رحلة البحث عن (عَََوَض) في مسيرة المؤتمر الشعبي/د. فتح الرحمن القاضي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 00:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بكرى ابوبكر(بكرى ابوبكر)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2007, 03:40 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحلة البحث عن (عَََوَض) في مسيرة المؤتمر الشعبي/د. فتح الرحمن القاضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    رحلة البحث عن (عَََوَض) في مسيرة المؤتمر الشعبي

    بعد انقضاء ما يربو علي العامين علي إطلاق سراح المؤتمر الشعبي وقياداته والنشطاء من منسوبيه، في أعقاب تبرئتهم من الضلوع فيما يسمي بالمؤامرتين التخريبيتين الأولي والثانية، أفلح الحزب في تنظيم مؤتمره العام الأول بولاية الخرطوم حيث احتشد ما لا يقل عن 3 آلاف من عضوية الحزب في مناخ حماسي يسوده تنظيم فائق الدقة الأمر الذي جعل من المناسبة مثار إعجاب الحاضرين ودهشتهم. وقد كان في مقدمة الحضور مولانا محمد احمد سالم مسجل التنظيمات السياسية الذي لم يخف اعجابه بدرجة الترتيب والدقة التي اتسم بها الاعداد للمؤتمر مثنياً على تنظيم الشعبي لمؤتمر الولاية بما ينم عن ثقة بالنفس، حسبما قال، وتأكيداً لقدرات تنظيمية قل ما توجد وسط الاحزاب السياسية، وشهادة كهذه تبقي جديرة بالاعتبار كونها تصدر عن رجل يقوم علي مؤسسة تعني بتسجيل الاحزاب والتنظيمات السياسية في البلاد. وإلي جانب مسجل التنظيمات السياسية فقد شهدت الجلسة الافتتاحية حضورا رفيع المستوي لقادة الاحزاب لم يغب عنه سوي ممثل الحزب الشيوعي بينما شارك مدير جهاز الامن بولاية الخرطوم اللواء عمر عبد المطلب في فعاليات الاجتماع .
    دقة التنظيم تستوجب الانتباه الي حديث الأستاذ محمد عبدالرحيم رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي ذكر أن مراحل الاعداد للمؤتمر العام للولاية اشتملت علي قيام 36 مؤتمراً قاعدياً بمحليات الولاية، أي بنسبة تنفيذ بلغت حوالي 88%، واعتبر أن ذلك النجاح يدحض ما يقال عن انفضاض الحزب بعد المفاصلة الشهيرة مع المؤتمر الوطني.
    ولا شك أن إطلالة الشاعر محمد عبد الحليم ، الذي صاغ قصيدة مشهورة ألهمت حماس الشعب وزكت حسه الوطني علي أيام الانقاذ الاولي ( شعارنا العالي بيرفع والعالم كلو بيسمع فلنأكل مما نزرع ولنلبس مما نصنع) قد أضفت شيئ من الألق والامل في وقت ترتهن فيه الامة حاضراً ومستقبلاً للاجنبي لكي يقرر في مصائرها كيف يشاء!!.
    الرسالة التي نقلها السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة في خطابه للمؤتمرين شكلت قيمة مضافة حيث اكد علي ضرورة الوقوف مع الذات وتجاوز الخلافات الحزبية الناجمة عن الاجتهادات السياسية والدينية، مشيراً الي أن اتفاقيات السلام قادت لتمزيق البلاد وجعلتها «تحتضر». وأشار إلي تمزق اطراف البلاد بفعل الاثنيات والجهويات فضلاً عن التغولات الخارجية الامر الذي انعكس سلبا على الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وان لم تعالج تلك الازمات فان الاحتضار سيمضي الى نهايته. واعتبر قبضة الحزب الحاكم على الاجهزة الامنية والاعلامية اكبر عائق يحول دون الوصول لانتخابات حرة ونزيهة، وقال ان الجميع مستعدون لنبذ الخلاف والتوافق علي اسس وثوابت يمكن الانطلاق منها لعقد مائدة مستديرة جامعة تناقش قضايا الانتخابات والسلام، مشيرا الى استعداده لقيادة المبادرة بالتعاون مع الدكتور الترابي.
    وتحدث الشيخ حسن ابوسبيب ممثلا لنائب رئيس الحزب الاتحادي اضافة الى مناديب الحركة الشعبية والناصري والعدالة القومي والعدالة الاصل والامة " الاصلاح والتجديد " حيث اتفقوا جميعا على ضرورة التخلي عن نهج التسلط القائم الذي تمارسه الحكومة الحالية، بينما قوبل مكي علي بلايل بترحيب واسع من الحضور فقال أنه لا يجد نفسه غريب الوجه ولا اللسان مؤكداً علي ان الشعبي يتحمل مسئولية كبرى في المرجعية التاريخية التي قامت عليها الحركة، وشدد على ضرورة إخضاع التجربه للتقييم وأردف " الشعبي خير من يفعل ذلك ".
    ولا شك ان اتاحة الفرصة لقادة الاحزاب والتنظيمات السياسية لمخاطبة المؤتمر كانت تنطوي علي ايماءة ايجابية ذكية فوق كونها تنم عن حس قومي رفيع ، وما يمكن ان يستشف هنا أن الشعبي لم يشأ أن يمنح دوراً رقابياً شرفياً فقط للزعامات الحزبية التي استجابت لدعوته وانما حرص علي أن يكون منبره مفتوحاً ومتاحاً لهؤلاء الزعماء للتعاطي مع المشكل القومي كيفما اتفقت رؤاهم أو اختلفت مع اطروحات الشعبي. وهكذا فقد كان الطريق سالكا امام السادة الصادق المهدي عن حزب الامة، وحسن ابوسبيب عن الحزب الاتحادي، وجوزيف لاقو وامين بناني، ومكي على بلايل عن العدالة، ومعتمد ولاية الخرطوم ابوكساوي عن المؤتمر الوطني، لنقل رسائل سياسية وفكرية بالغة الأهمية عبر المؤتمر ومن خلاله للأمة السودانية بمختلف مشاربها وتوجهاتها، وهذا من شأنه أن يعطي رسالة مفادها أن الخطاب الاعلامي لعدد مقدر من الاحزاب الكبري بالبلاد يمكن ان يتمحور حول قضايا البلاد وتحدياتها الرئيسة، ويمكن للخطاب ان يتناغم حول قواسم مشتركة مما لا يترك مجالا لتشاكس او تناقض. ومجمل القول ان الفرضية التي تقول ان الاحزاب ما وجدت الا لكي تصطرع وتتقاتل ربما تكون قد ولت الي غير رجعة لتحل محلها فرضيات جديدة تنبئ عن بروز آمال جديدة للتلاقي والتآزر الحزبي والتحالف من أجل الوطن والمواطن المقهور، واذا كان ذلك كذلك فان هذا بعد جديد وجدير بالاحتفاء في مؤتمر الشعبي الولائي.
    ومما يجدر بالتسجيل هنا أن القائمين علي امر المؤتمر كانوا حريصين علي توجيه الدعوة لنحو خمسمائة شخصية قومية من مختلف ضروب الحياة ومناحيها من اهل الاقتصاد والاجتماع والرياضة والفن والثقافة والادب والفئات والنقابات والتنظيمات النسوية والشباب والطلاب والمنظمات الطوعية ومؤسسات المجتمع المدني ، ومهما كان من امر استجابة الجهات المذكورة الا ان مجرد توجيه الدعوة لهذه الفئات يعد مؤشراً علي وعي متعاظم بأهمية استصحاب شرائح المجتمع السوداني ومكوناته الاساسية في مسيرة الشعبي الفكرية والتنظيمية.
    تلك كانت بعض اكثر الصور إشراقاً وتجلياً في مؤتمر الشعبي الولائي، ولكن هل كانت الصورة في مجملها فائقة الجمال والكمال مما يستوجب ازجاء التهاني للقائمين علي المؤتمر ومنحهم درجة الامتياز ام ان الامر غير ذلك؟!!. واقع الحال وما رشح عن المؤتمر يقول ان الحدث اكتنفته بعض الهفوات والهنات مما جعل المؤتمر عرضة للنقد من قبل العديد من حملة الاقلام وكتاب الرأي اللذين لم يخل طرحهم من وجاهة، في بعض الوجوه، الا ان مجمل الكتابات اتسمت بالتحامل في حق الشعبي ومؤتمره الولائي.
    وقبل المضي في إجراء تحليل نقدي لبعض ما ورد في كتابات المنتقدين فلا بد من الاشارة الي حقيقة ماثلة وهي ان الجهد التنظيمي الذي استهدف الاعداد للمؤتمر في جوانبه التنظيمية لم يواكبه جهد مماثل في الاعداد للمادة المطروحة امام المؤتمر.
    وأول ما يرد الي الذهن في هذا الخصوص ان خطاب حمدون، الذي من المفترض ان يشكل ذروة سنام الرسالة الفكرية والسياسية والاقتصادية للشعبي بولاية الخرطوم، يكاد يخلو من القضايا التي تشكل هاجسا حقيقيا للخرطوم وانسانها وقاطنيها. فالخرطوم عاصمة السودان، هذا البلد الشاسع، تعتبر احد أغلي بقاع الدنيا من حيث قيمة الاراضي واسعار الايجارات للدرجة التي تناهز اراضيها اسعار الاراضي في كبريات العواصم العالمية وفي قول ربما تتفوق عليها من حيث الغلاء!!. واسعار المأكولات والخضروات في الخرطوم هي بالقطع اغلي من اسعار الماكولات في سائر العالم العربي من الدار البيضاء في اقصي الغرب الي الدوحة في اقصي الشرق!!. والخرطوم تشهد اكتظاظا للبشر بلا حدود مما يجعل منها أحد اكبر عواصم العالم ومدنه اكتظاظا بالسكان، وربما يشكل سكان الخرطوم وحدهم ربع سكان السودان وهذا علي كل حال ما سوف تؤكده او تنفيه الاحصاءات السكانية المرتقبة للعام 2008م. والخرطوم، بغير انتقاص للجهود المبذولة للارتقاء ببيئتها، ما زالت تعج بالاوساخ والذباب والبعوض والاوبئة في العديد من ارجائها مما يجعل من قضية اصحاح البيئة الهاجس الاول في اي تدبير جاد يستهدف الاصلاح ويكفي ان نشير الي ان الخرطوم رغم ما تشهده من حركة دائبة في تعبيد الطرق وتشييد الكباري الا ان الخرطوم تكاد تفتقر الي نظام متكامل للصرف الصحي (SANITARY DISPOSAL OF SEWAGE)، مما يضطر معه كل مواطن قادر علي تشييد نظامه الخاص للصرف الصحي (السايفون) بتكلفة باهظة تصل الي عشرات الملايين من الجنيهات!!؟. والخرطوم اليوم باثر من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتفشي ظواهر النزوح والتشرد تكاد تؤول الي جيوش من العاطلين والمتسولين في اسواقها ومواقفها ومستشفياتها وتقاطع طرقها الرئيسية. والخرطوم التي تتطلع الي عهد جديد تنشد فيه الهدوء والاستقرار في مرحلة السلام تشهد اضطرابا امنيا خطيرا لم تسلم منه حتي جامعاتها واحياءها الحضرية ناهيك عن ما يحدث من فوضى امنية ضاربة الاطناب في احيائها الطرفية التي باتت تشكل ثكنات معلنة او خفية للفصائل المسلحة في اعقاب التوقيع علي اتفاق السلام. والخرطوم أضحت تشهد ارتفاعا متزايدا كل عام، مقارنة بما مضي، في معدل الجريمة التي تنوعت وتشكلت مما يؤذن بانهيار كامل في المعايير والقيم مع قتل وترويع الآمنين في بيوتهم، وتفشي الجرائم الاخلاقية، وتشرد الأطفال، وتعدد مظاهر الإدمان في أوساط الشباب، والشذوذ، والاغتصاب الذي لم يسلم منه حتي اليافعين من الجنسين والاطفال.
    هذه هي الخرطوم علي حقيقتها اليوم وهي ليست تلك الخرطوم (ذات الزهور النادية) التي كان الشعراء والفنانون يتبارون في التغني بمحاسنها في سالف الازمان. وطالما كان هذا هو واقع الخرطوم، التي ما كان لاحد ان يبقي فيها لولا الظروف القاهرة التي اضطرت غالب اهل السودان لترك ديارهم والهجرة اليها في اعقاب الفشل التنموي الصارخ وما صاحبه من كساد فظيع ضرب كبريات المدن، فإن المتوقع لأي مؤتمر حكومي او حزبي ينعقد ، خاصة اذا انعقد تحت راية ولائية، أن تعني أوراقه عناية تامة بقضايا العاصمة الخرطوم ومشاكلها وتطلعاتها وتحديات التنمية فيها، أي ما يشكل في مجمله ما يسمي بمحور التنمية والخدمات، وهذا ما لم يحفل به مؤتمر الشعبي الولائي، علي النحو المرتجي، في تقديري، وهذا ما فات علي جمهرة الكتاب وأصحاب القلم والرأي تناوله في تقويمهم الاعلامي لمؤتمر الشعبي!!.
    بيد أن شبهة القصور الذي واكب الاعداد لمؤتمر الشعبي لا سيما ما يتعلق بمحور التنمية والخدمات لا ينبغي أن ينسينا الاشارة للمجهود الكبير الذي بذله شباب الحزب من أمثال الدكتورة إشراقة علي الحاج والأستاذ طلحة بن عبيد الله لتنظيم سمنار حول دور الأحزاب في التوعية بمرض الأيدز بين يدى مؤتمر الولاية، والأحزاب جزء لا يتجزأ من مؤسسات المجتمع المدني مما يلقي عليها عبئاً كبيراً في توعية المجتمع ونمائه. وقد أفلحت الورشة التي تنادي لها العديد من المهتمين والخبراء في الخروج بتوصيات يمكن أن تعين علي مكافحة هذا الوباء اللعين الآخذ في الانتشار بمعدلات مخيفة في أوساط الشباب بولاية الخرطوم، وإذا ما صحت الاحصاءات الصادرة عن أكثر من مؤسسة أو جهة معنية بعلم الاوبئة فإن النذر تتكاثف من حيث كون السودان القطر الأكبر إبتلاء بالاصابة بمرض الايدز في المنطقة العربية، وربما يصبح قريباً جزءاً من أحزمة الايدز في المنطقة الافريقية عالية الوباء!!؟.
    وثاني ما يستحق التعليق، في شأن مؤتمر الشعبي، ما جاء في خطاب أمينه بولاية الخرطوم الاستاذ آدم الطاهر حمدون الذي ناشد فيه رئيس الجمهورية بالتنحي عن الترشيح في الإنتخابات المقبلة مطالباً الرئيس بترشيح سوداني تكون أصوله من جنوب السودان ليكون الرئيس المقبل للبلاد حريصاً على سلامة العقد الاجتماعي ووحدة البلاد، داعياً الى نقل العاصمة السياسية الى ابيي ليلتقي الشمال والجنوب ولتكون الخرطوم هي العاصمة الاقتصادية. هل كان حمدون، ياتري، يصدر عن رأي جمعي يمثل جماهير الشعبي بالولاية أم كان يصدر عن رأي شخصي؟!، ومهما كانت الاجابة فليس ثمة شك في ان اثارة هذه القضايا علي هذا النحو قد اسهمت في الاضرار بخطاب الشعبي ومؤتمره الولائي ذلك أن أجهزة الاعلام والصحافة لم تجد في خطاب حمدون ، الذي حفل بالعديد من المضامين والرسائل الجيدة، سوي مسألة الرئاسة والعاصمة البديلة التي يبدو انها طغت علي ما سواها، في وعي الكتاب، ليتم إغفال أو تجاهل القيمة المضافة التي اشتمل عليها مؤتمر الشعبي، الذي يعد في الواقع اول مجهود حقيقي تم بذله من قبل الاحزاب الراهنة، في الحكم او المعارضة، في سياق ترتيب أوضاع الحزب استعداداً لخوض المعركة الانتخابية القادمة.
    ثم ان قضية هامة كالرئاسة، التي ما كان لها ان ترد في الاصل بكثافة في مؤتمر ولائي مثل مؤتمر ولاية الخرطوم، فالمحل الملائم لطرحها ينبغي ان يكون المؤتمر العام للحزب بما يشتمل عليه من قضايا قوميه ، لن يكون القول الفصل فيها ان تؤول الي مواطن جنوبي ، علاوة علي ان القفز الي تقديم بدائل للعاصمة الخرطوم بدون الشروع في اجراء دراسات علمية مكثفة حول فرص البديل المقترح (أبيي) في أن يصير عاصمة محتملة للبلاد من شأنه ان يؤدي الي نشوء انطباع سلبي عن الشعبي مفاده أن الحزب يؤسس اطروحاته ومقترحاته وبدائله علي غير هدي أو وعي أو كتاب منير!!؟.
    وصحيح أن لا أحد يملك الحق في أن يحجر علي أي حزب أو محفل التعاطي حول أمهات المشكلات السياسية الكبري، ومن ضمنها القضايا المتصلة بشئون الرئاسة وشاغليها ، بيد أن الرأي الذي برز حول هذه القضية، سواء كان يصدر عن الأمين الولائي حمدون أو جماهير الشعبي بعاصمة البلاد، لن يجد كبير تعاطف وذلك ببساطة لأنه يختط طريقاً سياسياً يجعل من أمر الرئاسة منصباً حصرياً علي إخوتنا في جنوب البلاد. ونحن بالطبع لا نستنكف اسناد المنصب لجنوبي طالما توفرت فيه عناصر الكفاءة والخبرة، والجنوبيون لهم كامل الحق باعتبارهم مواطنين سودانيين في الترشح والتنافس لشغل المنصب، ولكن بقية المواطنين من غرب السودان وشرقه وشماله ووسطه ينبغي أن يتمتعوا بذات القدر من الاهتمام، وأن يجدوا ذات القدر من التشجيع والدعم والمساندة للترشح لمنصب الرئاسة تجسيداً لمبدأ تكافؤ الفرص في عملية التنافس الحر لشغل المواقع القيادية. وبهذا تتحقق القومية التي تتأسس علي مبادئ العدالة والمساواة لبني السودان كافة، وبهذا تصبح فرص الوحدة القائمة علي التراضي الوطني أكثر احتمالاً ورجوحاً، وينبغي أن يكون هذا نهج عام تختطه الاحزاب الحاكمة والمعارضة ،ليس علي مستوي الرئاسة فحسب، وانما علي مستويات أجهزة الدولة المختلفة سيادية كانت ام تنفيذية ام تشريعية.
    ولعل القائمين علي أمر التحضير لمؤتمر الشعبي الولائي لو أمعنوا النظر لأحكموا هذه الفقرة من الخطاب، فحمدون ليس وحده هو المسئول عن إعداد الخطاب، ولو صوبوا الاهتمام لأفلحوا في تجنيب الرأي العام مغبة الوقوع في هذا التشويش الذي أضر برسالة المؤتمر السياسية والإعلامية وجعل معظم كتاب الرأي والاعلاميين بصفة عامة يلهثون خلف هذه الجزئية التي استغرغتهم لا بل صرفتهم عن تناول العديد من المضامين والعظات والدروس الهامة التي تكشفت عن مؤتمر الشعبي الولائي.
    والشيئ المؤكد هنا أن الدكتور الترابي الامين العام للشعبي لم يتسن له الاطلاع علي خطاب الامانة العامة لولاية الخرطوم، واذاً لاستدرك بعض ما جاء فيه قبل ان يعرض علي مؤتمر الولاية، وهي محمدة تدل علي ان الترابي ، خلافاً لما يشاع عن الرجل، ليس معنياً بالتدخل في تفاصيل أنشطة الشعبي، مركزية كانت ام ولائية، وانما هو معني بالسياسات الكلية والاستراتيجيات. وهكذا وجد الترابي نفسه، وقد قيل ما قيل في شأن الرئاسة والعاصمة القومية، وجد نفسه مضطراً لتصحيح الموقف من خلال التأكيد علي أن الرأي في هاتين المسألتين ، أي الرئاسة والعاصمة البديلة، لا يعبر عن رأي الحزب. ورغم ان البعض حاول استثمار استدراك الترابي علي حمدون باعتباره وجهاً من وجوه التعارض والتباين وعدم التنسيق في اطار الحزب الا انني اعتقد انه لم يكن هنالك من سبيل امام الترابي سوي تصويب هذه المسائل علي رؤوس الاشهاد، فتقويم اطروحة الحزب في شان بعض المسائل الخطيرة كالرئاسة والعاصمة وما شاكلها من قضايا مع ما يمكن ان تثيره من عواصف اعلامية وانتقادات لاذعة في وجه الحزب، خير من السكوت عليها والسماح للاجتهادات الخاطئة او الاراء الفردية بالمرور بلا تصويب.
    قضية ثالثة تستدعي الوقوف عندها ، في مؤتمر الشعبي، الا وهي دعوة الترابي الى نبذ أسلوب الانقلابات العسكرية، حيث قال ان كل حزب يقوم بها هو أول من يتأذى بها ، مضيفاً «لقد تأدبنا وتأذينا من الانقلابات العسكرية». وتبقي مناداة الترابي للاحزاب بالتوحد في جبهة واحدة استعداداً للانتخابات علي أن يكون ذلك التوحد قائماً على قواعد ومبادئ، من الموجهات الهامة للمؤتمر، ذلك أنه لو قدر لهذه المبادرة أن تلقي حظها من القبول والتحقق لأفرزت واقعاً سياسياً جديداً في السودان.
    غير أن ما شد انتباه الاعلام هو مناشدة الترابي لقيادة الدولة بأن تترك فرصة الترشيح للرئاسة لأشخاص جدد، في إشارة لإعلان رئيس الجمهورية عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة؟، ولم يقف عند تلك الدعوة بل قرنها بتقرير موقفه الشخصي من الاستمرار في منصب الامين العام للحزب حيث اعلن عزمه التخلي عن المنصب، واشار إلى ان الرغبة تتجه دوما لاختيار الاسماء المعروفة ، لكن التغيير سنة الحياة، مؤكداً أنه لن يعود إذا ألح الناس عليه في البقاء؟!!.
    قضية تجديد القيادة التي طرحها الترابي بصورة جازمة، له ولسواه، رغم وضوح منطقها، لم تلق ما تستحقه من ترحيب مرتجي من قبل العديد من الدوائر فقد عدها بعض منسوبي الوطني دعوة لإحراج الرئيس خاصة وأن الرئيس لم يغلق الباب تماماً أمام هذه المسألة مؤكداً أن إحتمال ترشحه رهين بإصرار منسوبي الوطني علي اختياره مرشحاً للحزب في سباق الرئاسة القادم. كما أن بعض منسوبي الشعبي لم يستحسنوا فكرة تنحي الترابي عن منصب الأمين العام باعتبار ان دور الترابي يبقي ضرورياً ومطلوباً في خضم التحديات الجسام التي تمر بها الامة السودانية في هذه الفترة الحرجة من تاريخها المعاصر. أما أغرب ما سمعنا من قبل الداعين لاستمرار الترابي فقد ورد من تلقاء الاستاذ عادل الباز رئيس تحرير الصحافة إذ انكر تنحي الترابي، طامعاً في مدد من علم الشيخ وخبرته، ليعود قائلاً أن الذين تحملوا قيادة البلاد لمدة خمسين عاماً، حاكمين ومعارضين، وأوصلوا البلاد لما وصلت اليه، يستوجب عليهم سياسياً وأخلاقياً الا يتخلوا عن أماناتهم ، أي بمعني بما أن الترابي، إذا أحسنا الفهم، هو أحد الذين يتحملوا مسئولة التمزق والتأزم التي تشهده البلاد فكيف يترك قيادة حزبه ويتنحي قبل أن يساهم في إصلاح ما فسد!!؟.
    وبالطبع لن يكون في وسع امرءٍ عاقلٍ ان يقول ان دعوة الترابي قصد منها الكيد للرئيس واحراجه ذلك انه دعا الرئيس للتنازل لافساح المجال لآخرين وأعلن في نفس الوقت نيته التنازل، مطالباً المؤتمرات ان تنتخب قيادة جديدة ليكون هناك تدافع بين الناس وإظهار لوجوه جديدة ، مؤكداً« انا غير مستعد لأن آتي مرة اخرى». وفي الواقع أن دعوات الترابي التجديدية علي مستوي الأفكار والأشخاص ليست بالشيئ الجديد المستغرب فقد دأب علي إطلاقها في المحافل الفكرية والسياسية، أما هذه المرة فقد أراد لنفسه أن يصبح كائناً تجري عليه هو أيضاً سنة التغيير والتبديل ضارباً المثل وواضعاً القدوة أمام الآخرين من الزعامات الحزبية والسياسية، وفي مقدمتهم السيد رئيس الجمهورية ، في فضيلة التخلي عن المنصب وإفساح المجال للآخرين لكي يتبوأوا مراكز قيادية متقدمة في ميدان العمل العام.
    وما يمكن أن يقال في شأن إعتزام الترابي التخلي عن منصب الامين العام للمؤتمر الشعبي أن ذلك لا يعني بالضرورة اعتزال الرجل للحياة الفكرية والسياسية، أو عزوفه عن الدنيا، أو اعتكافه في خلوة أو (قبة) مثلما فعل سلفه الشيخ حمد النحلان، وإنما سيبقي الترابي بفكرة واجتهاداته وكسبه الطويل معلماً بارزاً وعاملاً مؤثراً ومرشداً أميناً يستقي من نبعه المتجدد كافة المشتغلين بحركة الفكر والسياسة والعمل العام علي امتداد السودان والعالم الاسلامي ودول المعمورة جمعاء!!؟. وما قيل في شأن الترابي ينسحب أيضاً علي الرئيس البشير فترجل الرجل عن مقعد الرئاسة لا يعني ذهابه الي المعاش او انصرافه عن الهم العام ، وكم من رئيس حقق منجزات باهرة حتي بعد انتهاء فترة ولايته ، ويكفي أن نشير هنا الي حصول الرئيس الامريكي كارتر علي جائزة نوبل للسلام العام 2003م ، وأن ننوه بالدور المتميز الذي يضطلع به الرئيس مانديلا علي المستوي الافريقي والدولي، فضلاً عن النشاط المتعدد الجوانب الذي يقوم به المشير سوار الذهب علي أكثر من صعيد رغم ظروفه الصحية المعلومة.
    أما ما جاء به الأستاذ الباز فهو لأمر عجاب، حيث حكم علي الترابي بتحمل مسئولية التمزق الناشئ في البلاد ..ضربة لازب هكذا!!، وعلي افتراض صحة أن الترابي هو أحد الساسة الذين يتحملون مسئولية تمزق السودان من خلال مشاركته في قيادة البلاد لمدة خمسين عاماً في الحكم والمعارضة، وهو افتراض لن يصمد إذا ما تم إخضاعه للفحص والإختبار المنصف، فإن الرأي الصائب لا يكمن في القبول الفوري بمبادرة الترابي للتنحي طوعاً فحسب، وإنما مطالبة الترابي بالاستقالة لإفساح المجال لرموز وقيادات أخري علها تصلح ما ترتب علي قيادته من فساد!!. إن دعوة الاستاذ الباز، مع جزيل تقديرنا واحترامنا للرجل، لا تجد لها سنداً يعززها إلا في الحكايات والأشعار الهزلية علي شاكلة (اللي شبكنا يخلصنا)!!؟.
    ومهما يكن فإن الحكم النهائي علي الحقبة الراهنة من تاريخ البلاد، وهي حقبة آخذة في التشكل والتطور، وتقييم طبيعة الأدوار التي لعبها، وما زال يلعبها كلا من البشير والترابي وما سواهم من الرموز والقيادات السياسية، من حيث النجاح أو الفشل ، لا يمكن الإفضاء إلي مكنوناتها بهذا القدر من البساطة والإختزال!!. وما ذكر لا يعني بالطبع أن الترابي منزه عن الخطأ، أو أنه مبرأ من بعض ما جري في حقبة الانقاذ، ولكن الأمانة تقتضي الاشارة الي أن الترابي هو الاكثر أخذاً، من نظائره في الحكم والمعارضة، بالحديث (حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا) فما من محفل أو مناسبة الا واغتنمها الترابي للاعتراف بالاخطاء المرتكبة معتذراً لله وللشعب متحملاً نصيبه من المسئولية بشجاعة قلما تتوفر لدى الآخرين، ويبقي كسب الترابي واجتهاداته، شأنها شأن أي جهد بشري، عرضة للنقد والتمحيص والتصويب.
    ولعل الكُتاب الكبار الذين تسني لهم تناول مؤتمر الشعبي من أمثال الأساتذة عثمان ميرغني والزومة من السوداني، وعادل الباز والطاهر ساتي من الصحافة، وشاموق من االرأي العام وما سواهم..لعلهم يجدون فيما ذكر حافزاً لإعادة زيارة موضوع حراك الشعبي في مجمله، والتعاطي معه، واستكشاف مغزاه، وتناول أبعاده المختلفة علي نحو أكثر شمولاً بالقدر الذي يثري حركة التطور السياسي والتنظيمي لدي المؤتمر الشعبي وغيره من الأحزاب ، وبهذا يمكن لقادة الرأي أن يقدموا مساهمة حقيقية في بلورة الوعي السياسي والفكري لجماهير الأحزاب السودانية الحاكمة والمعارضة علي حدٍ سواء.
    ومجمل القول أن مجرد فلاح الشعبي في تنظيم مؤتمر ولائي علي هذا النحو من الدقة والتنظيم حتي ولو لم يقال فيه شيئ ذو بال، مع ما يعانيه الحزب من مصاعب في التمويل، وما يشكوه من استهداف واضح طال عضويته الناشطة، اعتقالاً وسجناً ومحاكمةً وتشريداً، من شأنه أن يعطي رسالة بليغة للآخرين، وعلي رأسهم المؤتمر الوطني، مفادها انه لا يمكن محو أو تغييب حزب أو فكرة أو منشط بالاجراءات القسرية فالشعبي ما زال حياً يرزق، وانه من المنتظر للشعبي أن يشكل عاملاً أساسياً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة حزبية أو قومية تبتغي مصلحة البلاد في المستقبل المنظور.
    وطالما كانت الحكمة ضالة المؤمن، فإن الحقائق المذكورة تحتم علي المتنفذين في المؤتمر الوطني أن يعيدوا قراءة الخارطة السياسية التي باتت تتشكل علي غير ما يشتهون، كما تحتم عليهم أن يجتهدوا في النظر بإخلاص وجدية الي المجهودات المضنية التي ما برح يبذلها نفر مخلص من أبناء البلد لتأمين وحدة الحركة الاسلامية وضمان إلتئام الصف الوطني بوجه عام، فعسي أن يكون في ذلك مخرجاً للأمة السودانية من المحنة المتطاولة التي أرهقت البلاد والعباد.
    وهكذا صار مؤتمر الشعبي الولائي، الذي اختار الاستاذ محمد الامين خليفة عضو مجلس قيادة الثورة والرئيس الاسبق للمجلس الوطني في فاتحة أعماله لادارة المؤتمر، والاستاذ الصافي نور الدين، رجل المهام الصعبة وليس المستحيلة، في خاتمته أميناً عاماً لولاية الخرطوم..صار موضوعاً للبحث والنقد والتحليل.
    والسؤال الجوهري الذي يحضرنا ونحن نختتم هذه المقالة: هل يجد البحاثه والمشتغلون بالهم السياسي العام وجمهرة الصحفيون والاعلاميون ، فيما أفرزه حراك المؤتمر الشعبي المعارض، بدائل جديدة ومجدية يمكن أن تشكل مخرجاً للبلاد عوضاً عن مجمل الأنماط والممارسات المحبطة السائدة حالياً ؟ ، والمعارضة في الاصل هي علم البحث عن بدائل وخيارات جديدة، أم أن حال الأمة بأجمعها في رحلة البحث عن (عوض) بديل سوف لن يكون بأفضل من الحال الذي وصفته الارجوزة الشهيرة عند أهل الشمال: ما (شفت) عوض يا ساري الليل؟!!.
    وعوض ذاك، الذي تجسدت فيه كل إمارات الطيبة والاستقامة والزهد والصلاح، شاءت الارادة الالهية أن يُفقَد في إحدي قري الشمال حيث تزامن فقده مع فيضان العام 88م ، فلم يترك الناس شاطئاً ولا وادياً ولا خلاء ولا صحراء ولا جبلاً إلا بحثوا ونقبوا فيه ولكنهم للأسف الشديد لم يجدوا أثراً لعوض!!؟. ولما باءت مجهوداتهم في العثور علي (العوض) بالفشل التمسوا العزاء في الشعر وأراجيزه يبثون فيها أحزانهم وآمالهم في هزيع الليل..ودعونا ننسج علي ذات منوالهم وموالهم: ما شفت عوض يا ساري الليل .. كان صعدت جبل يا ساري الليل ..كان نزلت وهاد يا ساري الليل.. لو خضت بحر يا ساري الليل..لو شفت (تخا) يا ساري الليل، والتخا عن أهل الشمال هو السحاب.. ما بلعوا الحوت يا ساري الليل...ما أكلوا الضبع يا ساري الليل..يا عباد الله ويا الصلاح وينو عوض يا ساري الليل.. وعليه العوض ومنه العوض يا ساري الليل!!..أو هكذا يمكن أن تقول تلك الأرجوزة الحزينة، مع تمنياتنا للجميع، حكاماً ومعارضين، بالتوفيق!!؟.

    د. فتح الرحمن القاضي
    16 فبراير 2007م
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de