أموت فيها ..... تربية الماعز والضأن أنا كما قلت أكثر من مرة أنني أنتمي لأهل العوض ، ولا أعلم لماذا تركني والدي أسرح لسنين طويلة بين الداخليات والمدارس ، ولا أعلم كيف قبل أهلي في وقت مبكر أن أرتدي البنطلون والشورت الكاكي المسمى الردا والقميص الإفرنجي بدلا من السروال أبو تكة والعرّاقي . أمي لم تكن تهتم ، المسألة بالنسبة لها سيان ، أن أكون بالمدرسة أو بالمرعى ، وقد تفضل المرعى لأنه يمنح أهلي عوائد سريعة ومباشرة ، خاصة وأنها كانت ترى أن بقية أولاد القرية كلهم يشاركون أهلهم في الزراعة والرعي وترى إنتاجهم ، وتراقب زواجهم المبكر وإنجابهم الأبناء والبنات الذين تحلم بهم كل أم تنتظر أحفادها . أبي أرادني أن أكون زعيما كالأزهري ، ورفض دخولي الكلية الحربية لأنه يرى أن خريجيها ليسوا إلا حراسا للأزهري ، لكن عقلية الراعي والفلاح كثيرا ما تعاودني ، ويمكنني أن أعود بسهولة ويسر لثقافة أهلي ، وأن أنغمس فيها فلا تستطيع أن تفرق بيني وبينهم ، وهذا ما كان يعجب والدي ، لكنه لم يكن يرفضه علنا . الآن الحال يتغير ، الأولاد يذهبون للمدارس بأعداد أكبر ، يجدون تشجيعا من الأمهات والآباء ، وقد ينظر إليّ بعض أبناء أهلي أني قدوة أو ذروة يسعون لبلوغها ، وأنا بذلك لا أستطيع أن أخفي سعادتي . الخريجون بالقرية الآن كثر لكن لقدامى الخريجين وهج مستمر . لا أعلم لماذا يتملكني هاجس مستمر بأنني لابد أن أعود من جديد لمهنة الرعي ، منذ عرفت الإنترنت وأنا أبحث عن مواقع تهتم بتربية الأغنام ، بنوعيها الضأن والماعز ، تستهويني المسألة لدرجة أنها أصبحت هما دائما ، أتابع أخبار المطر ، العشب ، اللبن ، وأعشق رائحة السمن البلدي . أسأل عن أسعار المواشي واللحوم في الوطن وأقارنها بأسعار المواشي واللحوم في المنفى . أقدم دراسة جدوى أحتفظ بها هي لمزرعة تربية مواشي ، زرت هنا العديد من المزارع المتطورة والتي تعمل في مجالات عديدة ، ومن أهمها مزارع تربية الماشية . حضرت ولمدة أسبوع كامل نشاطا لشركة تعمل في مجال الأعلاف وكانت جلّ أعمال الأسبوع حول تربية المواشي ، فاتحت أهلي عدة مرات في أن أعود لأقوم بعمل مميز في تربية المواشي ، لكنهم في كل مرة لا يعطونني إذنا ولا يجيبون إجابات واضحة ، وينظرون إلى المسألة وكأنني سأعود في ثياب راع تقليدي لا فرق بينه وبين بقية الرعاة . الآن تقوم الدولة بتصدير اللحوم لكثير من الدول المجاورة ، لكن هذا التصدير المتزايد لا يقابله إنتاج متزايد ، فالرعي ما زال يمارس بصورة تقليدية في السودان ، المواشي تنتظر هطول الأمطار لتجد طعاما ، ولأن الله كريم فإن المطر ينزل والعشب يخرج على وجه الأرض . ويبقى جزء من العام لا تجد فيه ماشيتنا طعامها بسهولة ، فينهكها الترحال ويصيبها المرض فتتعرض للنفوق . بيطريا نحن لم نتقدم كثيرا ، طلابنا لا يتحمسون لدخول كليات البيطرة ، الجامعات لا تهتم بوجود كليات للبيطرة ، الرعاة أنفسهم لا يتعاملون مع البياطرة بصورة منتظمة ، والبياطرة أنفسهم ربما لا يستطيعون تقديم شئ للرعاة وقطعانهم ، الكثير من مواقع الإنترنت المهتمة بتربية الماشية تجعلك تقترب أكثر فأكثر من فكرة تبني مشروع تربية ماعز أو ضأن ، بساطة الموضوع ، وقلة تكلفته ، المتعة العائدة منه ، العائد المادي السريع ، التنوع في المنتجات التي ستحصل عليها ، الإلفة التي ستنميها مع هذه المخلوقات الوديعة . الكثير من المثقفين يعتبرون هذا جنونا ، ومنهم من يعتبره تخلفا ، ومنهم من يقول لك الدنيا كلها متجهة نحو التكنولوجيا وأنت متجه نحو حرف التخلف ، الرأسماليين أيضا كلما عرضتّ عليهم المشروع قالوا لك ابحث عن مشروع غير هذا وسندخل معك . هل سيأتي يوم أحقق فيه رغبتي ، وأجهز مزرعتي ، وأقدم دورات تدريبية للرعاة ، وأحفظ ملفات لأغنامي ، وأسجل تواريخ ميلادها ، وتاريخها الصحي ، وكميات إنتاجها من الألبان والصوف واللحم ، وأقيس مدى خصوبتها وإنتاجية المواليد ، ونسب النفوق ، وكمية الغذاء المطلوب ، وتجهيز رضّاعات ( بزز ) المواليد . هل سيأتي يوم أنشئ فيه مزرعتي التي يكون طاقمها من البياطرة ، وخريجي الزراعة ، والرعاة المتخصصين المدربين ، والعمالة الماهرة لعمليات الحليب والذبح والسلخ وقص الصوف ، هل يأتي اليوم الذي أمتلك فيه مختبرا متخصصا في صحة الماشية داخل مزرعتي . هل منكم من يستهويه هذا العمل ، هل منكم من يؤمن بأن هذا العمل يستحق الالتفات له ، وأنه يستحق الإنفاق ، وأنه مجال طيب للاستثمار . ؟ هل من شركاء ؟ هل من أفكار ؟
11-21-2003, 10:18 PM
Abureesh Abureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182
اخي الكبسور ود قاسم، كل عام وانت بخير، واسال الله ان يحقق امانيكم بما فيها ان تسرح ذات عام مع اغنامك في بادية واسعة وفلاة خضراء هادئة ومعك المزمار وراحة البال ونعيم الدنيا والاخرة، والاحساس بالانتماء للارض والتحرر من عبودية الموظفين في الارض "الرق الحديث" والعيش وسط النناس الطيبين والموت وسطهم، بعد عمر مديد ان شاء الله، وانه والله حينئذ لعرس..
الطريف ان عندي نفس الحلم منذ امد بعيد، ولكني اقرب الى الحضارة منكم ايها الكباسير لاني اريد ان اعمل بالزراعة، فانا احبها كثيرا، والخضرة والماء تعطيني احساس غريب بالاكتفاء والفرح والراحة النفسية وحتى البدنية رغم مشقة العمل. وللاسف الزراعة في السودان لا تلقي الاهتمام من احد، فالحكومة تحاربها بالضرائب والرسوم والتضييق على المدخلات، وقلة الاهتمام بتطويرها ونشر التعليم والارشاد الزراعي والوعي باهمية الزراعة. والاطرف من ذلك ما ذكرتم من استخفاف المثقفين بها بل احتقارهم اياها كمهنة واحتقار ممتهنسها، ولا ادري كيف يكون المرء مثقفا وهو لا يدري ان الدنيا كلها تقوم على الزراعة: الصناعة نفسها تقوم على الزراعة في الغالب الاعم، وبالطبع كل الغذاء والملابس ومواد البناء وغيرها. باختصار لا حياة بلا زراعة، ولكن المجتمعات البشرية عاشت طويلا بدون صناعات حديثة وبدون وظائف، الصناعة الحديثة مع ما انجزته من تسهيل وتسريع لكل شئ لكنها حملت معها بذور الدمار، دمار البيئة ودمار الانسان والموارد والاقتصادات الخ. والمثقفون يربطون بين الزراعة وغيرها من الاعمال اليدوية، وبين الامية والتخلف والعقلية الرجعية. وقد قرأت من قال، واظنه حسن نجيلة او شخصا اخر معاصر، انه رأي الكبابيش في صحراء الجزو مع ابلهم، يسكنون لا الخيام حتى، وانما ظهور الضوامر في رحيلهم الابدي، وفي مخلاة احدهم زاده، وفي الاخري: كتبه وراديه!! يتابع اخبار فيتنام وانقولا والاتحاد السوفيتي في تلك الصحاري المعزولة المجهولة، ويقرأ همنجواي وبوشكين ونادين قورديمر في بلاد اهل المدن فيها اشباه اميين لم يسمع الجامعيون منهم عن هؤلاء.. قال مثقفين قال..
الطريف الاخر اننا لاحظنا في اوروبا وامريكا ان الزراعة هي الاهتمام الاول للدولة والمواطن، فكل الاقتصاد من صناعة وخدمات وانتاج مختلف، توجه لخدمة الزراعة والمزارعين، والاتحاد الاوروبي مثلا يقدم اكثر من نصف ميزانيته السنوية وهي مليارات عديدة لو تعلمون، لدعم الزراعة والمزارعين كي لا يهجروا المهنة لقلة العائد ويتجهوا للوظائف الاخري. يعني الاهتمام بالزراعة ليس لعائدها الاقتصادي البحت وانما لغرض اكبر واهم هو حيويتها للمجتمع والبيئة واستراتيجية الاكتفاء الذاتي من الغذاء واليد العاملة وللارض الخ. وامريكا تستمد الكثير من سطوتها الاقتصادية، ووبالتالي السياسية والعسكرية، ليس من الصناعات كما يعتقد البعض، والا لكانت اليابان هي الدولة الاعظم، وانما من المنتوجات الزراعية، فالقمح الامريكي وحده يضمن لامريكا السيطرة على بلدان كاملة مثل مصر والسعودية وحتى روسيا، وما قصة ايطاليا في الحرب العالمية ببعيد.
غايتو يا ود قاسم لو لقيتني بعد سنين قليلة حاملا طورية وفاسا ومتجها عند الفجر، وانا اغني بصوت عال، نحو المزرعة فلا تستغرب. لقد رحلت وجيت وفي بعد الزراعة لقيت كل الارض منفي. وبالمناسبة المزارع من القلائل الذين لا يعانون من مرض العصر: الاكتئاب، ولا من مرض الاغتراب عن العمل وناتجه، الذي تحدث عنه ماركس. ولا يضيع وقته في الشمارات والكلمات المتقاطعة مثل "المثقفين" ولا يعرف الجدل البيزنطي ولا التنظير الاجوف. ولا ياكل من عرق احد غيره!
وكل عام وانتم بخير، وكل اهلنا الرعاة والمزارعين..
11-22-2003, 10:11 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
ود قاسم تحياتي أنا شخصيا جاهز بعدة رؤوس من الماعز و الضأن التي تهتم بها شقيقتي في أقصى الشمال بمعاونة أحد الرعاة و لا أدري كم هو العدد بالظبط المهم أنا جاهز بأسهم لا يستهان بها و يلا همتك
11-22-2003, 11:19 AM
إسماعيل وراق إسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391
أخي ودقاسم حديثك فيه ذكريات لها شجن ونكهة خاصة، مهنة الرعي هي مهنة خير البشر صلى الله عليه وسلم، وفي السودان لها طقوسها الخاصة، كما قال لك أخي الصاوي يا كبسور، من من جيل هذا الزمن يعرف معنى كبسور، ومن منهم يعرف السرحة والسربة. أما دخول المثقف لهذه المهنة، فإني أرى لا غرابة في ذلك، بل بإمكانهم نقل الرعي من مفهومة التقليدي إلى المفهوم الحديث. كنت قبل سنوات أجالس الدكتور فضل الله على فضل الله يرحمه الله، وهو مثقف سوداني أصيل وأستاذ جامعي عمل في عدة جامعات أمريكية وعربية، كان يتحدث معي بأنه لا يجد راحة إلا عندما يعود إلى بادية أم بادر يجالس أهله الرعاة الرحل ويرعى معهم الإبل، وقال لي أنه دائماً ما يهرب من صخب المدينة إلى وداعة البادية وهدوءها. ختاماً أتمنى لك حياة موفقة يا كبسور ونحن عندنا باقي غنيمات ممكن نلمهم معاك.
11-22-2003, 03:03 PM
ودقاسم ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
الحبيب اسماعيل لك التحية تعرف يا اسماعيل الرعاة ديل ناس منتجين وسعيدين ، هم ينجزون كل يوم لبنا إضافيا ولحما غضافيا وصوفا إضافيا ووووو وهم سعيدين لأنهميمضون حياتهم ببساطة شديدة ودون أدنى تعقيدات ، أهم شئ عندهم أن يجدوا غذاء وماء لمواشيهم ، وهي تمنحهم كل ما يشتهون . الكبسور والعفّان والصرار والمحويب والمخلاية والكرباج ، السربة السرحة الضحوة والضهرية والمقيالة والبخسة والحلابة والسعن والفرصة والقاشيد واللبن المجبن والروب والرايب الرضيع الصخل العتود العناق العنز الجذعة رباع السديس الكبش التيس المتلابة الشايل حاجات وحاجات ، وتعرف يا اسماعيل أولادي بيعرفوا أنو في فرق كبير بين اللبن في السعودية واللبن في امدرمان واللبن في الحلة ، فرق شاسع يا ود وراق . تصور يا اسماعيل السودان صاحب أكبر ثروة حيوانية في العالم العربي ، لا ينتج حليبا إلا بالطريقة التقليدية ، والجبنة غير موجودة في كل بيت وتنتج بطريقة تقليدية ، وانت سيد العارفين ، اللحوم أيضا تنتج بطريقة تقليدية ، الصوف ، الجلود وغيرها من المنتجات كلها لا تستطيع أن تتطور .
11-22-2003, 03:22 PM
Alrayah Senhuri Alrayah Senhuri
تاريخ التسجيل: 10-25-2003
مجموع المشاركات: 423
انا شخصيا موافق اجى معاك ب بى شروط ومانى مستعد ارجع مرة تانية بالطريقة التقلدية للجرى ورا الغنم.
اولا لازم الغنم يكون عندهن تايمتيبل محدد ما يمشن ويجن على كيفن. تانيا لا زم كل غنماية يكون مربوط فى رقبتها الكترونك استيكر عشان احدد مكانها وما اقوم اتجارا هنا وهناك افتش وين زاغت. ثالثا كل بيبى لازم يدخل كورس تدريب عشات يتدرب على مواعيد الرضاعة والحليب وكدا. رابعا الموبايل مهم للاتصال بين لرعاه من امثالى فى البادية. خامسا لازمنى لابتوب عشان اقدر اعرف احوال الطقس ومتى اسرح ومتى اعود.
انه حقا مشروع رعى الكترونى
فى طريقى الى ايرلندا لفت انتباهى المساحات الشاسعة من الاراضى الخضراء دون ن يكون اى اثر للزراعة
سالت عن السبب وكانت الاجابة ان الاتحاد الاوروبى يعطى المزارعين دعما ماليا مقدرا حتى لا يزرعوا.!
11-22-2003, 11:28 AM
ودقاسم ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
أبو جهينة شريكي كل سنة وانت طيب إذن الرعي ليس مهنة لأهل العوض وحدهم ، هو مهنة قومية . تعرف يا أبو جهينة الامريكان والأوربيين أعلوا كثيرا من قيمة مهنة الرعي والزراعة ، وقد أشار أخونا الصاوي لذلك في مداخلته ، ولو بحثت مثلي في الإنترنت ستجد مواقع متخصصة في الرعي ، مواقع للجامعات والشركات والأفراد ، وستجد نفصيلا دقيقا لعمليات الرعي ، وبعض الأفراد يحكي تجربته كاملة من أول غنماية وحتى أصبح مالكا لقطيع ، أحي أختك في أقصى الشمال ، وقل لها أن تستعد للشراكة .
11-22-2003, 10:59 AM
ودقاسم ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
شقيقي الصاوي كل سنة وانت طيب والله واقع الزراعة ونظرة المثقفين إليها يؤرقني ، وهي توأم الرعي عندي وهي عصب كل حياة سواء كانت متخلفة أو عصرية ، وقد عملت فيها منذ صغري ، تيراب ، وزراعة ، وشتل ، وحش ، وقطع عيش ، ولم لوبيا ، ولقيط قطن ، يعني ما خليت حاجة ، وامتلك حواشة في الجزيرة ، وربما أصبح عضوا في اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل يوما ، لكن من يستمع إلينا ، حكومة الإنقاذ ، الله لا ينقذها من عواقب شرها ، قتلت القائم من مشاريعنا وعطلت بناء أي مشاريع جديدة وأرهقت كاهل الفلاحين بالضرائب ، فداهمتنا المجاعة ، وانتقل أهلونا ليعيشوا على هامش الهامش في المدن التي لم يتسع هامشها حتى لأهلها . أهلا بك الصاوي ولنتكامل رعاة وزراعا من أجل انتاج الغذاء لشعب السودان ، ومن أجل البيئة ومن أجل العيش الحلال .
Quote: طلابنا لا يتحمسون لدخول كليات البيطرة ، الجامعات لا تهتم بوجود كليات للبيطرة ، الرعاة أنفسهم لا يتعاملون مع البياطرة بصورة منتظمة ، والبياطرة أنفسهم ربما لا يستطيعون تقديم شئ للرعاة وقطعانهم
هذا الكلام مهم ليس على نطاق البيطرة والزراعة فقط، وانما على نطاق التعليم والتدريب كله. ان العقلية السائدة حاليا خطيرة جدا، ويدعمها غياب كامل لسياسات من الدولة تساعد على اصلاح المناهج والتعليم والتدريب وهيكلة التعليم كله. للاسف كل الاباء يريدون الان اي يدرس اولادهم الجامعة وكأنها هدف في حد ذاته، وبالتحديد كليات مثل الطب والهندسة. والغريب ان الدول المتقدمة عكس هذا تماما، يعني نحن اقرع ونزهي على قول المصريين، في الدول المتقدمة يذهب اقل من 5 في المائة من الطلاب للجامعة، حيث يذهب، في هولندا مثلا، 25 في المائة الى سوق العمل مباشرة بعد الثانوي، في شكل عمال غير مهرة في السوبرماركتات وشركات التنظيف وكعمال مخازن وعمال زراعيين الخ. ويذهب 35 في المائة الى المعاهد المهنية ـ التي هي بالمناسبة معدومة عندنا تماما بعد الغاء المعهد الفني وتحويله الى جامعة السودان ـ حيث يدرسون المهن من محاسبة وهندسة ومباني وكهرباء ونجارة وتقنية الاجهزة الالكترونية والماكينات بانواعها وهي قوام سوق العمل والصناعة والانشاءات وكل شئ، ويشمل هذا العمال والفنيين الزراعيين المهرة. ويذهب عدد مماثل الى التدريب المهني، وهي كليات موجودة في جميع المدن والمحافظات، حيث يتلقي الطلاب تدريبا حرفيا متطورا ولكن لمدة اقصر من المعاهد الفنية "البوليتكنك" ويتخرجون عمالا مهرة كمساعدين وقد يترقي الواحد منهم فيما بعد فيصبح بنفس مؤهلات خريج المعاهد الفنية. الذين يدخلون الجامعات هنا اعداد قليلة واستثنائية وهم ينحصرون في الراغبين في دراسات نظرية متقدمة جدا في مجالات الاقتصاد والادارة والهندسة. او في مجال مهنتي القانون والطب. اما المهندسين "العديلين" فهم خريجو البوليتكنك!! وكذلك يتوجه اغلب الخريجين الجامعيين الى العمل في مجالات البحث العلمي ومراكز التطوير والبحث، في الصناعات المتطورة كالطائرات والسيارات والاجهزة الالكترونية، اما هندسة الانشاءات والمباني والهندسة المدنية والميكانيكية عموما فهذه هي تخصص المعاهد الفنية! توجد في هولندا كلها كلية واحدة للطب البيطري "يكونوا محتاجين لثورة انقاذ تعمل ليهم جامعات ، المساكين!!" وجامعة زراعية واحدة. ولكن توجد بها 33 مدرسة زراعية عليا اي معهد فني، تدرس بها جميع فنون الزراعة والانتاج الحيواني، بجانب التدريب المهني الذي لا يحصى! وهولندا هي ثالث اكبر مصدر ومنتج للحاصلات الزراعية ومنتجات الحيوان في العالم، علما بانها اصغر من مساحة ولاية الخرطوم، وسكانها نصف سكان السودان ولذلك بها اعلى كثافة سكانية في العالم!
يجب ان تتغير عقلية الناس عندنا والطلاب والاباء خصوصا. اولا الدراسة الجامعية ليست هدفا في حد ذاته. تانيا هي ليست لكل من تخرج من الثانوي لان لها متطلبات مختلفةويجب ان تكون عالية جدا، وليس من الانجاز ان نقول اننا تمكنا من استيعاب جميع الناجحين في الجامعات. هذه نكتة سخيفة! ثالثا اذا كان الهدف هو ضمان المهنة والدخل المحترم، حتى في خارج البلاد، فليعلم الجميع ان المهن المطلوبة في كل سوق والتي تضمن دخلا حقيقيا وعاليا هي الحرف، مثل الميكانيكا والكهرباء والنجارة والحدادة والمباني بكل انواعها وكل الصنايع. اما ان تكون عندك شهادة من جامعة سقط لقط في الاداب او التاريخ او اللغة العربية او غيرها من المواد، فهي علوم على اهميتها، لا يحتاجها سوق العمل، ولا يحتاجها بهذه الاعداد المهولة، انما يحتاج منها القلة العبقرية المتفوقة التي نستطيع ان ننفق عليها بتركيز لتتفوق فيها وتستطيع ايجاد موقع فيها، نحتاج لعدة بروفسر عبد الله الطيب وابو سليم والقدال وبشري الفاضل، ولكن ليس بالالاف لان ذلك ببساطة مستحيل، ولا يخرج امثال هؤلاء الا نادرا، ولا يستوعب السوق سوى القليل منهم. ولكننا بحاجة لالاف الصناعيين والزراعيين في كل مجال. ولا اعني هنا ايضا مجرد حملة الشهادات النظرية في هذه المجالات، انما اعني اشخاصا مؤهلين لممارسة عمل معين بطريقة منهجية مدروسة، فعندنا للاسف الاف من "الصناعيين" الذين حرموا من التعليم فذهبوا للورش لكي يكسبوا عيشهم ولكن للاسف على حساب الاتقان والمنهجية التي لا بد منها لتطوير العمل وتجويده، بينما الاف الشباب المؤهل عقليا سار في درب التعليم النظري، حتى الزراعيين منهم مثلا، ولم يلموا بالمهارات المطلوبة لممارسة مهنة حقيقية مطلوبة في الواقع. ومن هنا عبارة ودقاسم بان بعض البياطرة قد لا يقدمون للرعاة شيئا.
من ومتي سيقوم بهذا الواجب التاريخي الهام الذي بدونه لن ينصلح حال البلاد ولا الناس؟؟ من سيقنع الاباء والطلاب ان يتجهوا لدراسات مهنية قصيرة وسريعة ومضمونة الوظيفة وعالية الدخل ومضمونة في كل البلدان؟ ان من يعرف تصليح التلاجات او رصف البلاط او كهرباء السيارات او سمكرتها او يعرف بناء الطرق او الحوائط، او يتقن تركيب الماكينات وصيانتها، هو شخص مؤهل للعمل في كل مكان في العالم، وهي وظائف مطلوبة دواما تعج بها الاعلانات. ولكن من يقرأ؟ من يفكر ويتأمل؟ من يسأل نفسه اسئلة ذات معني قبل ملء اورنيك التقديم للجامعات للحاق بركب الجامعيين العطالة الجاهلين؟؟!!
المشروع بالطريقة التي تفكر فيها يا ود قاسم ناجح تماما. لسبب بسيط هو ان نجاح المشاريع لا يقوم فقط على عوامل "الهبر" وال "الضربة" وال "الفرصة" التي تعني حاليا استغلال السلطات والمحسوبيات والوسائل اياها لبلوغ النجاح. بل هو في الحقيقة في الذهنية التي يفكر بها صاحبه، وهو في الطريقة الجديدة والمدروسة التي يعمل بها، وهي في دراسة الجدوي او البزنس بلان التي يضعها صاحب المشروع بناء على معطيات واقعية ماخوذة من دراسات السوق وانماط الانتاج والاستهلاك، واظنك فعلت كل هذا بدقة، ببساطة لان هذا مجال تخصصك قبل كل شئ. وببساطة لانك تفكر في الاتجاه الصحيح، وتري المعوقات المتوقعة بوضوح، وترسم الحلول بطريقة عملية محددة. الذين لا يفكرون هكذا سيرون فيه مشروعا فاشلا، ولكنك تغكر بطريقة هي اقرب للصواب، بساطة لان هذا شئ يسعدك العمل فيه. صحيح، لو اردت الهبر، فقم باستيراد اي حاجة، ان شا الله بيض هندي، وبالتلاعب مع ناس الجمارك والاسواق وناس السلطات، تبيعه في يوم واحد وتكسب ملايين. ولكن ليس هذا هو هدفك، اذن فامض على بركة الله، ونحن معك بالدعوات الصالحات، حتى اذا قام المشروع فنحن معك بالجهد العملي: كلما ذبحت خروفا اكلناه معك! وكلما جهزت باقة سمن جاءك اهل العوض يريدون قزازتهم منها وكلما انبت برسيمك جئنا نطلب ربطة منه لحمارنا!!
الاخوة المشاركين لكم التحية فكرت أن يكون عنوان الموضوع فقط ( أموت فيها ) لأجذب أكبر عدد من القراء ، لكني فضلت أن أضع عنوان بكامله لقياس مدى جدية الزملاء البورد وخاصة المتخصصين وأصحاب الهواية والمنتمين إلى المجموعات الرعوية والزراعية ، وأعتقد حتى الآن المسألة ناجحة لأنها جذبت الكثير من المشاركين الجادين ، عندي تجربة حقيقية لأحد أقاربي مستمرة منذ ما يقارب خمسة عشر سنة ، سألخصا لكم في مداخلاتي القادمة . ولكم التحية
11-29-2003, 11:13 AM
ودقاسم ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
في منتصف الثمانينات ونحن جلوس في مزرعة في أطراف الرياض ، كنا نستقبل إحدى عرائس منطقتنا التي جاءت لتلتحق بزوجها في الرياض - الآن أولادها على أعتاب الجامعة - وفي تلك الجلسة كان يدور حديث حول فشل الصفوة في إدارة البلاد ، وكان النميري لايزال هو القائد الملهم ، فوجه لي أحد الجالسين اتهاما مباشرا يقول فيه أن الاقتصاديين هم الذين فشلوا ، لكننا نجعل السياسة شماعة لمشاكلنا ، وتساءل المتحدث ، أين التخطيط الاقتصادي السليم ، أين المشاريع ، وقد تحاورنا حول العلاقة المتشابكة بين الاقتصاد والسياسة ، وكيف أن كلاهما يتأثران بالأوضاع الاجتماعية السائدة ، وكان يجلس جواري أحد الأقارب وقد عاصرني في المراحل الدراسية المختلفة ، وتخرج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم في نهاية السبعينات ، ثم التحق بالغربة ليعمل مترجما في إحدى الشركات الأمريكية وبرايب كبير . مال هذا الأخ ناحيتي وسألني عن ما الذي يمكن أن يستثمر فيه من يريد الاستثمار في ظروف السودان في تلك الفترة ، فقلت دون تردد ، الرعي والزراعة ، فاستغرب الجالسون ، لأنهم كلهم قادمون من مناطق رعوية وزراعية ، والرعي والزراعة لم تمنح أهليهم عائدات تذكر . فبدأنا الحديث عن تطوير الرعي وإدخال بعض التحسينات على الظروف المعاصرة ، توفير الغذاء للماشية طول العام ، تطوير الحظائر ، توفير الرعاية الصحية ، توفير اليد العاملة المدربة ، التعامل مع المهنة بأصول تجارية . وتناقشنا كثيرا في الموضوع ، وضاق بالنقاش بعض الموجودين ، وقال بعضهم ، والله لو علموكم في الجامعات أن الرعي مهنة جيدة فإن على الحكومة أن تغلق تلك الجامعات ، فاقترحت على محدثي الرئيسي أن يزورني في البيت لنواصل الحوار في الموضوع ، زارني الرجل عدة مرات ، حسبنا وكتبنا ، واقترحنا ، ونظرّنا ، واقتنع الرجل بفكرة تربية المواشي . ثم استمر في الغربة سنتين أو ثلاث ، جمع فيها ما جمع من مدخرات - وقد عرفته حريصا - ثم انطلق إهله ، لا ليتمطى ولكن لينشئ مزرعة لتربية الماشية ، أقام الرجل حظائره واشترى شاحنة خفيفة ، وسيارة ( بوكس ) لاستخدامه الخاص ، وانزوى في القرية يعمل بجد ، وحتى أنه لم ينفذ كل ما اتفقنا عليه ، لكن الرجل في فترة قصيرة جدا حقق نجاحا كبيرا ، واستمر في عمله ، يسمّن ويربي وينتج ويعلف ويخزن الأعلاف ويستعين بالرعاة ، ودخل إلى السوق بائعا ومشتريا ، والآن هو لايبيع بالقطاعي إنما فقط يتعامل مع تجار الجملة ، يأتيه التجار من مختلف المدن فيبيع لهم من ماشيته ، وهو الآن يعرف المواسم ويعرف الأسواق والأسعار ويستقيد فائدة عظيمة، ما زال يسمع الكثير من الألفاظ المخذّلة ، كان يقول له أحدهم ، اسكت أنت يا راعي ، لكنه الأن أكثر صمودا ويعرف أنه يعمل عملا مفيدا لنفسه ولوطنه ، وهو في أتم العافية والصحة والاتزان النفسي .
سأتفرغ لرواية أحمد الملك ، وهي الآن محفوظة عندي في حرز أمين وأحيي الأخ أحمد في هذه السانحة . شكرا للنصح وهذا عشمي فيك د. الصاوي ، بس موضوع الشريعة في كندا دا يؤكد لي أن هناك أناسا بلا عقول ، وبلا عمل أيضا ، أنا إيدي بتاكلني للمواضيع اللي زي كده ، خاصة وهي ينبطق عليها مثلنا : عريانة أمهو ويكسي خالتو السودان مليان مشاكل بل غارق في المشاكل إلى شعر رأسه ونحن نتحدث عن الشريعة في كندا ، يعني قوانين سبتمبر هناك ، والله علي أخوي يرجع السودان جري . الملاريا ، الحرب ، الجوع ، الظلم ، القهر ، السعي نحو السلام ، إييييك بلاوي كثيرة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ودقاسم
Abureesh
ابو جهينة
إسماعيل وراق
Alrayah Senhuri
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست