم الاجتماعية وتقرب بينهم فهي مفتاح المعرفة وكذا الحال بالنسبة لشخص يجهل لغة المجتمع مما يؤدي لانعزاله وانطوائه على نفسه حتى يتعلم تلك اللغة وهذا دي سوسير مؤسس المدرسة الاجتماعية في الدراسات اللغوية الذي يقول(إن الكلام وظيفة إنسانية ، فالإنسان لا يولد في الطبيعة وحسب ، بل يولد في حجر مجتمع ، من المؤكد سيوجهه نحو تقاليده، فإذا وليد عن المجتمع الإنساني ، فإنه سيتعلم السير ، وتسلق الأشجار ، لكنه لن يتمكن من الكلام ) .
    واللغة أيضاً لها علاقة قوية بعلم الإنسان ، وعلم الاجتماع باعتبارها وسيلة نقل الثقافة الشائعة في المجتمع ، وهي نشاط اجتماعي باعتبارها نتاج العلاقات الاجتماعية .
    واللغة أيضاً لها علاقة بحضارة المجتمع فمتى ما انتشرت واتسعت هذه الحضارة اتسعت اللغة ( الإنجايزية كمثال) بسببب التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي والعربية باعتبارها وسيلة التواصل الروحي بين المسلم وربه في الصلوات والعبادات الأخرى والعكس كذلك إذا ضعفت حضارة أمة ضعفت لغتها وأصبحت حصراً على جنس متحدثيها كالعبرية مثلاً .
    وتسهم اللغة في الظواهر الاجتماعية ( القهر ) كما يسميه علماء الاجتماع وتفسير ذلك أن الظواهر الاجتماعية لها قوة آمرة فالمجتمع لا يسمح التحدث بالفصحى للعوام والدهماءالذين لا يفهمون دلالاتها ميال ذلك قصة أبي علقمة الثقفي المشهور باستخدام الألفاظ الغريبة الذي على الطيبب ليعالجه ... سأكمل القصة .
                  

02-20-2006, 06:13 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    الأستاذ عبد الرحمن الحلاوي

    أشكرك جزيل الشكر على هذه المتابعة اللصيقة التي فعلاً شعرت بها ، واسمح لي أن أعبر لك عن شديد امتناني لذلك .. وفي انتظار المزيد





    الأستاذ محمد الأمين موسى

    أنا في انتظارك متى عدت. وأشكرك على مساهماتك الثرة وعلى النقاش الموضوعي والذي بالتأكيد ساهم في إثراء النقاش أيما فائدة.

    ومزيداً من الوعي اللغوي

                  

02-21-2006, 00:01 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ المحترم / هشام لك جزيل الشكر على إتاحة الفرصة بالإدلاء ببعض الأفكار والآراء العلمية في هذا البوست الجميل وكم كنت من الأخ بكري أن يبوب هذا المنبر الحر إلى أبواب بحيث يفرد للمتأدبين باباً ليلقوا فيه رحلهم وكذا للساسة وأهل الفن والرياضة والدين حتى نخرج من مسألة البحث عن بوست يتناول موضوعاً علمياً بحتاً يشغل بال أهل الأدب دون سواهم ، وعليه سأواصل ما انقطع من عرض عن علاقة اللغة بالمجتمع وسأكمل قصة أبي علقمة الثقفي الذي اشتهر في زمانه باستخدام الغريب الوحشي فقد ذهب أبوعلقمة إلى طبيب يشكو إليه مرض ألمَّ به فقال له أمتع الله بك! إني أكلتُ من لحم هذه الجوازل، فسطئت طسأة ، فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأبة العنق ، فلم يزل يربو وينمو ، حتى خالط الخلب والشراشيف ، فهل عندك دواء ؟)
    فقال الطبيب : ( نعم ، خذ خربقاً وشافقاً وشبرقاً ، وزهرقه وزقزقه ، وأغسله بماء روت واشربه !! )
    فقال علمة : ( لم أفههم عنك )
    فقال الطبيب : ( كما أفهمتني أفهمتك )
    وحسب رأي علماء الاجتماع أن اللغة تتفاوت تبعاً لطبقات المجتمع ونوعية النشاط البشري وقد يؤدي التفاوت الطبقي إلى نشوء لغة سرية خاصة متداولة بين فئات اجتماعية مقهورة كلغة الخارجين عن القانون وأطفال الشوارع ( الشماسة ) ويبقى السؤال هل للشعراء والأدباء الحق في استخدام هذه الألفاظ في اللغة الأدبية ؟؟؟
    حدث هذا الصراع في مصر بين دعاة العامية كالأبنودي حديثاً ودعة المحافظة على اللغة الفصحى كطه حسين ومصطفى الرفاعي وغيرهم ونلحظ اختفاء كلمات كانت متداولة كلقب بك وباشا وصاحب العزة وصاحب الجلالة وذلك تبعاً للتغير الاجتماعي ، وفي فرنسا أيضا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أمثال مولير وفولتير ولامرسين وانتصر دعاة إدخال العامية في اللغة الأدبية .
    ويبقى لي سؤال آخر أخي هشام عن علاقة اللغة بالفكر الإنساني !! نرجو أن نسمع وجهة نظرك فيه
                  

02-21-2006, 02:21 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    فالإنسان الأول كان مثله مثل الحيوانات يسعى في الحصول على غذائه عن طريق الصيد أو الالتقاط وكان يعيش في كهوف وكان يخاف النار وكان يأكل اللحوم نية وكان لا يمتثل بالترتيب الاجتماعي ولا يعرف شيئاً عن التنظيم الأسري والعائلي ، فكان فقط يعيش في مجموعات بدائية جداً حتى أنه لم يكن يعرف أبجديات دفن الموتى أو حتى نظام التخلص من الفضلات ووووو إلى آخره من الأشياء التي أكتسبها الإنسان بمزيد من الاحتكاك بالطبيعة والتقليد. وفي الميثالوجيا الدينية نجد أن الإنسان عرف دفن الموتى عن طريق (الغراب) فأصبح يقلده في ذلك وتقول الآية (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) ومن المعروف أن علماء الآثار والباحثون الأنثربيولوجيون يعتمدون في بحوثهم وحفرياتهم على مدافن الشعوب وأدواتهم الإنتاجية والاستهلاكية في تقييم حضارتهم. وعلى هذا فإن هذا الكائن - الذي حتى علماء الإنثربيولوحيا لم يتفقوا على تسميته بالإنسان إلى في مراحله المتقدمة – كان كائناً بدائياً خضع لعمليات متتالية من التطور والرقي حتى وصل إلى مرحلة الكمال البشري المعقول الذي أهله ليصبح (خليفة الله في الأرض) فأصبح عارفاً لكيفية التعامل مع الطبيعية والتكيف معها وأصبح متمتعاً بملكات التفكير العقلي والاستنتاج والاستنباط والتحليل بحيث أصبح ينزع إلى الاختراع بدلاً من اعتماده على الموجودات المفردة من حوله. ومن هؤلاء البشر المتطورين اختار الله ( آدم ) ليكون أول هو صاحب رسالته الأولى لهذه البشرية. وبهذا التفسير فإنني أفرق بين الإنسان الأول وبين آدم غير أنهما من سلالة واحدة (البشرية) ونحن كذلك من تلك السلالة البدائية. وما هذه الحضارة التي نعيش فيها اليوم إلا امتداد طبيعي لسلسلة احتكاك الإنسان البدائي الأول بالطبيعية في محاولاته للتغلب على الطبيعة من أجل (البقاء) وحفظ النوع. وفي اعتقادي أن خلق البشرية لم يكن بتلك الصورة التي يفهمها الكثيرون من أنها كان عبارة عن تجسيد الله لطينة لازبة في هيئة بشر ثم النفخ ليصبح هذا الكائن عبارة عن صنم طيني متحرك. بل إن مراحل الخلق كانت أكثر تطوراً من هذا المعنى السطحي للخلق. وإصرار القرآن على أن أصل الإنسان من الطين ما هو إلا دلالة أن العنصر الأساسي المكون لهذا المخلوق هو الطين وهذا الطين بمكوناته الحيوية وعناصره المعدنية هو النواة الأساسية لهذا المخلوق. وإلا فكيف نفسر وجود اللحم والعظم والدم؟


    النقطة الثانية: لماذا نحن الوحيدون الذي اضطررنا للتقليد.
    من قال أننا الوحيدون الذين اضطررنا إلى التقليد؟ إن التقليد والمحاكاة في السلوك هو سنة طبيعية سارية على جميع المخلوقات الحية. فصغار الطيور تقلد أمهاتها في الطيران. وهنالك العديد من الأمثلة التي توضح ذلك. أما إذا اقتصر استفهامك عن تقليد الأصوات. فلك أن تعلم أن الإنسان يمتلك جهازاً صوتياً متطوراً لا يجود لدى بقية المخلوقات الحية. وهو – أي الإنسان – لديه قدرة كبيرة على التقليد لا سيما تقليد الأصوات مقارنة ببقية الحيوانات التي لا تستطيع إلا أن تقلد نفسها. وهذه واحدة من الميزات التي يمتاز بها الإنسان عن سائر الكائنات إضافة إلى أنه يسير على قدمين. فالإنسان حتى وإن وجد في بيئة تخلو من البشر فإنه وبمرور الوقت فسوف نجده يسير على قدمين رغم أنه لم ير أمامه مخلوقاً يفعل ذلك. على عكس اللغة التي يجب أن تتوفر لديه حتى يستطيع امتلاكها عن طريق المحاكاة والتلقين.



    النقطة الثالثة: كيف تعلم آدم اللغة؟
    أولاً يجب أن نتفق أن آدم وجود عارفاً للغة التي كانت موجودة من قبل أسلافه. ولكن كيف عرف هؤلاء الأسلاف اللغة؟ في الحقيقة لا أجد أمامي أي حقيقة علمية يمكن الاعتماد عليها لمعرفة كيف اكتشف الإنسان اللغة غير أن الميثولوجيا الدينية تقول (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة....) الآية. وهنا أتوقف كثيراً عن لفظ (علّم) فكيف كانت طريقة الله في تعليم البشر هذه اللغة؟ لا أعتقد أن الله سبحانه وتعالى قام بتلقين البشر اللغة تلقيناً مباشراً بل كان التعليم عن طريق توفير أدوات مساعدة. كيف؟ امتلاك الإنسان للعقل الذي هو أعظم نعمة وميزة يتميز بها الإنسان عن بقية الحيوانات هو كان المعول الوحيد في استطاعة هذا الكائن البدائي في خارجه على استنباط وسائل جديدة. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع الابتكار والاستنتاج والاختراع. ولقد مكن الله لهذا الكائن في عقله هذه القدرة التي لم تكن الملائكة تعرف به ولذا فقد استغربوا أن يجعله الله خليفة له في الأرض. والأسماء التي عرضها الله على الملائكة هي كل موجودات الكون: الأرض – السماء – الأشجار – البحار – الجمادات .... إلخ فالإنسان هو من أطلق عليها هذه الأسماء معتمداً على الميزة التي يملكها في تسمية الأشياء بأسمائها. وبهذا فلم يكن تعليم الله للإنسان عن طريق التلقين وإلا لانتفت حكمة الاختبار الذي أقامه الله لإثبات (أني أعلم غيب السماوات والأرض) ولو لاحظنا نجد أن الملائكة عندما طرح عليهم هذا السؤال قالوا (لا علم لنا إلا ما علمتنا) أي أنهم يعتمدون على الله في المعرفة وليست لديهم القدرة التي لدى البشر في الاستنتاج وفي التحليل وفي الاختراع فهم – أي الملائكة – مخلوقات غير متطورة كما البشر.

    أخي الفاضل هشام نهارك سعيد.. اسمح لي أن أعود إلى مداخلتك التي ناقشت فيها أصل اللغة ورددت في ثلاث نقاط.

    لقد قلت:
    Quote: ( آدم ) هذه الشخصية الدينية بعينها ليست أول هي أول البشرية بل إنما هو من نسل ذلك المخلوق الذي كان الله سبحانه وتعالى يتكلم عنه في حواره مع الملائكة. وذلك المخلوق الذي نتفق على تسميته بـ(الإنسان الأول) كان أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان بمعنى أنه لم يكن ذا وعي متطور إذ لم يكن بعد قد مر بتلك النقلات النوعية التي ساعدته على تطوير وعيه وسلوكه الاجتماعي.

    اعتقد أن هذا الرأي لا ينسجم مع ما جاء في القرآن الكريم والتفسير الديني لقصة سيدنا آدم. قال تعالى في سورة آل عمران: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكن)، لذا إذا كنا نعتقد في القرآن الكريم باعتباره المصدر المعرفي أكثر مصداقية، يجب أن نقر أن سيدنا آدم لم يكن من سلالة الإنسان الأول الذي تدثت عنه بإعتباره أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. وورد في قصص الأنبياء والحديث الشريف أن سيدنا آدم أعطي الحسن كله وسيدنا يوسف عليه السلام أعطي شطر (نصف) الحسن، وعندما تسأل لماذا الحسن كله يقال لك: لأن الله خلقه بيديه. قال تعالى في سورة الحجر: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)
    فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ)
    هذه الآيام أخي هشام تناقض قولك التالي الذي تنكر فيه أن الله خلق آدم من طين، وتعتقد أنه ابن لأحد البشر الذين تطوروا من الإنسان الأول.
    Quote: وفي اعتقادي أن خلق البشرية لم يكن بتلك الصورة التي يفهمها الكثيرون من أنها كان عبارة عن تجسيد الله لطينة لازبة في هيئة بشر ثم النفخ ليصبح هذا الكائن عبارة عن صنم طيني متحرك. بل إن مراحل الخلق كانت أكثر تطوراً من هذا المعنى السطحي للخلق. وإصرار القرآن على أن أصل الإنسان من الطين ما هو إلا دلالة أن العنصر الأساسي المكون لهذا المخلوق هو الطين وهذا الطين بمكوناته الحيوية وعناصره المعدنية هو النواة الأساسية لهذا المخلوق. وإلا فكيف نفسر وجود اللحم والعظم والدم؟

    ولا تنسى أن القرآن الكريم يصف الناس في أكثر من موقع بعبارة: "يا بني آدم". السؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا تعارضت فرضيات العلماء مع ما ورد في القرآن من قصص، هل سنأخذ بالقرآن الكريم أم بفرضيات العلماء وآرائهم؟؟

    تقول:
    Quote: وإلا فكيف نفسر وجود اللحم والعظم والدم؟


    ليس هناك ممن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى خلق الأشياء، يعرف الكيفية التي تمت بها عملية الخلق، كل ما نعرفه هو أنه تعالى عندما يريد خلق شيء فإنه يقول له كن فيكون. ولا أحد يعرف كيف خلق الله الذهب أو الأكسجين أو غيرهما من العناصر الأولية التي جمعها مندليف في جدوله واكتشف العلماء من بعده عددا آخر من العناصر.

    لقد قلت في النقطة الثانية، فيما يتعلق بتعلمنا للغة عن طريق أصوات الكائنات الأخرى:
    Quote: من قال أننا الوحيدون الذين اضطررنا إلى التقليد؟ إن التقليد والمحاكاة في السلوك هو سنة طبيعية سارية على جميع المخلوقات الحية. فصغار الطيور تقلد أمهاتها في الطيران.

    أنا لا أتحدث عن تقليد صغار الطير لأمهاتها، فهذا أمر بدهي، ولكن أتساءل هل ثبت أن الطير تعلمت لغتها عواء الذئات مثلا أو من صهيل الجياد أو أي نوع آخر؟ وحتى داخل مملكة الطيور هل تعتقد أن العصافير تعلمت من الرهو كيفية تغريدها؟
    وتذكر أخي هشام عندما يقول الله سبحانه وتعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" فهذا يعني أن الله وهب آدم المعرفة واللغة التي يستطيع من خلالها أن يعبر عن هذه المعرفة، ولا اعتقد أنه اكتسب هذه المعرفة من خلال تقليده لمن حوله أو احتكاكه بالبيئة المحيطة، لأن القرآن يقول إن آدم كان يسكن الجنة مع زوجه وليس مع مجتمع بشري يستطيع أن يتعلم منه. وقد نجد مثالا آخر عند نبينا وسيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، الذي قال عنه تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). فهناك اتفاق بين المسلمين على أن المعرفة التي كانت لدى سيدنا محمد لم تكن نتاج تعلم من البيئة المحيطة أو نتاج دراسة ممنهجة ومنتظمة، فقد كان أميا: (إقرأ. ما أنا بقارئ)، بل كانت هذه المعرفة هبة من الله ومعجزة، مثلما كانت معجزة سيدنا عيسى الذي حدث الناس في المهد.


    أما في النقطة الثالثة:
    Quote: أولاً يجب أن نتفق أن آدم وجود عارفاً للغة التي كانت موجودة من قبل أسلافه.

    فاعتقد أننا مختلفان في قضية أسلاف آدم. خاصة وأن القرآن الكريم يتحدث عن آدم ككائن منفرد وجد في مكان بعينه (الجنة سواء كانت في أرضنا أو في مكان آخر) وليس هناك دليل على وجود كائنات أو أسلاف. وفي الأثر الديني أن وجود الإنسان تم من خلال ثلاثة طرق: إنسان وجد من غير أب أو أم وهو آدم عليه السلام؛ وإنسان وجد من أنثى بغير ذكر وهو عيسى عليه السلام؛ وإنسان وجد من ذكر من غير أنثى وهي أمنا حواء؛ وإنسان وجد من ذكر وأنثى، وهم بقية البشر.

    ولك ألف تحية وتقدير.
                  

02-21-2006, 04:11 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: محمد الأمين موسى)

    الأخ محمد الأمين تحية طيبة وبعد
    أعتقد أن ما أوردته من دعاوى يعضد الرأي القائل بأن اللغة هبة من الله وأنا أناصر هذا الاتجاه لأن الله سبحانه وتعالى له غاية سامية من خلق الإنسان وهي خلافة الأرض وإعمارها فتعالى الله علواً كبيراً أن يعجز عن تزويد هذا الخليفة بما يعينه على التواصل ويدعه يبحث عن المفردة عن طريق الصوت POOH - POOH hأو YEH -HE -HAليكون مفرداته !! فهذا الرأي يجافي العقل والمنطق السليمين .
    ولي سؤال أرجو أن أجد فيه إجابة شافية منكم ومن الأخ هشام آدم وهو : هل اللغة العربية أصل اللغات ؟؟
                  

02-21-2006, 10:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    الأستاذ عبد الرحمن الحلاوي

    أشكرك جزيلاً على هذه الإضافة ، وحقيقة فإن مداخلاتك جميعها تتسم بالتجديد ، فكل مداخلة تحمل معها مداخل جديدة ثري هذا الحوار وتضيف إليه جوانب مضيئة جديدة. فيما ذهبت إليه من طبقية اللغة وعلاقتها بالنشاط المهني للإنسان فإنني أكاد أتفق معك حول هذه النقط بشكل مجمل. إلا أنني أفرق بين اللغة وبين الأسلوب اللغوي. وقبل أن أسهب في توضيح هذا الفارق أحيلك إلى المقالة الرئيسة في هذا البوست لتقف على مصطلح (طبقية اللغة) الذي أشرت إليه في معرض حديثي واستخدامه للعرج إلى نقطة (الترميز) الذي يستهدف طبقة معينة من المجتمع. ففي كلامي المشار إليه هذا تحدثت عن استخدام بعض الكتاب إلى أسلوب وتعابير لا يستهلكها إلا النخب المثقفة. لاحظ معي هذه التطبيقات:

    جملة أولى : صار الفرق كبيراً
    جملة ثانية : صار البون شاسعاً
    جملة ثالثة : الفرق كبير

    فإذا اعتبارنا أن النخب المثقفة هي إحدى طبقات أو شرائح المجتمع كالباعة والتجار والمزارعين وغيرهم فإن كلامك أعلاه سوف يندرج ضمنياً تحت (طبقية اللغة).

    ولكني هنا – كما قلت – أفرق بين اللغة وبين الأساليب اللغوية عينها ؛ بمعنى أن هنالك فرق بين لغتين مختلفتين من حيث القواعد والتراكيب واللغوية والدلالات المعنوية والصيغ وبين لغة بعينها قادرة على التشكل بناءً على الطبقية. فالميكانيكية مثلاً – كطبقة – لديهم – من خلال اللغة العربية مثلاً – تراكيب لا يستخدمها غيرهم ، إلا أنها لا تعدو كونها لغة عربية ، وكذلك طبقة المثقفين فهم يستخدمون ذات اللغة (اللغة العربية) غير أن استخدامها لهم مختلف. وهذا في حد ذات يطرح نقطة بالغة في الأهمية ألا وهي (مرونة اللغة) أو قابليتها للتشكل. ففي رأيي أن الإنسان بناءً على محيطه الإنتاجي واعتماداً عليه يمكنه أن يستفيد من ملكة الاشتقاق المتوفرة في اللغة نفسها. وملكة الاشتقاق هذه هي ملكة عامة متوفرة لدى الإنسان بصورة فطرية مثله مثل ملكة التفكير وملكة التذكر وملكة التخيل .... إلخ. وعليه فإننا لا يمكن أن نقول أن طبقة الصيارفة – مثلاً – يستخدمون لغة مغايرة عن لغة النجارين إنما نقول أن تعابيرهم اللغوية مختلفة أو أسلوبهم اللغوي ليس مطابق بيد أنهم يشتركون في نفس اللغة. الأمر الذي يجعلني أتساءل كذلك عن مفهومنا للغة. فمتى نطلق على الكلام المنطوق أو المقروء ( لغة ) إذ أننا نفرق بين اللغة واللهجة أيضاً فإذا كانت اللهجة متولدة عن اللغة ، وتنقسم في ذاتها إلى أساليب وصيغ فإنني أرى أن التعريف الأوضح للغة هو أنها: "مجموعة من التعابير والألفاظ المتفق عليها بين مجموعة أفراد تكون خاضعة لقانون نحوي ثابت معياري يحتمل القياس والاشتقاق". وإذا اتفقنا على هذا التعريف البسيط ، فإننا سوف نجد أن الفارق بين اللغة وبين الأسلوب كبير.

    وبناء على كل ما تقدم فإن استعارة طبقة معينة من تعابير طبقة ثانية يظل وارداً تحت شعار (التحايل اللغوي) ولكن السؤال الأهم – في نظري – هو: "ما الذي يدفع الشعراء والمثقفين أن يستخدموا تعابير سوقية إذا صح التعبير؟ لا أتكلم هنا عن ارتباط الشاعر أو المبدع بالبيئة المحيطة ولا مدى تأثره بتلك البيئة ، لأن مفهوم طبقية المجتمع الواحد تختلف عن مفهوم اختلاف البيئات. فلا يمكن مثلاً أن نعتبر الاختلاف بين طبقة المزارعين والتجار والحرفيين وغيرهم في مجتمع مدني واحد ، مطابق تماماً للاختلاف بين المجتمع المدني والبدوي مثلاً. أو الاختلاف بين لغة سكان الصحراء وسكان السواحل أو سكان المناطق الجبلية أو حتى سكان الأدغال. فهنا تدخل البيئة الكبيرة في تحديد وتشذيب اللغة المستخدمة. وهي بالضرورة تؤثر تأثيراً كبيراً في ذلك.

    أما عن النقطة الأخيرة التي تناولتها بالسؤال عن: علاقة اللغة بالفكر الإنساني. فإنني لا أرى ثمة علاقة وثيقة بين الفكر واللغة بينما أرى أن الصلة موجودة بينها – أي اللغة – وبين الوعي. على اعتبار أن الوعي أحد الروافد الأساسية التي تتشكل منها اللغة. أو بعبارة أدق: (الوعي مفرخة اللغة) فلا أتوقع أن تنشأ لغة من غير وعي. وكلما تطور وعي الإنسان كلما تطورت لغته بصورة طردية. حيث أن اللغة تخدم الفكر الإنساني وليس العكس. بيد أن الفكر قد يعمل على تحوير اللغة من خلال مروره بوعي الفرد أو المجتمع. ولا أدل من ذلك غير النقلة النوعية التي حدثت للغة العربية مع نشوء الفكر الإسلامي. فالفكر مثله مثل أي عامل من العوامل الخارجية يساعد على تطور اللغة عينها ولكنه لا ينشئ لغة جديدة أبداً. فنجد مثلاً أسلوب القسم في العربية قد تغير من (واللآت والعزى) إلى (والله) أو قولهم (السلام عليكم ورحمة الله) عوضاً عن (عمت مساءً) أو (عمت صباحاً) ومن ذلك نجد القرآن الكريم يحاول تغير بعض الألفاظ أو نسخها كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا أنظرنا) وهنالك أمثلة كثيرة على ذلك. والشاهد من ذلك كله أن الفكر قد يطور اللغة بمعنى أنه يغيرها ولكنه لا ينشئ لغة من العدم. ولكن الوعي هو الذي قد يفعل ذلك.

    أما سؤالك عما إذا كانت اللغة العربية هي أصل اللغات. فلن تجدي لدي غير إجابات قائمة على تخمينات ولكنها تظل غير معتمدة لأني ليست لدي معرفة بأنساب اللغات. ولكن كل ما أعرفه أن الكلام عن أصل اللغة يعني الرجوع إلى الجذور العميقة. وبالنظر إلى تاريخ العرب نجد أن تاريخهم – مقارنة بتاريخ اللغة نفسها – ليس عميقاً إلى درجة تجعلنا نتخيل أنها قد تكون أصل جميع اللغات الموجودة. وفي رأيي أننا يجب أن نعرف أصل الحضارات البشرية لنتأكد من ذلك. ومن المؤكد أن هنالك حضارات عديدة سابقة للحضارة العربية وهذا هو سندي الوحيد في دحض أن تكون اللغة العربية أصلاً لجميع اللغات الموجودة.

    أشكرك يا عزيزي على هذا النقاش ومزيداً من التواصل

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-21-2006, 10:47 AM)

                  

02-21-2006, 10:59 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأستاذ محمد الأمين موسى

    بالرجوع إلى مداخلتك السابقة والتي فندت فيها النقاط الثلاث الواردة في مداخلتي رداً عليك. فإنني أجد نفسي ما أزل أقف على طرف نقيض مما تذهب إليه. (مع احترام وجهة النظر دون شك) ولكي لا يكون الكلام على عواهنه فإنني سوف أتناول تلك النقاط مجدداً :


    النقطة الأولى: في مسألة خلق آدم
    أرى أن الفهم الذي تستند عليه في أن خلق آدم تم بالصورة الواردة في القرآن الكريم مقارب جداً لفهم الكثيرين ونزوعهم لفهم الحديث الشريف (كل مولود يولد على الفطرة .....) الحديث. وحملهم الفطرة على أنها الإسلام. غير أن الأمر ليس كذلك. فالفطرة هنا هي (التوحيد) وليس الإسلام. فكما أن الوالدين يهودان الطفل أو ينصرانه أو يمجسانه فإنهما يأسلمانه كذلك. وعلى كل حال فإنني ما أوردت هذا الحديث إلا للتدليل على أن فهمنا للنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية قد يكون من قبيل الأخذ بالمألوف وهذا – في نظري – فهم غير صحيح للدلالات اللغوية والمعنوية الواردة في هذه النصوص. كما أنني لا أشكك في قدرة الله على خلق آدم بـ(كن فيكون) ولكنه سبحانه وتعالى لا يقوم بشيء (معجزة) إلا بخطوات لها أصول من العلمية المنطقية التي قد تغيب عنا لمحدودية العلم الذي نمتلكه مقارنة بما عند الله. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن معجزة إمكانية إيجاد ماء عذب في وسط بحر مالح ، فهذا دون شك إعجاز إلاهي. ولكن لك أن تتصور كيف لو أننا اكتفينا بأن مثل هذه الظاهرة هو إعجاز إلاهي ولم نبحث فيه. فكيف كان لنا أن نكتشف (الخاصية الاسموزية) للسوائل؟ ألم يكتشف العلم أن هذه الخاصة تقوم على أساس علمي سليم؟ إن الله سبحانه وتعالى هو واضع العلم وهو واضع القوانين الطبيعية والمادية وهو من خلال معجزاته التي يريها لنا إنما يطلب منا أن نبحث فيها كي نكتشف وكي نستنير. فكما أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استولى على العرش ، وفي إمكانه أن يقول للسماوات والأرض (كونوا) فيكونوا. ولكن الله سبحانه وتعالى ليتنزه عن هذه العشوائية (رغم قدرته اللامحدودة) هو من خلق هذا النظام الدقيق ليعلمنا أن العلم لا يأتي هكذا خبط عشواء ولكي نظل في بحث دائم يقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). فالله خلق البشر من طين. وهذه حقيقة يثبتها القرآن الكريم ويثبتها العلم. ولكن كيفية الخلق هو ما يجعلنا نسأل: هل خلق الله سبحانه وتعالى آدم بيديه بالمعنى الحرفي لهذا السؤال؟ في اعتقادي أن الأمر لم يكن كذلك. فالله هيئ بقدرته المواد والعناصر الأولية التي وهبها الحياة وقابلية التطور والتدرج لتصنع كائناً حياً يتطور في ذاته تدريجياً في مدة في حساب الله ثم يصبح قادراً بعدها على أن توكل إليه المهام الجسام التي تحدثنا عنها في المداخلة السابقة. وإن صورة خلق الله لآدم لهي مقارنة جداً - ربما إلى درجة التطابق - لخلق الإنسان من ذكر وأنثى. فالإنسان أو الطفل يكون محض (نطفة) في رحم أمه لاحظ إلى أن النطفة عبارة عن مجرد سائل - ولكن توجد فيه بذرة الحياة المتمثلة في الحيوانات المنوية - فتجد هذه النطفة (الوسط الملائم) لتتطور وتنمو ثم تتشكل لتصبح هيئة ثم يخرج هذا الكائن لا يفقه أي شيء عن العالم الذي هو فيه ثم يبدأ في اكتساب المعرفة عن طريق التلقين من والديه وعن طريق البيئة المحيطة (الاكتساب). وهكذا تم بالنسبة لخلق آدم. فقد أوجد الله سبحانه وتعالى مكانة النطفة مواد حيوية أولية وهيئ لها الوسط الملائم الذي بدأت فيه بالتطور والنمو ومن ثم التشكل حتى أصبح هيئة. ولكنه ولأنه لم يكن لديه والديه يعلمانه ويلقنانه المعرفة فقد وهبه الله سبحانه وتعالى هذا العقل الذي يتميز بالقدرة على التحليل والاستنتاج والاستنباط وحفظ الخبرات. ولأن عملية التطور هذه لم تكن بمساعدة مباشرة نجد أن الإنسان احتاج لوقت طويل حتى يصل إلى مرحلة الوعي هذه. ويقول الله سبحانه وتعالى (ومن كلٍ خلقنا زوجين اثنين) وهذا ينفي ما يقال عن أن المرأة خلقت من ضلع أعوج وضروب هذا الكلام. فالمرأة والرجل ولدا على حد سواء في وقت واحد لأن وجود المرأة أو العناصر الأنثوية المساعدة في (التكوين) كانت ضرورة لتكون هذا الرجل فمن الضرورة أن نقتنع بأن الرجل والمرأة وجدا سوياً في وقت واحد دون شك. وإن استشهادك بقوله تعالى (إن مثل عيسى بن مريم .... ) يجعلني أسألك سؤالاً : مم خلق عيسى؟ وقبل أن تجيب عليك أن تنتبه إلى سؤالي فأنا لا أقول (كيف) خلق عيسى ، بل ( مم ) خلق ؟ و ( مم ) هذه التي أوردها الله سبحانه وتعالى في قوله (فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والتراب ...) إلى آخر الآية. وفي آيات أخرى يقول الله تعالى عن خلق آدم من طين لازب ومن حمئ مسنون. ولكنه عندها يتكلم عن الكيفية. إذا حتى الله سبحانه وتعالى يفرق بين مكونات الخلق وكيفية الخلق.


    النقطة الثانية: حول نقدك لمسألة التقليد والمحاكاة.
    أولاً دعني أعتذر لإدراجي شاهداً في غير موضعه في مداخلتي السابقة والمتمثل في قولي (تقليد صغار الطير لأمهاتها) فهو فعلاً شاهد لا يمت للموضوع بصلة. وإذا أردنا أن نعرف لماذا لم يقلد العصفور صوت الخيل والأسد صوت الفيل بينما يفعل الإنسان؟ فإن الإجابة على هذا السؤال وردت في أكثر من موضع. فالإنسان يتميز عن سائر الكائنات – خلافاً عن العقل القادر على حفظ التجارب وتخزين المعلومات والبيانات التي تساعد في نماء ملكة التقليد الإيجابية (أي بوعي) المتمثل في التقليد مع التعديل والتشذيب – بأنه يمتلك جهازاً صوتياً متطوراً لا يوجد لدى بقية الكائنات الحية. وبعض الكائنات يملك جهازاً صوتاً متطوراً ويملك القدرة على التخزين وحفظ التجارب فيقلد سلبياً أي (عن غير وعي) كالببغاء الذي يقلد ما يسمع بذات الصوت والنبرة والألفاظ. أما في ما ذهبت إليه بأن الله وهب آدم المعرفة واللغة فهذا الكلام خاطئ – في اعتقادي – لأنه لم يهبه اللغة بل وهبه القدرة على ابتكار اللغة. ودليلي على ذلك هي الآية الكريمة التي تقول (وعلم آدم الأسماء كلها) فإذا كان الله سبحانه وتعالى يتحدى الملائكة التي اعترضت على جعل هذا المخلوق - التي رأت أنه لا يجيد غير القتل وسفك الدماء – حيث قال لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) ووضع الله سبحانه وتعالى هذا الاختبار والاختبار متمثل في عرض بعض الموجودات على الملائكة – التي لم يهبها الله القدرة على الابتكار واختراع الأسماء واللغة – فما كان منهم إلا أن قالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) فما كان من هذا الإنسان إلا أن استطاع – بعد مدة يعلمها الله وحده من التطور – أن يطلق على كل شيء اسماً فقال لهم الله (ألم أقل لكم أني على كل شيء قدير) والشاهد هنا هو أن الله لو وهب الإنسان اللغة فإن العدالة في هذا الاختبار سوف تنتفي ويصبح الأمر كأستاذ يجري اختباراً بين فصلين ثم يكشف الإجابات لأحد الفصلين (فهل في رأيك هذا اختبار عادل؟) وهل عندها يكون للتحدي معناه الحقيقي؟ بالطبع لا. فالله لم يهب الإنسان اللغة وإلا فإننا كمن يقول بأن ذلك الاختبار غير عادل وتعالى الله علواً كبيراً عن ذلك. إنما وهبه فقط القدرة على الاستنتاج والاستنباط والتدليل والاختراع. وفيما ذهبت إليه من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإنني أرى أنك تخلط بين المعرفة الدينية للرسول والتي استحق عليها قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وبين المعرفة الدنيوية التي يقر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه ما هو إلا بشر يخطأ ويصيب فيما خلا جانب التشريع فإنما يؤتى العلم الشرعي بوحي من السماء بدليل أن يهود المدينة عندما سألوه عن الروح وعن الساعة لم يجب بل انتظر حتى أتاه الوحي فقال الله في ذلك (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) وقال (ويسألونك عن الساعة قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها) الآية. ولا أدري لماذا ربطت معرفته صلى الله عليه وسلم بمستواه التعليمي فالمعرفة قد يؤتاها الجاهل الأمي إذ أن المعرفة لا تعني بالضرورة التحصيل العلمي. بل إنها تأتي بالاحتكاك المباشر والمتواصل مع المجتمع ومع البيئة. ولا أظنك تنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخلو إلى نفسه في غار حراء كثيراً مما مكنه من التأمل في الكون وإحساس فلسفي أكثر لما يجري فيه من ظواهر كما أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً جيداً بمجتمعه عارفاً بما يحبون وبما يكرهون وهذا لا يتطلب مستوى محدداً من التعليم.

    النقطة الثالثة: عما تناولته من الطرق الثلاث للخلق
    فأعتقد أن ما ورد أعلاه قد يكون فيه تفسير لهذه النقطة.


    أشكرك

                  

02-22-2006, 00:58 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ الأستاذ هشام آدم
    تحية طيبة ، وبعد
    قرأت وبتمعن شديد ردك على ما كتبته لك بالأمس في هذا البوست القيم وإثراءاً للنقاش ولمزيد من الفائدة أردت أن أحليه بهذه الإضافات حتى يتمدد هذا البوست ليخدم قضايا اللغة من جميع الجوانب ولنخرج من هذا الحوار المستمر بنتائج تحول لمقررات عملية تنعكس على الخاصة والعامة وتخدم هذه الأجيال التي غيبت عنها المعرفة في السودان طيلت العقد ونصفه المنصرفين .
    أما بخصوص السؤال : هل اللغة العربية أصل اللغات فإذا أخذنا بالرأي الذي يقول أن اللغة هبة من الله حملها إنسان واحد وهو آدم عليه السلام ثم عمت وانتشرت وتشعبت ، ثم تكونت منها كل اللغات التي في الأرض وعليه هذه اللغة الأصل لابد من توفر شروط أساسية فيها حتى تصبح اللغة الأصل وهذه الشروط هي :-
    1- أن تكون هذه اللغة قديمة ومستمرة ( لم تندثر).
    2-أن تكون اللغات التصويرية التي سبقت اللغات الحديثة ، تحوي صفات وأسماء ومعان من هذه اللغة الأصل .
    3- أن تكون مفرداتها ومعانيها منتشرة في جميع أنحاء العالم وخاصة الأماكن التي يفترض أن الإنسان الأول عاش فيها .
    4- أن يكون فيها ما يدل على أسبقيتها ، وابتدائيتها ، وقدسيتها .
    5-أن تكون مرنة تقبل الاشتقاق .
    فلو أننا تناولنا هذه الشروط بالتحليل والمقارتة بين العربية واللغات الأخرى لوجدنا آلاف الكلمات العربية منتشرة في هذه اللغات .
    ننتظر تحليلك لهذه الشروط .
                  

02-22-2006, 09:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    الأستاذ عبد الرحمن الحلاوي

    تحية طيبة ... وأحيي فيك الروح النقاشية الجميلة التي تفرحني بها في كل مرة أجد فيها مداخلاتك. تفتح شهيتي للنقاش في هذا الجو الذي لا يدعو للحماسة الفكرية أبداً. ودون أن أسهب أكثر بما قد يصيبك ويصيب الموضوع بالملل فإنني سوف أدخل مباشرة لصلب الموضوع.

    عن أصل اللغات فبشكل عام أرى أنه لا بد أن ثمة لغة بدائية أولى – بالمعنى الاصطلاحي للغة – بدأ بالانقسام وهنالك دراسات كثيرة تشير إلى ذلك. بيد أن هذه النظرية تحتاج – في نظري – إلى مزيد من البحث والتدقيق إذ أن اشتراط صفات محددة للغة ما لا يعني بالضرورة ضمان إثبات أن هذه اللغة أو غيرها هي أصل اللغات. وأنا في ذلك أرى – مجتهداً – أن هذه الشروط التي أوردتها أعلاه ليست هي فقط محددات نسب اللغة. فمثلاً النقطة التي تشترط فيها عدم اندثار اللغة فإن هنالك لغات سابقة للغات الموجودة حالياً كانت مرتبطة بحضارات ضاربة في جذور التاريخية البشرية واندثرت ؛ فاللغة السنسكريتية والهرولوغوفية مثلاً لغات مرتبطة بحضارات أقدم من الحضارات الموجودة الآن ، وربما كان من المرجح اقترابها من أن تكون أصولاً للغات الموجودة. فأنا شخصياً لا أعتقد أن عدم اندثار اللغة دليل يرتبط بثبوت نسب اللغة إلى عصور ما قبل التاريخ.

    وبالمقابل فإن البحث عن نشأة اللغة ما يساعدنا في تحديد ما إذا كانت اللغة المحددة هي الأصل في بقية اللغات ، أو أنها اللغة الأم التي انبثقت منها بقية اللغات وليس الامتداد التاريخي لهذه اللغة. فقد تنشأ لغة في عصور أو حقب متأخرة وتتوفر لها ظروف تمنحها خاصية الديمومة فتبقى لفترات طويلة كلغة حية ، غير أن هذا لن يكون دليلاً كافياً نعزو إليه بأن تكون هذه اللغة هي أصل بقية اللغات التي قد تكون سابقة لها.

    وفي اشتراطك للغات التصويرية أن تحوي صفات أو أسماء من اللغة التي تفترض فيها أن تكون أصل اللغة ودلالة ذلك على أصالتها فإني – حتى أكون صادقاً معك – أتوقف كثيراً عند الفارق بين اللغات التصويرية (الرسومات والنحوت والنقوش) واللغات المنطوقة أو الملفوظة. ومما وجه من نقد للغة النوبية على سبيل المثال في دحض أن تكون لغة قائمة بذاتها وذات أصول وقواعد أنها لغة غير مكتوبة. ورغم أنني لا أتفق مع هذا القول في المجمل حيث ان اللغة النوبية لغة مكتوبة فعلاً إلا أنني قد استند على هذا المبدأ في القول بأن اللغة يجب ان تكون لغة متداولة لفظياً وكتاباً حتى تتسم بكونها لغة وإلا فإنها لا تعدو أن تكون وسائل تعبيرية لا أكثر ولا أقل. ولك أن ترجع لتعريفي للغة الوارد في المداخلة أعلاه. فيجب أن يتوفر شرطا الكتابية واللفظية في اللغة حتى نستطيع أن نطلق عليها لغة. ومن نافلة القول أن اللغة التي كان يستعملها الفراعنة لم تكن مكتوبة بل كانت لغة مرسومة وعلى هذا فإنني لا أرى بأن ثمة لغة تسمى (لغة فرعونية) رغم ما للفراعنة من حضارة لا تغيب عن الأذهان. وبهذا المفهوم البسيط كذلك فإنني أرى أن نسبة اللغة المتطورة بأركانها النحوية المعروفة إلى التعابير الرسومية التي لا ترقى لأن تكون لغة هو نوع من الظلم لهذه اللغة. وهذا كذلك يدفعني للسؤال التالي: هل أننا نعتبر كل المحاولات التعبيرية الصوتية والرسومية لغات ؟ أم أننا نبحث عن أول لغة ذات قواعد نحوية ثابتة وقابلة للقياس ؟ (لاحظ أن لفظ نحوية هو لفظ اصطلاحي وليس لفظاً أكاديمياً علمياً فعلم النحو نشأ بعد نشوء اللغة) وهنا أريد أن أضيف إضافة أرى بأنها على جانب من الأهمية. فعلم النحو – في اعتقادي – لم يقدم للغة الشيء الكثير. فهو إنما جاء بالتسميات الاصطلاحية لقواعد مطبقة أصلاً وأوضح دلالاتها النحوية. ولتوضيح ما أريد الوصول إليه: فإن (صيغة المفعول المطلق) في اللغة العربية كانت معروفة وكانت مستخدمة ولكن لم يكن أحد يكترث بتعريف هذه الصيغة بمصطلح نحوي. بيد أن العرب كانوا يستخدمونها في مواقعها الصحيحة وبتفعيلاتها الصحيحة فكانوا ينطقونها منصوبة دائماً كما هي القاعدة النحوية التي تقول بأن المفعول المطلق يكون دائماً منصوباً. وإن يكن شاهد على ذلك فليكن المثل القائل (وفسر الجهد بعد الجهد بالماء) وهذا بالفعل ما قام به علم النحو.

    أما بخصوص اشتراطك في اللغة الأم أن تكون ذات مفردات منتشرة ووجودها في بقية اللغات ولو بطريقة محرفة. فإنني أرى ما تراه وقد يكون ذلك إحدى الخيوط التي تساعدنا فعلاً في البحث وراء اللغات الأصلية. بيد أني أريد أن استثني اللغة العربية من ذلك ، ليس لشيء ولكن انتشار بعض المفردات العربية بصورتها المعروفة أو حتى المحرفة منها لا يدل على أصالة اللغة العربية بقدر ما يدل على أنها في ذات يوم كانت لغة العلم وكانت لغة الأمة الأقوى في عصر من العصور . ولا أظنك تنكر أن الأمم القوية تفرض لغة على الشعوب الأخرى. كما هو الحال بالنسبة للغة الإنجليزية اليوم رغم حركات التعريب التي يجتهد فيها القائمون على أمر اللغة العربية والمجمع اللغوي.

    أما عن اشتراط لقداسة اللغة فإنني لا أفهم أن تكون هنالك لغة مقدسة. رغم أنني أفهم أنك تقصد ارتباطها بدين سماوي أو كتاب مقدس. وفي ذلك فإن لي رأي أزعم به يتمثل في نقطتين. هما:

    أولاً: ارتباط أي لغة بأي دين لا يكسب اللغة قداسة الدين. وعلى هذا فإنني لا أرى بأسلمة اللغة كما لا أقول بنصرنتها أو بوذنتها فاللغة لا دين لها مثلها في ذلك مثل بقية العلوم الطبيعية والتطبيقية.

    ثانياً: حتى وإن اقتنعنا بقدسية الدين فما مدى علاقة ذلك بإثبات نسب اللغة إلى جذورها التاريخية؟ فأنت تعلم أن أول ديانة سماوية نزلت على وجه الأرض كانت بعد الحقبة التي وجد فيها آدم بآلاف وربما ملاين السنين وهذا يعني أن اللغة سابقة على الدين ولا يمكن ربط السابق باللاحق لإثبات العكس.

    أما فيما يتعلق بمسألة (المرونة وقابلية الاشتقاق) فهي – في نظري – ميزة حسنة فاللغة ولكنها ربما لا تدل على ثبوت نسب اللغة إلى جذور تاريخية ولا تفضي كذلك إلى تأريخية اللغة.


    وأنا في انتظار أن أسمع رأيك في ذات هذه النقاط



    أشكرك
                  

02-22-2006, 09:49 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    على سبيل التحية
                  

02-22-2006, 03:31 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبد الحميد البرنس)

    البرنس شخصياً .... يادي النور يادي النور


    أشكرك يا البرنس (يا عريس) على المرور وعلى المتابعة
                  

02-25-2006, 05:11 AM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ الأستاذ هشام آدم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    بهذه المداخلة الجيدة والتفنيد الذي قدمته لجملة الآراء والبحوث التي أردت أن أثري بها هذا البوست القيم لكل من له اهتمام باللغة لا يسعني إلا أقدم لك الشكر والتقدير فقد قدمت الكثير الجميل ويستحق هذا العمل أن يوثق لأنه نقاش علمي يضاف لرصيد هذا المنبر والقائمين على أمره وكم كنت آمل من الأخ بكري أن يقسم هذا المنبر إلى أبواب ومن بين هذه الأبواب باب للأدب والعلوم الإنسانية ، نتمنى ذلك .
    بخصوص الشروط المذكورة أعلاه والتي قمت بتحليلها ، فلي عدة وقفات منها ما يوافق ماذهبت إليه ومنها ما يخالفك الرأي على النحو الآتي :-
    دعني أطبق هذه الشروط على اللغة العربية ، اعتقد أن أول لغة تكلم بها آدم هي العربية لأن لغته كانت لغة أهل الجنة ولغة أهل الجنة ، هي اللغة العربية ، وكما تعلم أن أول بيت وضع للناس في أرض هو مكة وكلمة جدة مشتقة من جدة البشر ( حواء) وفي قصة هابيل وقابيل ( فقربا قرباناً) فكلمة قربان تشير إلى التقرب وهي لفظة عربية وكل اللغات السامية تشير إلى نفس المعنى .
    وقدم اللغة العربية هو قدم وجودي حي ، ينسحب على جميع الأزمنة فقد بادت اللغة اليونانية والفارسية واللاتينية وبقيت اللغة العربية مستمرة على حالها واللغةالعربية القديمة تربطها علاقات قوية باللغة المصرية القديمة وقد انبرى عالم الآثار المصري أحمد كمال باشا ( 1851- 1923) وله كتاب يعد مرجع لدارسي اللغات ( بغية الطالبين في علوم قدماء المصريين ) وكذا اللغة الهندية واللغة الأوغارتية ويقال أن الأوغارتية لهجة من العربية رغم قدمها 1900ق م!!، كذلك نجد الرابطة بين العربية والعبرية وأن هذه الأخيرة تطور للغة الفينيقية والأوغارتية ، كما نجد العلاقة بين السريانية والعربية وتعد الأولى تطوراَ عن الآرامية والتي تطورت عن الأكادية والمعروف أن أصل الأكاديين والآراميين من الجزيرة العربية وقد توافد هؤلاء البدو على الشام ، والعربية أقدم من السريالية آلاف السنين وكما يقول صمويل مرجليوت أن العربية امتدادها أقدم التاريخ .
    الشرط الثاني : تمام اللغة العربية فهي لغة تامة في حروفها الهجائية وفي صيغها التصريفية وقواعدها النحوية وصورها البيانية والبلاغية وأوزانها الشعرية وأساليبها الانشائية على نحو لم تأتي به لغة على وجه الأرض خذ مثالاً على عدد الحروف في الكلمة العربية ( يد) ففي الانجليزية أربعة حروف hand وفي الحروف مثلاً حرف العطف ( الواو) فيقابله بالإنجليزية ثلاثة حروف وفي الفرنسية حرفان .
    الشرط الثالث : قداسة اللغة : فهي لغة الوحي والأنبياء بدءاً من آدم الذي نزل في مكة وإبراهيم الذي أمره الله أن يؤذن في الناس فكان أذانه باللغة العربية الفصحي وإسماعيل جد العرب وإسحاق وانتهاءاَ محمد صلى الله عليه وسلم ، وتبلغ هذه اللغة منتهي قداستها في القرآن الكريم حيث أن الحرف مقدس وعظيم الثواب .
    الشرط الرابع : خلود اللغة
    وحيث أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فالله يحفظ القرآن ويحفظ اللغة العربية بحفظه قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
    الشرط الخامس : سعة اللغة ومرونتها
    المعروف أن عدد الألفاظ المستخدمة في اللغة العربية خمسة ملايين وتسعة وتسعون ألفاً وأربعمائة لفظة من جملة ستة ملايين وستمائة ألف وأربعمائة لفظ ، بينما نجد أن اللغات الأوربية لا تبلغ معشار هذا العدد ولن يستطيع أحد معرفة الرقم الكلي لألفاظ العربية فهذا دليل على ثرائها وسعتها وكذلك نجد أنها لغة إشتقاقية وهذا ما يميزها عن غيرها خذ مثلاً الفعل الثلاثي ( درس : يدرس : درساً : فهو دارس ودارسة : مدرسة ، مدرس ) وإليك الإنجليزية ( learn, lesson, teacher ,teach ,school) .
    وعليه فخلاصة الموضوع فالعربية هي الأصل وهي الأعرق وهي الأكمل وهي الأقدس وهي الأنفس وهي بحق أم اللغات ولها من السمات الخاصة أهلتها لتكون لغة القرآن الكريم .
    ويبقى السؤال الذي ينتظر ردك : هل يمكن إيجاد لغة عالمية واحدة يتفاهم بها البشر ؟ اصطناعية أم فطرية ؟؟
    وتقبل تحياتي
                  

02-25-2006, 01:02 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    عزيزي الأستاذ عبد الرحمن الحلاوي

    أشكرك جداً على هذه المداخلة القيمة جداً – كما هي عادتك – وفي البدء دعني أعرب لك عن عظيم فرحي بهذا النقاش الجميل رغم أننا نفتقد فيه الأخوة : الأستاذ محمد الأمين موسى والأستاذ عبد الله عقيد ربما لظروف ومشاغل. نسأل الله لهم العون.



    عزيزي فيما تناولته ، فكنت أعلم أنك تقصد اللغة العربية في اشتراطاتك الواردة في المداخلة السابقة. وأعلم وأقدر لك كذلك حبك لهذه اللغة. فهي لغة جميلة وسر جمال هذه اللغة في أنها تتيح لك مساحات واسعة جداً من التعبير. وبها ملكات لغوية قد لا نجدها في لغات كثيرة من اللغات الحية. كما أن لها ميزة قل أن توجد في لغة أخرى ألا وهي الميزة البلاغية. فلا بلاغة في أي لغة حية أخرى. وهذا ما يفسر لنا – ربما – اتساع بحور علم اللغة العربية وتشابك فروعها من: نحو وصرف وبلاغة وقواعد... إلخ.



    محاولاتك لربط بعض العناصر التاريخية لإثبات أصالة اللغة العربية هي محاولات بالجد مقدرة وجميلة إلا أنها ليست علمية فاستدلاك بعروبة كلمة (قربان) في القرآن ومحاولة ربطها بأصالة اللغة ، هي محاولة أعتقد أنها قد جانبها الصواب ، فالقرآن الكريم نزل – أصلاً – باللغة العربية وورود ألفاظ عربية ليس دليلاً على شيء. كما أن القرآن قد استعان بكلمات ليست عربية في كثير من المواضع إنما كانت كلمات أجنبية لها أصول إما فارسية أو رومانية وتم تعريبها. كما ذكرت في معرض حديثك قصصاً عن أذان سيدنا إبراهيم باللغة العربية الفصحى ولا أدري ما سندك لما أوردته وما صحة هذا السند. وربما غاب عنك أن اللغة العربية قد مرت في مرحلة من مراحلها التاريخية نوع مما تعرفه أنت باندثار الألفاظ.



    على كل حال فأنا أرى أننا نتفق على أن أصالة اللغة العربية من عدمها ليست هي محور القضية المثارة هنا. أما فيما يتعلق بسؤالك حول إمكانية إيجاد لغة عالمية مشتركة بين الشعوب فإنني – ورغم أني لم أفهم قصدك من كلمة "فطرية" الواردة في سؤالك – إلا أنني أعرف أن هنالك محاولات حثيثة لخلق هذه اللغة ، أو كي أكون أكثر دقة محاولة (اكتشاف) هذه اللغة. وربما تكون لغة الإشارة هي أكثر اللغات ترشيحاً في هذا المقام. ولا أخفيك يا عزيزي أن سؤالك فتح (فاتوحة) أخرى في هذا النقاش لندلف قليلاً على تلك الوسائل التي يطلق عليها (لغة) اصطلاحاً رغم أنه لا تكاد تتوفر فيها الشروط المعروفة للغة. فلغة الإشارة واحدة من هذه الوسائل التعبيرية التي يمكن أن تستخدم من قبل أي شخص في أي مكان في هذا العالم حتى في تلك المناطق البدائية التي لم يتطور فيها مفهوم ( اللغة ) ، كما أن هنالك لغة العيون ولغة تعابير الوجه ولغة الجسد بمختلف أنوعها : موسيقى ورقص وغيره. والفنون – كما تعرف – هي لغات عالمية يتعرف عليها الجميع دون الحاجة للترجمة.



    أما إن كنت تقصد لغة بالمعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة فإن هذا الأمر – في نظري – يتوقف على قابلية التاريخ على الرجوع القهقري للاستفادة من تجمع العائلات البدائية ومنع انتشارهم مرة أخرى. إذ أن تطور اللغة إلى لغات إنما نتج – في نظري – من انتشار الجنس البشري وبالتالي اختلاف بيئاتهم ومناخهم الذي أثر بصورة مباشرة على لغتهم وألسنتهم. وربما كنت تقصد بذلك ما ورد من حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن (كيفية الحساب) ووقوف الناس بين يدي الله والمحاسبة التي سوف تتم بين الخلائق وبين الله عز وجل (دون ترجمان) فيا ترى أي لغة في اعتقادك سوف تكون هي اللغة المستخدمة آنذاك؟ أم أنه سوف تكون هنالك وسائل روحية أشبه ما تكون بأجهزة الترجمة الفورية الحالية ولكن بصورة متطورة وغاية في الدقة؟ أترك لك الحديث عن هذه النقطة ، فليست لي ملكة روحية قوية للكلام في هكذا مقامات.


    أشكرك عزيزي
                  

02-25-2006, 11:23 PM

عبدالرحمن الحلاوي
<aعبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    الأخ الأستاذ هشام آدم
    لك خالص التحية والاحترام
    بخصوص لغة الإشارة كلغة عالمية هذه اللغة قاصرة على الصم وضعاف السمع وهي مجموعة إيماءات وورموز يدوية ، ويستخدمها كذلك أصحاب السمع السوي للتواصل مع هذه الفئة ، وتستند هذه اللغة على الأفكار أكثر من الكلمات ولا توجد مترادفات لهذه الكلمات وتعتد الحروف على أبجديىة الأصابع ، ولم تغفل اللغة العربية عن لغة الإشارة إذ وضعت 53 رمزاًيدوياً . وأميركا وبريطانيا من أول الدول سبقاً في هذا المجال .
    أما بخصوص اللغة العامة أو العالمية فيشكل المسلمون ربع سكان العالم فإذا رسخت في هذا الجزء من العالم في كافة جوانب الحياة فستكون تمهيداً لعالميتها قال تعالى ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون )
    ولي عودة
                  

02-26-2006, 08:43 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: عبدالرحمن الحلاوي)

    Thanks Mr. Abdulrahman
    &
    waiting for you
                  

02-28-2006, 02:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)

    Thanks all for sharing me this post


    it is closed post
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de